أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-11-2016
929
التاريخ: 12-11-2016
980
التاريخ: 2-10-2019
2007
التاريخ: 2023-12-14
1086
|
نرى ان ظروف اليمن الداخلية كانت من أهم العوامل التي مهدت للفتح الأثيوبي لليمن، ذلك لأننا نقرأ في نقش "فلبي 228" عن حرب داخلية استعر أوارها قبيل الغزو الحبشي "وربما في عام 516م"، واشتركت فيها قبائل سبأ وحمير ورحبة وكندة ومضر وثعلبة (1)، ومن ثم فقد مهدت هذه الفتنة الطريق للأحباش بسبب الخصومات القبلية القديمة بين القبائل، والتي أدت إلى ظهور الروح القبلية، التي لا تعرف طريقًا للتعاون القومي، إلا إذا كان من أجل القبيلة وفي مصلحتها، دونما أي اهتمام بما يجره ذلك على الكيان القومي للبلاد من نكبات، قد تؤدي باستقلال البلاد وخضوعها للأجنبي.
ونقرأ في نصي "ريكمانز 507، 508"- ويرجعان إلى عام 518م- إشارات عن حرب بين الأحباش وملك حميري، هو "يسف أسأر" "يوسف أسار"، ولعل عدم الإشارة هنا إلى اللقب الملكي الطويل، ربما يعني أن سلطان "ذي نواس" لم يكن يمتد إلى كل بلاد العرب الجنوبية، وإنما كان مقصورًا على أجزاء منها، وأن الأحباش -فضلا عن الأقيال اليمنيين- إنما كانوا يشاركونه هذا السلطان، فظفار ومجاوراتها كانت في أيدي الأحباش، كما كان الأقيال قد كونوا حكومات إقطاعية في إماراتهم، كما كانوا يثيرون الفتن والقلاقل في أنحاء البلاد، وهكذا كانت الأحوال الداخلية قلقة، مما جعل البلاد آخر الأمر لقمة سائغة في أيدي المستعمرين الأحباش(2)، بل إن نص "ريكمانز 508" ليشير إلى حرب وقعت بين الملك يوسف أسار من ناحية، وبين الأحباش، ومن كل يؤيدهم من أقيال اليمن، من ناحية أخرى، وأن الملك قد هاجم "ظفار" و"مخار" واستولى على كنائسها، وإن كان أشد القتال إنما كان بينه وبين قبيلة "الأشاعر"، حيث قتل منهم ثلاثة عشر ألفًا، وأسر تسعة آلاف وخمسمائة أسير، كما استولى على 280 ألف رأس من الإبل والبقر والماعز، ثم اتجه بعد ذلك إلى "نجران" حيث أنزل بالأحباش ومن سار في ركابهم، خسائر فادحة(3).
وعلى أي حال، فإن المؤرخين إنما يقدمون عدة أسباب لغزو الحبشة لليمن، منها أولًا" الرغبة في السيطرة على اليمن لضمان توزيع البضائع الحبشية، دون أن تتعرض لاعتداءات الحميريين(4)، ومنها "ثانيًا" أن عداوة الحبش للعرب قديمة، نشأت منذ أن كان عرب اليمن يخطفون الأحباش من سواحل الحبشة ويبيعونهم أرقاء في بلاد العرب، حيث وجد الحبش في الحجاز(5)، ومنها "ثالثًا" أن بلاد العرب الجنوبية كانت تقوم في ذلك الوقت بنفس الدور الذي تقوم به مصر الآن بعد حفر قناة السويس، نظرا لمركزها الهام على البحر الأحمر والمحيط الهندي، وحيث يوجد مضيق باب المندب، وفي تلك الأيام كانت الإمبراطورية الرومانية الشرقية حريصة على انتزاع هذه المكانة وإعطائها لمصر، ومختلف الولايات الرومانية الشرقية الأخرى، التي تستطيع الإفادة من مركزها الجغرافي، وبخاصة فإن المسيحية كانت قد استقرت في كثير من الولايات الرومانية الشرقية، حتى اضطر "قسطنطين" "306-337م" في عام 311م إلى السماح بانتشار المسيحية في بلاده(6).
وهنا بدأ الرومان يفكرون في استغلال الدين لضم بلاد العرب الجنوبية إلى إمبراطوريتهم، فعمدوا إلى إرسال البعثات التبشيرية لتلك البلاد، لنشر المسيحية بين الحضر والبادية من جهة، ولتهيئة الأفكار والنفوس لقبول النفوذ الروماني من جهة أخرى(7). ومن ثم فلم يكن تعذيب ذي نواس للنصارى في بلاده، هو السبب الحقيقي للغزو الحبشي في اليمن، ودليلنا على ذلك أن المصادر الإغريقية -بل والحبشية نفسها- إنما تذهب إلى أن الأحباش قد أغاروا على اليمن قبل قصة التعذيب هذه بسنين، وأنهم قد انتصروا على "ذي نواس" واضطروه إلى الالتجاء إلى الجبال إلا أنه استطاع بعد فترة أن ينجح في لم شمل جنده، وأن يهاجم الأحباش وينتصر عليهم، وأن يغير على "نجران" ويتمكن من الاستيلاء عليها، بعد حصار دام سبعة أشهر(8)، ثم ينتقم من أهلها شر انتقام(9)، بل إن تدخل الأحباش في شئون اليمن ومحاولة غزوها، قد بدأ -كما أشرنا من قبل- منذ القرن الرابع الميلادي، وبعد وفاة "شمر يهرعش" وقبله.
وهكذا اتفقت مصالح الأحباش والرومان في السيطرة على بلاد العرب الجنوبية، وكانت سياسية "ذي نواس" التي تربط بين انتشار المسيحية في اليمن، وبين ازدياد نفوذ الأحباش في البلاد، سببًا في أن يتخذ من نصارى اليمن موقفًا عدائيًّا، وكان ذلك ذريعة وجدها الرومان للقضاء على استقلال اليمن، ولكن دون التدخل المباشر، وإنما بتحريض الأحباش على غزوها، بل إن هناك من يذهب إلى أن الروم قد اشتركوا بطريقة فعلية في غزو اليمن عن طريق إرسال أسطولهم من مصر، محملا بالأسلحة والمؤن إلى الثغور اليمنية، ولعل الأمبرطور "جستين الأول" "518-527م" قد اتخذ هذه الخطوات نتيجة لأطماع الفرس التي ازدادت في بلاد العرب حتى أنهم استقروا في سواحل الخليج العربي كالبحرين(10) .
وهناك رواية تذهب إلى أن السبب المباشر لغزو الحبشة لليمن، إنما كان لأن الملك الحميري "دميون" "دميانوس"، كان قد أمر بقتل التجار الروم الذين كانوا في بلاده، وبنهب أموالهم، وذلك بسبب اضطهاد اليهود وإساءة معاملتهم في بلاد الروم، مما أدى إلى أن يتجنب تجار الروم الذهاب إلى الحبشة واليمن، أو حتى المناطق القريبة من "حمير"، ومن هنا رأى البعض أن بعثة "ثيوفيلوس" التبشيرية إنما كانت لضمان حسن نية الأمراء اليمنيين إزاء تجار الروم، غير أن تلك البعثة قد فشلت في تحقيق أهدافها بسبب نفوذ الفرس في اليمن وقت ذاك، وقد أثر ذلك كله في التجارة مع الحبشة تأثيرًا سيئًا، وهنا اضطر النجاشي إلى أن يقدم عروضًا رفضها الملك الحميري، مما كان سببًا في نشوب الحرب بينهما، وتزعم الرواية أن النجاشي كان حتى تلك اللحظة لا يزال على الوثنية، ومن ثم فقد عرض عليه أن يعتنق النصرانية إن كتب له النجح على الحميريين، وحين انتهت الحرب في صالحه اعتنق المسيحية، وأرسل إلى قيصر يطلب منه إرسال عدد من رجال الدين ليعلموه العقيدة الجديد، وقد تم له ما أراد(11).
وعلى أي حال، فإن الكتابات العربية الجنوبية قد أشارت إلى غزو الأحباش لليمن، ذلك أن نقش حصن غراب، والمعروف بـ "Rep Epigr 2633" -ويرجع تاريخه إلى عام 525م- إنما يشير إلى أن الأحباش قد استولوا على اليمن في عهد ملك لم يذكر اسمه، وأنهم قتلوا هذا الملك وأقياله(12)، على أن "فنكلر" إنما يذهب إلى أن هذا الملك إنما هو "ذو نواس"، وأنه البادئ بهذه الحرب، وأن أصحاب النص "السميفع أشوع وأولاده" كانوا من أنصار الملك الحميري، على غير رغبة منهم، وأن المعارك قد انتهت بانتصار الأحباش، ومن ثم فإن "السميفع أشوع" وأولاده، قد اضطروا إلى الالتجاء إلى حصن "ماوية" حتى انتهت العاصفة، ثم عقدوا صلحًا مع السادة الجدد(13).
وقد اهتمت المصادر المسيحية المعاصرة بغزو الحبشة لليمن، ومنها "قزما" الذي كان في الحبشة إبان الاستعدادات لغزو اليمن، وقد سجل لنا قصة الغزو، ربما بعد وقوعها بخمس وعشرين سنة، وقد ذهب إلى أن الحملة إنما تمت في أوائل أيام القيصر "جستين الأول"(14)، بل إن "ثيوفانس" و"سدرينوس" قد حدداها بالعام الخامس من حكم هذا القيصر، أي في عام 523م، وأن سبب الحملة إنما كان تعذيب "ذي نواس"- الذي قتل في المعارك- لنصارى نجران، على أنهما إنما يشيران إلى غزو ثان، قام به الملك الحبشي "أداد" ضد ملك حمير "دميانيوس"ن في العام الخامس عشر من عهد القيصر "جستنيان" ط527-565م"، في عام 542م(15).
ولعل من أهم الوثائق المسيحية التي تتصل بتعذيب نصارى نجران، إنما هي رسالة "مار شمعون"، أسقف بيت رشام، إلى رئيس أساقفة "دير جبلة"، وفيها يتحدث "مارشمعون" كيف عرف بنبأ تعذيب نصارى نجران من رسالة من ملك حمير إلى ملك الحيرة، يطلب منه فيها أن يفعل بنصارى مملكته، ما فعله هو بنصارى نجران، وأن شمعون قد تأكد بنفسه من الحادث عن طريق رسوله الذي أرسله إلى نجران ليتحرى الحقائق، ومن ثم فقد وجه نداء إلى كل الأساقفة الرومان، وإلى بطريق الإسكندرية وإلى أحبار طبرية، طالبا منهم بذل الجهود لإيقاف هذه المذابح البشرية، ورغم ما تفيض به الرسالة من عواطف شخصية، ومن مبالغات متعمدة لإثارة الحمية الدينية عند رجال الدين المسيحي، ورغم أن ما جاء بها على لسان ملك حمير، إنما هو من كلام مار شمعون، وليس من كلام الملك الحميري، فإن الرسالة بصفة عامة صحيحة، ومن ثم فهي وثيقة تاريخية يمكن أن ينظر إليها باهتمام(16).
_____________
(1) انظر: Gj, Vol., Cxvi, 4-6, 1950, P.214
(2) جواد علي 2/ 595-596، وكذا Le Museon, 1953, 3-4, P.284
(3)Bsoas, Xvi, 1954, Part, 3, P.434 . وكذا Lo Museon, 1953, 3-4, P.296,
(4) مراد كامل: مقدمة كتاب "سيرة الحبشة" للحيمي السن بن أحمد، القاهرة 1958 ص6-7 عبد العزيز سالم: المرجع السابق ص182.
(5) يوسف أحمد: الإسلام في الحبشة، القاهرة 1935 ص607: عبد المنعم ماجد: المرجع السابق ص74.
(6) فؤاد حسنين: المرجع السابق ص301.
(7) إسرائيل ولفنسون: تاريخ اليهود في بلاد العرب ص36.
(8) J.B. Bury, Op. Cit., P.323
(9) راجع عن قصة ذي نواس مع نصارى نجران والمعروفة بقصة أصحاب الأخدود: الفصل العاشر من الجزء الأول من كتابنا "دراسات في التاريخ القرآني" ثم انظر: "تاريخ الطبري 2/ 1210125، تاريخ ابن خلدون 2/ 59-56، تاريخ الخميس ص2190220، تاريخ اليعقوبي 1/ 199-200، ابن الأثير 1/ 430-432، ابن كثير: البداية والنهاية 2/ 129-131، 162-169، المعارف ص277، كتاب المحبر ص368، الأخبار الطوال ص61-72، ياقوت 5/ 266-268، مروج الذهب 1/ 80-81، 2/ 52، المقدسي 3/ 182-184، قصص القرآن ص291-293، تفسير الطبري 30/ 133-134، تفسير البيضاوي 2/ 550، تفسير روح المعاني 30/ 88-89، تفسير الفخر الرازي 31/ 118، تفسير الكشاف 2/ 1594، تفسير القرطبي 19/ 286-293.
(10) عبد المنعم ماجد: المرجع السابق ص74، البلاذري: فتوح البلدان ص78، إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص48، وكذا Graetz, History Of The Jews, Iii, P.88
وكذا A. Kammerer, La Mer Rouge, L'abyssinie ET L'arabie Depuis L'anti-Quite, Le Caire, 1929
(11)عبد المجيد عابدين: المرجع السابق ص39، 45-46، جواد علي 3/ 468-469،
وكذا J.B. Bury, Op. Cit., P.322. وكذا Zdmg, Vii, P.357
وكذا E. Glaser, Die Abessinier in Arabien Und Africa, 1895, P.175
(12)جواد علي 3/ 459-460
وكذا E. Glsaer, Op. Cit., P.131-132. وكذا Rep, Epigr, V, I, P.5
(13) جواد علي 3/ 460، وكذا
H. Winckler, Zur Alten Geschichte Yemens Und Abessiniens, Aof, IV, 1896, P.327
(14) جواد علي 3/ 461، وكذا Procopius, History Of The Wars
وكذا Cosmas, P.141 وكذا A. Musil, Palmyrena, P.336
وكذا J.B. Bury, Op. Cit., Ii, P.323
(15)Zdmg, 31, 1877, P.67. وكذا E. Gibbon, Op. Cit., Ii, P.625
وكذا Cerdenus, I, P,656 وكذا Theophanes, I, P.346
(16) عبد المجيد عابدين: المرجع السابق ص55-56، جواد علي 3/ 464، النصرانية 1/ 61، مجلة المجمع العلمي، المجلد 23 عام 1948 ص18 "دمشق"،
وكذا J.B. Bury, Op. Cit., P.322. وكذا Zdmg, 35, 1881, P.2-4
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|