أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-4-2016
2730
التاريخ: 2024-06-29
889
التاريخ: 18-4-2016
3456
التاريخ: 25-2-2022
2899
|
غالباً ما يكون أداء المثقف الثقافي معضداً ومعززاً من قبل استمراره الدؤوب في إيصال معاييره وقيمه وأهدافه إلى الآخرين الذين يعكس حيويته في تمثيل الأفكار والمعتقدات التي تتضمنها ثقافة مجتمعه التي بدورها تعكس ديمومة أدائه وتعطي صورة لنموذجه المختلف عن نماذج المثقفين في حقب زمنية سالفة من خلال مقارنتها مع أدائه. بيد أن عمله هذا لا يقتصر فقط على هذه المهمة بل هناك أحداث تحصل داخل المجتمع ليس لها خلفية تاريخية أو ثقافية في مجتمعه، الأمر الذي يتطلب منه أن يبلور نموذجاً أدائياً بنفسه يوصله إلى العامة ومن ثم ينقل إلى أجيال لاحقة. معنى ذلك أن عمل المثقف. لا يقتصر على التعبير والتثمين بل الإحساس والادراك لما يحصل حوله من أحداث مسرة أو محزنة أو ظاهرة أو مستترة، وهذا يمثل ميلاً أو استعداداً عند كل شخص يدعي أو يعتقد بأنه مثقف ليترجمه على صورة عقلانية ترمز أو تشير إلى إدراك إحساسه للأحداث أو تدلل على درايته بالقواعد والإجراءات القائمة في محيطه الاجتماعي لكي يقدم الأفضل والأحسن من النماذج التي كانت معتمدة في حقب غابرة من قبل مثقفيها وهذه في الحقيقة منافسة غير معلنة (أي منافسة بين المثقفين المعاصرين والسالفين) تختبر المثقف المعاصر وقدرته على مواجهة المستجدات وقراءة الإرث الثقافي الموروث والاستفادة من ايجابياته وسلبياته.
لا جرم من القول بأن كل حقل علمي أو معرفي يعمل فيه المثقف يكون مالكاً كماً من الأداءات الثقافية المتراكمة عبر عقود من الزمن قدّمها مثقفو كل مرحلة كونت تقليداً في تحديد شكل وأسلوب الأداء الثقافي فيه. فالمثقف والمبدع والمخترع والأديب والكاتب والعالم والباحث والجامعي والصحفي والآثاري والفنان يتم اختيارهم في العمل عند هذه المؤسسات العلمية أو الثقافية حسب قواعد وشروط ومواصفات نابعة من تراثها المتراكم، عندها حصلت عليه عبر حياتها ونشاطها العلمي والثقافي نقوم بتنشئة المقبول فيها على قبول واستحسان وتنمية وتطوير إرثها الخاص بها فلا تستطيع أن تهمل أو لا تلتزم بقواعده، وان حصل ذلك فإنها تقع في خسارة ثقافية فادحة. بتعبير آخر، لكل حقل علمي أو ثقافي خلفية تراثية تكون من خلال مساهمات أعضائه الناشطين والفاعلين والمنتجين والمبدعين لتمثل مواجهات ثقافية عامة ترشد المثقفين في أداء نشاطهم حتى تتكامل حلقاتها وتنمي نتاجاتها ولا تتعاكس معها. واذا حصل ذلك فإنه يعيق نموه ويؤدي بالتالي إلى ضموره وذبوله وهذا ما لا يرضاه المثقف لنفسه وللحقل الذي يعمل فيه.
في الواقع هناك توجيهات قيمية غير مباشرة تقوم بتوجيه وارشاد سلوكيات الأفراد التي يمارسونها في الحياة اليومية داخل الأسرة والمصنع والمعمل والمكتب والدوائر المدنية تحدد علاقاتهم بهذه التنظيمات وتوضح لهم العلاقات الاجتماعية والتسويات والفساد والإخلال بالنظام والتركيز عليه على السواء. فتاريخ الإنسان القديم يقول لنا إن التوجيهات القيمية القديمة كان تقود الإنسان في ذلك الزمن إلى الاهتمام بالمطلق وما يدور في فلك حياته اليومية وربطه بالمعتقدات والرموز الدينية، استمرت هذه الحالة حتى ظهور الديانات السماوية - الكتابية في تفسير وتأويل كافة ممارساته السلوكية وتبصير طموحاته في الدخول إلى عالم المطلق لكن أضحى نشاط المثقف العلمي في العصر الحديث مركزاً على الاهتمام في البحث عن الحقيقة (وليس المطلق) والأسس المستكنة في الأحداث والظواهر والأفعال الإنسانية من أجل إرساء علاقة بين الذات والجوهر سواء أكانت هذه العلاقة معرفية أو استحسانية أو تعبيرية. اللافت للانتباه أيضا هو أنه كلما كان الإنسان عميقاً في تفكيره الديني زاد ذلك من مثابرته وإصراره على الاتصال بالقوى المطلقة المهيمنة على أسس الحياة البشرية، وكلما تبحر الإنسان في التوجيهات العلمية وخضع لها زاد ذلك من طموحه في معرفة القوانين العامة والشاملة التي تتحكم في الوجود الإنساني والكوني.
لكن مهما قيل ويقال عن الاختلافات القائمة بين المثقف الديني والعلمي لأنهما يشتركان بقاسم مشترك أعظم وهو الإصرار المجد في معرفة أسرار الكون والوجود الإنساني وعلاقته بالمقدسات الدينية وأن التوجيهات القيمية التقليدية (الدينية أو العلمية) محترمة عندهما وملتزمين بها يستخدمونها في تأويلاتهم وتفاسيرهم، وهذا يشير إلى أن المثقف سواء أكان متديناً أو فيلسوفاً أو عالماً فإن له تقاليد قيمية توجه اهتمامه وقراءاته وتبحره وتحليله للأحداث التي يريد معرفتها في محيطه الاجتماعي ومرحلته الزمنية التي يعيش فيها. بمعنى آخر أنه غير مجرد (مهما اختلفت ثقافته) أو مستقل عن ضوابط مجتمعه وتوجيهاتها القيمية. لذلك نجدها تختلف باختلاف المراحل التطورية التي يمر منها المجتمع، وهذه حالة صحية في نظرنا لأنه لا يسحب ضوابط مرحلة تطورية سابقة ويفرضها على اهتماماته وتأويلاته الثقافية للأحداث التي يتعامل معها في حياته اليومية.
لكن على الرغم مما ذكرناه آنفاً من وجود قاسم مشترك أعظم بين المثقفين من حيث التزامهم بالتوجيهات القيمية فإن هناك مجموعة من المفكرين والفلاسفة في العالم العربي القديم جدا أمثال أرسطو وأفلاطون وسقراط وسنكا خرجوا وخرقوا هذا الالتزام والخضوع للتوجيهات القيمية وفكروا وكتبوا أفكارا ونظريات تختلف عما كان سائدا في عصرهم . أي خالفوها .
وحتى في عالمنا اليوم فقد ظهر اتجاه يؤكد على الاعتبار الذاتي والاحترام الشخصي للنفس في التعبير عن الكرامة والحقوق والرأي والقناعة الشخصية التي لا تلتزم بالتوجيهات القيمية الدينية وبالذات عند أصحاب العقلية المبدعة والمبتكرة . بمعنى آخر لم تساير تيارات المجتمع السائدة فيه بل خرجت عنها ولم تهتم بالمطلق والخوارق الطبيعية بل اهتمت برموز السلطة الحاكمة وعلاقتها بالمواطنين (إما تلميعا لحكمهم أو نقدا وقدحا له) والكتابة عن مواضيع أكثر حيوية في حياة الناس اليومية ومصيرهم الاجتماعي .
وعندما انقطع أو كف المثقفون في العالم الغربي عن تبني وحمل المعتقدات الدينية برز توتر بشكل متدرج وغير متعمد ومخطط بين المثقفين وحملة المعتقدات الدينية مما بلور علاقة متوترة أحيانا ومتصارعة أحيانا أخرى وهذا بدوره أفرز صراعا آخر وقع بين السلطات الرسمية والمثقفين فأمست السلطة الرسمية وحملة المعتقدات الدينية لا يثقون بالمثقفين بل يشكون في مناشطهم ، وإزاء ذلك حصل فصل الأنشطة الدينية عن الثقافية وبات كل منهما يتبحر في ثقافته مما كثف من تقاليد المثقفين ودفعهم أكثر للالتصاق والالتزام بتقاليدهم. جدير بالذكر في هذا السياق هو تأثير هذا الفصل عند الدول الغربية على تقاليد المثقفين في أفريقيا وآسيا عندما خضعت لحكم الدول الأوربية ، إذ باتت التقاليد الدينية للمثقفين في آسيا وأفريقيا تمثل الإطار الثاني والثانوي بعد الإطار الثقافي. (85. P 1960، Shils) فأمسى هذا الصراع بين الفريقين يلعب دورا حيويا في التنشئة الثقافية لكليهما، يعمل على تطعيم تنشئة المثقفين الأسرية والمدرسية بعناصر جديدة ومتخصصة تعزز التنشئة العلمية والثورية والتقدمية عندهم الذي بدوره وسع من شقة الخلاف بين المثقفين وأصحاب النفوذ وفي الوقت ذاته حددت نوع العلاقة بينهم وبين رموز السلطة وأصحاب النفوذ كذلك نمت التقاليد العلمية والرومانسية والروائية والشعبية وحتى التقاليد ضد النظام الثقافي على السواء .
إن سياق الحديث يلزمني أن أقول بأن جميع هذه التقاليد تقع في صراعات فيما بينها وبالذات مع السلطات الدينية والتوقعات المهنية (أثناء تأدية المهن لعملة) لأنها تقع في تقاطعات مع عامة الناس. مثل هذا الصراع التقاليدي لا يخلو منه مجتمع حديث أو معاصر إذ هو موجود اليوم في بريطانيا وفرنسا وحتى في آسيا التي تتضمن عددا كبيرا من التقاليد الدينية المتنوعة وجميعهم يقعون في صراعات تمثل أصحاب التقاليد الدينية والثقافية والنفوذية وكل فريق منهم يدافع عن تقاليده المتمسك بها. معنى ذلك أن لب الصرع بين المثقفين وأصحاب النفوذ أو رجال الدين يرجع إلى تقاليد كل منهم، والى درجة التزامهم بها وممارستهم لها . ويحسن بنا أن نشير إلى أنه عندما تتآكل التقاليد فإن نقد وتقريض المثقفين لها يزداد، وعندما تتكلس التقاليد أو يحتكرها رموز السلطة وأصحاب النفوذ يزداد نقد وتقريض المثقفين لها أيضا. في الوقت ذاته تعمل التقاليد على تجنب كل عائق غريب أو دخيل عليها سواء أكان قادما من قبل المؤسسة أو رجال السلطة لتدافع عن نفسها وتقاوم كل عمل معاد لها بغض النظر. فهي بهذه الصورة تميل نحو التصادم والتعارك والنزع والمقاومة من أجل حماية نفسها والدفاع عن وجودها، لذلك لا نستغرب من حدوث صراعات بين المثقفين ورجال السياسة والدين لأن تقاليدهم جبلتهم ونشّأتهم على ذلك من أجل إثبات وجودهم ، إنما كل فريق يستخدم سلاحه في الدفاع عن نفسه . فالمثقف يستخدم عقله وقلمه ولسانه والسلطوي يستخدم قوى آمنة ورجال الدين يستخدمون التهديد والوعيد والتكفير والتحريم والتصفية الجسدية. هذا على صعيد التقاليد العلمية. أما على صعيد التقاليد الرومانسية فإنها تتميز بمعارضة صارخة أمام التقاليد العلمية وبالذات من زاوية قيمة الدوافع والانفعال عند المثقف. وازاء هذا الاختلاف البارز يكون المثقف الرومانسي مؤكدا على الظواهر العفوية والدوافع الفردانية والتركيز على التراث الشعبي وعلاقته بذات الفرد وجوهره فضلا عن تنميط الأقسام التقليدية لكل شيء قديم .
خليق بنا أن نشير إلى أن التقاليد التراثية تعمل على عزل المثقف الممارس لها والمتأثر بها عن اتصاله بتقاليد مجتمعات أخرى لأنها تبلور عنده روح التعصب فتجعله لا يرى غيرها أفضل منها وهذا يعني حجب الرؤية الصادقة والمتنوعة عنه، بحيث توصله إلى اغتيال ذاته المبدعة دون أن يعلم أو يكون ذا نتاج أحادي الرؤية والشكل والذوق بعيدا عن التطور والتناقض أو التزاوج الثقافي، وكذا الحال مع المؤسسات التقليدية التي تتحكم بسلوك أعضائها وتكسبهم أنماطا سلوكية خاصة بها فهي بعملها هذا قمعت الإبداع عندهم وجعلتهم بعيدين عن التفكير الخلاق والمنتج بحلة جديدة ، وذلك بسبب قولبتها لهم سلوكيا وفكريا وهذا يعني أن غياب تقاليد الصراع عند المثقف يجعله أحادي النظرة وضعيف الإبداع لأن تقاليده تمنعه من التعبير عن نفسه وتأملاته وأفكاره. لكن علاقة التقاليد الثورية بالتقاليد الرومانسية تكون مبنية على محاربة التسلط والحياة المبتذلة والقوى الجديدة التي ظهرت في حياة المثقفين المعاصرين .
أما التقاليد الثورية فإنها وجدت في عدة ملتقيات للمثقفين واستعارت الكثير من التقاليد الرومانسية والعلمية إنما جوهرها مأخوذ من التقاليد القديمة التي تتكلم عن عالم الخير وعالم الشر وترى العالم الأخير مليئا بالإغراءات والفساد لكن لا يبقى دائما على ما هو عليه بل سيأتي
اليوم الذي يختفي من الوجود .
بينما التقاليد الشعبية ترى الإبداع والخلق والأخلاق القويمة تفيد وتنفع الناس وبالذات الأميين والجهلة وتدعي بأنها تميز بين التعلمين وأبناء الطبقة العليا وأنها تكدح وتعمل من أجل إنقاذ المجتمع من شرور الصرح الطبقي وازالة الظلم والطغيان الواقع على البؤساء والمطحونين أخيرا معاداة تقاليد المثقف للنظام الثقافي التي ترجع إلى الفلسفة الوضعية الفرنسية والى القرون القديمة والمعتقدات الموغلة في تحليل وتفاسير المثقفين التي تستطع تحطيم قواعد النظام .
نعود إلى التقاليد التراثية وكيف يمارسها المثقف في المجتمع العربي المتأثر به إذ إن بعضهم طمس فيه، مما جعله يبتعد عن الثقافة الأجنبية الجديدة والقديمة فعزل نفسه بنفسه وزاد من تعصبه للتراث العربي دون اطلاعه على تراث آخر غير تراثه مما جعل نشاطه الثقافي مركزا على نوع واحد من الثقافة والتقوقع في قوقعتها، وهذا له مساوئ عديدة منها عدم تطوير التراث بمستجدات ثقافية جديدة أتت من ثقافات أخرى، ومنها عدم تعرف المثقف العربي على ثقافات أجنبية وما فيها من تجارب وخبرات متشابهة ومتنافرة وسواها، كل ذلك لم ينشئ هذا النوع من المثقفين العرب على التبني والتخلي بل أنكفى ودار ظهره للمستجدات الجديدة في عالم الثقافة ولم يعرفوا العالم الغربي على مقوماتها وقوة مصادرها فباتوا يمثلون عبثا ثقيلا على الثقافة العربية وعائقا في تعريفها للعالم الغربي وحاجبا لتطويرها أو إكسابها خبرات جديدة من مثقفين عرب مبدعين إنه التعصب الأعمى الذي يميز بين الخير والشر والنجاح والفشل والبناء والهدم وقبل أن ننهي حديثنا عن تقاليد المثقفين نشير إلى تنشئته التي آلت على تربيته حسب رؤية واعية ليرى الملوك أو الحدث بأوسع نظرة وأعمق تفكير ليكتشف أكبر عدد ممكن من السلبيات والنقائص فيه فيحفزه على الدخول إلى باب النقد البناء (لا النقد من أجل النقد) أو النقد الهدام لمسببي هذا الخلل أو السلب مما يدفعه ذلك إلى الدخول في صراع مع المسببين أو مع مصادر الخلل بغض النظر عما إذا كانوا من أصحاب النفوذ أو السلطة ليمارس البنية الذهنية والعلمية ضدهم . ومن هنا يأتي القول بأن إحدى حلقات تنشئة المثقف هي النقد والصراع لما يدور حوله من تفاعلات وعلاقات وظواهر ومشاكي تعيق النمو والتطور والتقدم وتعزز السكون والركود أو تخفي الحقائق وتبرز الادعاءات المضللة وتستر الأخطاء وتكشف الصح فقط أو تهرب من المسئولية وتفتخر باللامسوؤلية .
هذه الميزة لا تتوفر عند الأفراد الآخرين من غير المثقفين التي تجلب لهم المتاعب المهنية والمشاكل المالية أو الطرد من العمل أو السجن والتعذيب لكنها تزيده تألقا وارتقاء في نشاط عمله الثقافي واعتباره الاجتماعي. أقول أنه نشاط متعب نفسيا ومرهق جسديا ومكلف ماليا ومُوصِم رسميا لكنه لامع ثقافيا وناجح اجتماعيا . فأمسى النقد والصراع أحد العناصر التقليدية التي تفعل فعلها في عملية تنشئة المثقف.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|