أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-2-2017
4463
التاريخ: 2024-11-09
168
التاريخ: 11-7-2022
1909
التاريخ: 15-11-2021
2474
|
ان الاقرار القضائي يصدر وهو ضد مصلحة المقر ، ولما كان كذلك فيكون هذا مدعاة إلى ترجيح احتمال صدقه على كذبه ، ومن ثمّ يكون ـ على الاقرب ـ انهُ مطابق للواقع ، ويزداد هذا الاحتمال قوة في خصوص هذا الاقرار لأن وقوعه امام القضاء يجعل المقر ملتفتا لما يطرحهُ بين يدي القاضي وأن ما يُدلي به سيؤاخذ عليه(1)، وان ذلك يجلبُ انتباههُ إلى خطورة الاثار القانونية المترتبة على أقواله(2)، فهذه الصفة التجريدية للاقرار تفرض ، طبعاً ـ أن يؤخذ المقر بما أقر به هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ان الانسان مجبول على حب التملك فلا يتصور ان يُقدم على ما يؤدي إلى نزع ملكيته دون وجه حق ، ومن غير المنطقي ان يتخلى عنها بلا مبرر(3)، فكل ذلك يعزز ان ما أقر به المقر هو حق وواقع فلذا كان اقراره حجة عليه(4). فان نظام الخصومة الذي يقوم على أساس ان كل طرف يدافع عن مصلحته الشخصية ، وان من مصلحة الخصم ان يعترض على ثبوت الواقعة المدعى بها ، وما دامَ هو لم يعترض بل على العكس أقر بها ، فانهُ تيسيرٌ على المحكمة ـ عندما لا يتعلق الامر بالنظام العام ـ يستحسن اعطاء الاقرار القضائي هذه الحجّية(5). وهناك من يضيف ـ ايضاً ـ أن أصل الحجّية يرجع إلى الحكم القضائي الذي تضمن الاقرار المنتج لآثاره ، فانه يعطي للاقرار قوة التنفيذ على المقر ولا يقبل دليلاً ينقض حجّية الاحكام الباتة(6)، ولكن ـ نعتقد ـ ان هذا الامر ليس مختصاً بالإقرار القضائي فحسب وانما ينطبق على أي حكم يصدر من القضاء باي قضية من القضايا ، فهذا الامر مرتبط بحجية الامر المقضي به لا بأصل حجّية الاقرار القضائي . يتضح أن مبنى فقهاء القانون في أصل حجّية الاقرار القضائي هو حكم عقلي ؛ لأن الاقرار بالشيء أضرار بالنفس ، والعقل يحتم علينا ان نعطي هذا الاقرار الثقة بصحته ، لانه من غير المعقول ان يقدم المقر على ما هو ضررٌ عليه لو لم يكن ما أقر به حقاً ، فما ذكره هؤلاء الفقهاء من الاحتمال الراجح ، والصفة التجريدية ، وحب الملكية ، والاستحسان ، فهي أمور تنسجم مع ما يقتضيه العقل وتتوافق مع سلوك العقلاء . وهنا لابد من النظر في أصل هذه الحجّية كما هي في الفقه الإسلامي لأن ما استند اليه الفقهاء المسلمون للقول بالحجّية الشرعية للاقرار يكون ـ أيضاً ـ اصلاً للحجية القانونية للاقرار القضائي لا سيما بالنسبة للتشريعات المتأثرة بهذا الفقه كقانون الاثبات العراقي ، علماً بان الفقهاء المسلمين استندوا الى اكثر من اصل في هذه الحجّية ، وفيما يلي عرض لتلك الأصول إيجازاً على النحو الآتي :
أولاً : القرآن الكريم :
لقد استدل فقهاء الشريعة بأكثر من آية من آيات القرآن الكريم على حجّية الاقرار ، نورد بعضاً منها :
1. قوله تعالى : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ((7). فالآية الكريمة تأمر بان يكون الانسان شاهداً على نفسه أقامةً للعدل ، وشهادة الانسان على نفسه هي اقرارهُ بالحق الذي عليه ، وان الامر الوارد في الاية هو للوجوب فيدل على ان الاقرار حجة.
2. قوله تعالى : )... وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً ... ((8) فقد أمرت الآية الشريفة بالاملاء ، والاملاء هنا هو الأقرار الكتابي ، وان دلالة الآية واضحة على حجّية الاقرار ، لانه لو لم يكن الاقرار حجة لما أمر الله مَنْ عليه الحق ان يقر مُوثقاً اقراره بالكتابة ، ثم ان النهي عن البخس كما ذكرت الآية يدل على لزوم ما أقر به .
ثانياً : السُنة الشريفة :
لقد أستند الفقهاء في تقرير حجّية الاقرار إلى أكثر من حديث وخبر وارد في السنة نوردُ بعضاً منها :
1. (قولوا الحق ولو على انفسكم)(9).
رُوي هذا الحديث عن النبي ولقد تقدم ان قول الحق على النفس هو الاقرار بينما قول الحق على الغير هو الشهادة .
2. (اقرار العقلاء على انفسهم جائز)(10).
رُوي هذا الحديث عن النبي ـ ايضاً ـ وهو مستَند لكثير من الفقهاء في الاستدلال على حجّية الاقرار ، ويراد (بالجواز) الوارد فيه أي النفاذ والامضاء وترتب الاثر المقصود ، فمعنى الحديث : ان اقرار العقلاء ـ رغم ضرره عليهم ـ يكون طريقاً كاشفاً عن وجود المقر به وثبوته .
فيظهر منهُ ان تمام الملاك في حجّية الاقرار ان الانسان العاقل لا يقر كاذباً بشيء مع عدم المصلحة لهُ أو عليه ، فكيف يقر كاذباً بشيء مع حصول ضرره عليه(11)؟
ثالثاً : العقل :
ان العقل يرى ما يصدر عن الانسان العاقل من إخبار يترتب عليه حقوق للاخرين ، وهو مريدٌ ذلك ، فانه يلزم به ، ويكون طريقا لإثبات ما أقر به ، اذ لو كان الحق لنفسه فلا يقر به لغيره من دون داع ، وهذا هو الاعم الاغلب في تصرفات العقلاء ، أما أنَّ هناك من قد تحمله نفسه على الاقرار كاذباً ، فان هذا الصنف من الناس شواذ وهو أستثناء من الشأن العام في اقرار العقلاء .
وعلى أساس هذا المرتكز العقلائي نرى ان القضاة في مختلف الاقطار ولدى جميع المذاهب والاتجاهات وعلى مر العصور يَعدّون الاقرار من اقوى الحجج والادلة .
رابعاً : الاجماع :
لقد أجمعت الأمة واتفقت كلمة الفقهاء من مختلف المذاهب والمدارس الفكرية من عهد النبي 7 إلى يومنا هذا على أن الاقرار حجة في حق المقر ، ولم ينكرها احد ، وجرى تعامل الناس واقضيتهم في جميع المعاملات على ذلك(12).
______________________
1- د. آدم وهيّب النّداوي ، دور الحاكم المدني في الاثبات ، ط1 ، الدار العربية ، بغداد ، 1976م ، ص313 ـ د. سليمان مرقس ، اصول الاثبات ، ط2 ، مكتبة الانجلو مصرية ، 1952م ، ص170 .
2- يلاحظ ان من يتمسك بالاحتمال الراجح هذا كأصل لحجية الاقرار القضائي بأعتبار وقوعه امام القاضي ويعلل اعطاء السلطة التقديرية للقاضي بالنسبة للاقرار الذي لم يقع أمامه باعتبار ان المقر اقل حيطة في أمره وأقصر نظراً في حساب عواقبه ، فهذا محل نظر اذا كان بنفس الوقت يذهب الى ان الاقرار الواقع في غير الدعوى التي صدر فيها انهُ غير قضائي ومن ثمّ فهو ليس بحجة ، مع العلم انه من الواضح ـ أن اقوال المقر ـ ايضاً ـ وقعت امام القاضي ، فهذا احد الامور التي جعلتنا لا نرجح الاتجاه الثاني بشأن تعريف ومنشأ الصفة القضائية للاقرار القضائي . أنظر : المطلب الأول والثاني من المبحث المتقدم .
3- حسين المؤمن ، نظرية الاثبات ، دار الكتاب العربي ، مصر ، 1948م ، ص80 .
4- د. عصمت عبد المجيد ، شرح قانون الاثبات ، ط2 ، المكتبة القانونية ، بغداد ، 2006م ، ص101 .
5- د. قيس عبد الستار عثمان ، الاقرار واستجواب الخصوم في الاثبات المدني ، اطروحة دكتوراه مقدمة إلى مجلس كلية القانون والسياسة ، جامعة بغداد ، 1979م ، ص329 .
6- مهدي صالح محمد أمين ، أدلة القانون غير المباشرة ، دون ناشر ، بغداد ، 1987م ، ص83 ــ 84 .
7- الآية 135 من سورة النساء .
8- الآية 282 من سورة البقرة .
9- العسقلاني ، احمد بن حجر ، تلخيص الحبير في تخريج الرافعي الكبير ، ج11 ، دار الفكر ، دون مكان ، بلا سنة نشر ، ص89 .
10- الحر العاملي ، محمد بن الحسن ، تفصيل وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة ، ج23 ، ط2، مؤسسة آل البيت الاحياء التراث ، قم ، 1414هـ ، ص184 .
11- هناك طائفة من الروايات في الاقرار بالجرائم والحدود أي الاعتراف الجنائي ، وبما أن موضوع البحث الاقرار المدني اعرضنا عن ايرادها ، علماً بان فقهاء الشريعة ، يبحثون الاقرار المدني والجنائي في موضوع واحد .
12- أنظر بشأن الاصول الأربعة المذكورة : البجنوردي ، محمد حسن ، القواعد الفقهية ، ج3 ، ط1 مطبعة الهادي ، قم ، 1419هـ من ص45 الى ص53 ـ السمر قندي ، علاء الدين ، تحفة الفقهاء ، ج3، ط2 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، بلا سنة نشر ، ص217 ـ السماكية ، مجيد حميد ، حجّية الاقرار في الاحكام القضائية في الشريعة الاسلامية ، جامعة بغداد ، بلا سنة نشر ، من ص77 الى ص87 ـ الابراهيمي ، قاسم ، الاثبات القضائي ، الاقرار ، بحث منشور في مجلة فقه أهل البيت (ع) الصادرة عن مؤسسة دائرة معارف الفقه الاسلامي قم ، العدد (17) السنة الخامسة ، 2000م من ص166 الى ص169 ، والعدد (18) نفس السنة والتاريخ ، ص110 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|