أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-2-2017
4472
التاريخ: 2-3-2017
9156
التاريخ: 10-2-2017
1306
التاريخ: 2-3-2017
10806
|
قال تعالى : {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوالْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [البقرة: 89 - 91]
{ولما جاءهم} أي جاء اليهود من بني إسرائيل الذين وصفهم الله {كتاب من عند الله} يعني به القرآن الذي أنزله على نبيه محمد (صلى الله عليه واله وسلم) {مصدق لما معهم} أي للذي معهم من الكتب التي أنزلها الله تعالى قبل القرآن من التوراة والإنجيل وغيرهما وفيه وجهان (أحدهما) أن معناه إنه مصدق لما تقدم به الأخبار في التوراة والإنجيل فهو مصدق لذلك من حيث كان مخبره على ما تقدم الخبر به (والآخر) إنه مصدق لهما أي بأنهما من عند الله تعالى وأنهما حق {وكانوا} يعني اليهود {من قبل} أي من قبل مبعث النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ونزول القرآن {يستفتحون} فيه وجوه (أحدها) أن معناه يستنصرون أي يقولون في الحروب اللهم افتح علينا وانصرنا بحق النبي الأمي اللهم انصرنا بحق النبي المبعوث إلينا فهم يسألون عن الفتح الذي هو النصر (وثانيها) أنهم كانوا يقولون لمن ينابذهم هذا نبي قد أطل زمانه (2) ينصرنا عليكم (وثالثها) أن معنى يستفتحون يستعلمون من علمائهم صفة نبي يبعث من العرب فكانوا يصفونه لهم فلما بعث أنكروه (ورابعها) أن معنى يستفتحون يستحكمون ربهم على كفار العرب كما قال :
ألا أبلغ بني عصم رسولا *** فإني عن فتاحتكم غني
أي عن محاكمتكم به وقوله {على الذين كفروا} أي مشركي العرب {فلما جاءهم ما عرفوا} يعني محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) أي عرفوا صفته ومبعثه {كفروا به} حسدا وبغيا وطلبا للرياسة {فلعنة الله} أي غضبه وعقابه {على الكافرين} وقد فسرنا معنى اللعنة والكفر فيما مضى .
ثم ذم الله سبحانه اليهود بإيثارهم الدنيا على الدين فقال {بئسما اشتروا به أنفسهم} أي بئس شيئا باعوا به أنفسهم أو بئس الشيء باعوا به أنفسهم {أن يكفروا} أي كفرهم {بما أنزل الله} يعني القرآن ودين الإسلام المنزل على محمد (صلى الله عليه واله وسلم) فإذا سأل كيف باعت اليهود أنفسها بالكفر فالجواب أن البيع والشراء إزالة ملك المالك إلى غيره بعوض يعتاضه منه ثم يستعمل ذلك في كل معتاض من عمله عوضا خيرا كان أوشرا فاليهود لما أوبقوا أنفسهم بكفرهم بمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) وأهلكوا خاطبهم الله بما كانوا يعرفونه فقال بئس الشيء رضوا به عوضا من ثواب الله وما أعده لهم لو كانوا آمنوا بالله وما أنزل الله على نبيه النار وما أعد لهم بكفرهم ونظير ذلك الآيات في سورة النساء من قوله أ لم تر الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت إلى قوله وآتيناهم ملكا عظيما وقوله {بغيا} أي حسدا لمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) إذا كان من ولد إسماعيل وكانت الرسل قبل من بني إسرائيل وقيل طلبا لشيء ليس لهم ثم فسر ذلك بقوله {إن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده} وهو الوحي والنبوة وقوله {فباءوا بغضب على غضب} معناه رحبت اليهود من بني إسرائيل بعد ما كانوا عليه من الانتصار(3) بمحمد والاستفتاح به والإخبار بأنه نبي مبعوث مرتدين ناكصين على أعقابهم حين بعثه الله نبيا بغضب من الله استحقوه منه بكفرهم وقال مؤرج معنى {باءوا بغضب} استوجبوا اللعنة بلغة جرهم ولا يقال باء مفردة حتى يقال إما بخير وإما بشر وقال أبو عبيدة {فباءوا بغضب} احتملوه وأقروا به وأصل البوء التقرير والاستقرار وقوله {على غضب} فيه أقوال (أحدها) أن الغضب الأول حين غيروا التوراة قبل مبعث النبي والغضب الثاني حين كفروا بمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) عن عطاء وغيره (وثانيها) أن الغضب الأول حين عبدوا العجل والثاني حين كفروا بمحمد عن السدي (وثالثها) أن الأول حين كفروا بعيسى (عليه السلام) والثاني حين كفروا بمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) عن الحسن وعكرمة وقتادة و(رابعها) أن ذلك على التوكيد والمبالغة إذ كان الغضب لازما لهم فيتكرر عليهم عن أبي مسلم والأصم {وللكافرين عذاب مهين} معناه للجاحدين بنبوة محمد عذاب مهين من الله إما في الدنيا وإما في الآخرة والمهين هو الذي يذل صاحبه ويخزيه ويلبسه الهوان وقيل المهين الذي لا ينتقل منه إلى إعزاز وإكرام وقد يكون غير مهين إذا كان تحميصا وتكفيرا ينتقل بعده إلى إعزاز تعظيم فعلى هذا من ينتقل من عذاب النار إلى الجنة لا يكون عذابه مهينا .
{وإذا قيل لهم} يعني اليهود الذين تقدم ذكرهم {آمنوا} أي صدقوا {بما أنزل الله} من القرآن على محمد (صلى الله عليه واله وسلم) والشرائع التي جاء بها {قالوا نؤمن بما أنزل علينا} يعنون التوراة {ويكفرون بما وراءه} أي يجحدون بما بعده يريد الإنجيل والقرآن أو بما سوى التوراة من الكتب المنزلة كقوله سبحانه وأحل لكم ما وراء ذلكم وقال ابن الأنباري تم الكلام عند قوله {بما أنزل علينا} ثم ابتدأ الله بالإخبار عنهم فقال {ويكفرون بما وراءه} أي بما سواه {وهو الحق} يعني القرآن {مصدقا لما معهم} يعني التوراة لأن تصديق محمد وما أنزل معه من القرآن مكتوب عندهم في التوراة قال الزجاج وفي هذا دلالة على أنهم قد كفروا بما معهم إذ كفروا بما يصدق ما معهم ثم رد الله تعالى عليهم قولهم {نؤمن بما أنزل علينا} فقال {قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل} أي قل يا محمد لهم فلم قتلتم أنبياء الله وقد حرم الله في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم وأمركم فيه باتباعهم وفرض عليكم طاعتهم وتصديقهم {إن كنتم مؤمنين} بما أنزل عليكم وقال الزجاج إن بمعنى ما هاهنا كأنه قال ما كنتم مؤمنين وهذا وجه بعيد وإنما قال تقتلون بمعنى قتلتم لأن لفظ المستقبل يطلق على الماضي إذا كان ذلك من الصفات اللازمة كما يقال أنت تسرق وتقتل إذا صار ذلك عادة له ولا يراد بذلك ذمه ولا توبيخه على ذلك الفعل في المستقبل وإنما يراد به توبيخه على ما مضى وإنما أضاف إليهم فعل آبائهم وأسلافهم لأحد أمرين (أحدهما) أن الخطاب لمن شهد من أهل ملة واحدة ومن غاب منهم واحد فإذا قتل أسلافهم الأنبياء وهم مقيمون على مذهبهم وطريقتهم فقد شركوهم في ذلك والآخر أنهم رضوا بأفعالهم والراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم وهذا المعنى قريب من الأول وفي هذه الآية دلالة على أن الإيمان بكتاب من كتب الله لا يصح إذا لم يحصل الإيمان بما سواه من كتب الله المنزلة التي هي مثله في اقتران المعجزة به .
_________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص300-305.
2-أطل الزمان : قرب.
3- وفي نسخنا (الاستنصار ) بدل ( الانتصار) وهو الظاهر .
كان يهود المدينة يستنصرون على الأوس والخزرج بمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم) قبل مبعثه ، ويقولون لهم : غدا يأتي النبي الذي وجدنا صفاته في التوراة ، ويتغلب على جميع العرب والمشركين ، وكانوا يعتقدون انه إسرائيلي ، لا عربي ، فلما بعث اللَّه محمدا من العرب ، لا من شعب اليهود استنكفوا وأخذتهم العنصرية والعصبية ، وجحدوا نبوته ، وأنكروا ما كانوا يقولونه فيه . . فقال لهم بعض الأوس والخزرج : يا معشر اليهود كنتم بالأمس تهددوننا بمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم) ، ونحن أهل الشرك وتصفونه ، وتذكرون انه المبعوث ، فها نحن آمنا به ، ونكصتم أنتم وتراجعتم ، فما عدا مما بدا ؟ . فأجاب اليهود : ما جاءنا بشيء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكره لكم ، فأنزل اللَّه سبحانه :
{ولَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ}. أي لما جاءهم القرآن كفروا به ، فحذف جواب لما هذه ، وهو كفروا به لدلالة جواب لما الثانية عليه ، والقرآن الذي كفروا به فيه تصديق لما تضمنته توراتهم من التبشير بمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم). . فهم في النتيجة يكذبون بذلك من يصدقهم بل يكذبون أنفسهم بأنفسهم ، وليس هذا بغريب ولا عجيب على من يتخذ من عاطفته وذاته مقياسا للتحليل والتحريم ، والتصديق والتكذيب . . وكل من يحلل لنفسه ما يحرمه على الغير فهومن هذا النوع ، اللهم اكفنا شر الجهل بأنفسنا .
{وكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} . كان اليهود قبل البعثة يستنصرون وينذرون الأوس والخزرج بمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم)، فلما جاء انعكست الآية ، فآمن به الأوس والخزرج ، وناصروه على أعدائه ، حتى سموا الأنصار ، وكفر به اليهود ، فكان هلاكهم وتشريدهم على يد الأنصار بواسطة محمد ، وهو نفس المصير الذي كانوا يرقبونه وينذرون به الأنصار على يدهم بواسطة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم). . وهكذا يحيق المكر السيء بأهله ، وتنزل الويلات على رأس من تمناها لغيره .
وتسأل : ولما ذا انقلب اليهود ، وتحولوا من الايمان بمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم)قبل البعثة إلى الكفر به بعدها ؟
الجواب : كانوا يعتقدون أنه يأتي إسرائيليا من نسل اسحق قياسا على كثرة ما جاء من الأنبياء الإسرائيليين ، فلما رأوه عربيا من نسل إسماعيل أنكروه حسدا وتعصبا للعنصرية اليهودية . . وكل من أنكر الحق تعصبا للعرق أو لغيره فهو تماما
كهؤلاء اليهود الذين رفضوا الاعتراف بمحمد لا لشيء إلا لأنه عربي (2) .
{ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ} . يستعمل القرآن الكريم كثيرا لفظ البيع والشراء والتجارة في العمل الصالح والطالح . . ذلك ان الإنسان إذا آمن وعمل صالحا فكأنه قد دفع الثمن لخلاص نفسه ونجاتها وإذا كفر وانحرف لمنفعة عاجلة فكأنه قد باع نفسه للشيطان بأنجس الأثمان . . واشتروا هنا بمعنى باعوا ، أي ان اليهود باعوا أنفسهم للشيطان ، وألقوا بها إلى التهلكة ، ولا ثمن لنفوسهم الهالكة إلا الحسد والتعصب للجنسية اليهودية . . ولذا قال سبحانه :
{ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ}. أي كفروا بمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم)لا لشيء إلا لأنهم يريدون أن يحصروا الوحي والفضل فيهم وحدهم ، ولا يقبلون من اللَّه ، ولا من غيره إلا ما يوافق أهواءهم ومنافعهم . . فهم - إذن - يستحقون عقابين وغضبين : عقابا على كفرهم ، وآخر على أنانيتهم وتعصبهم .
{وإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ} . أي آمنوا بالوحي من حيث هو وحي بصرف النظر عن شخصية المبلَّغ ونسبه ، لأن الرسول ما هو إلا وسيلة للتبليغ ، أما شرطكم للايمان بالوحي أن ينزل على شعب إسرائيل فقط ، وإذا أنزل على غيره فلا تؤمنون به - أما هذا الشرط فيكشف عن عدم ايمانكم بالوحي كمبدأ ، بالإضافة إلى أنه تحكم على اللَّه وتقييد لإرادته بأهوائكم ، ومعنى هذا انكم تريدون من اللَّه أن يخضع لكم ، وتأبون الخضوع له .
{ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا} . وهذا اعتراف صريح بأنهم لا يؤمنون ، ولن يؤمنوا إلا بالوحي على شريطة أن ينزل عليهم ، ولا يؤمنون بما ينزل على غيرهم ، ولو قام عليه ألف دليل ودليل .
{ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} . ولا إلزام أقوى وأبلغ من الإلزام بهذه الحجة . . أي قل يا محمد لليهود : أنتم كاذبون في زعمكم ودعواكم الايمان بخصوص الوحي المنزل على شعب إسرائيل ، بل أنتم لا تؤمنون بالوحي إطلاقا ، حتى بما أنزل عليكم بالخصوص ، والدليل ان اللَّه أرسل منكم ولكم وفيكم أنبياء ، وفرض عليكم تصديقهم وطاعتهم ، ومع ذلك فريقا كذبتم كعيسى ، وفريقا تقتلون كزكريا ، ويحيى ، وان دل هذا على شيء فإنما يدل على كذبكم ، ومناقضة أفعالكم لأقوالكم ، وتكذيب أنفسكم لأنفسكم . . وصح توجيه الخطاب بالقتل إلى يهود المدينة ، ومشافهتهم به ، مع ان القاتل أسلافهم لمكان وحدة الأمة ، ومشاركة الراضي بالقتل لفاعله ، كما تقدم .
لليهود أشباه ونظائر :
أنكر اليهود محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم) لأنه غير إسرائيلي ، وأيضا أنكره أبو سفيان ، وقاد الجيوش لحربه ، لأنه يأبى أن تفوز هاشم بشرف النبوة دون أمية ، وأنكرت قريش خلافة علي أمير المؤمنين (عليه السلام ) لأنها كرهت ان تجتمع النبوة والخلافة في بيت هاشم ، ويثقل على بعض الأعاجم ان المرجع الديني الأول من العرب ، كما يثقل على بعض العرب أن يكون من الأعاجم . . بل اني أعرف أفرادا لو خيّروا بين أن تهتدي الألوف إلى دين الحق عن طريق غيرهم ، وبين أن تبقى على ضلالها لاختاروا الضلالة على الهدى ، والكفر على الايمان . . وأيضا لو خيّروا بين أن يسمعوا الثناء على يزيد بن معاوية ، وبين أن يسمعوا الثناء عن واحد من صنفهم لفضّلوا ألف مرة الأول على الثاني . . ومن أجل هذا يبحث الواحد منهم جاهدا ليجد عيبا لأخيه ، فان وجد خردلة أذاعها جبلا ، وان لم يجد اخترع وافترى .
ان من يكبر الفضيلة كمبدأ يكبرها أينما كانت وتكون ، وعن أي طريق تحققت ، ويراها في غيره ، تماما كما يراها في نفسه ، بل يعمل ويكافح من أجل بثها وانتشارها ، أما من يدعيها لنفسه ، وينكرها في غيره فإنه يستعمل نفس الأسلوب الذي استعمله اليهود عنادا للَّه وأنبيائه ورسله .
____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص150-153.
2- هذا ما ذكره المفسرون تمشيا مع ظاهر الآية ، ويأتي قريبا عند تفسير الآية 96 بيان السبب الحقيقي لكفرهم بمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم) وانه المنفعة الخاصة ، والكسب عن طريق الدعارة والغش والربا ، وما إلى هذا مما حرمه الإسلام .
قوله تعالى: {ولما جاءهم} إلخ، السياق يدل على أن هذا الكتاب هو القرآن.
وقوله: {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا}، على وقوع تعرض بهم من كفار العرب، وأنهم كانوا يستفتحون أي يطلبون الفتح عليهم ببعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهجرته وأن ذلك الاستفتاح قد استمر منهم قبل الهجرة، بحيث كان الكفار من العرب أيضا يعرفون ذلك منهم لمكان قوله: {كانوا}، وقوله: {فلما جاءهم ما عرفوا}، أي عرفوا أنه هو بانطباق ما كان عندهم من الأوصاف عليه كفروا.
قوله تعالى: {بئسما اشتروا} بيان لسبب كفرهم بعد العلم وأن السبب الوحيد في ذلك هو البغي والحسد، فقوله بغيا، مفعول مطلق نوعي.
وقوله {أن ينزل الله} متعلق به، وقوله تعالى: {فباءوا بغضب على غضب}، أي رجعوا بمصاحبته أو بتلبس غضب بسبب كفرهم بالقرآن على غضب بسبب كفرهم بالتوراة من قبل، والمعنى أنهم كانوا قبل البعثة والهجرة ظهيرا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومستفتحا به وبالكتاب النازل عليه، ثم لما نزل بهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونزل عليه القرآن وعرفوا أنه هو الذي كانوا يستفتحون به وينتظرون قدومه هاج بهم الحسد، وأخذهم الاستكبار، فكفروا وأنكروا ما كانوا يذكرونه كما كانوا يكفرون بالتوراة من قبل، فكان ذلك منهم كفرا على كفر.
قوله تعالى: {ويكفرون بما وراءه}، أي يظهرون الكفر بما وراءه، وإلا فهم بالذي أنزل إليهم وهو التوراة أيضا كافرون.
قوله تعالى: {قل فلم تقتلون}، الفاء للتفريع.
والسؤال متفرع على قولهم: {نؤمن بما أنزل علينا}، أي لوكان قولكم: {نؤمن بما أنزل علينا} حقا وصدقا فلم تقتلون أنبياء الله، ولم كفرتم بموسى باتخاذ العجل، ولم قلتم عند أخذ الميثاق ورفع الطور: سمعنا وعصينا.
____________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص186-187.
كفروا بمَا دعوا النّاس اليه
هذه الآيات تتحدث أيضاً عن اليهود ومواقفهم، هؤلاء ـ كما ورد في أسباب النّزول ـ هاجروا ليتخذوا من يثرب سكناً بعد أن وجدوا فيها ما يشير إلى أنها أرض الرّسول المرتقب، وبقوا فيها ينتظرون بفارغ الصبر النّبي الذي بشرت به التوراة، كما كانوا ينتظرون الفتح والنصر على الذين كفروا تحت لواء هذا النّبي، لكنهم مع كل ذلك أعرضوا عن الرّسول وعن الرسالة {وَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ الله مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ... فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِريِنَ}.
وهكذا تستطيع الأهواء والمصالح الشخصية أن تقف بوجه طالب الحقيقة، مهما كان الفرد عاشقاً لهذه الحقيقة وتوّاقاً للوصول إليها فيتركها ويعرض عنها، بل تستطيع الأهواء أيضاً أن تحوّل هذا الفرد إلى عدوّ لدود لهذه الحقيقة.
ما أشدّ خسارة هؤلاء اليهود، تركوا أوطانهم وهاموا في الأرض بحثاً عن علامات أرض الرسالة، ثم ها هم خسروا كل شيء، وباعوا أنفسهم بأسوأ ثمن: {بِئْسَ مَا اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهُمْ}.
لقد ضيعوا كل شيء وكأنهم أرادوا أن يكون النّبي الموعود من بني إسرائيل، ولهذا تألّموا من نزول القرآن على غيرهم، بل ممن شاءه الله: {أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ الله مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}.
ولذلك شملهم غضب الله المتوالي: {فَبَاءُو بِغَضَب عَلى غَضَب وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ}.
العصبية القومية لدى اليهود
يشير القرآن مرّة اُخرى إلى عصبية اليهود القومية ويقول:
{وَإذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ الله قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ}.
فهم لم يؤمنوا بالإنجيل ولا بالقرآن، بل إنهم يدورون حول محور العنصرية والمصلحية، فيجرأون على رفض الدعوة التي جاءت تصديقاً لما معهم في التوراة {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ}.
ويكشف القرآن زيف ادعائهم مرة اُخرى حين يقول لهم: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ الله مِنْ قَبْلُ إن كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ} هؤلاء يدّعون أنهم يؤمنون بما أنزل عليهم، فهل التوراة تبيح لهم قتل الأنبياء؟!
وهذا الذي يقوله بنو إسرائيل: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} ينطلق من روح ذاتية فردية أو فئوية، وهي تخالف روح التوحيد. فالتوحيد يستهدف القضاءَ على كل المحاور الذاتية في حركة الإنسان ومواقفه، وتكريس نشاطات الفرد حول محور العبودية لله لا غير.
بعبارة اُخرى، لو كان الإنصياع للأوامر الإلهية متوقفاً على نزولها عليهم، فهو الشرك لا الإيمان، وهو الكفر لا الإسلام، ومثل هذا الإنصياع ليس بدليل على الإيمان قط.
وعبارة {مَا أَنْزَلَ الله} تحمل مفهوم نفي كل ذاتية بشرية في الرسالة، بما في ذلك ذات النّبي المرسل، فلم تتضمن العبارة اسم محمّد وعيسى وموسى عليهم أفضل الصلاة والسلام، بل التأكيد على الإيمان بما أنزل الله تعالى.
_____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص247-248.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|