المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17393 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
عدة الطلاق
2024-09-28
{وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم}
2024-09-28
الايمان في القلوب
2024-09-28
{نساؤكم حرث لكم}
2024-09-28
عقوبة جريمة الاختلاس في القانون اللبناني
2024-09-28
عقوبة جريمة الاختلاس في القانون العراقي
2024-09-28

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (2) من سورة البقرة  
  
3952   11:53 صباحاً   التاريخ: 10-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /

قال تعالى : {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } [البقرة : 2] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير  هذه الآية (1) :

 

 المراد بالكتاب : القرآن وقال الأخفش ذلك بمعنى هذا لأن الكتاب كان حاضرا وأنشد لخفاف بن ندبة

أقول له والرمح يأطر متنه ***  تأمل خفافا إنني أنا ذلكا

أي أنا هذا وهذا البيت يمكن إجراؤه على ظاهره أي إنني أنا ذلك الرجل الذي سمعت شجاعته وإذا جرى للشيء ذكر يجوز أن يقول السامع هذا كما قلت وذلك كما قلت وتقول أنفقت ثلاثة وثلاثة فهذا ستة أوفذلك ستة وإنما تقول هذا لقربه بالإخبار عنه وتقول ذلك لكونه ماضيا وقيل إن الله وعد نبيه أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء ولا يخلق على كثرة الرد فلما أنزل القرآن قال هذا القرآن ذلك الكتاب الذي وعدتك عن الفراء وأبي علي الجبائي وقيل معناه هذا القرآن ذلك الكتاب الذي وعدتك به في الكتب السالفة عن المبرد ومن قال إن المراد بالكتاب التوراة والإنجيل فقوله فاسد لأنه وصف الكتاب بأنه لا ريب فيه وأنه هدى ووصف ما في أيدي اليهود والنصارى بأنه محرف بقوله يحرفون الكلم عن مواضعه .

ومعنى قوله {لا ريب فيه} أي أنه بيان وهدى وحق ومعجز فمن هاهنا استحق الوصف بأنه لا شك فيه لا (2) على جهة الإخبار بنفي شك الشاكين وقيل أنه على الحذف كأنه قال لا سبب شك فيه لأن الأسباب التي توجب الشك في الكلام هي التلبيس والتعقيد والتناقض والدعاوي العارية من البرهان وهذه كلها منفية عن كتاب الله تعالى وقيل إن معناه النهي وإن كان لفظه الخبر أي لا ترتابوا أولا تشكوا فيه كقوله تعالى {لا رفث ولا فسوق} وأما تخصيص المتقين بأن القرآن هدى لهم وإن كان هدى لجميع الناس فلأنهم هم الذين انتفعوا به واهتدوا بهداه كما قال إنما أنت منذر من يخشاها وإن كان (صلى الله عليه وآله يذكر وسلّم) منذرا لكل مكلف لأنه إنما انتفع بإنذاره من يخشى نار جهنم على أنه ليس في الإخبار بأنه هدى للمتقين ما يدل على أنه ليس بهدى لغيرهم وبين في آية أخرى أنه هدى للناس .

_______________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص81-82 .

2- ولا جهة للاخبار ، كذا في بعض النسخ ولعله انسب .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير  هذه الآية (1) :

 

ذلك اسم إشارة ، ومحله الرفع بالابتداء ، والكاف للتعظيم ، لا للبعد ، كقولك : أنا ذلك الرجل . . والمراد بالكتاب القرآن . وبنفي الريب عنه انه كتاب حق وصدق . . وعجزهم عن صياغة مثله يستدعي ان لا يرتابوا فيه إطلاقا لو كانوا طلاب حقيقة .

القران والعلم الحديث :

قوله تعالى : { هُدىً لِلْمُتَّقِينَ } فيه دلالة واضحة على ان القرآن لا يلتمس فيه علم التاريخ ، ولا الفلسفة ، ولا العلوم الطبيعية والرياضية ، وما إليها ، وانما يلتمس فيه هداية الإنسان ، وإرشاده إلى صلاحه وسعادته في الدارين . . وبكلمة ان القرآن كتاب دين وأخلاق وعقيدة وشريعة .

وتسأل : وما ذا أنت صانع بالآيات الكونية : {والشمس تجري لمستقر} .

والقمر قدرناه منازل . . وما إلى ذلك من عشرات الآيات ؟ .

الجواب : لم يكن الغرض من هذه الآيات ان يبين اللَّه لنا ما في الطبيعة من حقائق علمية ، كلا ، فان ذلك موكول إلى عقل الإنسان وتجاربه ، وانما الهدف الأول من ذكرها أن نسترشد بالكون ونظامه إلى وجود اللَّه سبحانه ، وانه لا شيء من هذه الكائنات وجد صدفة ، ومن غير قصد كما يزعم الماديون ، بل وجد بإرادة عليمة حكيمة ، وقد بين اللَّه ذلك صراحة في قوله تعالى : {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ وفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ - 53 حم السجدة} . أي سنكشف للكافرين باللَّه عن تدبير الكون وأحكامه ما يعلمون معه انهم على ضلال . .

ان القرآن حين يدعو إلى النظر في الكون فإنه يقول بلسان مبين ان دلائل الكون أصدق حجة ، وأقوى دلالة على وجود اللَّه من كل شيء ، حتى من الدور والتسلسل . قال بعض الحكماء : ان للَّه كتابين : كتابا يتلوه اللسان ، وكتابا يتلوه العقل ، وهو الكون .

أجل ، ان القرآن حث على دراسة العلوم الطبيعية ، وكل علم يعود على الانسانية بالخير والهناء ، ولكن حثه على العلم شيء ، وكونه كتابا في العلوم شيء آخر .

وأيضا لا يشك عارف بالقرآن وآياته ان معانيه لا تحصيها كثرة ، ولا يحيط بها عقل بالغا ما بلغ من العظمة ، وانما يدرك منها كل عالم ما تتسع له مؤهلاته ومواهبه ، وهي عميقة إلى أبعد الحدود ، فإذا اكتشف عالم معنى منها فإنه يكتشف طرفا من أطرافه ، وجهة من جهاته يستعين بها على معرفة بعض ما يحويه الكون . .

ولكن هذا شيء ، والحقائق العلمية التي يستنتجها الأخصائيون في مختبراتهم شيء آخر .

{ملحوظة} : اني ما مضيت في تفسير القرآن إلا قليلا ، حتى أيقنت ان أي مفسر لا يأتي بجديد لم يسبق إليه ، ولو بفكرة واحدة في التفسير كله يخالف فيها من تقدمه من أهل التفسير ، ان هذا المفسر لا يملك عقلا واعيا ، وانما يملك عقلا قارئا يرتسم فيه ما يقرأه لغيره دون محاكمة ، أو تقليم وتطعيم ، تماما كما يرتسم الشيء في المرآة على ما هومن لون وحجم . . وأيضا اكتشفت من تفسيري للقرآن ان معانيه لا يدركها ، ولن يدركها على حقيقتها إلا المؤمن حقا الذي اختلط الإيمان بدمه ولحمه . . وانسجم مع أهداف القرآن انسجاما كاملا . وهنا يكمن السر في قول الإمام أمير المؤمنين : ذلك القرآن الصامت ، وأنا القرآن الناطق .

ومما يعزز ويؤيد ان القرآن أولا وقبل شيء هو كتاب هدى ودين وشريعة وأخلاق وانه أنزل لأجل هذه الغاية قوله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم : 1] .

وقوله : {هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} [الأعراف : 203] . . وكفى دليلا على ذلك قول الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله ) إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق . وقال الإمام

أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الخطبة 174 من خطب النهج : {ان في القرآن شفاء من أكبر الداء ، وهو الكفر والنفاق ، والغي والضلال} . وبهذا نجد تفسير قوله تعالى : { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُو شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء : 82] . . وعسى أن يتعظ بقول الإمام ( عليه السلام )  من يطلب الشفاء لأوجاعه الجسمية بتلاوة هذه الآية إلا أن يضيف إليها ( روشتة ) الطبيب .

وتسأل مرة ثانية وما ذا تقول بهذه الآية : {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام : 38] . حيث دلت بظاهرها على أن في القرآن جميع العلوم ؟ .

الجواب : ان عموم كل شيء بحسبه ، فإذا قلت : هذا البيت فيه كل شيء فهم منه ان فيه ما تدعو إليه حاجة المقيم فيه من مؤنة وأثاث . . وإذا قلت عن كتاب فقهي : فيه كل شيء . فهم منه جميع المسائل الفقهية . . والقرآن كتاب دين ، وعليه يكون معنى ما فرطنا في الكتاب من شيء يتصل بخير الإنسان وهدايته .

سؤال ثالث : وما قولك في هذه الكتب التي تحمل اسم القرآن والعلم الحديث ، والإسلام والطب الحديث ، وما إلى هذا ؟ .

الجواب : أولا ان كل من يحاول الملاءمة بين مستكشفات العلم قديما كان أو حديثا ، وبين القرآن الكريم فإنه يحاول المحال . . ذلك ان علم الإنسان محدود بطاقته العقلية ، والقرآن من علم اللَّه الذي لا حد له . . فكيف تصح الملاءمة بين المحدود ، وغير المحدود ؟ .

ثانيا : ان علم الإنسان عرضة للخطأ ، لأنه عبارة عن نظريات وفروض تخطئ وتصيب . وكم رأينا العلماء يجمعون على نظرية ، وانها صحيحة مائة بالمائة ثم اكتشفوا ، أومن جاء بعدهم من العلماء انها خطأ مائة بالمائة . . والقرآن معصوم عن الخطأ . . فكيف تصح الملاءمة بين ما هو عرضة للخطأ ، وبين المعصوم عنه ؟ ثم هل نستمر في تأويل نصوص القرآن ، ونحملها ما لا تتحمل كلما نسخت أو عدلت فروض العلم ونظرياته ؟

أجل ، لا بأس أن نستعين بما يكتشفه العلم من حقائق على فهم بعض الآيات ، على شريطة أن لا نجعلها مقياسا لصدق القرآن وصحته ، بل وسيلة

للتعرف على أسراره وحكمة بعض أحكامه . . ومن الجائز ان يكون هذا ما قصد إليه الذين كتبوا وألفوا في القرآن والعلم الحديث .

ومهما يكن ، فنحن على يقين راسخ بأننا أقوياء في ديننا ، أغنياء فيما لدينا من البراهين على صدقه . . ولسنا أبدا بحاجة إلى ما عند الغير ، بل نعتقد ان الغير بحاجة إلينا في ذلك . . ان البشرية في تاريخها كله لم تعرف ، ولن تعرف دينا أصلح لها من دين الإسلام ، ولا كتابا أنفع من كتابه ، ولا نبيا أعظم من نبيه ، ومن لم يهتد بدلائل القرآن ، ودعوته إلى الحياة الطيبة فلا تقنعه الكشوف العلمية قديمة كانت أو حديثة . وخطر في بالي الآن شيء . . ربما خفف عن القارئ وطأة الملل من القراءة ، وأغراه في المضي ، كما انه يصلح - على ما أظن - ردا على من يحاول تطبيق القرآن على العلم الحديث ، وهذا هو الخاطر :

مر عزير على قرية خاوية على عروشها ، وكان معه حماره ، وطعامه ، وشرابه ، فتعجب واستغرب ، وقال : انّي يحيي هذه اللَّه بعد موتها ؟ ! وأراد اللَّه أن يزيل استغرابه ، واستبعاده فأماته مائة عام ، وأبقى طعامه وشرابه طوال هذه المدة على حالهما دون أن ينالهما تغير وفساد . . ولما أحيا اللَّه عزيرا وأراد أن يريه من آياته عجبا قال له : أنظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ، أي لم يتغير .

فهل يا ترى كان طعام عزير وشرابه في ثلاثة ؟ ! السؤال موجه لصاحب القرآن والعلم الحديث . . وليس من شك ان هذه الثلاجة التي حفظت الطعام والشراب مائة عام ليس من شك انها من موديل سنة الألفين ، لا موديل سنة ال 67 .

أجل ، ان فهم معاني القرآن الكريم يمكن تطبيقه على العلم الحديث ، وبصورة خاصة على النظرية النسبية . . ذلك ان الفهم لجهة من جهات معنى من معانيه الدقيقة العميقة يختلف باختلاف زمن التلاوة ومكانها ، وحال من يتلو أو يسمع .

وان قال قائل : ان هذا الاختلاف لا يختص بالفهم لتلاوة القرآن وحده ، لأن النظرية النسبية عامة لا تقبل التخصيص .

قلنا في جوابه : هذا صحيح ، ولكن لمعاني القرآن استعدادا لذلك لا يوجد في غيرها . . وهذا يعزز ملاحظتنا بأن من يقف عند قول المفسرين ، لا يتعداه ولوفي تفسير آية واحدة فهو قاصر يملك عقلا قارئا ، لا عقلا واعيا . . واللَّه سبحانه المسؤول أن يجعل فهمنا لآياته فهم وعي ودراية ، لا فهم نقل ورواية .

و{ لِلْمُتَّقِينَ } أوله واو ، لأنه وقي وقاية ، ثم قلبت الواو تاء ، والوقاية في اللغة مطلق الصيانة والتحفظ ، وفي الشريعة الوقاية من سخط اللَّه وعقابه على ترك واجب ، أو فعل محرم ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : التقى رأس الأخلاق .

وقال بعضهم : التقى ان لا يراك اللَّه ، حيث نهاك ، ولا يفقدك ، حيث أمرك ، وبالتقوى وحدها يكون التفاضل عند اللَّه : {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات : 13] .

وتسأل : ان المتقين مهتدون ، فلا يحتاجون إلى من يهديهم ، تماما كما لا يحتاج العالم إلى من يعلمه ؟ .

الجواب : ان المعلم يلقي دروسه على جميع الطلاب ، الأذكياء والبلداء ، ولكن الذين ينتفعون بالمعلم هم الأذكياء المجتهدون الذين تكون عاقبتهم إلى النجاح ، وعليه يصح أن يقال : ان المعلم هو معلم الناجحين ، وكذا القرآن الكريم ، فإنه قد خاطب الجميع دون استثناء ، ولكن الذين انتفعوا به هم الذين صاروا من المؤمنين المتقين ، ومن أجل هذا خصهم بالذكر ، على ان المتقي يستمر ويزداد . تقى بالقرآن : {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد : 17] .

________________________________

1- التفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص38-42 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير  هذه الآية (1) :

 

المتقون هم المؤمنون ، وليست التقوى من الأوصاف الخاصة لطبقة من طبقاتهم أعني : لمرتبة من مراتب الإيمان حتى تكون مقاما من مقاماته نظير الإحسان والإخبات والخلوص ، بل هي صفة مجامعة لجميع مراتب الإيمان إذا تلبس الإيمان بلباس التحقق ، والدليل على ذلك أنه تعالى لا يخص بتوصيفه طائفة خاصة من طوائف المؤمنين على اختلاف طبقاتهم ودرجاتهم والذي أخذه تعالى من الأوصاف المعرفة للتقوى في هذه الآيات التسع عشرة التي يبين فيها حال المؤمنين والكفار والمنافقين خمس صفات ، وهي الإيمان بالغيب ، وإقامة الصلاة ، والإنفاق مما رزق الله سبحانه ، والإيمان بما أنزله على أنبيائه ، والإيقان بالآخرة ، وقد وصفهم بأنهم على هدى من ربهم فدل ذلك على أن تلبسهم بهذه الصفات الكريمة بسبب تلبسهم بلباس الهداية من الله سبحانه ، فهم إنما صاروا متقين أولي هذه الصفات بهداية منه تعالى ، ثم وصف الكتاب بأنه هدى لهؤلاء المتقين بقوله تعالى : {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } فعلمنا بذلك : أن الهداية غير الهداية ، وأن هؤلاء وهم متقون محفوفون بهدايتين ، هداية أولى بها صاروا متقين ، وهداية ثانية أكرمهم الله سبحانه بها بعد التقوى وبذلك صحت المقابلة بين المتقين وبين الكفار والمنافقين ، فإنه سبحانه يجعلهم في وصفهم بين ضلالين وعمائين ، ضلال أول هو الموجب لأوصافهم الخبيثة من الكفر والنفاق ، وضلال ثان يتأكد به ضلالهم الأول ، ويتصفون به بعد تحقق الكفر والنفاق كما يقوله تعالى في حق الكفار : {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة : 7] ، فنسب الختم إلى نفسه تعالى والغشاوة إلى أنفسهم ، وكما يقوله في حق المنافقين : {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا } [البقرة : 10] فنسب المرض الأول إليهم والمرض الثاني إلى نفسه على حد ما يستفاد من قوله تعالى : {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ } [البقرة : 26] ، وقوله تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف : 5] .

وبالجملة المتقون واقعون بين هدايتين ، كما أن الكفار والمنافقين واقعون بين ضلالين .

ثم إن الهداية الثانية لما كانت بالقرآن فالهداية الأولى قبل القرآن وبسبب سلامة الفطرة ، فإن الفطرة إذا سلمت لم تنفك من أن تتنبه شاهده لفقرها وحاجتها إلى أمر خارج عنها ، وكذا احتياج كل ما سواها مما يقع عليه حس أووهم أو عقل إلى أمر خارج يقف دونه سلسلة الحوائج ، فهي مؤمنة مذعنة بوجود موجود غائب عن الحس منه يبدأ الجميع وإليه ينتهي ويعود ، وإنه كما لم يهمل دقيقة من دقائق ما يحتاج إليه الخلقة كذلك لا يهمل هداية الناس إلى ما ينجيهم من مهلكات الأعمال والأخلاق ، وهذا هو الإذعان بالتوحيد والنبوة والمعاد وهي أصول الدين ، ويلزم ذلك استعمال الخضوع له سبحانه في ربوبيته ، واستعمال ما في وسع الإنسان من مال وجاه وعلم وفضيلة لإحياء هذا الأمر ونشره ، وهذان هما الصلاة والإنفاق .

ومن هنا يعلم : أن الذي أخذه سبحانه من أوصافهم هوالذي يقضي به الفطرة إذا سلمت وأنه سبحانه وعدهم أنه سيفيض عليهم أمرا سماه هداية ، فهذه الأعمال الزاكية منهم متوسطة بين هدايتين كما عرفت ، هداية سابقة وهداية لاحقة ، وبين الهدايتين يقع صدق الاعتقاد وصلاح العمل ، ومن الدليل على أن هذه الهداية الثانية من الله سبحانه فرع الأولى ، آيات كثيرة كقوله تعالى : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } [إبراهيم : 27] .

وقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ } [الحديد : 28] .

وقوله تعالى : {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد : 7] : محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) - 7 .

وقوله تعالى : {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [الصف : 7] .

وقوله تعالى : {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف : 5] .

إلى غير ذلك من الآيات .

والأمر في ضلال الكفار والمنافقين كما في المتقين على ما سيأتي إن شاء الله .

وفي الآيات إشارة إلى حياة أخرى للإنسان كامنة مستبطنة تحت هذه الحياة الدنيوية ، وهي الحياة التي بها يعيش الإنسان في هذه الدار وبعد الموت وحين البعث ، قال تعالى : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } [الأنعام : 122] . وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله .

_________________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص41-43 .

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير  هذه الآية (1) :

 

قد يشير هذا التعبير إلى أن الله تعالى وعد نبيّه أن ينزّل عليه كتاباً يهتدي به من طلب الحق ، ولا يشك فيه من كان له قلب أو ألقى السمع وهو بصير ، وها هو سبحانه قد وفى بوعده الآن .

وقوله : {لاَ رَيْبَ فِيهِ} ليس ادعاءً ، بل تقرير لحقيقة قرآنية مشهودة ، هي إنّ القرآن يشهد بذاته على حقّانيته . وبعبارة اُخرى فإن مظاهر الصدق والعظمة والإنسجام والإستحكام وعمق المعاني وحلاوة الألفاظ والعبارات وفصاحتها من الوضوح بدرجة تبعد عنه كلّ شك .

من المشهود أن مرّ العصور وكرّ الدهور لم يقلل من طراوة القرآن ، بل إن حقائق القرآن ، ازدادت وضوحاً بتطور العلوم وبانكشاف أسرار الكائنات . وكلما ازداد العلم تكاملا ازدادت آيات القرآن جلاء وسطوعاً .

وسنوضح هذه الحقيقة أكثر بإذن الله في مواضع اُخرى من هذا التّفسير .

_______________________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص61-62 .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .