أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-09-2015
1978
التاريخ: 26-11-2014
4661
التاريخ: 26-11-2014
1582
التاريخ: 24-04-2015
1768
|
الشكوى من النزعات التي يسقطها المفسّر على التفسير و هيمنة الاتجاهات الآحادية على محتواه، هي أمر قديم تعود بواكيره إلى العهود الاولى لانبثاق التفسير الموسوعي. فالطوسي (ت : 460 هـ) مثلا نبّه للمسألة، و كان ممّا قاله في وصفها : «فإنّ الزجّاج و الفرّاء و من أشبههما من النحويّين أفرغوا وسعهم فيما يتعلّق بالإعراب و التصريف. و مفضل بن سلمة و غيره استكثروا من علم اللغة و اشتقاق الألفاظ. و المتكلمين كأبي علي الجبائي و غيره صرفوا همّتهم إلى ما يتعلّق بالمعاني الكلامية. و منهم من أضاف إلى ذلك الكلام في فنون علمه، فأدخل فيه ما يليق به من بسط فروع الفقه و اختلاف الفقهاء كالبلخي و غيره» (1).
يلتقي أبو حيّان محمّد بن يوسف الأندلسي (ت : 745 هـ) مع الطوسي في نقد هذا الاتجاه الذي يسقط على التفسير تفاصيل العلوم ممّا لا دخل له فيه، و هو يكتب : «كثيرا ما يشحن المفسّرون تفاسيرهم عند ذكر الإعراب بعلل النحو، و دلائل مسائل اصول الفقه، و دلائل مسائل الفقه، و دلائل اصول الدين ... و كذلك أيضا ذكروا ما لا يصح من أسباب نزول، و أحاديث في الفضائل و حكايات لا تناسب، و تواريخ إسرائيلية، و لا ينبغي ذكر هذا في علم التفسير» (2).
ممّن أنكر جرّ تفسير القرآن إلى النزعات الآحادية صدر الدين الشيرازي (ت : 1050 هـ)، حيث حذّر من الانجرار إلى «المجادلات الكلامية» و إلى «ترهات المتصوفة ... و أقاويل المتفلسفة» (3)، و دعا بدلا من ذلك إلى التدبّر في معاني الكتاب و تحرّي «مقاصده الأصلية من المعارف الإلهية، و أسرار المبدأ و المعاد، و علم النفس، و معرفة الروح و ورودها إلى هذا العالم و ردّها إلى أسفل سافلين، ثمّ عودها و رجوعها إلى باريها و مبقيها، إمّا راضية مرضية إن آمنت و عملت الصالحات، أو ناكسة منكوسة محجوبة مظلمة إذا جحدت و عملت السيّئات، و كيفية نشوء الآخرة من الدنيا، و أحوال القبر و البعث و الحشر و النشر، إلى غير ذلك من المعارف التي هي الغرض الأصلي من إنزال الكتب» (4).
ثمّ عاد يشدّد النكير على النزعات اللغوية في التفسير، متهما من ينصبها مقصدا لعلم التفسير و يجعلها غاية للكتاب بأنّه : {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] ، حيث كتب : «فمن لم يطّلع من القرآن إلّا على تفسير الألفاظ، و تبيين اللغات، و دقائق العربية و الفنون الأدبية و علم الفصاحة و البيان و علم بدائع اللسان، و هو عند نفسه أنّه من علم التفسير في شيء، و أنّ القرآن إنّما أنزل لتحصيل هذه المعارف الجزئية، فهو أحرى بهذا التمثيل» (5).
لا يريد الشيرازي و لا غيره من الناقدين إسقاط دور اللغة و بقية ما يحتاج إليه التفسير و المفسّر من علوم، إنّما يقصد وضع هذه العلوم في إطار وظيفتها من أنّها ب «درجة الخوادم و الآلات لما هو بالحقيقة الثمرة و التمام، و ما به كمال نوع الإنسان» (6)، و إرجاعها إلى حجمها الحقيقي و الطبيعي من أنّها : «علوم جزئية يتوقّف عليها فهم حقائق القرآن» (7)، لا أنّها هي المقصد حتّى أنّ بعضهم : «صرفوا أعمارهم في تحصيل الألفاظ و المباني و غرقت عقولهم في إدراك البيان و المعاني» (8)، في حين كان يكفيهم : «طرف يسير من كلّ فنّ منها، و جرعة قليلة من كلّ دنّ من دنّها، أخذا للزاد و تعجيلا لسفر المعاد» (9).
ممّن وجّه نقده للاتجاهات الآحادية في التفسير السيد الخوئي (ت : 1413 هـ) خاصة مع ما توحيه هذه المحاولات من غلق محتوى القرآن على ما تختاره. و بتعبيره : إنّ بعض هؤلاء راح يفسّر القرآن : «من ناحية الأدب أو الإعراب، و يفسره الآخر من ناحية الفلسفة، و ثالث من ناحية العلوم الحديثة، كأنّ القرآن لم ينزل إلّا لهذه الناحية التي يختارها ذلك المفسّر، و تلك الوجهة التي يتوجّه إليها» (10).
ثمّ حمل بعد ذلك على فريق آخر من المفسّرين : «لا يوجد في كتبهم من التفسير إلّا الشيء اليسير» (11).
من المفسّرين المعاصرين أيضا تعرّض الطباطبائي إلى هذه الظاهرة وصفا و نقدا و تقويما، حيث ذكر في وصفها أنّ كلّ صاحب اختصاص لوّن التفسير باختصاصه و أسقط عليه اهتماماته و نزعاته العلمية «فالنحوي أدرج المباحث النحوية كالزجّاج (ت : 310 هـ) و الواحدي (ت : 468 هـ) و أبي حيّان (ت : 745 هـ) و الأديب أورد المباحث البلاغية كالزمخشري (ت : 538 هـ) في كشافه، و المتكلّم اهتمّ بالمباحث الكلامية كالفخر الرازي (ت : 606 هـ) في تفسيره الكبير، و الصوفي غاص في المباحث الصوفية كابن العربي (ت : 638 هـ) و عبد الرزاق الكاشاني (من صوفية القرن الثامن) في تفسيريهما، و الأخباري ملأ كتابه بالأحاديث كالثعلبي (ت : 426 أو 427 هـ) في تفسيره، و الفقيه جاء بالمسائل الفقهية كالقرطبي (ت : 668 هـ) في تفسيره. و قد خلط جماعة آخرون في تفاسيرهم بين العلوم المختلفة كما نشاهده في تفسير روح المعاني (12)، و روح البيان (13)، و تفسير النيسابوري (14)» (15).
عاد الطباطبائي لعرض هذه الاتجاهات و النزعات في مقدّمة تفسيره «الميزان». بيد أنّ المهم هي عملية النقد و التقويم التي مارسها. فإجمالا يسجل الطباطبائي أنّ هذه الاتجاهات قدّمت لعلم التفسير خدمة تمثلت ب «إخراجه من جموده و إخضاعه للدرس و البحث» (16). لكنها اشتركت جميعا بخطأ كبير تمثّل في أنّ البحوث التي ساقها هؤلاء «حملت على القرآن حملا، و لا تدلّ عليها الآيات» (17) و من ثمّ فهي ليست من التفسير بل هي تطبيق.
يميّز الطباطبائي بين التفسير و التطبيق بأنّ الأوّل معناه تحرّي حقائق القرآن و مقاصده العالية و استيضاح معنى الآية و بيان مدلولها من خلال القرآن نفسه، عبر عملية التدبّر التي حثّ عليها القرآن، و من خلال منهجية تفسير القرآن بالقرآن. أمّا التطبيق فيعنى الانطلاق من البحث العلمي أو الفلسفي أو الفقهي أو غير ذلك ممّا تتعرّض له الآية و صياغة النتيجة من خلال العلوم ذاتها، ثمّ تحميلها على الآية (18).
و فرق الاثنين هو الفرق بين أن يقول الباحث في معنى الآية «ما ذا يقول القرآن» و هذا هو التفسير، و بين أن يقول : «ما ذا يجب أن نحمل عليه الآية» (19)، و هذا هو التطبيق.
انطلاقا من هذا التمييز وجّه الطباطبائي سهام نقده إلى أصحاب النزعات و الاتجاهات الآحادية من محدّثين و متكلّمين و فلاسفة و متصوّفين، ثمّ انتقل إلى العصر الحديث مشدّدا النكير على تلك النزعات التي تأثّرت بالتقدّم العلمي في مضمار العلوم الطبيعية فألفت الحس و مالت إلى تأويل جميع أو جلّ الحقائق الروحية و الغيبية في القرآن على مقاييس القوانين المادية، لينتهي في تقويم هذه النزعات و الاتجاهات جميعا، إلى القول : «و أنت بالتأمّل في جميع هذه المسالك المنقولة في التفسير تجد أنّ الجميع مشتركة في نقص و بئس النقص، و هو تحميل ما أنتجه الأبحاث العلمية أو الفلسفية من خارج، على مداليل الآيات، فتبدّل به التفسير تطبيقا و سمّي به التطبيق تفسيرا» (20).
ما دام الحديث قد انساق إلى الاتجاهات المعاصرة في التفسير و ما تجاذبها من نزعات آحادية، فمن المفيد أن نشير إلى النقد الذي وجّهه عدد من الباحثين القرآنيين إلى جانب الإفراط الذي انجرّ إليه التفسير المعاصر، من خلال إغراق القرآن بالبحوث الاجتماعية و الحركية و الثورية كردّ فعل على الاتجاهات العلمية المحضة و الساكنة، و كمحاولة للاستجابة إلى متطلّبات الواقع، حيث كتب أحدهم :
«حصل بعض الإفراط في هذا الجانب حيث راحت جميع المسائل تجرّ صوب القضايا الاجتماعية و الثورية» (21).
طبيعي من حق الإنسان أن يبحث في القرآن عمّا يتصل بالأبعاد الاجتماعية و التغييرية و الثورية، و القرآن يضم هذه الأبعاد جزما. لكن المرفوض هو إغفال بقية الجوانب و الجهات، و تحويل هذه الأبعاد إلى مقاصد عليا و غايات نهائية لكتاب اللّه، أو الزعم أنّها تمثّل التفسير في حين أنّ أغلبها يدخل في التطبيق و في مجال الاستفادة من القرآن بعيدا عن دائرة التفسير.
(2)- الإتقان في علوم القرآن 4 : 200.
(3)- مفاتيح الغيب : 6- 7.
(4)- تفسير القرآن الكريم 7 : 185، بإسقاط بعض العبارات من دون إخلال بالنقل.
(5)- تفسير القرآن الكريم 7 : 185.
(6)- نفس المصدر 1 : 28.
(7)- نفس المصدر، مع تصرف طفيف جدا في الصياغة أملاه السياق.
(8)- نفس المصدر : 29.
(9)- نفس المصدر.
(10)- البيان في تفسير القرآن : 21.
(11)- نفس المصدر.
(12)- تأليف شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي، المتوفى سنة 1270 ه.
(13)- تأليف إسماعيل حقي، المتوفى سنة 1137 ه.
(14)- نظام الدين حسن القمي النيسابوري، المتوفى سنة 728 ه، مؤلف «غرائب القرآن».
(15)- القرآن في الإسلام : 74- 75.
(16)- نفس المصدر : 75.
(17)- نفس المصدر.
(18)- الميزان في تفسير القرآن 1 : 11.
(19)- نفس المصدر : 6.
(20)- نفس المصدر : 8.
(21)- وعي القرآن، مدارسة مع الشهيد بهشتي : 40.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|