أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-5-2017
2764
التاريخ: 2024-09-22
239
التاريخ: 11-5-2017
3773
التاريخ: 11-5-2017
3117
|
كانت غزوة الفتح في شهر رمضان من سنة ثمان، وذلك أنّ رسول الله لمّا صالح قريشاً عام الحديبية دخلت خزاعة في حلف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعهده، ودخلت كنانة في حلف قريش، فلمّا مضت سنتان من القضيّة قعد رجل من كنانة يروي هجاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال له رجل من خزاعة: لا تذكر هذا، قال: وما أنت وذاك؟ فقال: لئن أعدت لأكسرنّ فاك. فأعادها، فرفع الخزاعي يده فضرب بها فاه، فاستنصر الكناني قومه، والخزاعي قومه، وكانت كنانة أكثر فضربوهم حتّى أدخلوهم الحرم، وقتلوا منهم، وأعانتهم قريش بالكراع والسلاح، فركب عمرو بن سالم إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فخبّره الخبر وقال أبيات شعر، منها:
لا هـــمّ أنّي ناشدٌ محمّداً * حلف أبينا وأبيه الأتـلدا
أنّ قـريشاً أخلفوك الموعدا * ونقضوا ميثاقك المؤكّدا
وقتلونا ركعاً وسجداً
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «حسبك يا عمرو» ثمّ قام فدخل دار ميمونة وقال: «اسكبوا لي ماء» فجعل يغتسل ويقول: «لا نصرت إن لم أنصر بني كعب». ثمّ اجمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على المسير إلى مكّة، وقال: «اللّهمّ خذ العيون عن قريش حتّى نأتيها في بلادها».
فكتب حاطب بن أبي بلتعة مع سارة مولاة أبي لهب إلى قريش: أنّ رسول الله خارج إليكم يوم كذا وكذا. فخرجت وتركت الطريق ثمّ أخذت ذات اليسار في الحرّة، فنزل جبرئيل فأخبره، فدعا عليّاً (عليه السلام )والزبير فقال لهما: «أدركاها وخذا منها الكتاب».
فخرج عليّ (عليه السلام )والزبير لا يلقيان أحداً حتّى وردا ذا الحليفة، وكان النبي (عليه السلام )وضع حرساً على المدينة، وكان على الحرس حارثة بن النعمان، فأتيا الحرس فسألاهم فقالوا: ما مرّ بنا أحدٌ، ثمّ استقبلا حاطباً فسألاه، فقال: رأيت امرأة سوداء انحدرت من الحرّة. فأدركاها فأخذ عليّ (عليه السلام )منها الكتاب وردّها إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). قال: فدعا [(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ] حاطباً فقال له: «انظر ما صنعت».
قال: أما والله إنّي لمؤمن بالله ورسوله ما شككت، ولكنّي رجلٌ ليس لي بمكّة عشيرة ، ولي بها أهل فأردت أن أتّخذ عندهم يداً ليحفظوني فيهم. فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فوالله لقد نافق. فقال عليه السلام: «إنّه من أهل بدر، ولعل الله اطّلع عليهم فغفر لهم، أخرجوه من المسجد».
فجعل الناس يدفعون في ظهره وهو يلتفت إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليرق عليه، فأمر بردّه وقال عليه السلام: «قد عفوت عن جرمك فاستغفر ربّك ولا تعد لمثل هذه ما حييت» فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] ـ إلى صدر(1)السورة ـ(2).
قال أبان : وحدثني عيسى بن عبدالله القمي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام )قال : لما انتهى الخبر إلى أبي سفيان ـ وهو بالشام ـ بما صنعت قريش بخزاعة أقبل حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا محمد احقن دم قومك وأجر بين قريش وزدنا في المدة . قال : «أغدرتم يا أبا سفيان ؟» .
قال : لا .
قال : «فنحن على ما كنا عليه» .فخرج فلقي أبا بكر فقال : يا أبا بكر أجر بين قريش ، قال : ويحك وأحد يجير على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!ثم لقي عمر فقال له مثل ذلك .ثم خرج فدخل على اُم حبيبة ، فذهب ليجلس على الفراش فأهوت إلى الفراش فطوته فقال : يا بنيّة أرغبةً بهذا الفراش عني ؟قالت : نعم ، هذا فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ما كنت لتجلس عليه وأنت رجس مشرك . ثم خرد فدخل على فاطمة فقال : يا بنت سيد العرب تجيرين بين قريش وتزيدين في المدة فتكونين أكرم سيدة في الناس ؟ قالت: «جواري في جوار رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
قال: فتأمرين ابنيك أن يجيرا بين الناس؟ قالت: «والله ما يدري ابناي ما يجيران من قريش». فخرج فلقي عليّاً (عليه السلام )فقال: أنت أمسّ القوم بي رحماً، وقد اعتسرت عليّ الاُمور، فاجعل لي منها وجهاً. قال: «أنت شيخ قريش تقوم على باب المسجد فتجير بين قريش ثمّ تقعد على راحلتك وتلحق بقومك».
قال: وهل ترى ذلك نافعي؟ قال: «لا أدري». فقال: يا أيّها الناس إنّي قد أجرت بين قريش، ثمّ ركب بعيره وانطلق فقدم على قريش، فقالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمّداً فكلّمته فوالله ما ردّ عليّ شيئاً، ثمّ جئت ابن أبي قحافة فلم أجد عنده خيراً، ثمّ جئت إلى ابن الخطّاب فكان كذلك، ثمّ دخلت على فاطمة فلم تجيبني، ثمّ لقيت عليّاً فأمرني أن أجير بين الناس ففعلت. قالوا: هل أجاز ذلك محمد ؟ قال: لا أدري. قالوا: ويحك، لعب بك الرجل، أوَ أنت تجير بين قريش؟!(3).
قال: وخرج رسول الله يوم الجمعة حين صلّى العصر لليلتين مضتا من شهر رمضان، فاستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، ودعا رئيس كلّ قوم فأمره أن يأتي قومه فيستنفرهم. قال الباقر عليه السلام: «خرج رسول الله في غزوة الفتح فصام وصام الناس حتّى نزل كراع الغميم فأمر بالإفطار فأفطر الناس، وصام قوم فسُمّوا العصاة لاَنّهم صاموا.
ثمّ سار (عليه السلام )حتّى نزل مرّ الظهران ومعه نحو من عشرة آلاف رجل ونحو من أربعمائة فارس وقد عميت الأخبار من قريش، فخرج في تلك الليلة أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء هل يسمعون خبراً، وقد كان العبّاس بن عبد المطّلب خرج يتلقّى رسول الله ومعه أبو سفيان بن الحارث وعبدالله بن أبي اُميّة وقد تلقّاه بنيق العقاب ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في قبّته ـ وعلى حرسه يومئذ زياد بن اُسيد ـ فاستقبلهم زياد فقال: أمّا أنت يا أبا الفضل فامض إلى القبّة، وأمّا أنتما فارجعا. فمضى العبّاس حتّى دخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فسلّم عليه وقال: بأبي أنت واُمّي هذا ابن عمّك قد جاء تائباً وابن عمّتك.
قال: «لا حاجة لي فيهما، إنّ ابن عمّي انتهك عرضي، وأمّا ابن عمّتي فهو الذي يقول بمكّة: لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً». فلمّا خرج العبّاس كلّمته اُمّ سلمة وقالت: بأبي أنت واُمّي ابن عمّك قد جاء تائباً، لا يكون أشقى الناس بك، وأخي ابن عمّتك وصهرك فلا يكونّن شقيّاً بك. ونادى أبو سفيان بن الحارث النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كن لنا كما قال العبد الصالح: لا تثريب عليكم، فدعاه وقبل منه، ودعا عبدالله بن أبي اُميّة فقبل منه.
وقال العبّاس: هو والله هلاك قريش إلى آخر الدهر إن دخلها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عنوة، قال: فركبت بغلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) البيضاء وخرجت أطلب الحطّابة أو صاحب لبن لعلّي آمره أن يأتي قريشاً فيركبون إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يستأمنون إليه، إذ لقيت أبا سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم بن حزام، وأبو سفيان يقول لبديل: ما هذه النيران؟ قال: هذه خزاعة.
قال: خزاعة أقلّ وأقلّ من أن تكون هذه نيرانهم، ولكن لعلّ هذه تميم أو ربيعة. قال العبّاس: فعرفت صوت أبي سفيان، فقلت: أبا حنظلة، قال: لبّيك فمن أنت؟ قلت: أنا العبّاس، قال: فما هذه النيران فداك أبي واُمّي؟ قلت: هذا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في عشرة آلاف من المسلمين، قال: فما الحيلة؟ قال: تركب في عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). قال: فأردفته خلفي ثمّ جئت به، فكلّما انتهيت إلى نار قاموا إليّ فإذا رأوني قالوا: هذا عمّ رسول الله خلّوا سبيله، حتّى انتهيت إلى باب عمر فعرف أبا سفيان فقال: عدوّ الله الحمد لله الذي أمكن منك، فركَّضت البغلة حتّى اجتمعنا على باب القبّة، ودخل عمر على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: هذا أبو سفيان قد أمكنك الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه.
قال: العبّاس: فجلست عند رأس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقلت: بأبي أنت واُمّي أبو سفيان وقد أجرته، قال: «أدخله».
فدخل فقام بين يديه فقال: «ويحك يا أبا سفيان أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله؟». قال: بأبي أنت واُمّي ما أكرمك وأوصلك وأحملك، أمّا والله لو كان معه إله لاَغنى يوم بدر ويوم أحد، وأمّا أنّك رسول الله فوالله إنّ في نفسي منها لشيئاً.
قال العبّاس: يضرب والله عنقك الساعة أو تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
قال: فإنّي أشهد أن لا إلاّ الله وأنّك رسول الله ـ تلجلج بها فوه ـ.
فقال أبو سفيان للعبّاس: فما نصنع باللات والعزّى؟ فقال له عمر: اسلح(4) عليهما.
فقال أبو سفيان: اُفّ لك ما أفحشك، ما يدخلك يا عمر في كلامي وكلام ابن عمّي؟ فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «عند من تكون الليلة»؟ قال: عند أبي الفضل. قال: «فاذهب به يا أبا الفضل فأبته عندك الليلة واغد به عليّ». فلمّا أصبح سمع بلالاً يؤذّن، قال: ما هذا المنادي يا أبا الفضل؟ قال: هذا مؤذّن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قم فتوضّأ وصلّ، قال: كيف أتوضّأ؟ فعلّمه.
قال: ونظر أبو سفيان إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو يتوضّأ وأيدي المسلمين تحت شعره، فليس قطرة تصيب رجلاً منهم إلاّ مسح بها وجهه، فقال: بالله إن رأيت كاليوم قطّ كسرى ولا قيصر.
فلمّا صلّى غدا به إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا رسول الله إنّي اُحبّ أن تأذن لي [بالذهاب] إلى قومك فاُنذرهم وأدعوهم إلى الله ورسوله، فأذن له، فقال العبّاس: كيف أقول لهم؟ بيّن لي من ذلك أمراً يطمئنّون إليه. فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «تقول لهم: من قال: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً رسول الله، وكفّ يده فهو آمن، ومن جلس عند الكعبة ووضع سلاحه فهو آمن. فقال العباس : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فلو خصصة بمعروف .
فقال عليه السلام: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن».
قال أبو سفيان: داري؟! قال: «دارك»، ثمّ قال: «من أغلق بابه فهو آمن». ولمّا مضى أبو سفيان قال العبّاس: يارسول الله إنّ أبا سفيان رجلٌ من شأنه الغدر، وقد رأى من المسلمين تفرّقاً. قال: «فأدركه واحبسه في مضايق الوادي حتّى يمرّ به جنود الله».
قال: فلحقه العبّاس فقال: أبا حنظلة! قال: أغدراً يا بني هاشم؟ قال: ستعلم أنّ الغدر ليس من شأننا، ولكن أصبر حتّى تنظر إلى جنود الله. قال العبّاس: فمرّ خالد بن الوليد فقال أبو سفيان: هذا رسول الله؟ قال: لا ولكن هذا خالد بن الوليد في المقدّمة، ثمّ مرّ الزبير في جهينة وأشجع فقال أبو سفيان: يا عبّاس هذا محمّد؟ قال: لا، هذا الزبير، فجعلت الجنود تمرّ به حتّى مرّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الأنصار ثمّ انتهى إليه سعد بن عبادة، بيده راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا أبا حنظلة.
اليوم يوم الملحمة * اليوم تستحلّ(5)الحرمة
يا معشر الأوس والخزرج ثأركم يوم الجبل.
فلمّا سمعها من سعد خلّى العباس وسعى إلى رسول الله وزاحم حتّى مرّ تحت الرماح فأخذ غرزه(6)فقبّلها، ثمّ قال: بأبي أنت واُمّي أما تسمع ما يقول سعد؟ وذكر ذلك القول، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ليس ممّا قال سعد شيء» ثمّ قال لعليّ عليه السلام: «أدرك سعداً فخذ الراية منه وأدخلها إدخالاً رفيقاً»، فأخذها علي وأدخلها كما أمر. قال: وأسلم يومئذ حكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، وجبير بن مطعم. وأقبل أبو سفيان حتّى دخل مكّة وقد سطع الغبار من فوق الجبال وقريش لا تعلم، وأقبل أبو سفيان من أسفل الوادي يركض فاستقبلته قريش وقالوا: ما وراءك وما هذا الغبار؟ قال: محمّد في خلق، ثمّ صاح: يا آل غالب البيوت البيوت، من دخّل داري فهو آمن، فعرفت هند فأخذت تطردهم، ثمّ قالت: اقتلوا الشيخ الخبيث، لعنه الله من وافد قوم وطليعة قوم. قال: ويلك إنّي رأيت ذات القرون، ورأيت فارس أبناء الكرام، ورأيت ملوك كندة وفتيان حمير يسلمن آخر النهار، ويلك اسكتي فقد والله جاء الحقّ ودنت البليّة»(7).
وكان قد عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المسلمين أن لا يقتلوا بمكّة إلاّ من قاتلهم، سوى نفر كانوا يؤذون النبي صلوات الله عليه وآله، منهم: مقيس بن صبابة، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح، وعبدالله بن خطل، وقينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقال: «اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلّقين بأستار الكعبة». فاُدرك ابن خطل وهو متعلّق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمّار بن ياسر فسبق سعيد عمّاراً فقتله، وقتل مقيس بن صبابة في السوق، وقتل علي (عليه السلام )إحدى القينتين وأفلتت الاُخرى، وقتل (عليه السلام )أيضاً الحويرث بن نقيذ بن كعب.
وبلغه أنّ اُمّ هانىء بنت أبي طالب قد آوت ناساً من بني مخزوم منهم الحارث بن هشام وقيس بن السائب، فقصد نحو دارها مقنّعاً بالحديد، فنادى: «أخرجوا من آويتم» فجعلوا يذرقون كما يذرق الحبارى خوفاً منه. فخرجت إليه اُمّ هانىء ـ وهي لا تعرفه ـ فقالت: يا عبدالله، أنا اُمّم هانىء بنت عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واُخت عليّ بن أبي طالب، انصرف عن داري. فقال علي عليه السلام: «أخرجوهم». فقالت: والله لا شكونك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فنزع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتدّ حتّى التزمته، فقالت: فديتك حلفت لا شكونك إلى رسول الله صلّى عليه وآله وسلّم؟ فقال لها: «فاذهبي فبرّي قسمك، فإنّه بأعلى الوادي». قالت اُمّ هانئ: فجئت إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهو في قبّة يغتسل ، وفاطمة عليها السلام تستره ، فلمّا سمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلامي قال: «مرحباً بك يا اُمّ هانىء». قلت: بأبي واُمّي ما لقيت من عليّ اليوم! فقال عليه السلام: «قد أجرت من أجرت». فقالت فاطمة عليها السلام: «إنّما جئت يا اُمّ هانىء تشكين عليّاً في أنّه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله؟!».
فقلت: احتمليني فديتك. فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «قد شكر الله لعليّ سعيه، وأجرت من أجارت اُمّ هانىء لمكانها من عليّ بن أبي طالب»(8).
قال أبان : وحدثني بشير النبّال ، عن أبي عبدالله (عليه السلام )قال :«لمّا كان فتح مكّة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : عند من المفتاح ؟ قالوا: عند اُمّ شيبة. فدعا شيبة فقال: إذهب إلى اُمّك فقل لها ترسل بالمفتاح. فقالت: قل له: قتلت مقاتلينا وتريد أن تأخذ منّا مكرمتنا. فقال: لترسلنّ به أو لاَقتلنّك. فوضعته في يد الغلام فأخذه ودعا عمر فقال له: هذا تأويل رؤياي من قبل. ثمّ قام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ففتحه وستره، فمن يومئذ يستر، ثمّ دعا الغلام فبسط رداءه فجعل فيه المفتاح وقال: ردّه إلى اُمّك. قال: ودخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنّون أنّ السيف لا يرفع عنهم، فأتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) البيت وأخذ بعضادتي الباب ثمّ قال: لا إله إلاّ الله أنجز وعده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده. ثمّ قال: ما تظنّون وما أنتم قائلون؟ فقال سهيل بن عمرو: نقول خيراً، ونظنّ خيراً، أخ كريم وابن عمّ. قال: فإنّي أقول لكم كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، ألا إنّ كلّ دم ومال ومأثرة كان في الجاهليّة فإنّه موضوع تحت قدمي، إلاّ سدانة الكعبة وسقاية الحاج فإنّهما مردوتان إلى أهليهما، ألا إنّ مكّة محرّمة بتحريم الله، لم تحلّ لاَحد كان قبلي ولم تحلّ لي إلاّ ساعة من نهار، فهي محرّمة إلى أن تقوم الساعة ، لا يختلي خلاها، ولا يقطع شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحلّ لقطتها إلاّ لمنشد. ثمّ قال: ألا لبئس جيران النبيّ كنتم، لقد كذبتم وطردتم، وأخرجتم وفللتم، ثمّ ما رضيتم حتّى ئتموني في بلادي تقاتلونني، فاذهبوا فأنتم الطلقاء.
فخرج القوم كأنّما انشروا من القبور، ودخلوا في الاِسلام.
قال: ودخل رسول الله صلّى عليه وآله وسلّم مكّة بغير إحرام وعليهم السلاح، ودخل البيت لم دخله في حجّ ولا عمرة. ودخل وقت الظهر فأمر بلال فصعد على الكعبة وأذّن، فقال عكرمة: والله إن كنت لأكره أن أسمع صوت ابن رباح ينهق على الكعبة، وقال خالد بن أسيد: الحمد لله الذي أكرم أبا عتّاب من هذا اليوم من أن يرى ابن رباح قائماً على الكعبة، قال سهيل: هي كعبة الله وهو يرى ولو شاء لغيّر ـ قال: وكان أقصدهم ـ وقال أبو سفيان: أمّا أنا فلا أقول شيئاً، والله لو نطقت لظننت أنّ هذه الجدر تخبر به محمّداً. وبعث صلوات الله عليه وآله إليهم فأخبرهم بما قالوا، فقال عتّاب: قد والله قلنا يا رسول الله ذلك فنستغفر الله ونتوب إليه، فأسلم وحسن إسلامه وولاة رسول الله مكّة. قال: وكان فتح مكّة لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر دخلوا من أسفل مكة وأخطأوا الطريق فقتلوا»(9) .
وبعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر، وقد كانوا أصابوا في الجاهليّة من بني المغيرة نسوة وقتلوا عمّ خالد، فاستقبلوه وعليهم السلاح وقالوا: يا خالد إنّا لم نأخذ السلاح على الله وعلى رسوله ونحن مسلمون، فانظر فإن كان بعثك رسول الله ساعياً فهذه إبلنا وغنمنا فاغد عليها، فقال: ضعوا السلاح، قالوا: إنّا نخاف منك أن تأخذنا بإحنة الجاهليّة وقد أماتها الله ورسوله.
(2) سيرة ابن هشام 4: 32، وتاريخ اليعقوبي 2: 58، وانظر: تاريخ الطبري 2: 4 و 48، والكامل في التاريخ 2: 239، وسيرة ابن كثير 3: 526 و 536، ونقله المجلسي في بحار
لأنوار 21: 124 |22.
(3) المناقب لابن شهر آشوب 1: 206، وتاريخ الطبري 3: 46، وسيرة ابن كثير 3: 530، وفي الأخيرين باختلاف يسير، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 126.
(4) السلح: النجو، وهو ما خرج من البطن من ريح وغيرها. «انظر: العين 6: 186».
(5) في نسخة «م» والبحار: تسبى.
(6) الغرر: ركاب الرحل. «لسان العرب 5: 386».
(7) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 127.
(8) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 131.
(9) نقلوا المجلسي في بحار الأنوار 21: 132 | ذيل ح 22.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|