أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-11-2016
1347
التاريخ: 2023-12-14
1073
التاريخ: 12-11-2016
1298
التاريخ: 2-10-2019
2164
|
أقوام جنوب شبه الجزيرة العربية (اليمن) :
ورث إنسان شبه الجزيرة العربية اللاحق الإرث الحضاري لوادي الرافدين ووادي النيل في جميع مجالات الحياة وحافظ عليه وساهمت الخبرات المتراكمة لديه في إتاحة المجال لإبداع أكثر وتطور متجدد طالما كان هناك توظيف للخبرات القديمة في الواقع الجديد لتعطي ناتجاً أكثر بسبب المرونة التي أكتسبها الواقع الجديد بهذه الخبرات. وبما أن دارستنا تتعلق بالدين فسيكون التركيز في موضوع التعامل مع الإرث الحضاري مختصاً بالنظام الديني الوضعي للحضارات السابقة وكيفية انتقاله إلى الأقوام الأخرى المجاورة وشكل تكيفه الذي تم ليصل إلى الصيغة التي كانت سائدة عند العرب قبل الإسلام والذي مثلته مكة خير تمثيل .
تمتع اليمن بموقع مهم كرست فوائده في مجالين الزراعة أولاً ثم التجارة فيما بعد والتي شكلت أساس الحياة في اليمن . وتعكس المنجزات الحضارية لإنسانه حجم التطور الحاصل لبيئته ويؤشر نجاحه في بناء السدود إبداعاً فكرياً وحضارياً لنظام ري متكامل ويُعد سد مأرب القمة في تطوره (1) ، وهو انجاز أتاح نوعاً من الاستقرار وفر بدوره عمقاً حضارياً كان الدين أحد أهم ركائزه . وإذا كانت التنقيبات حتى الآن لم توفر معلومات كافية تسد الفجوة الحضارية (2) في تطور تاريخ اليمن القديم إلا أن بعض النقوش بينت أساسيات ثابتة لأسرة الآلهة في اليمن ، سارت عليها جميع الأقوام التي تعاقبت على النفوذ ، في اليمن ، شأنها شأن حضارة وادي الرافدين ووادي النيل (3) . وأن دلت بعض التنقيبات على الأثر الواضح لحضارة وادي الرافدين في حضارة اليمن (4) ، غير أن هذا التأثير لا يقلل من شأن النظام الديني لإنسان اليمن ، والذي ساهم بشكل فعال في تثبيت الكيان السياسي لتلك الحضارة لمدة غير قصيرة وعكس صورة مستقلة لحضارة اليمن جعلت منها نداً كفئاً لحضارات المنطقة ولا سيما إذا ما قيست مقومات الحضارة لهذا البلد مع مقومات الحضارة للبلدان الأخرى مثل بلاد وادي الرافدين ووادي النيل .
عبد سكان اليمن الكواكب بالدرجة الأولى (5) . وهذا حكم الموقع الجغرافي سواء كانت الوظيفة الأساسية لهذا الموقع التجارة أو النشاط الزراعي المحدود . وكان الثالوث المكون من القمر والشمس والزهرة يقف في القمة من دون قاعدة من الآلهة الصغرى ومن دون آلهة مساعدة (6) . وظهر هذا الثالوث بسماته الذكورية القائدة وطبيعته التوالدية مستقراً لدى الأقوام التي تعاقبت على النفوذ بغض النظر عن الأسماء التي أطلقتها عليه أو الصيغ الرمزية التي رمزت بها له . بمعنى آخر كان هذا الثالوث يمثل النظام الديني الوضعي الذي اعتمدت عليه دولة اليمن لبناء مجتمعها وتكوين كيانها السياسي (7) . بعدّه الثالوث المسبب للحياة سواء بالخصب الزراعي أو الازدهار التجاري ، أما كيف يصنع الخصب والازدهار فهو أمر يتوقف على الإنسان لهذا لم تظهر قاعدة من الآلهة المساعدة وربما يفسر هذا بالبساطة والواقعية التي تتسم بها حياة الإنسان في شبه جزيرة العرب وهي ما نسميه (ببساطة الحياة البدوية) حتى وان كانت ذات مدنية متقدمة.
إن دراسة إنسان اليمن وعلاقته بالأسرة الإلهية تكشف لنا بوضوح أسباب ذلك الاختيار ، والإطار الفلسفي لهذا الاختيار في وعي إنسان اليمن . فاليمن هضبة معقدة تطل على شواطئ متعددة من خلال شريط ساحلي نشط في التجارة حيث البضائع التي تأتي عبر البحر من الهند وأفريقيا وتلك التي تنتجها أراضي اليمن التي شكلت بضائع العصر الحضارية المرغوبة عند شعوب العالم في ذلك العصر (8) . ثم أن تعقيدات الهضبة الشديدة عقدت التنقل وعقدت الإفادة من نظام الري بشكل يسمح بحياة زراعية أوسع (9) ، مما جعلت الحاجة إلى ضبط التغيرات المناخية بدقة وجعلت القناعة أساساً في بساطة الحياة . من هنا أصبحت الصلة بالسماء والكواكب صلة عميقة ومستمرة ومباشرة وحتى الانتقال من مكان لآخر بغض النظر عن دوافعه فأنه عزز هذه الصلة ولا سيما في الليل عندما يكون القمر دليلاً رئيساً ينير دروب الصحراء ويؤنس المسافر في وحشة الليل (10) . وقد ظهرت الحاجة لكوكب الزهرة في تحديد الاتجاهات في أثناء سير القوافل (11) ، فأصبح هذان الكوكبان من الآلهة المقربة لنفسية إنسان اليمن . مع الاعتراف بإله الشمس باعتباره الحامي لتلك القوافل ويعطي ظهوره إيذاناً براحة القوافل وطمأنينتها وممارسة جميع الطقوس التي توفر استعادة الأقوام حيويتها لإكمال سيرها ليلاً من جديد .
شكلَّ إنسان اليمن إطاراً فلسفياً لمستقبله . وقد رسم هذا الإطار لأول مرة معالم الاستقرار الجماعي لتلك الأقوام ، فبدأت تتشكل شعوب تتحد بعضها مع بعض لحسابات آنية تتعلق باستمرارها في الحياة إزاء الخطر المحدق بها (12). ولأن استقرار الشعوب لا يقوم إلا على أساس توفر مصدر دائم للحياة فقد كان التفكير بتطوير نظام الري وبناء سد مأرب الذي يوفر الماء الدائم لأراضٍ تتقاسمها الشعوب كمصدر لاستمرار استقرارها ، وتوفر أسباب عيشها الدائم . من هنا جاءت القدرة على التحول إلى المرحلة الجوهرية من التطور التاريخي وهي نشوء كيان سياسي أكبر من المألوف يعتمد التجارة مورداً أساسياً في تثبيت دعائم الدولة التي أصبحت لها أرض توفر الاستقرار لساكنيها وتوفر هي عنصر الحياة الدائم (الماء) (13) . على هذه المعادلة قام التطور اللاحق في اليمن الذي كانت سمته الأساسية دولة تؤمن الماء وشعب يتحد ليتاجر ويمد الدولة بعنصر القدرة . وكانت محصلة هذا حضارة رائعة دامت لقرون عديدة وكانت الآلهة تحمي كل هذا ملوكا وقبائل وأقوام في اليمن. وكان على الإنسان أن يعبد الآلهة ويقدم لها النذور.
أن النجاح الكبير للنظام الديني الوضعي في اليمن هو في محافظته على الإرث الحضاري للحضارات السابقة مع خصوصية التطور الذي حصل في المنطقة . فالإله القمر عند البابليين (سين) نُقل كما هو عند الحضارمة (14)، أما بقية الأقوام فقد استخدمت له أسماء عدة فهو (المقه) عند السبأيين و(عم) عند القتبانيين و(ود) عند المعينيين والآوسانيين و(كهل) عند كندة و(تألب ريام) عند قبائل همدان (15) . أما الإله الشمس (16) الذي أطلق عليه البابليون اسم شمش فقد وردت تسميته عند أقوام اليمن باسم مقارب (شمس) عدا قومي معين وقتبان وإذ يتشابه إله الشمس لدى معين (نكرح) مع إله الشمس (ننكرشو) إله الوركاء السومري والبابلي (17). ينفرد قوم قتبان باختلاف تسميته عن البابليين فإله الشمس لديهم يطلق عليه (أثرت) (18) .
أما كوكب الزهرة (عثتر) فهو عشتار البابلية وبعيداً عن الترجيحات القائلة بظهوره أولاً في جنوب شبه الجزيرة ثم انتشاره في شمالها (19) . فأن شهرته بهذه الصفة جاءت من البابليين في أول الأمر أيا كانت الأقوام التي أتت به ثم ذاع صيته في شبه الجزيرة العربية ومنها اليمن . لكن بالتأكيد هناك تطور في مراحل تكوين هذا الإله في اليمن نجهل معالمه منها تذكيره أولاً وهو مؤنث عند الآخرين جميعاً وثبات اسمه ثانيا لدى جميع الأقوام المتعاقبة على الحكم (20) . وعلى الأرجح فان لهذا التفرد صلة بتطور المجتمع ونظامه القرابي الذي نجهل الكثير عنهما الآن .
ويبقى السؤال المهم لماذا انتقل المستوى الثاني من آلهة وادي الرافدين إلى اليمن وليس الأول ؟ ما علاقة هذا بالفجوة الحضارية في اليمن وما علاقته بعمر التطور الحضاري في كل من القطرين ؟ سؤالاً مشروعاً ينتظر الإجابة .
____________
( 1) باقر ، مقدمة ، ص 35 .
( 2) فرانكفورت ، ما قبل الفلسفة ، ص 70 .
( 3) الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني (ت 350هـ) ، صفة جزيرة العرب ، تحقيق محمد بن علي الأكوع ، (الرياض : دار اليمامة ، 1974) ، ص 64 وما بعدها ؛ نزار عبد اللطيف الحديثي ، أهل اليمن في صدر الإسلام، (بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، 1978) ، ص 37 وما بعدها ؛ محمد عبد القادر بأفقية ، تاريخ اليمن القديم ، (بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، 1973) ، ص 195-199 .
( 4) الفجوة الحضارية : هي الفجوة بين نشأة الاستقرار البشري في اليمن وبين ظهور دولة المكارب في القرن التاسع قبل الميلاد . وقد عثرت بعثة التنقيبات في مغارة قزة على بدايات العصور الحجرية ويأمل أن يكشف تطور التنقيب عن معلومات تملئ الفجوة الحضارية .
( 5) لقد أستمر الأكديون ومن بعدهم الآشوريّون الآراميّون في أتباع النظام الديني الذي أنشأه السومريون وهو عبادة الثالوث المتكون من السماء والريح والماء كذلك فعل المصريون في عبادة الإله الخالق الشمس في سلالاته المتعاقبة فكان أهل اليمن قد اتبعوا هذا المبدأ وعبدت الأقوام المتعاقبة على النفوذ الثالوث المتكون من القمر والشمس والزهرة .
( 6) جواد مطر رحمة الحمد ، الديانة اليمنية ومعابدها قبل الإسلام ، رسالة ماجستير ،
(كلية التربية - جامعة البصرة ، 1989) ، ص 60 ، 95 ، 99 - 100 ، 133
وما بعدها ؛ أسمهان الجرو ، الفكر الديني عند عرب جنوب شبه الجزيرة العربية ، مستلة من أبحاث اليرموك - سلسلة العلوم الإنسانية والاجتماعية - مجلد 14 ،
(عدد 1 ، 1998) ، ص 220 ، 223 ، 225.
( 7) بأفقية ، تاريخ ، ص 213 ؛ الحمد ، الديانة ، أنظر الباب الثاني الفصل الأول ؛
الجرو ، الفكر ، ص 219 .
( 8) بأفقية ، تاريخ ، ص 212-213 ؛ الحمد ، الديانة ، الباب الثاني ، الفصول 1 ، 2 ، 3 ، 4 ؛ الجرو ، الفكر ، ص 220-226 .
( 9) الجرو ، الفكر ، ص 240-241 ؛ بأفقية ، تاريخ ، ص 212 .
( 10) الحديثي ، أهل اليمن ، ص 45-46 .
( 11) بأفقية ، تاريخ ، ص 195-197 ؛ الحديثي ، أهل اليمن ، 37-39 .
( 12) جواد علي ، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، (بيروت : دار العلم للملايين ، 1968 ) ، 6 / 52 ؛ عواطف أديب علي سلامة ، قريش قبل الإسلام (دورها السياسي والاقتصادي والديني) ، (الرياض : دار المريخ ، 1994) ، ص 263 .
( 13) سلامة، قريش ، ص 263 .
( 14) عبد الله حسن الشيبه ، دراسات في تاريخ اليمن القديم ، (تعز : مكتبة الوعي
الثوري ، 2000) ، ص 15-16 .
( 15) بافقية ، تاريخ ، ص 195 – 198 .
( 16) بافقية ، تاريخ ، ص 213 ؛ الحمد ، الديانة ،ص 25-26 ؛ الجرو ، الفكر ، ص223.
( 17) ويفترض البكر ان القبائل الأوسانية أصلها من العراق ، انظر منذر عبد الكريم البكر، دراسات في تاريخ العرب قبل الإسلام ، (جامعة البصرة : دار الكتب للطباعة والنشر،
1993) ، ص 213 ، 177 ، 154 ؛
Grohmann: A, kulturgeschichte des Alten orints (111 , 4) arabien, muench (1963) ,p 243 .
قام بترجمة الجزء الخاص باليمن الدكتور خالد إسماعيل أُستاذ في كلية اللغات - جامعة بغداد .
( 18) ديتلف نيلسن وآخرون ، التاريخ العربي القديم ، ترجمة د. فؤاد حسنين علي ،
(القاهرة : مكتبة النهضة المصرية ، 1927) ، ص 177 ؛ الحمد ، الديانة ، ص 63 ؛
Grohmann , Kulturgeschichet , p 243.
( 19) الجرو ، الفكر ، ص 225 .
( 20) الجرو ، الفكر ، ص 224 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|