أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-11-2016
6007
التاريخ: 1-3-2017
10526
التاريخ: 12-2-2017
5500
التاريخ: 10-5-2017
7690
|
قال تعالى : {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَورُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } [البقرة : 238 ، 239] .
لما حث الله سبحانه على الطاعة خص الصلاة بالمحافظة عليها لأنها أعظم الطاعات فقال {حافظوا على الصلوات} أي داوموا على الصلوات المكتوبات في مواقيتها بتمام أركانها ثم خص الوسطى تفخيما لشأنها فقال {والصلاة الوسطى} كقوله سبحانه {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال} أي والصلاة الوسطى خاصة فداوموا عليها .
ثم اختلف في الصلاة الوسطى على أقوال ( أحدها ) أنها صلاة الظهر عن زيد بن ثابت وابن عمر وأبي سعيد الخدري وأسامة وعائشة وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وذكر بعض أئمة الزيدية إنها الجمعة يوم الجمعة والظهر سائر الأيام ورواه عن علي ويدل عليه سبب نزول هذه الآية وهو أنها وسط النهار وأول صلاة فرضت وروي عن علي قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ((إن لله في السماء الدنيا حلقة تزول فيها الشمس فإذا زالت الشمس سبح كل شيء لربنا فأمر الله سبحانه بالصلاة في تلك الساعة وهي الساعة التي تفتح فيها أبواب السماء فلا تغلق حتى يصلى الظهر ويستجاب فيها الدعاء)) .
(وثانيها) أنها صلاة العصر عن ابن عباس والحسن وروي ذلك عن علي وابن مسعود وقتادة والضحاك وروي ذلك عن أبي حنيفة وروي مرفوعا إلى النبي قالوا لأنها بين صلاتي النهار وصلاتي الليل وإنما خصت بالذكر لأنها تقع في وقت اشتغال الناس في غالب الأمر وروي عن النبي أنه قال الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله وروى بريدة قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) (بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من فاتته صلاة العصر حبط عمله) .
(وثالثها) أنها المغرب عن قبيصة بن ذؤيب قال لأنها وسط في الطول والقصر من بين الصلوات وروى الثعلبي بإسناده عن عائشة : قالت قال رسول الله ((إن أفضل الصلوات عند الله صلاة المغرب لم يحطها الله عن مسافر ولا مقيم فتح الله بها صلاة الليل وختم بها صلاة النهار فمن صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين بنى الله له قصرا في الجنة ومن صلى بعدها أربع ركعات غفر الله له ذنب عشرين أو أربعين سنة)) .
(ورابعها) أنها صلاة العشاء الآخرة عن بعضهم قال لأنها بين صلاتين لا تقصران وروي عن النبي أنه قال من صلى العشاء الآخرة في جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلى صلاة الفجر في جماعة كان كقيام ليلة .
( وخامسها ) أنها صلاة الفجر عن معاذ وابن عباس وجابر بن عبد الله وعطاء وعكرمة ومجاهد وهو قول الشافعي قالوا لأنها بين صلاتي الليل وصلاتي النهار وبين الظلام والضياء ولأنها صلاة لا تجمع مع غيرها فهي منفردة بين مجتمعين ويدل عليه من التنزيل قوله وقرآن الفجر أن قرآن الفجر كان مشهودا يعني تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار وهو مكتوب في ديوان الليل وديوان النهار قالوا ويدل عليه آخر الآية وهو قوله {وقوموا لله قانتين} يعني وقوموا فيها لله قانتين قال أبو رجاء العطاردي صلى بنا ابن عباس في مسجد البصرة صلاة الغداة فقنت فيها قبل الركوع ورفع يديه فلما فرغ قال هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين أورده الثعلبي في تفسيره وروي بإسناده مرفوعا إلى أنس بن مالك قال ما زال رسول الله يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا .
( وسادسها ) أنها إحدى الصلوات الخمس لم يعينها الله وأخفاها في جملة الصلوات المكتوبة ليحافظوا على جميعها كما أخفى ليلة القدر في ليالي شهر رمضان واسمه الأعظم في جميع الأسماء وساعة الإجابة في ساعات الجمعة عن الربيع بن خيثم وأبي بكر الوراق .
{وقوموا لله قانتين} قال ابن عباس معناه داعين والقنوت هو الدعاء في الصلاة في حال القيام وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وقيل معناه طائعين عن الحسن وسعيد بن المسيب وقتادة والضحاك وطاووس وإحدى الروايتين عن ابن عباس وقيل معناه خاشعين عن مجاهد قال نهوا عن العبث والالتفات في الصلاة وقيل ساكنين عن ابن مسعود وزيد بن أرقم والأصل فيه الإتيان بالدعاء أو غيره من العبادات في حال القيام ويجوز أن يطلق في سائر الطاعات فإنه وإن لم يكن فيه القيام الحقيقي فإن فيه القيام بالعبادة .
وقوله : {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَو رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} :
فلما قدم سبحانه وجوب المحافظة على الصلاة عقبه بذكر الرخصة عند المخافة فقال {فإن خفتم} أي إن لم يمكنكم أن تقوموا قانتين موفين الصلاة حقها لخوف عرض لكم {فرجالا} أي فصلوا رجالا على أرجلكم وقيل مشاة {أو ركبانا} أي على ظهور دوابكم عنى بها صلاة الخوف وصلاة الخوف من العدو ركعتان في السفر والحضر إلا المغرب فإنها ثلاث ركعات ويروى أن عليا صلى ليلة الهرير خمس صلوات بالإيماء وقيل بالتكبير وإن النبي صلى يوم الأحزاب إيماء {فإذا أمنتم} من الخوف {فاذكروا الله} أي فصلوا صلاة الأمن وقيل اذكروا الله بالثناء عليه والحمد له {كما علمكم} من أمور دينكم وغير ذلك من أموركم (2) {ما لم تكونوا تعلمون} .
__________________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص126-129 .
2- وفي المخطوطتين ( من امور دنياكم) بدل ( من اموركم) .
{ حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ } . هي الصلوات الخمس ، والمحافظة عليها تكون بتأديتها في أوقاتها وعلى وجهها . {والصَّلاةِ الْوُسْطى} . ذكرها سبحانه بالخصوص بعد العموم للتنبيه إلى أهميتها ، كأهمية جبريل وميكال بين الملائكة ، حيث خصهما بالذكر بعد أن جمعهما مع سائر الملائكة في قوله تعالى : {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ ومَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ وجِبْرِيلَ ومِيكالَ} – [البقرة 98] .
واختلفوا في تعيين الصلاة الوسطى : ما هي ؟ . وتعددت الأقوال فيها إلى ثمانية عشر قولا ، كما نقل عن نيل الأوطار . . والأكثر الأشهر على انها صلاة العصر ، وفي ذلك رواية . . وقيل : انها سميت الوسطى لأنها بين صلاتي الليل ، وهما المغرب والعشاء ، وصلاتي النهار ، وهما الصبح والظهر ، أما سبب تخصيصها بالذكر فلأنها تقع وقت اشتغال الناس في الغالب .
ونقل صاحب تفسير المنار عن أستاذه الشيخ محمد عبده انه قال : لولا الإجماع على تفسير الوسطى بالواحدة من الخمس ، لا الخمس بكاملها لفسرها بجميع الصلوات دون استثناء ، وان المراد بالوسطى الفضلى مؤنثة الأفضل من الفضل
والفضيلة ، لا المتوسطة مؤنثة الأوسط بين شيئين ، وان اللَّه سبحانه حث واهتم بالصلاة الفضلى ، وهي التي يحضر فيها القلب ، وتتجه بها النفس خالصة إلى اللَّه وذكره وتدبر كلامه ، لا صلاة المراءين أو الغافلين .
وهذا أحسن ما قرأته في تفسير هذه الآية ، ويؤيده قوله تعالى : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ .
{وقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ} . أي داعين اللَّه في صلاتكم بخشوع مستشعرين هيبته وعظمته ، منصرفين عما يشغل القلب عن التوجه إليه سبحانه .
{ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَو رُكْباناً } . ان الصلاة لا تسقط بحال ، فان تعذر الإتيان ببعض أفعالها أتى المكلف بما تيسر ، فان تعذرت جميع الأفعال صلى بالنطق والإيماء ، فان تعذرا استحضر صورة الصلاة في قلبه . . وأشار سبحانه بقوله :
{فَإِنْ خِفْتُمْ} إلى ان المكلف قد يأتي عليه وقت الصلاة ، وهو في ميدان القتال ، أو وهو فار من عدولا يستطيع مقاومته ، وما إلى ذلك من العوارض التي لا يستطيع معها تأدية الصلاة على وجهها . . فان عرض شيء من هذا صلى المكلف كيفما تيسر ماشيا أو راكبا إلى القبلة أو غيرها .
قال صاحب مجمع البيان : صلاة الخوف من العدو ركعتان في السفر والحضر الا المغرب فإنها ثلاث ركعات ، ويروى ان عليا ( عليه السلام ) صلى ليلة الهرير خمس صلوات بالإيماء ، وقيل بالتكبير ، وان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) صلى يوم الأحزاب بالإيماء .
{فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهً كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} . أي إذا زال الخوف صلوا صلاة المختار الآمن على الطريقة التي علمكم إياها من قبل .
ترك الصلاة يؤدي إلى الكفر :
تكلمنا عن الصلاة في تفسير ما تقدم من آياتها ، والآن نعطف هذه الفقرة على ما سبق ، وربما عطفنا على هذه ما تدعو إليه المناسبة فيما يأتي :
لقد أثبتت التجارب ان ترك الصلاة كثيرا ما يؤدي من حيث العمل إلى مظاهر الكفر ولوازمه وآثاره من ان الكافر لا يبالي بارتكاب المحرمات والمنكرات ، كذلك تارك الصلاة يرتكب المحرم والمنكر بلا اكتراث ، وحيثما تجد الكفر تجد الفحش
والفسق والفجور . . وهذه بعينها من آثار ترك الصلاة ، وليس أدل على هذه الحقيقة من انتشار الفساد في هذا العصر الذي نعيش فيه . . فما هذه الحانات ، ومواخير الدعارة ، وبيوت القمار في بلادنا نحن المسلمين ، وما هذا التفرنج والتبرج في فتياتنا ، وهذا الفساد والانحلال في أخلاق أبنائنا الا نتيجة لترك الصلاة بدليل ان هذه الموبقات لم يكن لها عين ولا أثر حين كانت الصلاة معروفة مألوفة عند الأبناء والبنات . . وبهذا نجد تفسير الحديث الشريف : (العهد بيننا وبينكم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر) .
ولا يجديه قوله : أنا مسلم ، ولا كلمة : لا إله إلا اللَّه ، واشهد ان محمدا رسول اللَّه ، ما دامت أعماله أعمال الكافر الملحد .
ان الملحد لا يخجل ولا يحس بوخز الضمير ، لترك الصلاة ، ويعلن ذلك على الملأ ، لأنه لا يدين بها وبمن أوجبها ، وكذلك أكثر شباب هذا العصر يجاهرون بترك الصلاة دون مبالاة ، بل يسخرون منها ومن المصلين . . إذن ، لا فرق بينهم وبين الملحدين .
وبالمناسبة ننقل هذه العظة البالغة عن كتاب الإسلام خواطر وسوانح للفرنسي الكونت هنري دي كاستري ، قال : (قمت برحلة على الخيل في جوف الصحراء بولاية حوران ، وكان معي ثلاثون فارسا يتسابقون جميعا إلى خدمتي ، وبينما نحن نسير إذ بصوت ينادي جاء وقت العصر ، فما أسرع أن ترجلت الفرسان ، واصطفوا جماعة للصلاة ، وكنت أسمعهم يكررون بصوت مرتفع : اللَّه أكبر ، اللَّه أكبر . فكان هذا الاسم الإلهي يأخذ مني مأخذا أعظم مما أخذه في ذهني درس علم الكلام ، وكنت أشعر بحرج لا سبب له إلا الحياء والاحساس بأن أولئك الفرسان الذين كانوا يعظمون من شأني قبل لحظة يشعرون الآن ، وهم في صلاتهم أنهم أرفع مني مقاما ، وأعز نفسا ، ولواني أطعت نفسي لصحت فيهم : أنا أيضا أعتقد باللَّه ، وأعرف الصلاة . . فما أجمل منظر أولئك القوم في صلاتهم ، وخيولهم بجانبهم ، أرسنتها على الأرض ، وهي هادئة كأنها خاشعة للصلاة ، تلك هي الخيل التي كان يحبها رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) حبا ذهب به إلى أن يمسح خياشيمها بطرف إزاره . . لقد وقفت جانبا أنظر إلى المصلين ، وأرى نفسي
وحيدا تلوح عليّ سمات عدم الايمان ، كأنني من الكلاب أمام الذين يكررون إلى ربهم صلوات خاشعة ، تصدر عن قلوب ، ملئت صدقا وإيمانا) .
_____________________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص367-370 .
قوله تعالى : {حافظوا على الصلوات} إلى آخر الآية ، حفظ الشيء ضبطه وهو في المعاني أعني حفظ النفس لما تستحضره أو تدركه من المعاني أغلب ، والوسطى مؤنث الأوسط ، والصلاة الوسطى هي الواقعة في وسطها ، ولا يظهر من كلامه تعالى ما هو المراد من الصلاة الوسطى ، وإنما تفسيره السنة ، وسيجيء ما ورد من الروايات في تعيينه .
واللام في قوله تعالى : {قوموا لله} ، للغاية والقيام بأمر كناية عن تقلده والتلبس بفعله ، والقنوت هو الخضوع بالطاعة ، قال تعالى : {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة : 116] ، وقال تعالى : {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [الأحزاب : 31] ، فمحصل المعنى : تلبسوا بطاعة الله سبحانه بالخضوع مخلصين له ولأجله .
قوله تعالى : {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} إلى آخر الآية ، عطف الشرط على الجملة السابقة يدل على تقدير شرط محذوف أي حافظوا إن لم تخافوا ، وإن خفتم فقدروا المحافظة بقدر ما يمكن من الصلاة راجلين وقوفا أو مشيا أو راكبين ، والرجال جمع راجل والركبان جمع راكب ، وهذه صلاة الخوف .
والفاء في قوله تعالى : {فإذا أمنتم} ، للتفريع أي إن المحافظة على الصلاة أمر غير ساقط من أصله بل إن لم تخافوا شيئا وأمكنت لكم وجبت عليكم وإن تعسر عليكم فقدروها بقدر ما يمكن لكم ، وإن زال عنكم الخوف بتجدد الأمن ثانيا عاد الوجوب ووجب عليكم ذكر الله سبحانه .
والكاف في قوله تعالى : {كما علمكم} ، للتشبيه وقوله : {ما لم تكونوا تعلمون} من قبيل وضع العام موضع الخاص دلالة على الامتنان بسعة النعمة والتعليم ، والمعنى على هذا : فاذكروا الله ذكرا يماثل ما علمكم من الصلاة المفروضة المكتوبة في حال الأمن في ضمن ما علمكم من شرائع الدين .
________________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج2 ، ص210 .
أهميّة الصّلاة وخاصّةً الوسطى :
بما أن الصلاة أفضل وسيلة مؤثرة تربط بين الإنسان وخالقه ، وإذا اُقيمت على وجهها الصحيح ملأت القلب بحبّ الله واستطاع الإنسان بتأثير أنوارها أن يتجنّب الذنوب والتلوّث بالمعصية ، لذلك ورد التأكيد في آيات القرآن الكريم عليها ، ومن ذلك ما ورد في الآية محل البحث حيث تقول : {حافظوا على الصلاة والصلوات الوسطى وقوموا لله قانتين} .
فلا ينبغي للمسلمين أن يتركوا هذا الأمر المهم بحجّة البرد والحرّ ومشكلات الحياة ودوافع الزوجة والأولاد والأموال .
أمّا ما هو المراد بقوله (الصلوة الوسطى) ؟ ذكر المفسّرون معان مختلفة للمراد من الصلاة الوسطى ، وذكر صاحب تفسير مجمع البيان ستّة أقوال ، والفخر الرّازي ذكر في تفسيره سبعة أقوال ، وبلغ بها القرطبي في تفسيره إلى عشرة أقوال ، أمّا تفسير روح المعاني فذكر لها ثلاثة عشر قولاً .
فالبعض يرى أنّها صلاة الظهر ، وآخر صلاة العصر ، وبعض صلاة المغرب ، وبعض صلاة العشاء ، وبعض صلاة الصبح ، وبعض صلاة الجمعة ، وبعض صلاة اللّيل أو خصوص صلاة الوتر ، وذكروا لكلّ واحد من هذه الأقوال أدلّة وتوجيهات مختلفة ، ولكنّ القرائن المختلفة المتوفّرة تثبت أنّها صلاة الظهر ، لأنّها فضلاً عن كونها تقع في وسط النّهار ، فإنّ سبب نزول هذه الآية يدلّ على أنّ المقصود بالصّلاة الوسطى هو صلاة الظهر التي كان الناس يتخلّفون عنها لحرارة الجو ، كما أنّ هناك روايات كثيرة تصرّح بأنّ الصلاة الوسطى هي صلاة الظّهر (2) . والتأكيد على هذه الصّلاة كان بسبب حرارة الجو في الصّيف ، أو بسبب انشغال الناس في اُمور الدنيا والكسب فلذلك كانوا لا يعيرون لها أهميّة ، فنزلت الآية آنفة الذكر تبيّن أهميّة صلاة الوسطى ولزوم المحافظة عليها (3) .
(قانتين) من مادّة (قنوت) وتأتي بمعنيين .
1 ـ الطاعة والإتّباع .
2 ـ الخضوع والخشوع والتّواضع .
ولا يبعد أن يكون المعنيان مرادين في هذه الآية ، كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير الآية (وقوموا لله قانتين) قال : «إقبال الرّجل على صلاته ومحافظته على وقتها حتّى لا يلهيه عنها ولا يشغله شيء (4)» .
وفي رواية اُخرى قال :
وفي الآية الثانية تؤكّد على أنّ المسلم لا ينبغي له ترك الصلاة حتّى في أصعب الظروف والشّرائط كما في ميدان القتال ، غاية الأمر أنّ الكثير من شرائط الصّلاة في هذا الحال تكون غير لازمة كالاتجاه نحو القبلة وأداء الرّكوع والسّجود بالشكل الطبيعي ، ولذا تقول الآية {فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} .
سواءً كان الخوف في حال الحرب أومن خطر آخر ، فإنّ الصّلاة يجب أداءها بالإيماء والإشارة للرّكوع والسّجود ، سواءً كنتم مشاة أو راكبين .
{فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علّمكم ما لم تكونوا تعلمون} ففي هذه الصّورة ، أي في حالة الأمان يجب عليكم أداء الصّلاة بالصّورة الطبيعيّة مع جميع آدابها وشرائطها .
ومن الواضح أنّ أداء الشكر لهذا التعليم الإلهي للصّلاة في حالة الأمن والخوف هو العمل على وفق هذه التعليمات .
(رجال) جمع (راجل) و(ركبان) جمع (راكب) والمقصود هو أنّكم إذا خفتم العدوفي ميدان القتال لكم أن تؤدّوا الصلاة راجلين أو راكبين في حالة الحركة .
وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه في بعض الحروب أمر المقاتلين أن يصلّوا بالتّسبيح والتكبير وقول (لا إله إلاّ الله) (5) ، وكذلك نقرأ في حديث آخر : إنّ النبي صلّى يوم الأحزاب إيماءً (6) .
وكذلك ورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام) جواز أداء الصلاة في حالة الخوف إلى غير جهة القبلة ويُومي للرّكوع والسجود في حال القيام (7) .
فهذه الصلاة هي صلاة الخوف التي شرحها الفقهاء في كتبهم شرحاً مفصّلاً ، وعليه فالآية توضّح أنّ إقامة الصلاة والإرتباط بين العبد وخالقه يجب أن يتحقّق في جميع الظروف والحالات ، وبهذا تتحصّل نقطة ارتكاز للإنسان واعتماده على الله ، فتكون مبعث الأمل والرّجاء في الحياة وتعينه في التغلّب على جميع المصاعب والمشكلات .
_______________________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص42-45 .
2 ـ انظر الكتب الفقهية للأستزادة .
3 ـ المشهور بين فقهاء الشيعة أن المراد منها «صلاة الظهر» بل ادعي الإجماع على ذلك ومن عدّة روايات معتبرة وردت في كتاب وسائل الشيعة : ج 3 ص 14 الباب 5 أوهناك قول شاذ وضعيف بأن المراد منها صلاة العصر «وذهب أغلب فقهاء أهل السنّة إلى هذا الرأي» واستدلوا على ذلك بعدّة روايات ضعيفة السند وقد اعرض الأصحاب عنها (لمزيد الإيضاح راجع الكتب الفقهية) .
4- وسائل الشيعة ، ج4 ، ص23 .
5 ـ تفسير نور الثقلين . ج1 ، ص239 ، ح949 .
6 ـ مجمع البيان ، في ذيل الآية المبحوثة . وسائل الشيعة ، ج8 ، ص446 .
7 ـ وسائل الشيعة : ج 5 ، ص 483 الباب 3 ، الحديث 3 مع التلخيص ونقل الحديث بالمعنى ، ووردت أحاديث اُخرى بهذا المضمون في هذا الباب .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|