أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-10-2017
3224
التاريخ: 8-6-2016
4350
التاريخ: 4-4-2017
4859
التاريخ: 13-6-2016
2363
|
ان القضاء العادي – المدني – في العراق كان يملك من حيث المبدا، ولاية النظر في كافة المنازعات المتعلقة بالإدارة أيا كان موضوعها. وبالرغم من ان النصوص السابقة، تقرر الولاة العامة للقضاء في نظر تلك المنازعات، الا ان المشرع أورد بشانها استثناءات غير قليلة كما هو الحال بالنسبة للدعاوي النشئة عن تطبيق احكام قوانين الجنسية والإصلاح الزراعي والاستملاك وضريبة الدخل ودعاوى التعويض عن الوفاة او الإصابة البدنية وفقا لقانون التامين الالزام عن حوادث السيارات، وغيرها(1). وعلى الرغم – أيضا – من وفرة النصوص السابقة ووضوحها، فقد ذهب راي في الفقه العراقي، الى ان المحاكم العراقية لا تملك الغاء الامر او القرار الإداري الذي يتبين لها عدم مشروعيته، كما لا يجوز لها ان تحكم بإيقاف تنفيذه وان غاية ما تستطيعه هذه المحاكم هو ان تحكم – فقط – بالتعويض المناسب لمن لحقه ضرر من الامر او القرار الإداري غير المشروع (2). ونحن لا نرى ثمة ما يحول – آنذاك – دون خضوع القرارات الإدارية المشروعة لولاية القضاء الغاء وتعويضا باستثناء الحالات التي نص المشرع على استعبادها صراحة. فلا يوجد مانع قانوني، سواء في الدساتير العراقية المتعاقبة منذ صدور القانون الأساسي لسنة 1925، او في التشريعات التي صدرت بموجبها، يمنع او يقيد ولاية القضاء العامة على اعمال الإدارة الغاء او تعويضا كما كان عليه الحال في مصر – مثلا – في ظل العمل بلائحة ترتيب المحاكم الاهلية قبل انشاء مجلس الدولة (3)، او كما هو الحال في الكويت في ظل قانون تنظيم القضاء رقم (19) لسنة 1959(4)، فمثل هذه التشريعات – على الرغم من اعتقادنا بعدم دستوريتها – يمكن ان تحول دون بسط القضاء لولايته على القرارات الإدارية عموما سواء من حيث الغائها او وق تنفيذها او التعويض عنها ناو قصر اثار رقابته عليها على التعويض دون الإلغاء او الوقف. اما وانه لا يوجد مثيل لهذه النصوص لا في الدساتير العراقية ولا في التشريعات الصادرة بموجبها او وفقا لها، فان القول بتقييد ولاية القضاء قول لا سند له من القانون، ويتنافى مع الأصل العام الذي يسود دول القضاء الموحد والذي يتمثل في ولاية المحاكم العامة على جميع المنازعات الإدارية الغاء وتعويض الا ما يستثنى من تلك الولاية بنصوص صريحة(5).
والاعتراف للقضاء العادي، في نظام القضاء الموحد، بولاية الغاء القرارات الإدارية، يتفق مع الغاية من تقرير الرقابة القضائية لا سيما وان ولاية الإلغاء تعد من اهم وسائل حماية المشروعية وسادة القانون.
والقول بغير ذلك يقود الى نتائج خطيرة بل غر منطقية، اذ كيف يكون مستساغا ان تترك القرارات والأنظمة قائمة اذا ثبت للقضاء – او تراءى له على الأقل – بمناسبة المنازعات المعروضة عليه انها غير مشروعة او تفتقد الى سند قانوني يغطيها؟ فقضاء الإلغاء يعني الحماية القانونية المنظمة لمبدا المشروعية الذي لا يستطيع قضاء التعويض لوحده توفيرها.
وليس ادل على ذلك من انه حتى في دولة ذات دستور مرن مثل إنجلترا، فان الفقه والقضاء من التصدي لرقابة القرارات الإدارية على الرغم من انه لم يعترف لنفه بحق الرقابة على دستورية القوانين، وقرر قبول الطعن بالالغاء في هذه القرارات حتى ولو صرح القانون بعدم جواز هذا الطعن، وذلك استنادا الى ان الطعن بتجاوز السلطة له صفته العامة باعتباره من القانون العام(6).
ولا يغير من الحقيقة السابقة احجام المحاكم العراقية – او ترددها – عن فرض او ممارسة رقابتها في الإلغاء على الأنظمة والقرارات الإدارية وعدم الإقرار لنفسها بغير ولاية التعويض عن غير المشروع من تلك الأنظمة والقرارات، فقد فسرت هذه المحاكم النصوص التشريعية تفسيرا ضيقا مؤداه انها لا تملك سوى الفصل في الحقوق المدنية التي تتعرض للاعتداء ان طلب منها ذلك، او بالفصل في منع الإدارة من المعارضة في تصرف ما من قبل الغير وفق ما يعرف في العراق بدعوى (منع المعارضة)(7). ومع ذلك فقد انتهت محكمة التمييز الى الاعتراف للمحاكم العراقية بولاية الغاء القرارات الإدارية غير المشروعة، وان كان ذلك على نحو محدود(8). وبالرغم من هذا القضاء فان محكمة التمييز، وخلفها بقية المحاكم العراقية، لم تستعمل حقها – كاملا – في الغاء الأنظمة والقرارات غير المشروعة، ولعل ذلك يعود، فضلا عن احجام المحاكم وترددها في بسط رقابتها على اعمال الإدارة لاسيما رقابة الإلغاء، الى كثرة النصوص المقيدة لولاية القضاء، واعتبار معظم الموضوعات التي تتضمنها أنشطة الإدارة من اعمال السيادة التي يخرجها المشرع العراقي من ولاية القضاء.
وبدلا من ان تعمل محكمة التمييز – ومعها بقية المحكمة العراقية – على بسط رقابتها في فحص مشروعية الأنظمة والقرارات الإدارية، وتاكيد أهمية تلك الرقابة ضمانا لحقوق الافراد وحرياتهم من تعسف الإدارة وانحرافها، فانها قيدت نفسها بنفسها فعاقها احجامها وترددها عن واجبها في التصدي للرقابة على اعمال الإدارة وإلغاء غير المشروع منها(9).
______________________
1- يرى بعض الفقه ان مبرر هذه الاستثناءات يمكن في (ان قواعد القانون الخاص التي الف القاضي العراقي على تطبيقها لتلاءم المنازعات الناشئة جراء تطبيق تلطك القوانين، ولهذا تحال هذه المنازعات الى لجان او مجالس ذات اختصاص قضائي اقرب الى ان يكون إداريا)). انظر الدكتور فاروق احمد خماس، المصدر السابق، ص90. ونحن نرى انه لا يمكن التسليم بهذا الراي، ذلك ان القضاء العادي وان كان الأصل فيه تطبيق قواعد القانون الخاص فيما يعرض عليه من منازعات لكن ذلك لا يمنع ولا يحول دون امكان تطبيق ما يراه ملائما من مبادئ وقواعد القانون العام على المنازعات التي تكون جهة الإدارة طرفا فيها حسب طبيعة المنازعاة، وبالفعل فثمة تطبيقات قضائية غير قليلة نظرت فيها المحاكم المدنية من هذه المنازعات وفصلت فيها طبقا لقواعد القانون العام، وخصوصا الهيئة المدنية في محكمة التمييز.
2- د. عبد الرحمن نورجان الايوبي، القضاء الإداري في العراق (رسالة دكتوراه)، كلية الحقوق بجامعة القاهرة، 1965، ص224.
3- تنص المادة (15) من لائحة ترتيب المحاكم الاهلية في مصر على انه: ((... المحاكم دون ان يكون لها تاوي عمل اداري او إيقاف تنفيذه تختص:
1- في المواد المدنية والتجارية بكل المنازعات التي تقع بين الافراد والحكومة بشان عقار او منقول.
2- بدعاوي المسؤولية المدنية المرفوعة على الحكومة بسبب إجراءات إدارية وقعت مخالفة للقوانين واللوائح)).
4- تنص المادة الثانية من قانون تنظيم القضاء الكويتي رقم (19) لسنة 1959، على انه ((ليس للمحاكم ان تنظر في اعمال السيادة، ولها دون ان تلغي الامر الإداري او توقف تنفيذه او تؤوله ان تفصل في المنازعات المدنية والتجارية التي تقع بين الافراد والحكومة عدا الحالات التي ينص فيها القانون على غير ذلك)).
5- جاءت الدساتير العراقية جميعا خلوا من أي نص يحظر او يقيد ولاية القضاء العامة في نظر جميع المنازعات بما فيها تلك التي تكون الإدارة طرفا فيها، بل على العكس فانها نصت على استقلال القضاء وعدم خضوعه لأي سلطة غير القانون، كما نصت على كفالة حق التقاضي للمواطنين. م/73 من القانون الأساسي لسنة 1925، م/36/أ، ب من دستور سنة 1970. كما أورد المشرع اكثر من نص قانوني يؤكد الاتجاه السابق، من ذلك ما نصت عليه المادة (18) من قانون أصول المرافعات المدنية والتجارية رقم (88) لسنة 1965 من ان ((للمحاكم المدنية حق القضاء عل جميع الأشخاص طبيعية كانت ام معنوية بما في ذلك الحكومة، في كل الدعاوي والأمور المدنية والتجاري)). وما نصت عليه المادة (29) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 من انه ((تسري ولاية المحاكم المدنية على جميع الأشخاص الطبيعية والمعنوية بما في ذلك الحكومة وتختص بالفصل في كافة المنازعات الا ما استثني بنص خاص. كما أورد المشرع مثل هذه النصوص في قانوني السلطة القضائية رقم (26) لسنة 1963 (المادة الثالثة) وقانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 (المادة الثانية)، وكان مشرع قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 اكثر وضوحا في اعلان رغبته في ان يتصدى القضاء المدني لاختصاصات القضاء الإداري – ولا شك ان سلطة الإلغاء في مقدمها – حين ذكر في المذكرة الايضاحية للقانون))... وقد اتجه القانون الى جعل ولاية المحاكم المدنية شاملة لكافة الأشخاص الطبيعية والمعنوية ولكافة الدعاوى الا ما استثني بنص خاص حتى تتسع هذه الولاية للدعاوى الإدارية التي يقوم القضاء حاليا بوظيفة الفصل فيها حتى يحين الوقت لانشاء مجلس دولة وحتى تجد كل ظلامة من يحققها او يفصل فيها ((. وفي تأكيد هذا الاتجاه يذهب الدكتور محمد فؤاد مهنا الى تقرير كون)) المحاكم القضائية في العراق تملك في القضايا التي تعرض عليها اصدار الاحكام التي تستلزمها طبيعة النزاع المعروض عليها دون تفرقة بين ما اذا كان النزاع إداريا او مدنيا او جزائيا، وانها تملك تبعا لذلك الحكم على الإدارة بالتعويض او الإلغاء او برد الشئ الى اصله وإعادة المال المستولى عليه لمالكه بالتطبيق لمبادئ واحكام القانون المدني والقانون الإداري". انظر مؤلفه مسؤولية الإدارة في تشريعات البلاد العربية، القاهرة، 1972، ص53.
6- حكم مجلس الدولة لفرنسي في قضية (لاموت) ضد وزير الزراعة بتاريخ 17/2/1950، انظر في تفصيل هذا الحكم د. سعاد الشرقاوي، الوجيز في القضاء الإداري (الجزء الأول)، القاهرة، 1981، ص298.
7- د. إبراهيم طه الفياض، مسؤولية الإدارة عن اعمال موظفيها في العراق (رسالة دكتوراه) – كلية الحقوق بجامعة القاهرة، 1973، ص5، ود. عصام البرزنجي، الرقابة القضائية على اعمال الإدارة في العراق وافاق تطورها، مجلة العلوم القانونية والسياسية، كلية القانون والسياسة، جامعة بغداد، المجلد الرابع، العدد الأول والثاني، 1985، ص166.
8- انظر حكم محكمة التمييز في الدعوى رقم (1464) بتاريخ 26/7/1975،.
9- يقول الدكتور احمد كمال أبو المجد في رسالته الموسومة ((الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الامريكية ومص،)) لتتذكر محكمتنا العليا التي نعتز بها – في المقام الأول – ان المحكمة العليا الامريكية لم تنل ما نالته من هيبة ومكانة في نفوس الشعب الأمريكي بحكمتها واعتدالها وتراجعها عن التصدي للمشاكل الدقيقة الحساسة، وانما نالت ذلك كله باقدامها ومواقفها المشهودة في الدفاع عن سيادة القانون. وان زوار مدينة واشنطن اذ يحجون الى محكمتهم العليا مصطحبين معهم أطفالهم الصغار، انما يفعلون ذلك لعلمهم ان تلك الساحة حرم امن تصان فيه الحقوق والحريات وتعلو كلمة القانون على كل كلمة مهما بلغت سطوتها ونفوذها ". القاهرة، ص622.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|