المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16679 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
مملكة «متني» في خطابات تل العمارنة.
2024-07-04
مملكة آشور وخطابات «تل العمارنة»
2024-07-04
آلاشيا «قبرص» في خطابات تل العمارنة.
2024-07-04
لمحة عن ممالك الشرق التي جاء ذكرها في خطابات تل العمارنة (بابل)
2024-07-04
معنى الازدراء
2024-07-04
معنى الخبت
2024-07-04

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الاية (40-46) من سورة البقرة  
  
4319   11:53 صباحاً   التاريخ: 12-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /


قال تعالى : {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [البقرة: 40 - 46].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

لما عم الله تعالى جميع الخلق بالحجج الواضحة على توحيده و ذكرهم ما أنعم به عليهم في أبيهم آدم (عليه السلام) خص بني إسرائيل بالحجج و ذكرهم ما أسدى إليهم و إلى آبائهم من النعم فقال {يا بني إسرائيل} يعني يا بني يعقوب نسبهم إلى الأب الأعلى كما قال يا بني آدم و الخطاب لليهود و النصارى و قيل هو خطاب لليهود الذين كانوا بالمدينة و ما حولها عن ابن عباس {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} أراد بذلك النعم التي أنعم بها على أسلافهم من كثرة الأنبياء فيهم و الكتب و إنجائهم من فرعون و من الغرق على أعجب الوجوه و إنزال المن و السلوى عليهم و كون الملك فيهم في زمن سليمان (عليه السلام) و غير ذلك و عد النعمة على آبائهم نعمة عليهم لأن الأولاد يتشرفون بفضيلة الآباء و هذا كما يقال في المفاخرة قتلناكم يوم الفخار و هزمناكم يوم ذي قار و غلبناكم يوم النسار وذكر النعمة بلفظ الواحد و المراد بها الجنس كقوله تعالى {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} و الواحد لا يمكن عده و قيل المراد بها النعم الواصلة إليهم مما اختصوا به دون آبائهم و اشتركوا فيه مع آبائهم فكان نعمة على الجميع فمن ذلك تبقية آبائهم حتى تناسلوا فصاروا من أولادهم ومن ذلك خلقه إياهم على وجه يمكنهم معه الاستدلال على توحيده و الوصول إلى معرفته فيشكروا نعمه و يستحقوا ثوابه و من ذلك ما يوصل إليهم حالا بعد حال من الرزق و يدفع عنهم من المكاره و الأسواء وما يسبغ عليهم من نعم الدين و الدنيا فعلى القول الأول تكون الآية تذكيرا بالنعم عليهم في أسلافهم وعلى القول الثاني تكون تذكيرا بالمنعم عليهم ، و من النعم على أسلافهم ما ذكره في قوله { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ } [المائدة: 20] و قال ابن الأنباري أراد اذكروا ما أنعمت به عليكم فيما استودعتكم من علم التوراة و بينت لكم من صفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ألزمتكم من تصديقه و اتباعه فلما بعث و لم يتبعوه كانوا كالناسين لهذه النعمة و قوله { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قيل فيه وجوه (أحدها ) أن هذا العهد هو أن الله تعالى عهد إليهم في التوراة أنه باعث نبيا يقال له محمد فمن تبعه كان له أجران اثنان أجر باتباعه موسى و إيمانه بالتوراة و أجر باتباعه محمدا و إيمانه بالقرآن من كفر به تكاملت أوزاره و كانت النار جزاءه فقال {أوفوا بعهدي} في محمد {أوف بعهدكم} أدخلكم الجنة عن ابن عباس فسمى ذلك عهدا لأنه تقدم به إليهم في الكتاب السابق و قيل إنما جعله عهدا لتأكيده بمنزلة العهد الذي هو اليمين كما قال سبحانه {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] (وثانيها ) أنه العهد الذي عاهدهم عليه حيث قال {خذوا ما آتيناكم بقوة} أي بجد { واذكروا ما فيه} أي ما في الكتاب عن الحسن (وثالثها ) أنه ما عهد إليهم في سورة المائدة حيث قال {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي } [المائدة: 12] الآية عن قتادة (ورابعها ) أنه أراد جميع الأوامر و النواهي (وخامسها ) أنه جعل تعريفه إياهم نعمة عهدا عليهم و ميثاقا لأنه يلزمهم القيام بما يأمرهم به من شكر هذه النعم كما يلزمهم الوفاء بالعهد و الميثاق الذي يؤخذ عليهم و الأول أقوى لأن عليه أكثر المفسرين و به يشهد القرآن و قوله { وإياي فارهبون} أي خافوني في نقض العهد و في هذه الآية دلالة على وجوب شكر النعمة و في الحديث التحدث بالنعم شكر و فيها دلالة على عظم المعصية في جحود النعم و كفرانها و لحوق الوعيد الشديد بكتمانها و يدل أيضا على ثبوت أفعال العباد إذ لو لم تكن لهم أفعال لما صح العهد و الأمر و النهي و الوعد و الوعيد و لأدى إلى بطلان الرسل و الكتب .

ثم قال مخاطبا لليهود {وآمنوا} أي صدقوا {بما أنزلت} على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) من القرآن لأنه منزل من السماء إلى الأرض {مصدقا لما معكم} من التوراة أمرهم بالتصديق بالقرآن و أخبرهم أن في تصديقهم بالقرآن تصديقا منهم للتوراة لأن الذي في القرآن من الأمر بالإقرار بالنبوة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و تصديقه نظير الذي في التوراة و الإنجيل فإن فيهما البشارة بمحمد و بيان صفته فالقرآن مصدق لهما و قيل معناه أنه يصدق بالتوراة و الإنجيل فإن فيهما البشارة بمحمد و بيان صفته فالقرآن مصدق لهما و قيل معناه أنه يصدق بالتوراة لأن فيه الدلالة على أنه حق و أنه من عند الله و الأول أوجه لأنه يكون حجة عليهم بأن جاء القرآن بالصفة التي تقدمت بها بشارة موسى و عيسى (عليهما السلام) و قوله {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } [البقرة: 41] أي بالقرآن من أهل الكتاب لأن قريشا قد كانت قد كفرت به بمكة قبل اليهود و قيل المعنى و لا تكونوا السابقين إلى الكفر به فيتبعكم الناس أي لا تكونوا أئمة في الكفر به عن أبي العالية و قيل المعنى و لا تكونوا أول جاحدين(2) صفة النبي في كتابكم فعلى هذا تعود الهاء في به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن جريج و قيل المعنى و لا تكونوا أول كافر بما معكم من كتابكم لأنكم إذا جحدتم ما فيه من صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقد كفرتم به قال الزجاج و قواه بأن الخطاب وقع على علماء أهل الكتاب فإذا كفروا كفر معهم الأتباع فلذلك قيل لهم {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ }  قال و لو كان الهاء في به للقرآن فلا فائدة فيه لأنهم كانوا يظهرون أنهم كافرون بالقرآن و قال علي بن عيسى يحتمل أن يكون أول كافر بالقرآن أنه حق في كتابكم و إنما عظم أول الكفر لأنهم إذا كانوا أئمة لهم و قدوة في الضلالة كانت ضلالتهم أعظم نحو ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من سن سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة و من سن سنة سيئة كان عليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة و ليس في نهيه عن أن يكونوا أول كافر به دلالة على أنه يجوز أن يكونوا آخر كافر لأن المقصود النهي عن الكفر على كل حال و خص أولا بالذكر لما ذكرناه من عظم موقعه كما قال الشاعر(3):

 

من أناس ليس في أخلاقهم    عاجل الفحش و لا سوء الجزع

و ليس يريد أن فيهم فحشا آجلا و قوله {ولا تشتروا ب آياتي ثمنا قليلا} روي عن أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الآية قال كان حيي بن أخطب و كعب بن الأشرف و آخرون من اليهود لهم مأكلة على اليهود في كل سنة فكرهوا بطلانها بأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فحرفوا لذلك آيات من التوراة فيها صفته و ذكره فذلك الثمن الذي أريد في الآية قال الفراء إنما أدخل الباء في الآيات دون الثمن في سورة يوسف أدخله في الثمن في قوله {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } [يوسف: 20] لأن العروض (4) كلها أنت مخير فيها إن شئت قلت اشتريت الثوب بكساء و إن شئت قلت اشتريت بالثوب كساء أيهما جعلت ثمنا لصاحبه جاز فإذا جئت إلى الدراهم و الدنانير وضعت الباء في الثمن كقوله {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } لأن الدراهم ثمن أبدا و المعنى لا تستبدلوا ب آياتي أي بما في التوراة من بيان صفة محمد و نعته ثمنا قليلا أي عرضا يسيرا من الدنيا {وإياي فاتقون} فاخشوني في أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا ما يفوتكم من المأكل و الرئاسة و تقييده الثمن بالقلة لا يدل على أنه إذا كان كثيرا يجوز شراؤه به لأن المقصود أن أي شيء باعوا به آيات الله كان قليلا و أنه لا يجوز أن يكون ثمن يساويه كقوله { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117] و إنما أراد بذلك نفي البرهان عنه على كل حال و أنه لا يجوز أن يكون عليه برهان و مثله قوله {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: 21] و إنما أراد أن قتلهم لا يكون إلا بغير حق و نظائر ذلك كثيرة و منه قول امرىء القيس :

على لأحب لا يهتدى بمنارة    إذا سافه العود الديافي جرجرا

وإنما أراد أنه لا منار هناك فيهتدي به و في هذه الآية دلالة على تحريم أخذ الرشى في الدين لأنه لا يخلو إما أن يكون أمرا يجب إظهاره أو يحرم إظهاره فالأخذ على مخالفة كلا الوجهين حرام و هذا الخطاب يتوجه أيضا على علماء السوء من هذه الأمة إذا اختاروا الدنيا على الدين فتدخل فيه الشهادات و القضايا و الفتاوى و غير ذلك .

{لا تلبسوا} أي لا و تخلطوا {الحق بالباطل} و معنى لبسهم الحق بالباطل أنهم آمنوا ببعض الكتاب و كفروا ببعض لأنهم جحدوا صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فذلك الباطل و أقروا بغيره مما في الكتاب و قيل معناه لا تحرفوا الكلم عن مواضعه فالتحريف هو الباطل و تركهم ما في الكتاب على ما هو به هو الحق و قال ابن عباس لا تخلطوا الصدق بالكذب و قيل الحق التوراة التي أنزلها الله على موسى و الباطل ما كتبوه بأيديهم و قيل الحق إقرارهم أن محمدا مبعوث إلى غيرهم و الباطل إنكارهم أن يكون بعث إليهم و قوله {وتكتموا الحق و أنتم تعلمون} أي لا تكتموا صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في التوراة و أنتم تعلمون أنه حق و الخطاب متوجه إلى رؤساء أهل الكتاب كما وصفهم بأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه للتلبيس على أتباعهم و هذا تقبيح لما يفعلونه أي يجحدون ما يعلمون و جحد العالم أعظم من جحد الجاهل و قيل معناه و أنتم تعلمون البعث و الجزاء و قيل معناه و أنتم تعلمون ما أنزل ببني إسرائيل و ما سينزل بمن كذب على الله تعالى و قيل معناه و أنتم تعلمون ما نزل ببني إسرائيل من المسخ و غيره فإن قيل كيف يجوز أن يكون هؤلاء عارفين بنبوة محمد و ذلك مبني على معرفة الله و عندكم أن من عرف الله لا يجوز أن يكفر و هؤلاء صاروا كفارا و ماتوا على كفرهم قلنا لا يمتنع أن يكونوا عرفوا الله على وجه لا يستحقون به الثواب لأن الثواب إنما يستحق بأن ينظروا من الوجه الذي يستحق به الثواب فإذا نظروا على غير ذلك الوجه لا يستحقون الثواب فعلى هذا يجوز أن يكونوا عارفين بالله و التوراة و بصفات النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إن لم يستحقوا الثواب فلا يمتنع أن يكفروا و قال بعض أصحابنا استحقاقهم الثواب على إيمانهم مشروط بالموافاة فإذا لم يوافوا بالإيمان لم يستحقوا الثواب فعلى هذا يجوز أن يكونوا عارفين و إن لم يكونوا مستحقين لثواب يبطل بالكفر و المعتمد الأول .

{وأقيموا الصلاة} أي أدوها بأركانها و حدودها و شرائطها كما بينها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) {وآتوا الزكاة} أي أعطوا ما فرض الله عليكم في أموالكم على ما بينه الرسول لكم و هذا حكم جميع ما ورد في القرآن مجملا فإن بيانه يكون موكولا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كما قال سبحانه و تعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] فلذلك أمرهم بالصلاة و الزكاة على طريق الإجمال و أحال في التفصيل على بيانه و قوله {واركعوا مع الراكعين} إنما خص الركوع بالذكر و هو من أفعال الصلاة بعد قوله { وأقيموا الصلاة} لأحد وجوه .

(أحدها) أن الخطاب لليهود و لم يكن في صلاتهم ركوع و كان الأحسن ذكر المختص دون المشترك لأنه أبعد من اللبس (وثانيها ) أنه عبر بالركوع عن الصلاة يقول القائل فرغت من ركوعي أي صلاتي و إنما قيل ذلك لأن الركوع أول ما يشاهد من الأفعال التي يستدل بها على أن الإنسان يصلي فكأنه كرر ذكر الصلاة تأكيدا عن أبي مسلم و يمكن أن يكون فيه فائدة تزيد على التأكيد و هو أن قوله {أقيموا الصلاة} إنما يفيد وجوب إقامتها و يحتمل أن يكون إشارة إلى صلاتهم التي يعرفونها و أن يكون الصلاة إشارة إلى الصلاة الشرعية و قوله {واركعوا مع الراكعين} يكون معناه صلوا مع هؤلاء المسلمين الراكعين فيكون متخصصا بالصلاة المتقررة في الشرع فلا يكون تكرارا بل يكون بيانا (وثالثها) أنه حث على صلاة الجماعة لتقدم ذكر الصلاة في أول الآية .

هذه الآية خطاب لعلماء اليهود و كانوا يقولون لأقربائهم من المسلمين أثبتوا على ما أنتم عليه و لا يؤمنون هم و الألف للاستفهام و معناه التوبيخ و المراد بالبر الإيمان بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وبخهم الله تعالى على ما كانوا يفعلون من أمر الناس بالإيمان بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ترك أنفسهم عن ذلك قال أبو مسلم كانوا يأمرون العرب بالإيمان بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا بعث فلما بعث كفروا به و روي عن ابن عباس أن المراد أنهم كانوا يأمرون أتباعهم بالتمسك بالتوراة و تركوا هم التمسك به لأن جحدهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و صفته فيه ترك للتمسك به و عن قتادة كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وهم يخالفونه و روى أنس بن مالك قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مررت ليلة أسري بي على أناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت من هؤلاء يا جبرائيل فقال هؤلاء خطباء من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر و ينسون أنفسهم و قال بعضهم أ تأمرون الناس بالصدقة و تتركونها أنتم و إذا أتتكم الضعفاء بالصدقة لتفرقوها على المساكين خنتم فيها و قوله {وأنتم تتلون الكتاب } معناه و أنتم تقرأون التوراة و فيها صفته و نعته عن ابن عباس و قوله { أفلا تعقلون} أ فلا تفقهون أن ما تفعلونه قبيح في العقول و عن أبي مسلم أن معناه هذا ليس بفعل من يعقل و قيل معناه أ فلا تعلمون أن الله يعذبكم و يعاقبكم على ذلك و قيل أ فلا تعلمون أن ما في التوراة حق فتصدقوا محمدا و تتبعوه فإن قيل إن كان فعل البر واجبا و الأمر به واجبا فلماذا وبخهم الله تعالى على الأمر بالبر قلنا لم يوبخهم الله على الأمر بالبر و إنما وبخهم على ترك فعل البر المضموم إلى الأمر بالبر لأن ترك البر ممن يأمر به أقبح من تركه ممن لا يأمر به فهو كقول الشاعر :

لا تنه عن خلق و تأتي مثله     عار عليك إذا فعلت عظيم

ومعلوم أنه لم يرد به النهي عن الخلق المذموم و إنما أراد النهي عن إتيان مثله .

من قال أنه خطاب لليهود قال إن حب الرياسة كان يمنع علماء اليهود عن اتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنهم خافوا زوال الرياسة إذا اتبعوه فأمرهم الله تعالى فقال : {واستعينوا} على الوفاء بعهدي الذي عاهدتكم في كتابكم عليه من طاعتي و اتباع أمري و ترك ما نهيتكم عنه و التسليم لأمري و اتباع رسولي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالصبر على ما أنتم فيه من ضيق المعاش الذي تأخذون الأموال من عوامكم بسببه و روي عن أئمتنا (عليهم السلام) أن المراد بالصبر الصوم فيكون فائدة الاستعانة به أنه يذهب بالشره و هوى النفس كما قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) : ((الصوم وجاء)) (5) و فائدة الاستعانة بالصلاة أنه يتلى فيها ما يرغب فيما عند الله تعالى و بزهد في الدنيا و حب الرياسة كما قال سبحانه {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} و لأنها تتضمن التواضع لله تعالى فيدفع حب الرياسة و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا حزنه أمر استعان بالصلاة و الصوم و من قال أنه خطاب للمسلمين قال المراد به استعينوا على تنجز ما وعدته لمن اتبع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو على مشقة التكليف بالصبر أي بحبس النفس على الطاعات و حبسها عن المعاصي والشهوات و بالصلاة لما فيها من تلاوة القرآن والتدبر لمعانيه و الاتعاظ بمواعظه و الائتمار بأوامره و الانزجار عن نواهيه و وجه آخر أنه ليس في أفعال القلوب أعظم من الصبر ولا في أفعال الجوارح أعظم من الصلاة فأمر بالاستعانة بهما و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من غموم الدنيا أن يتوضأ ثم يدخل المسجد فيركع ركعتين يدعو الله فيها أما سمعت الله تعالى يقول : {واستعينوا بالصبر والصلاة} و قوله تعالى : {وإنها لكبيرة}  قيل في الضمير في وإنها وجوه (أحدهما) أنها عائد إلى الصلاة لأنها الأغلب و الأفضل و هو قول أكثر المفسرين و على هذا ففي عود الضمير إلى واحد و قد تقدم ذكر اثنين قولان .

(أحدهما) أن المراد به الصلاة دون غيرها وخصها بالذكر لقربها منه و لأنها الأهم و الأفضل و لتأكيد حالها و تفخيم شأنها و عموم فرضها (والآخر) أن المراد الاثنان و إن كان اللفظ واحدا و يشهد لذلك قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا } [الجمعة: 11] {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] و قول الشاعر(6) :

إن شرخ الشباب و الشعر الأسود    ما لم يعاص كان جنونا

و لم يقل يعاصيا و قول الآخر :

فمن يك أمسى بالمدينة رحله     فإني و قيارا بها لغريب

و يروى و قيار و قول آخر :

نحن بما عندنا و أنت بما عندك   راض و الرأي مختلف

و قول الآخر :

أما الوسامة أو حسن النساء فقد    أتيت منه أو أن العقل محتنك

و نحو ذا كثير في الكلام ( و ثانيها ) أنه عائد إلى الاستعانة يعني أن الاستعانة بهما لكبيرة و قوله « استعينوا » يدل على الاستعانة و مثله قول الشاعر(7) :

إذا نهي السفيه جرى إليه    و خالف و السفيه إلى خلاف

أي جرى إلى السفه و دل السفيه على السفه (وثالثها) أن الضمير عائد إلى محذوف و هو الإجابة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الأصم أو مؤاخذة النفس بهما أو تأدية ما تقدم أو تأدية الصلاة وضروب الصبر عن المعاصي (8) أوهذه الخطيئة عن أبي مسلم وهذه الوجوه الأخيرة كلها ضعيفة لأنها لم يجر لها ذكر و قوله « لكبيرة » أي لثقيلة عن الحسن و غيره و الأصل فيه أن كل ما يكبر يثقل على الإنسان حمله فيقال لكل ما يصعب على النفس و إن لم يكن من جهة الحمل يكبر عليها تشبيها بذلك و قوله : {إلا على الخاشعين} أي على المتواضعين لله تعالى فإنهم قد وطنوا أنفسهم على فعلها و عودوها إياها فلا يثقل عليهم و أيضا فإن المتواضع لا يبالي بزوال الرياسة إذا حصل له الإيمان و قال مجاهد أراد بالخاشعين المؤمنين فإنهم إذا علموا ما يحصل لهم من الثواب بفعلها لم يثقل عليهم ذلك كما أن الإنسان يتجرع مرارة الدواء لما يرجو به من نيل الشفاء و قال الحسن أراد بالخاشعين الخائفين .

لما تقدم ذكر الخاشعين بين صفتهم فقال {الذين يظنون} أي يوقنون {أنهم ملاقوا} ما وعدهم {ربهم} عن الحسن و مجاهد و غيرهما و نظيره قوله {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ } [الحاقة: 20] و قيل أنه بمعنى الظن غير اليقين و المعنى أنهم يظنون أنهم ملاقوا ربهم بذنوبهم لشدة إشفاقهم من الإقامة على معصية الله قال الرماني وفيه بعد لكثرة الحذف و قيل الذين يظنون انقضاء آجالهم وسرعة موتهم فيكونون أبدا على حذر و وجل ولا يركنون إلى الدنيا كما يقال لمن مات لقي الله و يدل على أن المراد بقوله {ملاقوا ربهم} ملاقون جزاء ربهم قوله تعالى في صفة المنافقين {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة: 77] و لا خلاف في أن المنافق لا يجوز أن يرى ربه و كذلك قوله {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنعام: 30] و جاء في الحديث من حلف على مال امرىء مسلم كاذبا لقي الله و هو عليه غضبان و ليس اللقاء من الرؤية في شيء يقال لقاك الله محابك و لا يراد به أن يرى أشخاصا و إنما يراد به لقاء ما يسره و قوله {وأنهم إليه راجعون} يسأل هنا فيقال ما معنى الرجوع في الآية و هم ما كانوا قط في الآخرة فيعودوا إليها و جوابه من وجوه .

(أحدها) أنهم راجعون بالإعادة في الآخرة عن أبي العالية (وثانيها) أنهم يرجعون بالموت كما كانوا في الحال المتقدمة لأنهم كانوا أمواتا فأحيوا ثم يموتون فيرجعون أمواتا كما كانوا (وثالثها ) أنهم يرجعون إلى موضع لا يملك أحد لهم ضرا و لا نفعا غيره تعالى كما كانوا في بدء الخلق لأنهم في أيام حياتهم قد يملك غيرهم الحكم عليهم و التدبير لنفعهم و ضرهم يبين ذلك قوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [الفاتحة: 4] و تحقيق معنى الآية أنه يقرون بالنشأة الثانية فجعل رجوعهم بعد الموت إلى المحشر رجوعا إليه .

____________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ،ص181-198.

2- وفي النسخ التي عندنا (( أول جاحد ان صفة النبي في كتابكم)).

3- وهو سويد بن أبي كاهل.

4- العروض بالضم جمع العرض : المتاع وكل شيء سوى الدراهم والدنانير.

5- قال الجزري الوجاء : ان ترض اشياء الفحل رضا شديداً. ويذهب شهوة الجماع ، ويتنزل في قطعه منزلة الخصي ، اراد ان الصوم يقطع النكاح كما يقطع الوجاء.

6- هو حسان بن ثابت .

7- القائل : هو ضابئ بن حارث البرجمي.

8- وفي نسختين مخطوطتين ((القاضي )) بدل ((المعاصي)).

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

ابتدأ اللَّه سبحانه خطابه مع اليهود بالتذكير بنعمه عليهم . . ومن هذه النعم كثرة الأنبياء فيهم ، وتشريفهم بالتوراة والزبور ، وتحريرهم من فرعون ، ونجاتهم من الغرق ، وانزال المن والسلوى عليهم ، واعطاؤهم الملك والسلطان في عهد سليمان ، وغير ذلك مما يستوجب الإيمان والشكر ، لا الجحود والكفر .

وتسأل : ان الخطاب موجه بظاهره إلى يهود المدينة ، مع العلم بأن النعم المشار إليها منحها اللَّه لآبائهم ، لا لهم ؟ .

الجواب : ان النعمة على الآباء نعمة أيضا على الأبناء ، حيث يكتسب الابن شرفا من أبيه . . هذا ، إلى أن الجميع أمة واحدة .

وبعد أن ذكّرهم اللَّه بنعمه خاطبهم بقوله سبحانه : { أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} وعهد اللَّه هو الأخذ والعمل بما دلت عليه الفطرة ، ونزلت به الكتب من الإيمان باللَّه ورسله والعمل بأحكامه ، وقال صاحب مجمع البيان : « ان اللَّه تعالى عهد إليهم في التوراة انه باعث نبيا ، يقال له محمد . . وعلى هذا أكثر المفسرين ، وبه يشهد القرآن » .

أما عهد اليهود فهو عهد اللَّه لهم ، ولكل من آمن وعمل صالحا فإنه يجزيه بالأجر والثواب يوم القيامة ، وقيل : انه تعالى أعطاهم ان اتقوا أن يرفع من شأنهم في هذه الحياة ، وسنتعرض لفكرة الجزاء في الدنيا في المكان المناسب ان شاء اللَّه .

ثم أمرهم سبحانه أن يؤمنوا بالقرآن ، ولا يسارعوا إلى الكفر به وبمحمد ، ويموهوا على البسطاء ابتغاء المصالح الخاصة . . وان عليهم إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، لتطهر نفوسهم وأموالهم . أما قوله تعالى : {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ} فهو موجه إلى الأحبار والكبار ، لا إلى السواد ، لأن هؤلاء تابعون ، والعلماء متبعون ، وهم الذين يكتمون الحق على معرفة منه ، ويعظون ولا يتعظون .

____________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص93-94.

تفسير الميزان
- ذكر العلامة الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

أخذ سبحانه في معاتبة اليهود و ذلك في طي نيف و مائة آية يذكر فيها نعمة التي أفاضها عليهم، و كراماته التي حباهم بها، و ما قابلوها من الكفر و العصيان و نقض الميثاق و التمرد و الجحود، يذكرهم بالإشارة إلى اثنتي عشرة قصة من قصصهم، كنجاتهم من آل فرعون بفرق البحر، و غرق فرعون و جنوده، و مواعدة الطور، و اتخاذهم العجل من بعده و أمر موسى إياهم بقتل أنفسهم، و اقتراحهم من موسى أن يريهم الله جهرة فأخذتهم الصاعقة ثم بعثهم الله تعالى، إلى آخر ما أشير إليه من قصصهم التي كلها مشحونة بألطاف إلهية و عنايات ربانية، و يذكرهم أيضا المواثيق التي أخذ منهم ثم نقضوها و نبذوها وراء ظهورهم، و يذكرهم أيضا معاصي ارتكبوها و جرائم اكتسبوها و آثاما كسبتها قلوبهم على نهي من كتابهم، و ردع صريح من عقولهم، لقساوة قلوبهم، و شقاوة نفوسهم، و ضلال سعيهم.

قوله تعالى: {وأوفوا بعهدي}، أصل العهد الحفاظ، و منه اشتقت معانيه كالعهد بمعنى الميثاق و اليمين و الوصية و اللقاء و المنزل و نحو ذلك.

قوله تعالى: {فارهبون}، الرهبة الخوف، و تقابل الرغبة.

قوله تعالى: {ولا تكونوا أول كافر به}، أي من بين أهل الكتاب، أو من بين قومكم ممن مضى و سيأتي، فإن كفار مكة كانوا قد سبقوهم إلى الكفر به.

قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ } [البقرة: 45] ، الاستعانة و هي طلب العون إنما يتم فيما لا يقوى الإنسان عليه وحده من المهمات و النوازل، وإذ لا معين في الحقيقة إلا الله سبحانه فالعون على المهمات مقاومة الإنسان لها بالثبات و الاستقامة و الاتصال به تعالى بالانصراف إليه، و الإقبال عليه بنفسه، و هذا هو الصبر و الصلاة، و هما أحسن سبب على ذلك، فالصبر يصغر كل عظيمة نازلة، و بالإقبال على الله و الالتجاء إليه تستيقظ روح الإيمان، و تتنبه: أن الإنسان متك على ركن لا ينهدم، و سبب لا ينفصم.

قوله تعالى: و إنها لكبيرة إلا على الخاشعين، الضمير راجع إلى الصلاة، و أما إرجاعه إلى الاستعانة لتضمن قوله: استعينوا ذلك فينافيه ظاهرا قوله: إلا على الخاشعين، فإن الخشوع لا يلائم الصبر كثير ملائمة، و الفرق بين الخشوع و الخضوع مع أن في كليهما معنى التذلل و الانكسار أن الخضوع مختص بالجوارح و الخشوع بالقلب.

وقوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم}.

هذا المورد، أعني مورد الاعتقاد بالآخرة على أنه مورد اليقين لا يفيد فيه الظن و الحسبان الذي لا يمنع النقيض، قال تعالى: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4] ، و يمكن أن يكون الوجه فيه الأخذ بتحقق الخشوع فإن العلوم التدريجية الحصول من أسباب تدريجية تتدرج فيها النفس المدركة من تنبه وشك ثم ترجح أحد طرفي النقيض ثم انعدام الاحتمالات المخالفة شيئا فشيئا حتى يتم الإدراك الجازم وهو العلم، و هذا النوع من العلم إذا تعلق بأمر هائل موجب لاضطراب النفس و قلقها و خشوعها إنما تبتدي الخشوع الذي معه من حين شروع الرجحان قبل حصول الإدراك العلمي و تمامه، ففي وضع الظن موضع العلم إشارة إلى أن الإنسان لا يتوقف على زيادة مئونة على العلم إن تنبه بأن له ربا يمكن أن يلاقيه و يرجع إليه و ذلك كقول الشاعر:

فقلت لهم ظنوا بألفي مذحج    سراتهم في الفارسي المسرد.

و إنما يخوف العدو باليقين لا بالشك و لكنه أمرهم بالظن لأن الظن يكفيهم في الانقلاع عن المخالفة، بلا حاجة إلى اليقين حتى يتكلف المهدد إلى إيجاد اليقين فيهم بالتفهيم من غير اعتناء منه بشأنهم، وعلى هذا فالآية قريبة المضمون من قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا } [الكهف: 110] ، و هذا كله لو كان المراد باللقاء في قوله تعالى: ملاقوا ربهم، يوم البعث و لو كان المراد به ما سيأتي تصويره في سورة الأعراف إن شاء الله فلا محذور فيه أصلا.

________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص129-131.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

ذكر النِّعم الإِلهية

مرّت بنا في الآيات السابقة قصّة خلافة آدم في الأرض، وموقف الملائكة منه، ثم نسيانه العهد الإِلهي وهبوطه إلى الأرض، وبعد ذلك توبته.

ومن أحداث قصّة آدم (عليه السلام)، اتضح أن الساحة الكونية تنطوي دوماً على قوتين: قوّة الحق وقوّة الباطل. وهاتان القوتان متقابلتان ومتصارعتان، ومن اتبع الشيطان في هذا الصراع فقد اختار طريق الباطل، ومصيره الابتعاد عن الجنّة والسّعادة، ومعاناة المصائب والآلام، ومن ثمّ الندم. ومن إلتزم بأوامر الله ونواهيه وتغلب على وساوس الشيطان وأتباعه، فقد سار على طريق الحق، وابتعد عن نكد العيش وضنكه وآلامه.

لما كانت قصّة بني إسرائيل ابتداءً من تحررهم من السيطرة الفرعونية واستخلافهم في الأرض، ومروراً بنسيان العهد الإِلهي، وانتهاءً بسقوطهم في حضيض الإِنحراف والعذاب والمشقة، تشبه إلى حد كبير قصة آدم، بل هي فرع من ذلك الأصل العام، فإن الله سبحانه في آية بحثنا وعشرات الآيات الاُخرى التالية، بيّن مقاطع من حياة بني إسرائيل ومصيرهم، لإِكمال الدرس التربوي الذي بدأ بقصة آدم.

يوجه القرآن خطابه إلى بني إسرائيل ويقول: {يَا بني إسرائيل اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوفُوا بِعَهْدِي اُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبِونِ}.

الأوامر الثلاثة التي تذكرها الآية الكريمة وهي: تذكّر النعم الإِلهية، والوفاء بالعهد، والخوف من الله، تشكل المنهج الإِلهي الكامل للبشرية.

تذكّر النعم الإِلهية يحفّز الإِنسان للاتجاه نحو معرفة الله سبحانه وشكره. واستشعار العهد الإِلهي الذي يستتبع النعم الإِلهية يدفع الكائن البشري إلى النهوض بمسؤولياته وواجباته. ثم الخوف من الله وحده ـ دون سواه ـ يمنح الإِنسان العزم على تحدّي كل العقبات التي تقف بوجه تحقيق أهدافه والإِلتزام بعهده. لأن التخوف الموهوم من هذا وذاك أهم موانع الإِلتزام بالعهد الإِلهي. وظاهرة الخوف كانت متغلغلة في أعماق نفوس بني إسرائيل نتيجة السيطرة الفرعونية الطّويلة عليهم.

جشع اليهود

الآيات المذكورة أعلاه تتطرق إلى تسعة من بنود العهد الذي أخذه الله على بني إسرائيل.

يقول تعالى: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُم}، فالقرآن مصدق لما مع اليهود من كتاب. أي أن البشائر التي زفتها التوراة والكتب السماوية الاُخرى بشأن النّبي الخاتم، والأوصاف التي ذكرتها لهذا النّبي والكتاب السماوي تنطبق على محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى القرآن المنزل عليه. فلماذا لا تؤمنون به؟!

ثمّ يقول سبحانه: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِر بِهِ} أي ـ لا عجب أن يكون المشركون والوثنيون في مكة ـ كفّاراً بالرسالة، بل العجب في كفركم، بل في كونكم روّاداً للكفر، وسباقين للمعارضة. لأنكم أهل الكتاب، وكتابكم يحمل بشائر ظهور هذا النّبي، وكنتم لذلك تترقبون ظهوره. فما عدى ممّا بدا؟ ولماذا كنتم أول كافر به؟!.

إنه تعنتهم الذي لولاه لكانوا أول المؤمنين برسالة النّبي الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم).

المقطع الثالث من الآية يقول: {وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلا}.

آيات الله، لا ينبغي ـ دون شك ـ معاوضتها، بأي ثمن، قليلا كان أم كثيراً. وفي تعبير هذه الآية إشارة إلى دناءة هذه المجموعة من اليهود، التي تنسى كل إلتزاماتها من أجل مصالحها التافهة. هذه الفئة، التي كانت قبل البعثة من المبشرين بظهور نبي الإِسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبكتابه السماوي، أنكرت بشارات التوراة وحرفتها، حين رأت مصالحها معرضة للخطر، وعلمت أن مكانتها الإِجتماعية معرضة للانهيار عند انكشاف الحقيقة للناس.

في الواقع، لو اُعطيت الدنيا بأجمعها لشخص ثمناً لإِنكار آية واحدة من آيات اللّه، لكان ثمناً قليلا، لأنّ هذه الحياة فانية، والحياة الاُخرى هي دار البقاء والخلود. فما بالك بإنسان يفرّط بهذه الآيات الإِلهية في سبيل مصالحه التافهة؟!

في المقطع الرابع تقول الآية: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}، والخطاب موجّه إلى زعماء اليهود الذين يخشون أن ينقطع رزقهم، وأن يثور المتعصبون اليهود ضدّهم،  وتطلب منهم أن يخشوا الله وحده، أي أن يخشوا عصيان أوامره سبحانه.

في البند الخامس من هذه الأوامر ينهى الله سبحانه عن خلط الحق بالباطل {وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ}.

وفي البند السادس ينهى عن كتمان الحق: {... وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

كتمان الحق، مثل خلط الحق بالباطل ذنب وجريمة، والآية تقول لهم: قولوا الحق ولو على أنفسكم، ولا تشوهوا وجه الحقيقة بخلطها بالباطل وإن تعرضت مصالحكم الآنية للخطر.

البند السابع والثامن والتاسع من هذه الأوامر يبينه قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}.

البند الأخير يأمر بالصلاة جماعة، غير أن «الركوع» هو الذي ذكر دون غيره من أجزاء الصلاة، ولعل ذلك يعود إلى أنّ صلاة اليهود كانت خالية من الركوع، تماماً، بينما احتل الركوع مكان الرّكن الأساسي في صلاة المسلمين.

ومن الملفت للنظر أنّ الآية لم تقل «أدّوا الصلاة»، بل قالت: {أقيموا الصَّلاَةَ}، وهذا الحث يحمّل الفرد مسؤولية خلق المجتمع المصلي، ومسؤولية جذب الآخرين نحو الصلاة.

بعض المفسرين قال إن تعبير «أَقيمُوا» إشارة إلى إقامة الصلاة كاملة، وعدم الاكتفاء بالاذكار والاوراد، وأهم أركان كمال الصلاة حضور القلب والفكر لدى الله سبحانه، وتأثير الصلاة على المحتوى الداخلي للإنسان(2).

هذه الأوامر الأخيرة تتضمن في الحقيقة: أولا بيان إرتباط الفرد بخالقه (الصلاة)، ثمّ إرتباطه بالمخلوق (الزكاة)، وبعد ذلك إرتباط المجموعة البشرية مع بعضها على طريق الله!.

{أَتَاْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}؟!

هذا السّؤال الإِستنكاري ـ وإن كان موجهاً إلى بني إسرائيل كما يتبين من سياق الآيات السابقة والتالية ـ له حتماً مفهوم واسع يشمل الآخرين أيضاً.

قال «الطّبرسي(رحمه الله)» في «مجمع البيان»: هذه الآية خطاب لعلماء اليهود. وبّخهم الله تعالى على ما كانوا يفعلون من أمر النّاس بالإِيمان بمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وترك أنفسهم في ذلك.

وقال أيضاً: كان علماء اليهود يقولون لأقربائهم من المسلمين اثبتوا على ما أنتم عليه ولا يؤمنون هم.

لذلك كانت الآية الاُولى من الآيات التي يدور حولها بحثنا تحمل توبيخاً لهذا العمل: {أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ، وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ، أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}؟!

منهج الدعاة إلى الله يقول على أساس العمل أوّلا ثم القول. فالدّاعية إلى الله يبلّغ بعمله قبل قوله، كما جاء في الحديث عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): «كُونُوا دُعَاةَ النَّاسِ بِأَعْمَالِكُمْ وَلاَ تَكُونُوا دُعَاةً بِأَلْسِنَتِكُمْ»(3).

التأثير العميق للدعوة العملية يأتي من قدرة مثل هذه الدعوة على فتح منافذ قلب السامع، فالسامع يثق بما يقوله الداعية العامل، ويرى أن هذا الداعية مؤمن بما يقول وأن ما يقوله صادر عن القلب. والكلام الصادر عن القلب ينفذ إلى القلب. وأفضل دليل على إيمان القائل بما يقوله، هو العمل بقوله قبل غيره، كما يقول علي(عليه السلام): «أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي وَاللهِ مَا أَحُثُّكُمْ على طَاعَة إِلاَّ وأَسْبِقُكُمْ إلَيْهَا، وَلاَ أَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَة إِلاَّ وَأَتَنَاهَىْ قَبْلَكُمْ عَنْهَا»(4).

وفي حديث عن الإِمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): «مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَصَفَ عَدْلا وَعَمِلَ بِغَيْرِهِ»(5).

علماء اليهود كانوا يخشون من انهيار مراكز قدرتهم وتفرّق عامة النّاس عنهم، إن اعترفوا برسالة خاتم الأنبياء(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولذلك حرّفوا ما ورد بشأن صفات نبي الإِسلام في التوراة.

والقرآن يحث على الاستعانة بالصبر والصّلاة للتغلب على الأهواء الشخصية والميول النفسية، فيقول في الآية التالية: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} ثم يؤكد أن هذِهِ الاستعانة ثقيلة لا ينهض بعبئها إلا الخاشعون: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرةٌ إِلاَّ على الْخَاشِعِينَ}.

وفي الآية الأخيرة من هذه المجموعة وصف للخاشعين: {اَلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.

كلمة {يَظُنُّونَ} من مادة «ظنّ» وقد تأتي بمعنى اليقين(6). وفي هذا الموضع تعني الإِيمان واليقين القطعي. لأن الإِيمان بلقاء الله والرجوع إليه، يحيي في قلب الإِنسان حالة الخشوع والخشية والإِحساس بالمسؤولية، وهذا أحد آثار تربية الإِنسان على الإِيمان بالمعاد، حيث تجعل هذه التربية الفرد مائلا دوماً أمام مشهد المحكمة الكبرى، وتدفعه إلى النهوض بالمسؤولية وإلى الحق والعدل.

ويحتمل أن يكون استعمال «الظن» في الآية للتأكيد، أي أن الإِنسان لو ظنّ بالآخرة فقط فظنه كاف لأن يصده عن ارتكاب أي ذنب. وهو تقريع لعلماء اليهود وتأكيد على أنهم لا يمتلكون إيماناً باليوم الآخر حتى على مستوى الظن، فلو ظنوا بالآخرة لأَحسّوا بالمسؤولية، وكفّوا عن هذه التحريفات!(7)

_________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص149-161.

2 ـ المنار، ج 2، ص 293، ومفردات الراغب، مادة «قوم».

3 ـ سفينة البحار، مادة «عمل».

4 ـ نهج البلاغة، الخطبة 175.

5 ـ تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 64.

6 ـ يقول الراغب في المفردات: الظن اسم لما يحصل عن أمارة متى قويت أدّت إلى العلم، ومتى ضعفت جداً لم يتجاوز حدّ التوهم.

7 ـ المنار، ج 1، ص 302، والميزان، ج 1، ص 154. وتفسير روح المعاني، ج 1، ص 228. وفي آيات اُخرى إشارة إلى هذا المعنى كقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ صَالِحاً} (الكهف، 10).

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .