المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6767 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



بيعة يزيد بن ابي سفيان  
  
1439   09:26 صباحاً   التاريخ: 17-11-2016
المؤلف : العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني
الكتاب أو المصدر : من حياة معاوية بن أبي سفيان
الجزء والصفحة : ص91-99
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / الدولة الاموية / الدولة الاموية في الشام / يزيد بن معاوية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-5-2017 2069
التاريخ: 17-11-2016 1447
التاريخ: 31-3-2021 2919
التاريخ: 9-1-2017 1201

بيعة يزيد

أحد موبقات معاوية الأربع (1):

إن من موبقات معاوية وبوائقه - وهو بكله بوائق - أخذه البيعة لابنه " يزيد " على كره من أهل الحل والعقد، ومراغمة لبقايا المهاجرين والأنصار، و إنكار من أعيان الصحابة الباقين، تحت بوارق الارهاب، ومعها طلاة المطامع لأهل الشره والشهوات.

كان في خلد معاوية يوم استقرت له الملوكية وتم له الملك العضوض أن يتخذ ابنه ولي عهده ويأخذ له البيعة، ويؤسس حكومة أموية مستقرة في أبناء بيته، فلم يزل يروض الناس لبيعة سبع سنين يعطي الأقارب ويداني الأباعد (2) وكان يبتلعه طورا، ويجتر به حينا بعد حين، يمهد بذلك السبيل، ويسهل حزونته، ولما مات زياد سنة 53 وكان يكره تلك البيعة أظهر معاوية عهدا مفتعلا - على زياد - فقرأه على الناس فيه عقد الولاية ليزيد بعده، وأراد بذلك أن يسهل بيعة يزيد كما قاله المدائني (3) وقال أبو عمر في الاستيعاب 1: 142: كان معاوية قد أشار بالبيعة ليزيد في حياة الحسن وعرض بها ولكنه لم يكشفها ولا عزم عليها إلا بعد موت الحسن.

قال ابن كثير في تاريخه 8: 79: وفي سنة ست خمسين دعا معاوية الناس إلى البيعة ليزيد ولده أن يكون ولي عهده من بعده، وكان قد عزم قبل ذلك على هذا في حياة المغيرة (4) بن شعبة، فروى ابن جرير من طريق الشعبي: أن المغيرة كان قد قدم على معاوية وأعفاه من إمرة الكوفة فأعفاه لكبره وضعفه، وعزم على توليتها سعيد بن العاص، فلما بلغ ذلك المغيرة كأنه ندم، فجاء إلى يزيد بن معاوية فأشار عليه بأن يسأل من أبيه أن يكون ولي العهد فسأل ذلك من أبيه فقال: من أمرك بهذا؟

قال: المغيرة. فأعجب ذلك معاوية من المغيرة، ورده إلى عمل الكوفة، وأمره أن يسعى في ذلك، فعند ذلك سعى المغيرة في توطيد ذلك، وكتب معاوية إلى زياد يستشيره في ذلك فكره زياد ذلك لما يعلم من لعب يزيد وإقباله على اللعب والصيد، فبعث إليه من يثني رأيه عن ذلك وهو عبيد بن كعب النميري - وكان صاحبا أكيدا لزياد - فسار إلى دمشق فاجتمع بيزيد أولا فكلمه عن زياد وأشار عليه بأن لا يطلب ذلك، فإن تركه خير له من السعي فيه، فانزجر يزيد عما يريد من ذلك، واجتمع بأبيه واتفقا على ترك ذلك في هذا الوقت، فلما مات زياد شرع معاوية في نظم ذلك والدعاء إليه، وعقد البيعة لولده يزيد، وكتب إلى الآفاق بذلك.

صورة أخرى في بدء بدئها:

كان ابتداء بيعة يزيد وأوله من المغيرة بن شعبة فإن معاوية أراد أن يعزله عن الكوفة ويستعمل عوضه سعيد بن العاص فبلغه ذلك فقال: الرأي أن أشخص إلى معاوية فأستعفيه ليظهر للناس كراهتي للولاية، فسار إلى معاوية وقال لأصحابه حين وصل إليه: إن لم أكسبكم الآن ولاية وإمارة لا أفعل ذلك أبدا، ومضى حتى دخل على يزيد وقال له:

إنه قد ذهب أعيان أصحاب النبي صلى الله عليه و[آله و]سلم وكبراء قريش وذوو أسنانهم وإنما بقي أبناؤهم وأنت من أفضلهم وأحسنهم رأيا وأعلمهم بالسنة والسياسة، ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة؟ قال: أو ترى ذلك يتم؟ قال: نعم. فدخل يزيد على أبيه وأخبره بما قال المغيرة فأحضر المغيرة وقال له: ما يقول يزيد؟ فقال: يا أمير المؤمنين! قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان (5) وفي يزيد منك خلف فاعقد له، فإن حدث بك حادث كان كهفا للناس وخلفا منك ولا تسفك دماء ولا تكون فتنة. قال:

ومن لي بهذا؟ قال: أكفيك أهل الكوفة، ويكفيك زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك. قال: فارجع إلى عملك وتحدث مع من تثق إليه في ذلك، وترى ونرى. فودعه ورجع إلى أصحابه فقالوا: مه. قال: لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد، وفتقت عليهم فتقا لا يرتق أبدا. وتمثل:

بمثلي شاهدي نجوى وغالى * بي الأعداء والخصم الغضابا

وسار المغيرة حتى قدم الكوفة وذاكر من يثق إليه ومن يعلم أنه شيعة لبني أمية أمر يزيد فأجابوا إلى بيعته فأوفد منهم عشرة ويقال: أكثر من عشرة. وأعطاهم ثلاثين ألف درهم، وجعل عليهم ابنه موسى بن المغيرة وقدموا على معاوية فزينوا له بيعة يزيد ودعوه إلى عقدها. فقال معاوية: لا تعجلوا بإظهار هذا وكونوا على رأيكم، ثم قال لموسى:

بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟ قال: بثلاثين ألفا. قال: لقد هان عليهم دينهم، وقيل:

أرسل أربعين رجلا وجعل عليهم ابنه عروة، فلما دخلوا على معاوية قاموا خطباء فقالوا: إنما أشخصهم إليه النظر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا أمير المؤمنين!

كبرت سنك وخفنا انتشار الحبل فانصب لنا علما، وحد لنا حدا ننتهي إليه.

فقال: أشيروا علي. فقالوا: نشير بيزيد بن أمير المؤمنين. فقال: أوقد رضيتموه؟

قالوا: نعم. قال: وذلك رأيكم؟ قالوا: نعم، ورأي من وراءنا. فقال معاوية لعروة سرا عنهم: بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟ قال: بأربعمئة دينار. قال: لقد وجد دينهم عندهم رخيصا، وقال لهم: ما ننظر ما قدمتهم له ويقضي الله ما أراد. والأناة خير من العجلة فرجعوا، وقوي عزم معاوية على البيعة ليزيد فأرسل إلى زياد يستشيره فأحضر زياد عبيد بن كعب النميري وقال له: إن لكل مستشير ثقة، ولكل سر مستودع، وإن الناس قد أبدع بهم خصلتان: إذاعة السر، وإخراج النصيحة إلى غير أهلها، وليس موضوع السر إلا أحد رجلين: رجل آخرة يرجو ثوابها، ورجل دنيا له شرف في نفسه، وعقل يصون حسبه، و قد خبرتهما منك، وقد دعوتك لأمر اتهمت عليه بطون الصحف: إن أمير المؤمنين كتب يستشيرني في كذا وكذا، وإنه يتخوف نفرة الناس، ويرجو طاعتهم، وعلاقة أمر الاسلام وضمانه عظيم، ويزيد صاحب رسلة وتهاون مع ما قد أولع به من الصيد، فألق أمير المؤمنين وأد إليه فعلات يزيد وقل له: رويدك بالأمر فأحرى لك أن يتم لك، لا تعجل فإن دركا في تأخير خير من فوت في عجلة. فقال له عبيد: أفلا غير هذا؟ قال. وما هو؟ قال:

لا تفسد على معاوية رأيه، ولا تبغض إليه ابنه، وألقي أنا يزيد فأخبره أن أمير المؤمنين كتب إليك، يستشيرك في البيعة له، وإنك تتخوف خلاف الناس عليه لهنات ينقمونها عليه، و إنك ترى له ترك ما ينقم عليه لتستحكم له الحجة على الناس، ويتم ما تريد فتكون قد نصحت أمير المؤمنين وسلمت مما تخاف من أمر الأمة. فقال زياد: لقد رميت الأمر بحجره، أشخص على بركة الله، فإن أصبت فما لا ينكر، وإن يكن خطأ فغير مستغش، وتقول بما ترى، ويقتضي الله بغيب ما يعلم، فقدم على يزيد فذكر ذلك له فكف عن كثير مما كان يصنع، وكتب زياد معه إلى معاوية يشير بالتؤدة وأن لا يعجل، فقبل منه، فلما مات زياد عزم معاوية على البيعة لابنه يزيد فأرسل إلى عبد الله بن عمر مائة ألف درهم فقبلها فلما ذكر البيعة ليزيد قال ابن عمر: هذا أراد، إن ديني إذن لرخيص وامتنع. (6)

بيعة يزيد في الشام وقتل الحسن السبط[عليه السلام] دونها:

لما اجتمعت عند معاوية وفود الأمصار بدمشق بإحضار منه وكان فيهم الأحنف بن قيس دعا معاوية الضحاك بن قيس الفهري فقال له: إذا جلست على المنبر وفرغت من بعض موعظتي وكلامي فاستأذني للقيام فإذا أذنت لك فاحمد الله تعالى واذكر " يزيد " وقل فيه الذي يحق له عليك من حسن الثناء عليه، ثم ادعني إلى توليته من بعدي فإني قد رأيت وأجمعت على توليته، فأسأل الله في ذلك وفي غيره الخيرة وحسن القضاء، ثم دعا عبد الرحمن بن عثمان الثقفي، وعبد الله بن مسعدة الفزاري، وثور بن معن السلمي، وعبد الله بن عصام الأشعري، فأمرهم أن يقوموا إذا فرغ الضحاك وأن يصدقوا قوله ويدعوه إلى يزيد.

ثم خطب معاوية فتكلم القوم بعده على ما يروقه من الدعوة إلى يزيد فقال معاوية:

أين الأحنف؟ فأجابه، قال: ألا تتكلم؟ فقام الأحنف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أصلح الله أمير المؤمنين، إن الناس قد أمسوا في منكر زمان قد سلف، ومعروف زمان مؤتنف، و يزيد ابن أمير المؤمنين نعم الخلف، وقد حلبت الدهر أشطره يا أمير المؤمنين! فاعرف من تسند إليه الأمر من يدك، ثم اعص أمر من يأمرك، لا يغررك من يشير عليك ولا ينظر لك وأنت انظر للجماعة واعلم باستقامة الطاعة، إن أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيا.

فغضب الضحاك فقام الثانية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أصلح الله أمير المؤمنين إن أهل النفاق من أهل العراق، مروءتهم في أنفسهم الشقاق، وألفتهم في دينهم الفراق، يرون الحق على أهوائهم كأنما ينظرون بأقفائهم، اختالوا جهلا وبطرا، لا يرقبون من الله راقبة، ولا يخافون وبال عاقبة، اتخذوا إبليس لهم ربا، واتخذهم إبليس حزبا، فمن يقاربوه لا يسروه، ومن يفارقوه لا يضروه، فادفع رأيهم يا أمير المؤمنين! في نحورهم، وكلامهم في صدورهم، ما للحسن وذوي الحسن في سلطان الله الذي استخلف به معاوية في أرضه؟

هيهات ولا تورث الخلافة عن كلالة، ولا يحجب غير الذكر العصبة، فوطنوا أنفسكم يا أهل العراق! على المناصحة لإمامكم وكاتب نبيكم وصهره، يسلم لكم العاجل، ويربحوا من الآجل.

ثم قام الأحنف بن قيس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين! إنا قد فررنا (7) عنك قريشا فوجدناك أكرمها زندا، وأشدها عقدا، وأوفاها عهدا، قد علمت إنك لم تفتح العراق عنوة، ولم تظهر عليها قعصا، ولكنك أعطيت الحسن بن علي من عهود الله ما قد علمت ليكون له الأمر من بعدك، فإن تف فأنت أهل الوفاء، وإن تعذر تعلم والله إن وراء الحسن خيولا جيادا، وأذرعا شدادا، وسيوفا حدادا، إن تدن له شبرا من غدر، تجد وراءه باعا من نصر، وإنك تعلم أن أهل العراق ما أحبوك منذ أبغضوك، ولا أبغضوا عليا وحسنا منذ أحبوهما، وما نزل عليهم في ذلك خبر من - السماء، وإن السيوف التي شهروها عليك مع علي يوم صفين لعلى عواتقهم، والقلوب التي أبغضوك بها لبين جوانحهم، وأيم الله إن الحسن لأحب إلى أهل العراق من علي.

ثم قام عبد الرحمن بن عثمان الثقفي فأثنى على يزيد وحث معاوية إلى بيعته فقام معاوية فقال:

أيها الناس: إن لإبليس من الناس إخوانا وخلانا، بهم يستعد وإياهم يستعين، وعلى ألسنتهم ينطق، إن رجوا طمعا أوجفوا، وإن استغني عنهم أرجفوا، ثم يلقحون الفتن بالفجور، ويشققون لها حطب النفاق، عيابون مرتابون، أن لووا عروة أمر حنفوا، وإن دعوا إلى غي أسرفوا، وليسوا أولئك بمنتهين، ولا بمقلعين، ولا متعظين حتى تصيبهم صواعق خزي وبيل، وتحل بهم قوارع أمر جليل، تجتث أصولهم كاجتثاث أصول الفقع (8) فأولى لأولئك ثم أولى، فإنا قد قدمنا وأنذرنا إن أغنى التقدم شيئا أو نفع النذر. (9)

فدعا معاوية الضحاك فولاه الكوفة، ودعا عبد الرحمن فولاه الجزيرة.

ثم قام الأحنف بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين! أنت أعلمنا بيزيد في ليله ونهاره وسره وعلانيته، ومدخله ومخرجه، فإن كنت تعلمه لله رضا ولهذه الأمة فلا تشاور الناس فيه، وإن كنت تعلم منه غير ذلك، فلا تزوده الدنيا وأنت صائر إلى الآخرة، فإنه ليس لك من الآخرة إلا ما طاب، واعلم أنه لا حجة لك عند الله إن قدمت يزيد على الحسن والحسين، وأنت تعلم من هما، وإلى ما هما، وإنما علينا أن نقول: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير (10).

قال الأميني: لما حس معاوية بدء إعرابه عما رامه من البيعة ليزيد أن الفئة الصالحة من الأمة قط لا تخبت إلى تلك البيعة الوبيلة ما دامت للحسن السبط الزكي سلام الله عليه باقية من الحياة، على أنه أعطى الإمام مواثيق مؤكدة ليكون له الأمر من بعده، وليس له أن يعهد إلى أي أحد، فرأى توطيد السبل لجروه في قتل ذلك الإمام الطاهر، وجعل ما عهد له تحت قدميه، قال أبو الفرج: أراد معاوية البيعة لابنه يزيد فلم يكن شيئ أثقل عليه من أمر الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص فدس إليهما سما فماتا منه. (11)

عبد الرحمن بن خالد (12) في بيعة " يزيد ":

خطب معاوية أهل الشام وقال لهم: يا أهل الشام إنه كبرت سني وقرب أجلي وقد أردت أن أعقد لرجل يكون نظاما لكم، وإنما أنا رجل منكم فرؤا رأيكم.

فاصفقوا واجتمعوا وقالوا: رضينا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فشق ذلك على معاوية وأسرها في نفسه، ثم إن عبد الرحمن مرض فأمر معاوية طبيبا عنده يهوديا يقال له: ابن أثال. وكان عنده مكينا، أن يأتيه فيسقيه سقية يقتله بها، فأتاه فسقاه فانخرق بطنه فمات، ثم دخل أخوه المهاجر بن خالد دمشق مستخفيا هو وغلام له فرصدا ذلك اليهودي فخرج ليلا من عند معاوية فهجم عليه ومعه قوم هربوا عنه فقتله المهاجر. وفي الأغاني: إنه قتله خالد بن المهاجر فأخذ وأتي به معاوية فقال له: لا جزاك الله من زائر خيرا قتلت طبيبي. قال: قتلت المأمور وبقي الآمر (13).

قال أبو عمر بعد ذكر القصة: وقصته هذه مشهورة عند أهل السير والعلم بالآثار والأخبار اختصرناها، ذكرها عمر بن شبه في أخبار المدينة وذكرها غيره.

قال الأميني: وقعت هذه القصة سنة 46 وهي السنة الثانية من هاجسه بيعة يزيد....

سعيد بن عثمان ومعاوية:

سأل سعيد بن عثمان معاوية أن يستعمله على خراسان فقال: إن بها عبيد الله بن زياد (14) فقال: أما لقد اصطنعك أبي ورفاك حتى بلغت باصطناعه المدى الذي لا يجارى إليه ولا يسامى، فما شكرت بلاءه ولا جازيته بآلائه، وقدمت علي هذا - يعني يزيد بن معاوية - وبايعت له ووالله لأنا خير منه أبا وأما ونفسا. فقال معاوية: أما بلاء أبيك فقد يحق علي الجزاء به، وقد كان من شكري لذلك أني طلبت بدمه حتى تكشفت الأمور: ولست بلائم لنفسي في التشمير، وأما فضل أبيك على أبيه فأبوك والله خير مني وأقرب برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما فضل أمك على أمه فما ينكر امرأة من قريش خير من امرأة من كلب، وأما فضلك عليه فوالله ما أحب أن الغوطة دحست ليزيد رجالا مثلك فقال له يزيد: يا أمير المؤمنين! ابن عمك وأنت أحق من نظر في أمره وقد عتب عليك لي فأعتبه. (15)

وفي لفظ ابن قتيبة: فلما قدم معاوية الشام أتاه سعيد بن عثمان بن عفان، وكان شيطان قريش ولسانها قال: يا أمير المؤمنين! على م تبايع ليزيد وتتركني؟ فوالله لتعلم أن أبي خير من أبيه، وأمي خير من أمه، وأنا خير منه، وإنك إنما نلت ما أنت فيه بأبي. فضحك معاوية وقال: يا ابن أخي أما قولك: إن أباك خير من أبيه. فيوم من عثمان خير من معاوية. وأما قولك: إن أمك خير من أمه ففضل قرشية على كلبية فضل بين. وأما أن أكون نلت ما أنا فيه بأبيك فإنما هو الملك يؤتيه الله من يشاء، قتل أبوك رحمه الله فتواكلته بنو العاصي وقامت فيه بنو حرب، فنحن أعظم بذلك منة عليك، و أما تكون خيرا من يزيد فوالله ما أحب أن داري مملوءة رجالا مثلك بيزيد، ولكن دعني من هذا القول وسلني أعطك. فقال سعيد بن عثمان بن عفان: يا أمير المؤمنين!

لا يعدم يزيد مزكيا ما دمت له، وما كنت لأرضى ببعض حقي دون بعض، فإذا أبيت فاعطني مما أعطاك الله. فقال معاوية: لك خراسان؟ قال سعيد: وما خراسان؟ قال:

إنها لك طعمة وصلة رحم. فخرج راضيا وهو يقول:

ذكرت أمير المؤمنين وفضله * فقلت: جزاه الله خيرا بما وصل

وقد سبقت مني إليه بوادر   * من القول فيه آية العقل والزلل

فعاد أمير المؤمنين بفضله * وقد كان فيه قبل عودته ميل

وقال: خراسان لك اليوم طعمة * فجوزي أمير المؤمنين بما فعل

فلو كان عثمان الغداة مكانه * لما نالني من ملكه فوق ما بذل

فلما انتهى قوله إلى معاوية أمر يزيد أن يزوده وأمر إليه بخلعة وشيعه فرسخا (16).

قال ابن عساكر في تاريخه 6: 155: كان أهل المدينة يحبون سعيدا ويكرهون يزيد، فقدم على معاوية فقال له: يا ابن أخي ما شيئ يقوله أهل المدينة؟ قال: ما يقولون؟

قال: قولهم:

والله لا ينالها يزيد *** حتى يعض هامه الحديد

              إن الأمير بعده سعيد

قال: ما تنكر من ذلك يا معاوية؟! والله إن أبي لخير من أبي يزيد، ولأمي خير من أمه، ولأنا خير منه، ولقد استعملناك فما عزلناك بعد، ووصلناك فما قطعناك، ثم صار في يديك ما قد ترى فحلاتنا عنه أجمع. فقال له: أما قولك. الحديث.

وقال: حكى الحسن بن رشيق قصة سعيد مع معاوية بأطول مما مر - ثم ذكر حكاية ابن رشيق - وفيها: فولاه معاوية خراسان وأجازه بمائة ألف درهم.

كتب معاوية في بيعة يزيد:

كتب معاوية إلى مروان بن الحكم: إني قد كبرت سني، ودق عظمي، وخشيت الاختلاف على الأمة بعدي، وقد رأيت أن أتخير لهم من يقوم بعدي، وكرهت أن أقطع أمرا دون مشورة من عندك، فأعرض ذلك عليهم وأعلمني بالذي يردون عليك.

فقام مروان في الناس فأخبرهم به فقال الناس: أصاب ووفق، وقد أجبنا أن يتخير لنا فلا يألو. فكتب مروان إلى معاوية بذلك فأعاد إليه الجواب يذكر " يزيد " فقام مروان فيهم وقال: إن أمير المؤمنين قد اختار لكم فلم يأل وقد استخلف ابنه يزيد بعده فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: كذبت والله يا مروان! وكذب معاوية، ما الخيار أردتما لأمة محمد ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كلما مات هرقل قام هرقل.

فقال مروان: هذا الذي أنزل الله فيه: والذي قال لوالديه اف لكما. الآية، فسمعت عائشة مقالته من وراء الحجاب وقالت: يا مروان! يا مروان! فأنصت الناس وأقبل مروان بوجهه فقالت: أنت القائل لعبد الرحمن إنه نزل فيه القرآن كذبت والله ما هو به و لكنه فلان بن فلان، ولكنك أنت فضض من لعنة نبي الله (17)

وقام الحسين بن علي[عليه السلام] فأنكر ذلك، وفعل مثله ابن عمر، وابن الزبير، فكتب مروان بذلك إلى معاوية، وكان معاوية قد كتب إلى عماله بتقريظ يزيد ووصفه وأن يوفدوا إليه الوفود من الأمصار فكان فيمن أتاه محمد بن عمرو بن حزم من المدينة، و الأحنف بن قيس في وفد أهل البصرة، فقال محمد بن عمرو لمعاوية: إن كل راع مسؤول عن رعيته فانظر من تولي أمر أمة محمد فأخذ معاوية بهر (18) حتى جعل يتنفس في يوم شات ثم وصله وصرفه. وأمر الأحنف أن يدخل على يزيد فدخل عليه فلما خرج من عنده قال له: كيف رأيت ابن أخيك؟ قال: رأيت شبابا ونشاطا وجلدا ومزاحا، ثم إن معاوية قال للضحاك بن قيس الفهري: لما اجتمع الوفود عنده إني متكلم فإذا سكت فكن أنت الذي تدعو إلى بيعة يزيد وتحثني عليها. فلما جلس معاوية للناس تكلم فعظم أمر الاسلام وحرمة الخلافة وحقها وما أمر الله به من طاعة ولاة الأمر ثم ذكر يزيد وفضله وعلمه بالسياسة وعرض ببيعته فعارضه الضحاك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين! إنه لا بد للناس من وال بعدك وقد بلونا الجماعة والألفة فوجدناهما أحقن للدماء، وأصلح للدهماء، وآمن للسبل، وخيرا في العاقبة، والأيام عوج رواجع والله كل يوم هو في شأن، ويزيد ابن أمير المؤمنين في حسن هديه وقصد سيرته على ما علمت، وهو من أفضلنا علما وحلما وأبعدنا رأيا، فوله عهدك، واجعله لنا علما بعدك، ومفزعا نلجأ إليه، ونسكن في ظله، وتكلم عمرو بن سعيد الأشدق بنحو من ذلك، ثم قام يزيد بن المقنع العذري فقال: هذا أمير المؤمنين وأشار إلى معاوية، فإن هلك فهذا وأشار إلى يزيد، ومن أبى فهذا وأشار إلى سيفه، فقال معاوية: اجلس فأنت سيد الخطباء. وتكلم من حضر من الوفود.

فقال معاوية للأحنف: ما تقول يا أبا بحر؟ فقال: نخافكم إن صدقنا، ونخاف الله إن كذبنا، وأنت أمير المؤمنين أعلم بيزيد في ليله ونهاره وسره وعلانيته ومدخله و مخرجه، فإن كنت تعلمه لله تعالى وللأمة رضا فلا تشاور فيه، وإن كنت تعلم فيه غير ذلك فلا تزوده الدنيا وأنت صائر إلى الآخرة، وإنما علينا أن نقول: سمعنا وأطعنا.

وقام رجل من أهل الشام فقال: ما ندري ما تقول هذه المعدية العراقية، وإنما عندنا سمع وطاعة وضرب وازدلاف. فتفرق الناس يحكون قول الأحنف، وكان معاوية يعطي المقارب، ويداري المباعد ويلطف به، حتى استوثق له أكثر الناس وبايعه (19)

صورة أخرى:

قالوا: ثم لم يلبث معاوية بعد وفاة الحسن رحمه الله إلا يسيرا أن بايع ليزيد بالشام، وكتب بيعته إلى الآفاق، وكان عامله على المدينة مروان بن الحكم فكتب إليه يذكر الذي قضى الله به على لسانه من بيعة يزيد، ويأمره بجمع من قبله من قريش وغيرهم من أهل المدينة يبايعوا ليزيد.

فلما قرأ مروان كتاب معاوية أبى من ذلك وأبته قريش فكتب لمعاوية: إن قومك قد أبوا إجابتك إلى بيعتك ابنك فأرني رأيك. فلما بلغ معاوية كتاب مروان عرف ذلك من قبله فكتب إليه يأمره أن يعتزل عمله، ويخبره أنه قد ولى المدينة سعيد بن العاص، فلما بلغ مروان كتاب معاوية أقبل مغاضبا في أهل بيته وناس كثير من قومه حتى نزل بأخواله بني كنانة فشكا إليهم وأخبرهم بالذي كان من رأيه في أمر معاوية وفي عزله و استخلافه يزيد ابنه عن غير مشاورة مبادرة له، فقالوا: نحن نبلك في يدك، وسيفك في قرابك، فمن رميته بنا أصبناه، ومن ضربته قطعناه، الرأي رأيك، ونحن طوع يمينك.

ثم أقبل مروان في وفد منهم كثير ممن كان معه من قومه وأهل بيته حتى نزل دمشق فخرج حتى أتى سدة معاوية وقد أذن للناس، فلما نظر الحاجب إلى كثرة من معه من قومه وأهل بيته منعه من الدخول، فوثبوا إليه فضربوا وجهه حتى خلى عن الباب، ثم دخل مروان ودخلوا معه حتى إذا كان معاوية بحيث تناله يده، قال بعد التسليم عليه بالخلافة: إن الله عظيم خطره، لا يقدر قادر قدره، خلق من خلقه عبادا جعلهم لدعائم دينه أوتادا، هم رقباؤه على البلاد، وخلفاؤه على العباد، أسفر بهم الظلم وألف بهم الدين، وشدد بهم اليقين، ومنح بهم الظفر، ووضع بهم من استكبر، فكان من قبلك من خلفائنا يعرفون ذلك في سالف زماننا، وكنا نكون لهم على الطاعة إخوانا، وعلى من خالف عنا أعوانا، يشد بنا العضد، ويقام منا الأود، ونستشار في القضية، ونستأمر في أمر الرعية، وقد أصبحنا اليوم في أمور مستخيرة، ذات وجوه مستديرة، تفتح بأزمة الضلال، وتجلس بأسوأ الرجال، يؤكل جزورها ونمق أحلابها، فما لنا لا نستأمر في رضاعها ونحن فطامها وأولاد فطامها؟ وأيم الله لولا عهود مؤكدة ومواثيق معقدة لأقمت أود وليها، فأقم الأمر يا بن أبي سفيان واهدأ من تأميرك الصبيان، واعلم أن لك في قومك نظرا وإن لهم على مناوأتك وزرا.

فغضب معاوية من كلامه غضبا شديدا ثم كظم غيظه بحلمه وأخذ بيد مروان ثم قال: إن الله قد جعل لكل شيئ أصلا، وجعل لكل خير أهلا، ثم جعلك في الكرم مني محتدا والعزيز مني والدا، اخترت من قروم قادة،، ثم استللت سيد سادة، فأنت

ابن ينابيع الكرام ، فمرحبا بك وأهلا من ابن عم، ذكرت خلفاء مفقودين شهداء صديقين، كانوا كما نعت، وكنت لهم كما ذكرت، وقد أصبحنا في أمور مستخيرة ذات وجوه مستديرة، وبك والله يا بن العم نرجو استقامة أودها، وذلولة صعوبتها، وسفور ظلمتها، حتى يتطأطأ جسيمها، ويركب بك عظيمها، فأنت نظير أمير المؤمنين بعده وفي كل شيئ عضده، وإليك بعد عهده، فقد وليتك قومك، وأعظمنا في الخراج سهمك، وأنا مجيز وفدك، ومحسن رفدك، وعلى أمير المؤمنين غناك، والنزول عند رضاك.

فكان أول ما رزق ألف دينار في كل هلال، وفرض له في أهل بيته مائة مائة.

____________

(1) راجع كلمة الحسن البصري المذكورة قبيل هذا صفحة 225.

(2) العقد الفريد 2: 302.

(3) العقد الفريد 2: 302، تاريخ الطبري 6: 170.

(4) توفي المغيرة سنة خمسين وقدم على معاوية في سنة خمس وأربعين واستعفاه من الإمرة وهي سنة بدو فكر بيعة يزيد في خلد معاوية بإيعاز من المغيرة.

(5) ألا مسائل المغيرة عن أن هذا الشقاق والخلاف وسفك الدماء المحرمة في عدم الاستخلاف هل كان يعلمها رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فلماذا ترك أمته سدى ولم يستخلف كما زعمه هو والسياسيون من رجال الانتخاب الدستوري؟.

(6) تاريخ الطبري 6: 169، 170، كامل ابن الأثير 3: 214، 215.

(7) فر عن الأمر: بحث عنه.

(8) الفقع بالفتح والكسر: البيضاء الرخوة من الكمأة.

(9) النذر: الانذار. قال تعالى: فكيف كان عذابي ونذر.

(10) الإمامة والسياسة 1، 138 - 142.

(11) مقاتل الطالبين ص 29.

(12) أدرك النبي صلى الله عليه وآله قال أبو عمر في الاستيعاب: كان من فرسان قريش وشجعانهم كان له فضل وهدى حسن وكرم إلا أنه كان منحرفا عن علي عليه السلام. وقال ابن حجر في الإصابة: كان عظيم القدر عند أهل الشام.

(13) الاستيعاب ترجمة عبد الرحمن:، الأغاني 15: 13: تاريخ الطبري 6: 128 واللفظ لأبي عمر.

(14) سار إلى خراسان في أخريات سنة 53 وأقام بها سنتين كما رواه الطبري في تاريخه 6: 166، 167.

(15) تاريخ الطبري 6: 171، تاريخ ابن كثير 8: 79، 80.

(16) الإمامة والسياسة 1: 157.

(17) راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 252، 253 ط 1.

(18) البهر: انقطاع النفس من الاعياء.

(19) العقد الفريد 2: 302 - 304، الكامل لابن الأثير 3: 214 - 216.

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).