المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



تفسير الاية (1-9) من سورة الدخان  
  
390   03:52 مساءً   التاريخ: 14-5-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الدال / سورة الدخان /


قال تعالى : {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُو يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ} [الدخان: 1 - 9].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{حم} مر بيانه {والكتاب المبين} أقسم سبحانه بالقرآن الدال على صحة نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) وفيه بيان الأحكام والفصل بين الحلال والحرام وجواب القسم {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} أي إنا أنزلنا القرآن والليلة المباركة هي ليلة القدر عن ابن عباس وقتادة وابن زيد وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) وقيل هي ليلة النصف من شعبان عن عكرمة والأصح الأول ويدل عليه قوله {إنا أنزلناه في ليلة القدر} وقوله {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}.

 واختلف في كيفية إنزاله فقيل أنزل إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم أنزل نجوما إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقيل أنه كان ينزل جميع ما يحتاج في كل سنة في تلك الليلة ثم كان ينزلها جبرائيل (عليه السلام) شيئا فشيئا وقت وقوع الحاجة إليه وقيل كان بدء إنزاله في ليلة القدر وروي عن ابن عباس أنه قال قد كلم الله جبرائيل في ليلة واحدة وهي ليلة القدر فسمعه جبرائيل وحفظه بقلبه وجاء به إلى السماء الدنيا إلى الكتبة وكتبوه ثم نزل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالنجوم في ثلاث وعشرين سنة وقيل في عشرين سنة وإنما وصف الله سبحانه هذه الليلة بأنها مباركة لأن فيها يقسم الله نعمة على عباده من السنة إلى السنة فتدوم بركاتها والبركة نماء الخير وضدها الشؤم وهو نماء الشر فالليلة التي أنزل فيها كتاب الله مباركة ينمي الخير فيها على ما دبر الله سبحانه لها من علو مرتبتها واستجابة الدعاء فيها.

 {إنا كنا منذرين} أي مخوفين بما أنزلناه من تعذيب العصاة والإنذار الأعلام بموضع الخوف ليتقي وموضع الأمن ليجتبى فالله عز اسمه قد أنذر عباده بأتم الإنذار من طريق العقل والسمع {فيها يفرق كل أمر حكيم} أي في هذه الليلة يفصل ويبين والمعنى يقضى كل أمر محكم لا تلحقه الزيادة والنقصان وهو أنه يقسم فيها الآجال والأرزاق وغيرها من أمور السنة إلى مثلها من العام القابل عن ابن عباس والحسن وقتادة وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى وقال عكرمة هي ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وينسخ الأحياء من الأموات ويكتب الحاج فلا يزيد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد.

 {أمرا من عندنا} معناه إنا نأمر ببيان ذلك ونسخه من اللوح المحفوظ {إنا كنا مرسلين} محمدا إلى عبادنا كمن كان قبله من الأنبياء {رحمة من ربك} أي رأفة منا بخلقنا ونعمة منا عليهم بما بعثنا إليهم من الرسل عن ابن عباس {إنه هو السميع} لمن دعاه من عباده {العليم} بمصالحهم {رب السماوات والأرض} أي خالقهما ومدبرهما {وما بينهما إن كنتم موقنين} بهذا الخبر محققين له وهو أنه {لا إله إلا هو} لا يستحق العبادة سواه {يحيي} الخلق بعد موتهم {ويميت} أي ويميتهم بعد إحيائهم {ربكم} الذي خلقكم ودبركم {ورب آبائكم الأولين} الذين سبقوكم.

 ثم ذكر سبحانه الكفار فقال ليس هؤلاء بموقنين بما قلناه {بل هم في شك} مما أخبرناك به {يلعبون} مع ذلك ويستهزءؤن بك وبالقرآن إذا قرىء عليهم عن الجبائي وقيل يلعبون أي يشتغلون بالدنيا ويترددون في أحوالها .

__________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص102-104.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{حم}  تقدم الكلام في مثله بأول سورة البقرة {والْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ}  هي مباركة لنزول القرآن فيها ، وإذا عطفنا على هذه الآية قوله تعالى : {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وقوله : {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} - 185 البقرة ج 1 ص 284 إذا فعلنا ذلك تبين معنا ان هذه الليلة المباركة هي ليلة القدر وانها إحدى ليالي شهر رمضان المبارك ، وذكرنا في المجلد الأول ص 285 ان بدء نزول القرآن كان في ليلة القدر ، لا ، انه أنزل كاملا فيها ، فراجع . {إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} بالعذاب الأليم من عصى وأفسد في الأرض ، وقد جاء هذا الانذار في القرآن الكريم الذي أنزل على قلب محمد ( صلى الله عليه واله ) .

{فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا} . يفرق يبين ، وضمير فيها يعود إلى الليلة المباركة ، وحكيم محكم . واختلف المفسرون في المعنى المراد من الأمر الحكيم ، فذهب أكثرهم إلى أن اللَّه سبحانه يقسم الأرزاق والآجال في هذه الليلة بين عباده ، وأيضا يغفر الكثير من الخطايا عمن يشاء .

وقال آخرون : ان المراد بالأمر الحكيم هوما جاء في القرآن من تبيان كل شيء من أمور الدين . . . وقال سبحانه فيها ، ولم يقل فيه أي في القرآن لأنه انزل في ليلة القدر ، أما قوله تعالى في سورة القدر : {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ والرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} فمعناه ان أول عهد النبي ( صلى الله عليه واله ) بشهود الملائكة كان في تلك الليلة ، ويأتي البيان ان شاء اللَّه .

{ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} أي ان اللَّه سبحانه أرسل محمدا رحمة للعالمين كما في الآية 107 من سورة الأنبياء : {وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ} .

{إِنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} يسمع الأقوال ، ويعلم النوايا {رَبِّ السَّماواتِ والأَرْضِ وما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ } . ان العاقل إذا نظر إلى الكون بتجرد وإمعان يشهد شهادة إخلاص وإيقان بأن اللَّه هو مالك الكون بما

فيه ، وانه {لا إِلهً إِلَّا هُو يُحْيِي ويُمِيتُ} . ولا أحد يهب الحياة إلا هو، وإذا جاء الأجل فلا يبعده شيء ، وأيضا لا يقربه شيء {رَبُّكُمْ ورَبُّ آبائِكُمُ الأَوَّلِينَ}  فكيف تعبدون الأوثان وتطيعون الشيطان من دون اللَّه ؟ { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ } .

شكوا في البعث ونبوة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) مع قيام البينات والدلائل ، وتلهوا عن عاقبتهم وعما يراد بهم .

____________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ص5-7.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

يتلخص غرض السورة في إنذار المرتابين في الكتاب بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة وقد سيق بيان ذلك بأنه كتاب مبين نازل من عند الله على من أرسله إلى الناس لإنذارهم وقد نزل رحمة منه تعالى لعباده خير نزول في ليلة القدر التي فيها يفرق كل أمر حكيم.

غير أن الناس وهم الكفار ارتابوا فيه لاعبين في هوساتهم وسيغشاهم أليم عذاب الدنيا ثم يرجعون إلى ربهم فينتقم منهم بعد فصل القضاء بعذاب خالد.

ثم يذكر لهم تنظيرا لأول الوعيدين قصة إرسال موسى (عليه السلام) إلى قوم فرعون لإنجاء بني إسرائيل وتكذيبهم له وإغراقهم نكالا منه.

ثم يذكر إنكارهم لثاني الوعيدين وهو الرجوع إلى الله في يوم الفصل فيقيم الحجة على أنه آت لا محالة ثم يذكر طرفا من أخباره وما سيجري فيه على المجرمين ويصيبهم من ألوان عذابه، وما سيثاب به المتقون من حياة طيبة ومقام كريم.

والسورة مكية بشهادة سياق آياتها.

قوله تعالى: {حم والكتاب المبين} الواو للقسم والمراد بالكتاب المبين القرآن.

قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين} المراد بالليلة المباركة التي نزل فيها القرآن ليلة القدر على ما يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] ، وكونها مباركة ظرفيتها للخير الكثير الذي ينبسط على الخلق من الرحمة الواسعة، وقد قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ } [القدر: 1، 2].

وظاهر اللفظ أنها إحدى الليالي التي تدور على الأرض وظاهر قوله: {فيها يفرق} الدال على الاستمرار أنها تتكرر وظاهر قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [البقرة: 185] ، أنها تتكرر بتكرر شهر رمضان فهي تتكرر بتكرر السنين القمرية وتقع في كل سنة قمرية مرة واحدة في شهر رمضان، وأما إنها أي ليلة هي؟ فلا إشعار في كلامه تعالى بذلك، وأما الروايات فستوافيك في البحث الروائي التالي.

والمراد بنزول الكتاب في ليلة مباركة على ما هو ظاهر قوله: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} وقوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، وقوله: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] ، أن النازل هو القرآن كله.

ولا يدفع ذلك قوله: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] ، وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32] ، الظاهرين في نزوله تدريجا، ويؤيد ذلك آيات أخر كقوله: {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ} [محمد: 20] ، وقوله: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ } [التوبة: 127] وغير ذلك ويؤيد ذلك أيضا ما لا يحصى من الأخبار المتضمنة لأسباب النزول.

وذلك أنه يمكن أن يحمل على نزول القرآن مرتين مرة مجموعا وجملة في ليلة واحدة من ليالي شهر رمضان، ومرة تدريجا ونجوما في مدة ثلاث وعشرين سنة وهي مدة دعوته (صلى الله عليه وآله وسلم).

لكن الذي لا ينبغي الارتياب فيه أن هذا القرآن المؤلف من السور والآيات بما فيه من السياقات المختلفة المنطبقة على موارد النزول المختلفة الشخصية لا يقبل النزول دفعة فإن الآيات النازلة في وقائع شخصية وحوادث جزئية مرتبطة بأزمنة وأمكنة وأشخاص وأحوال خاصة لا تصدق إلا مع تحقق مواردها المتفرقة زمانا ومكانا وغير ذلك بحيث لو اجتمعت زمانا ومكانا وغير ذلك انقلبت عن تلك الموارد وصارت غيرها فلا يمكن احتمال نزول القرآن وهو على هيئته وحاله بعينها مرة جملة، ومرة نجوما.

فلو قيل بنزوله مرتين كان من الواجب أن يفرق بين المرتين بالإجمال والتفصيل فيكون نازلا مرة إجمالا ومرة تفصيلا ونعني بهذا الإجمال والتفصيل ما يشير إليه قوله تعالى: { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود: 1] ، وقوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 3، 4] ، وقد مر الكلام في معنى الإحكام والتفصيل في تفسير سورتي هود والزخرف.

وقيل: المراد بنزول الكتاب في ليلة مباركة افتتاح نزوله التدريجي في ليلة القدر من شهر رمضان فأول ما نزل من آيات القرآن – وهو سورة العلق أو سورة الحمد - نزل في ليلة القدر.

وهذا القول مبني على استشعار منافاة نزول الكتاب كله في ليلة ونزوله التدريجي الذي تدل عليه الآيات السابقة وقد عرفت أن لا منافاة بين الآيات.

على أنك خبير بأنه خلاف ظاهر الآيات.

وقيل: إنه نزل أولا جملة على السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل من السماء الدنيا على الأرض تدريجا في ثلاث وعشرين سنة مدة الدعوة النبوية.

وهذا القول مأخوذ من الأخبار الواردة في تفسير الآيات الظاهرة في نزوله جملة وستمر بك في البحث الروائي التالي إن شاء الله.

وقوله: {إنا كنا منذرين} واقع موقع التعليل، وهو يدل على استمرار الإنذار منه تعالى قبل هذا الإنذار، فيدل على أن نزول القرآن من عنده تعالى ليس ببدع، فإنما هو إنذار والإنذار سنة جارية له تعالى لم تزل تجري في السابقين من طريق الوحي إلى الأنبياء والرسل وبعثهم لإنذار الناس.

قوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} ضمير "فيها" لليلة والفرق فصل الشيء من الشيء بحيث يتمايزان ويقابله الإحكام فالأمر الحكيم ما لا يتميز بعض أجزائه من بعض ولا يتعين خصوصياته وأحواله كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21].

فللأمور بحسب القضاء الإلهي مرحلتان: مرحلة الإجمال والإبهام ومرحلة التفصيل، وليلة القدر - على ما يدل عليه قوله: "فيها يفرق كل أمر حكيم - ليلة يخرج فيها الأمور من مرحلة الإحكام إلى مرحلة الفرق والتفصيل، وقد نزل فيها القرآن وهو أمر من الأمور المحكمة فرق في ليلة القدر.

ولعل الله سبحانه أطلع نبيه على جزئيات الحوادث التي ستقع في زمان دعوته وما يقارن منها نزول كل آية أو آيات أو سورة من كتابه فيستدعي نزولها وأطلعه على ما ينزل منها فيكون القرآن نازلا عليه دفعة وجملة قبل نزوله تدريجا ومفرقا.

ومآل هذا الوجه اطلاع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على القرآن في مرحلة نزوله إلى القضاء التفصيلي قبل نزوله على الأرض واستقراره في مرحلة العين، وعلى هذا الوجه لا حاجة إلى تفريق المرتين بالإجمال والتفصيل كما تقدم في الوجه الأول.

وظاهر كلام بعضهم أن المراد بقوله: {فيها يفرق كل أمر حكيم} تفصيل الأمور المبينة في القرآن من معارف وأحكام وغير ذلك.

ويدفعه أن ظاهر قوله: {فيها يفرق} الاستمرار والذي يستمر في هذه الليلة بتكررها تفصيل الأمور الكونية بعد إحكامها وأما المعارف والأحكام الإلهية فلا استمرار في تفصيلها فلوكان المراد فرقها كان الأنسب أن يقال: {فيها فرق}.

وقيل: المراد بكون الأمر حكيما إحكامه بعد الفرق لا الإحكام الذي قبل التفصيل، والمعنى: يقضى في الليلة كل أمر محكم لا يتغير بزيادة أو نقصان أو غير ذلك هذا، والأظهر ما قدمناه من المعنى.

قوله تعالى: {أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين} المراد بالأمر الشأن وهو حال من الأمر السابق والمعنى فيها يفرق كل أمر حال كونه أمرا من عندنا ومبتدأ من لدنا، ويمكن أن يكون المراد به ما يقابل النهي والمعنى: يفرق فيها كل أمر بأمر منا، وهو على أي حال متعلق بقوله: {يفرق}.

ويمكن أن يكون متعلقا بقوله: "أنزلناه" أي حال كون الكتاب أمرا أو بأمر من عندنا، وقوله: "إنا كنا مرسلين" لا يخلو من تأييد لذلك، ويكون تعليلا له والمعنى: إنا أنزلناه أمرا من عندنا لأن سنتنا الجارية إرسال الأنبياء والرسل.

قوله تعالى: {رحمة من ربك إنه هو السميع العليم} أي إنزاله رحمة من ربك أو أنزلناه لأجل إفاضة الرحمة على الناس أو لاقتضاء رحمة ربك إنزاله فقوله: {رحمة} حال على المعنى الأول ومفعول له على الثاني والثالث.

وفي قوله: {من ربك} التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة ووجهه إظهار العناية بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه هو الذي أنزل عليه القرآن وهو المنذر المرسل إلى الناس.

وقوله: {إنه هو السميع العليم} أي السميع للمسائل والعليم بالحوائج فيسمع مسألتهم ويعلم حاجتهم إلى الاهتداء بهدى ربك فينزل الكتاب ويرسل الرسول رحمة منه لهم.

قوله تعالى: {رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين} لما كانت الوثنية يرون أن لكل صنف من الخلق إلها أو أكثر وربما اتخذ قوم منهم إلها غير ما يتخذه غيرهم عقب قوله: {من ربك} بقوله: {رب السماوات} إلخ، لئلا يتوهم متوهم منهم أن ربوبيته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليست بالاختصاص كالتي بينهم بل هو تعالى ربه ورب السماوات والأرض وما بينهما، ولذلك عقبه أيضا في الآية التالية بقوله: {لا إله إلا هو}.

وقوله: {إن كنتم موقنين} هذا الاشتراط كما ذكره الزمخشري من قبيل قولنا هذا إنعام زيد الذي تسامع الناس بكرمه واشتهروا سخاءه أن بلغك حديثه وحدثت بقصته فالمعنى هو الذي يعرفه الموقنون بأنه رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم منهم عرفتموه بأنه رب كل شيء.

قوله تعالى: {لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين} لما كان مدلول الآية السابقة انحصار الربوبية وهي الملك والتدبير فيه تعالى والألوهية وهي المعبودية بالحق من لوازم الربوبية عقبه بكلمة التوحيد النافية لكل إله دونه تعالى.

وقوله: {يحيي ويميت} من أخص الصفات به تعالى وهما من شئون التدبير، وفي ذكرهما نوع تمهيد لما سيأتي من إنذارهم بالمعاد.

وقوله: {ربكم ورب آبائكم الأولين} فيه كمال التصريح بأنه ربهم ورب آبائهم فليعبدوه ولا يتعللوا باتباع آبائهم في عبادة الأصنام، ولتكميل التصريح سيقت الجملة بالخطاب فقيل: {ربكم ورب آبائكم}.

وهما أعني قوله: "يحيي ويميت" وقوله: "ربكم" خبران لمبتدأ محذوف والتقدير هو يحيي ويميت إلخ.

قوله تعالى: {بل هم في شك يلعبون} ضمير الجمع لقوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والإضراب عن محذوف يدل عليه السياق السابق أي إنهم لا يوقنون ولا يؤمنون بما ذكر من رسالة الرسول وصفة الكتاب الذي أنزل عليه بل هم في شك وارتياب فيه يلعبون بالاشتغال بدنياهم، وذكر الزمخشري أن الإضراب عن قوله: {إن كنتم موقنين}.

_____________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18، ص106-112.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

نزول القرآن في الليلة المباركة:

نلاحظ في بداية هذه السورة ـ وكالسور الأربعة السابقة، والسورتين الآتيتين، والتي يكون مجموعها سبع سور هي سور الحواميم ـ الحروف المقطعة (حم)، وقد بحثنا كثيراً فيما مضى حول الحروف المقطعة في القرآن بصورة عامة(2)، وبحثت حروف (حم) خاصة في بداية أوّل سورة من الحواميم (سورة المؤمن) وفي بداية سورة فصلت.

وجدير بالانتباه أن بعض المفسّرين فسّر (حم) هنا بالقسم، فيصبح في الآية قَسمان متتابعان: قَسَم بحروف الهجاء كـ (حم)، وَقَسَم بهذا الكتاب المقدس الذي يكون من هذه الحروف.

وكما قلنا، فإن الآية الثانية أقسمت بالقرآن الكريم، حيث تقول: (والكتاب المبين) ذلك الكتاب الواضح محتواه، والبينة معارفه... الحية تعليماته، البناءة أحكامه، الدقيقة برامجه وخططه، وهو الكتاب الذي يدل بنفسه على كونه حقّاً، كما أن بزوغ الشمس دليل على الشمس.(3)

لكن لنَر الآن ما هو القصد من وراء ذكر هذا القسم؟

الآية التالية توضح هذا الأمر، فتقول: {إنّا أنزلناه في ليلة مباركة}.

«المبارك» من مادة بركة، وهي الربح والمنفعة والخلود والدوام، فأي ليلة هذه التي تكون مبدأ الخيرات، ومنبع الإحسان والعطايا الدائمة؟

لقد فسّرها أغلب المفسّرين بليلة القدر، تلك الليلة العظيمة التي تغيرت فيها مقدرات البشر بنزول القرآن الكريم... تلك الليلة التي تقدر فيها مصائر الخلائق... نعم، لقد نزل القرآن على قلب النّبي المطهر في ليلة حاسمة مصيرية.

وتجدر الإشارة إلى أنّ ظاهر الآية هو أنّ القرآن كله قد نزل في ليلة القدر.

أمّا ما هو الهدف الأساس من نزوله؟ نهاية الآية أشارت إليه إذ قالت: {إنّا كنّا منذرين} فإن سنتنا الدائمة هي إرسال الرسل لإنذار الظالمين والمشركين، وكان إرسال نبيّ الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الكتاب المبين آخر حلقة من هذه السلسلة المباركة المقدسة.

صحيح أنّ الأنبياء(عليهم السلام) ينذرون من جانب، ويبشرون من جانب آخر، لكن لما كان أساس دعوتهم هو مواجهة الظالمين والمجرمين ومحاربتهم، كان أغلب كلامهم عن الإِنذار والتخويف.

نزول القرآن الدفعي والتدريجي:

1 ـ نحن نعلم أن القرآن الكريم نزل على مدى ثلاث وعشرين سنة ـ وهي فترة نبوةّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إضافة إلى أن لمحتوى القرآن ارتباطاً وعلاقة بالحوادث المختلفة التي وقعت في حياة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين طوال هذه الـ (23) سنة، بحيث أنها إذا فصلت عن القرآن الكريم فسيكون غير مفهوم، وإذا كان الحال كذلك فكيف نزل القرآن الكريم كاملاً في ليلة القدر؟

وفي معرض الإِجابة على هذا السؤال، ذهب البعض هذا المعنى ببداية نزول القرآن، وبناء على هذا فلا مانع من أن تكون بداية نزوله في ليلة القدر، وينزل الباقي خلال (23) سنة.

غير أن هذا التّفسير ـ وكما قلنا ـ لا ينسجم مع ظاهر الآية مورد البحث، ومع آيات أخرى في القرآن المجيد.

وللاجابة على هذا السؤال يجب الانتباه إلى أننا نقرأ في هذا الآية {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} من جهة، ومن جهة أخرى جاء في الآية (185) من سورة البقرة { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] ومن جهة ثاًلثة نقرأ في سورة القدر {إنا أنزلناه في ليلة القدر} فيستفاد جيداً من مجموع هذه الآيات أن الليلة المباركة في هذه الآية إشارة إلى ليلة القدر التي هي من ليالي شهر رمضان المبارك.

وإضافة إلى ما مر، فإنه يستفاد من آيات عديدة أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان عالماً بالقرآن قبل نزوله التدريجي، كالآية (114) من سورة طه {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114].

وجاء في الآية (16) من سورة القيامة {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16].

من مجموع هذه الآيات يمكن الاستنتاج أنه كان للقرآن نزولان: الأوّل: نزوله دفعة واحدة، حيث نزل من الله سبحانه على قلب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)الطاهر في ليلة القدر من شهر رمضان.

والثّاني: النّزول التدريجي، حيث نزل على مدى (23) سنة بحسب الظروف والحوادث والإِحتياجات.

والشاهد الآخر لهذا الكلام أن بعض الروايات قد عبرت بالإنزال، وبعضها الآخر بالنّزول، والذي يفهم من متون اللغة أن التنزيل يستعمل في الموارد التي ينزل فيها الشيء تدريجياً ومتفرقاً، أما الإِنزال فله معنى واسع يشمل النّزول التدريجي والنّزول دفعة واحدة.(4)

والطريف أنّ كل الآيات المذكورة التي تتحدث عن نزول القرآن في ليلة القدر وشهر رمضان قد عبرت بالإِنزال، وهو يتوافق مع النّزول دفعة واحدة، في حين عُبر بالتنزيل فقط في الموارد التي دار الكلام فيها حول النّزول التدريجي للقرآن.

لكن، كيف كان هذا النّزول جملة على قلب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ هل كان على هيئة هذا القرآن الذي بين أيدينا بآياته وسورة المختلفة، أم أنّ مفاهيمه وحقائقه قد نزلت بصورة مختصرة جامعة؟

ليس الأمر واضحاً بدقّة، بل القدر المتيقن الذي نفهمه من القرائن ـ أعلاه ـ أن هذا القرآن قد نزل دفعة واحدة في ليلة واحدة على قلب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مرّة، ونزل على مدى (23) سنة بصورة تدريجية مرّة أخرى.

والشاهد الآخر لهذا الكلام، أنّ للتعبير بالقرآن ـ في الآية أعلاه ـ ظهوراً في مجموع القرآن.

صحيح أنّ كلمة القرآن تطلق على كل القرآن وجزئه، لكن لا يمكن إنكار أن ظاهر هذه الكلمة هو مجموع القرآن عند عدم وجود قرينة أخرى معها. والتي فسر بها البعض هذه الآية بأنها بداية نزول القرآن، وقالوا: إنّ أوّل آيات القرآن نزلت في شهر رمضان وليلة القدر، الأمر الذي يخالف ظاهر الآيات.

وأضعف منه قول القائل: لما كانت سورة الحمد ـ التي هي خلاصة لمجموع القرآن ـ قد نزلت في ليلة القدر، فقد عُبر بـ {إنّا أنزلناه في ليلة القدر}.

إن كل هذه الاحتمالات مخالفة لظاهر الآيات، لأن ظاهرها أن كل القرآن قد نزل في ليلة القدر.

الشيء الوحيد الذي يبقى هنا هوما نقرؤه في روايات عديدة رويت في تفسير علي بن إبراهيم. عن الإِمام الباقر والصادق وأبي الحسن موسى بن جعفر(عليهم السلام) أنّهم قالوا في تفسير {إنا أنزلناه في ليلة المباركة}: «هي ليلة القدر، أنزل الله عزَّوجلَّ القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة، ثمّ نزل من البيت المعمور على رسول الله في طول عشرين سنة».(5)

(التفتوا جيداً إلى أن الرواية قد عبرت عن النّزول جملة واحدة بـ (أنزل) وعن النّزول التدريجي بـ (نزل).

وأين هو «البيت المعمور»؟ صرحت روايات عديدة ـ سيأتي تفصيلها في ذيل الآية (4) من سورة الطور، إن شاء الله تعالى ـ بأنه بيت في السماوات بمحاذاة الكعبة، وهو محل عبادة الملائكة، ويحج إليه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة.

لكن في أي سماء هو؟ الرّوايات مختلفة، ففي كثير منها أنه في السماء الرابعة، وفي بعضها أنه في السماء الأولى ـ السماء الدنيا ـ وجاء في بعضها أنه في السماء السابعة.

ونطالع في الحديث الذي نقله العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان في تفسير سورة الطور عن علي(عليه السلام): «هو بيت في السماء الرابعة بحيال الكعبة، تعمره الملائكة بما يكون منها فيه من العبادة، ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثمّ لا يعودون إليه أبداً»(6).

وعلى أية حال، فإنّ نزول القرآن جملة واحدة إلى البيت المعمور في ليلة القدر لا ينافي علم النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) به مطلقاً، فإنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) لا سبيل له إلى اللوح المحفوظ الذي هو مكنون علم الله، إلاّ أنّه عالم بالعوالم الأُخرى.

وبتعبير آخر، فإن ما استفدناه وفهمناه من الآيات السابقة، بأن القرآن نزل على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مرتين: نزولا دفعياً في ليلة القدر، ونزولا تدريجياً طوال (23) عاماً، لا ينافي الحديث المذكور الذي يقول: إنّه نزل في ليلة القدر إلى البيت المعمور، لأن قلب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مطلع على البيت المعمور.

وقد اتضح من خلال ما قيل في الجواب عن هذا السؤال، الإجابة عن سؤال آخر يقول: إذا كان القرآن نزل في ليلة القدر، فكيف كانت بداية بعثة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في السابع والعشرين من شهر رجب طبقاً للروايات المشهورة؟ حيث كان لنزوله في رمضان صفة الجمع والكلية، في حين أن أوّل آياته نزلت في (27) رجب، كبداية للنزول التدريجي، وبذلك فلا مشكلة من هذه الناحية.

والآية التالية وصف وتوضيح لليلة القدر، حيث تقول: {فيها يفرق كل أمر حكيم}.

التعبير بـ (يفرق) إشارة إلى أن كل الأُمور والمسائل المصيرية تقدر في تلك الليلة، والتعبير بـ «الحكيم» بيان لاستحكام هذا التقدير، وعدم تغيره، وكونه حكيماً. غاية ما في الباب أن هذه الصفة تذكر عادة لله سبحانه، ووصف الأُمور الأُخرى بها من باب التأكيد.(7)

وهذا البيان ينسجم مع الرّوايات الكثيرة التي تقول: إنّ مقدرات كل بني آدم لمدّة سنة تقدر في ليلة القدر، وكذلك تفرق الأرزاق والآجال والأُمور الأُخرى في تلك الليلة.

وسيأتي تفصيل الكلام في هذا البحث والمسائل الأُخرى التي ترتبط بليلة القدر، وعدم التناقض بين هذا التقدير، وبين حرية البشر، في تفسير سورة القدر، إن شاء الله تعالى.

وتقول الآية الأُخرى لتأكيد أنّ القرآن منزل من قبل الله تعالى: {أمراً من عندنا إن كنا مرسلين}.(8)

ولأجل تبيان العلة الأساسية لنزول القرآن وإرسال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وكون المقدرات في ليلة القدر، تضيف الآية: {رحمة من ربّك}.(9)

نعم، فإن رحمته التي لا تُحدُّ توجب أن لا يترك العباد وشأنهم، بل يجب أن ترسل إليهم التعليمات اللازمة لترشدهم في سيرهم إلى الله عبر ذلك المسير التكاملي المليء بالإِلتواءات والتعرجات، فإن كل عالم الوجود يصدر عن رحمته الواسعة وينبع منها، والبشر أكثر تنعماً بهذه الرحمة من كل الموجودات.

وتذكر نهاية هذه الآية ـ والآيات التالية ـ سبع صفات لله سبحانه، وكلها تبين توحيده ووحدانيته، فتقول: {إنّه هو السميع العليم} فهو يسمع طلبات العباد، وهو عليم بأسرار قلوبهم.

ثمّ تقول مبينة للصفة الثالثة {ربّ السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم مؤقنين}(10)(11)

لمّا كان كثير من المشركين يعتقدون بوجود آلهة وأرباب عديدين، وكانوا يظنون أن لكل موجود من الموجودات إله. ولمّا كان التعبير بـ (ربّك) في الآية السابقة يمكن أن يوهم أن ربّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) غير ربّ الموجودات الأُخرى، فإن هذه الآية أبطلت كل هذه الأوهام بجملة {ربّ السماوات والأرض وما بينهما} وأثبتت أن ربّ كل موجودات العالم واحد.

وجملة {إن كنتم موقنين} التي وردت هنا بصيغة الجملة الشرطية، تبعث على التساؤل: هل أن كون ربّ العالم ربّاً، مشروط بمثل هذا الشرط؟

الظاهر أن المراد من ذكر هذه الجملة هو بيان أحد معنيين أوكليهما:

الأوّل: إذا كنتم طلاب يقين، فإنّ السبيل إلى ذلك هو أن تتفكروا في ربوبية الله المطلقة.

والآخر: إذا كنتم من أهل اليقين فإن أفضل مورد لتحصيل هذا اليقين هو أن تتفكروا في آثار رحمة الله، فإنّكم إذا نظرتم إلى الآثار في كل عالم الوجود دلتكم على أن الله ربّ كل شيء، وإذا فلقتم قلب كل ذرّة رأيتم فيه دلالة على هذه الربوبية، ثمّ إذا لم توقنوا بعد هذا بكونه تعالى رباً، فبأي شيء في هذا العالم يمكن أن توقنوا وتؤمنوا؟

وتقول في الصفة الرابعة والخامسة والسادسة {لا إله إلاّ هو يحيى ويميت}(12)فحياتكم ومماتكم بيده، وهو سبحانه ربكم ورب العالمين، وعلى هذا فلا إله سواه، أو يكون من ليس له مقام الربوبية ولا أهليتها، ولا يملك الحياة والموت ربّاً ومعبوداً؟!

وتضيف في الصفة السابعة {ورب آبائكم الأولين} فإذا قلتم: إنّكم إنّما تعبدون الأصنام، لأنّ الأصنام، لأن آباءكم كانوا يعبدونها، فاعلموا أن ربّهم هو الله الواحد الأحد أيضاً، وعلاقتكم بآبائكم وارتباطكم بهم يوجب عليكم أن لا تعبدوا إلاّ الله، وأن لا تخضعوا إلاّ له، وإذا كان سبيلهم غير هذا السبيل فقد كانوا على خطأ بلا ريب.

من الواضح أنّ مسألة الحياة والموت من شؤون الله وتدبيره، وإذا كانت الآية قد ذكرتها بالخصوص، فلأن لها أهمية فائقة من جهة، ولأنّها إشارة ضمنية إلى مسألة المعاد من جهة أخرى، وليست هذه هي المرة الأولى التي يؤكّد فيها القرآن على مسألة الحياة والموت، بل بيّنها مراراً على أنّها من الأفعال المختصة بالله تعالى، لأن مسألة الحياة والموت أكثر المسائل تأثيراً في حياة البشر ومصائرهم، وهي في الوقت نفسه أعقد مسائل عالم الوجود، وأوضح دليل على قدرة الله تعالى.

الدّخان القاتل:

لما كان الكلام في الآيات السابقة في أنّ هؤلاء إن كانوا طلاّب يقين، فإنّ سبل تحصيله كثيرة، وتضيف أوّل آية من هذه الآيات {بل هم في شك يلعبون} فإنّ شك هؤلاء في حقانية هذا الكتاب السماوي وفي نبوّتك، ليس نابعاً من كون المسألة معقدة صعبة، بل من عدم جديتهم في التعامل معها، فهم يتعاملون معها بهزل، فيستهزئون ويسخرون تارة، ويصفون أنفسهم بعدم الاطلاع والإلمام وبالجهل تارة أخرى، ويشغلون أنفسهم كل يوم بأُسلوب لعب جديد.

«يلعبون» من مادة اللعاب ـ على قول الراغب ـ وهو البزاق السائل، ولما لم يكن للإنسان هدف مهم من اللعب، فقد شبه بالبزاق الذي يبصقه الفرد لا إرادياً.

ومهما كان، فإن الحقيقة هي أن التعامل الجدي مع المسائل يعين الإنسان في معرفة الحقائق، أمّا التعامل الهازل الفارغ فإنّه يلقي الحجب عليها ويمنعه من الوصول إليها.

___________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12، ص435-443.

2 ـ راجع تفسير بداية سورة البقرة، بداية سورة آل عمران، بداية سورة الأعراف.

3ـ سنبحث حول فلسفة الأيمان والقسم في القرآن، والهدف الأساسي منها، في تفسير الجزء

الأخير من القرآن الكريم، في ذيل الآيات الكثيرة التي يلاحظ القسم فيها مكرراً. إن شاء الله

تعالى.

4 ـ تراجع مفردات الراغب، مادة نزل.

5 ـ تفسير نور الثقلين، المجلد 4، ص 620. وقد ذكر هذا الحديث أن القرآن نزل تدريجياً في

عشرين سنة، في حين أننا نعلم فترة النبوة التي نزل فيها القرآن كانت (23) سنة، ولعله هذا

القول اشتباه من الراوي، أو غلط في نسخ الحديث.

6 ـ مجمع البيان، المجلد 9، صفحة 163. وقد جمع العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار، المجلد

58، صفحة 55 وما بعدها، الروايات المتعلقة بالبيت المعمور. والجدير بالذكر ان ما ورد من الاحاديث خمسة عشر حول الموضوع يعتبر الحديث السادس ((يدخله في كل يوم سبعون الف ملك ويخرجون منه ولا يعودون الية الى يوم القيامة )) والظاهر ان هذا الحديث أكمل واشمل من غيره ، ص58.

7 ـ ذكر في تفسير الميزان تفسير آخر لهذه الآية، خلاصته، إن الأُمور هذا العالم مرحلتين:

مرحلة الإِجمال والإِبهام، والتي عبر عنها بـ (حكيم)، ومرحلة التفصيل والكثرة، والتي عبر

عنها بـ (يفرق) المجلد 18، صفحة 140.

8 ـ هناك احتمالات مختلفة في محل جملة {أمراً من عندنا...} من الإعراب، وإلى أي من

بحوث الآيات السابقة تنظر؟ وأنسب هذه الإحتمالات أن تكون جملة {أمراً من عندنا} حالا

لضمير مفعول {إنا أنزلناه} ، أي: إنِّا أرسلنا القرآن، وكان ذلك أمراً من عندنا. وهذا الإِحتمال

ينسجم في هذه الصورة تماماً مع جملة {إنّا كنّا مرسلين} والتي تتحدث عن إرسال النبي(صلى

الله عليه وآله وسلم).

ويحتمل أيضاً أن يكون توضيحاً بـ {كل أمر حكيم} ونصبها على الاختصاص، فيكون المعنى:

أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا.

9 ـ (رحمة من ربّك) مفعول لأجله بـ (إنّا أنزلناه)، أولـ (يفرق كل أمر حكيم)، أو لكليهما.

10 ـ كلمة (ربّ) في هذه الآية بدل من (ربّ) في الآية السابقة.

11 ـ جزاء الجملة الشرطية (إن كنتم موقنين) محذوف، وتقدير الكلام: إن كنتم من أهل اليقين، أوفي طلب اليقين، علمتم أن الله ربّ السماوات والأرض وما بينهما.

12 ـ يمكن أن تكون جملة (لا إله إلا هو) استئنافية، أو خبراً لمبتدأ محذوف تقديره: هولا إله إلا هو. إلا أن الإحتمال الأول هو الأنسب.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .