أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-13
1096
التاريخ: 2024-01-14
1044
التاريخ: 9-11-2016
2980
التاريخ: 9-11-2016
2255
|
يوم جدود:
وهو يوم بين بكر بن وائل وبني منقر من تميم وكان من حديثه أن الحوفزان واسمه الحارث بن شريك الشيباني كانت بينه وبين بني سليط بن يربوع موادعة فهم بالغدر بهم وجمع بني شيبان وذهلا واللهازم وعليم حمران بن عبد عمرو بن بشر بن عمرو ثم غزا وهو يرجو أن يصيب غرة من بني يربوع فلما انتهى إلى بني يربوع نذر به عتيبة بن الحارث بن شهاب فنادى في قومه فحالوا بين الحوفزان وبين الماء وقال لعتيبة إني لا أرى معك إلا رهطك وأنا في طوائف من بني بكر فلئن ظفرت بكم قل عددكم وطمع فيكم عدوكم ولئن ظفرتم بي ما تقتلون إلا أقاصي عشيرتي وما إياكم أردت فهل لكم أن تسالمونا وتأخذوا ما معنا من التمر ووالله لا نروع يربوعا أبدا فأخذا ما معهم من التمر وخلى سبيلهم فسارت بكر حتى أغاروا على بني ربيع بن الحارث وهو مقاعس بجدود وإنما سمي مقاعسا لأنه تقاعس عن حلف بني سعد فأغار عليهم وهم خلوف فأصاب سببا ونعما فبعث بنو ربيع صريخهم إلى بني كليب فلم يجيبوهم فأتى الصريخ بني منقر بن عبيد فركبوا في الطلب فلحقوا بكر بن وائل وهم مقاتلون فما شعر الحوفزان وهو في ظل شجرة إلا بالأهتم بن سمي بن سنان المنقري واقفا على رأسه فركب فرسه فنادى الأهتم يا آل سعد ونادى الحوفزان يا آل وائل ولحق بنو منقر فقاتلوا قتالا شديدا فهزمت بكر وخلوا السبي والأموال وتبعتهم منقر فمن قتل أسير وأسر الأهتم حمران بن عبد عمرو ولم يكن لقيس بن عاصم المنقري همة إلا الحوفزان فتبعه على مهر والحوفزان على فرس فارج فلم يلحقه وقد قاربه فلما خاف أن يفوته حفزه بالرمح في ظهره فاحتفز بالطعنة ونجا فسمي يومئذ الحوفزان وقيل غير هذا وقال الأهتم في أسره حمران:
نيطت بحمران المنية بعد ما حشاه سنان من شراعة أزرق
دعا يا ل قيس واعزيت لمنقر وكنت إذا لاقيت في الخيل أصدق
وقال سوار بن حيان المنقري يفتخر على رجل من بكر:
ونحن حفزنا الحوفزان بطعنة كسته نجيعا من دم البطن أشكلا
وحمران قسرا أنزلته رماحنا فعالج غلا في ذراعيه مثقـــــلا
فيا لك من أيام صدق نعدها كيـوم جؤاثـى النبـاج فاجـــزلا
فلست بمستطيع السماء ولم تجد لعـــز بناه الله فوقـــك منقـــــلا
( منقر ) بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف ( وربيع ) بضم الراء وفتح البا الموحدة
يوم الاياد وهو يوم أعشاش ويوم العظالى:
وإنما سمي يوم العظالى لأن بسطام بن قيس وهانئ بن قبيصة ومفروق بن عمرو تعاظلوا على الرياسة وكانت بكر تحت يدي كسرى وفارس وكانوا يقرونهم ويجهزونهم فأقبلوا من عند عامل عين التمر في ثلاثمائة متساندين وهم يتوقعون انحدار بني يربوع في الحزن فاجتمع بنو عتيبة وبنو عبيد وبنو زبيد في الحزن فحلت بنو زبيد الحديقة وحلت بنو عتيبة وبنو عبيد روضة الثمد فاقبل جيش بكر حتى نزلوا حضبة الحصي فرأى بسطام السواد بالحديقة وثم غلام عرفه بسطام وكان قد عرف غلمان بني ثعلبة حين أسره عتيبة فسأله بسطام عن السواد الذي بالحديقة فقال هم بنو زبيد قال كم هم من بيت قال خمسون بيتا قال فأين بنو عتيبة وبنو عبيد قال هم بروضة الثمد وسائر الناس بخفاف وهو موضع فقال بسطام أتطيعونني يا بني بكر قالوا نعم قال أرى لكم أن تغنموا هذا الحي المتفرد بني زبيد وتعودوا سالمين قالوا وما يغني بنو زبيد عنا قال إن في السلامة إحدى الغنيمتين قالوا إن عتيبة بن الحارث قد مات وقال مفروق قد انتفخ سحرك يا أبا الصهباء قال هانئ اخسأ فقال إن أسيد بن جباة لا يفارق فرسه الشقراء ليلا ونهارا فإذا أحس بكم ركبها حتى يشرف على مليحة فينادي يا آل ثعلبة فيلقاكم طعن ينسيكم الغنيمة ولم يبصر أحد منكم مصرع صاحبه وقد عصيتموني وأنا تابعكم وستعلمون فأغاروا على بني زبيد وأقبلوا نحو بني أسيد وتوجه نحو بني يربوع بمليحة ونادى يا سوء صباحاه يا آل ثعلبة بن يربوع فما ارتفع الضحى حتى تلاحقوا فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت شيبان بعد أن قتلت من تميم جماعة من فرسانهم وقتل من شيبان أيضا وأسر جماعة منهم هانئ بن قبيصة ففدى نفسه ونجا فقال متمم بن نويرة في هذا اليوم:
لعمري لنعم الحي أسمع غدوة أسـيـد وقـد جـد الصـــراخ
وأسمـع فتيــانـا كجنـة عبقــر لم ريق عند الطعان ومصدق
أخذن بهم جنبي أفاق وبطنها فما رجعوا حتى أرقوا وأعتوقوا
العوام في هذا اليوم:
فبــح الالـه عصابـة مـن وائــل يوم الأفاقة أسلموا بسطامها
ورأى أبو الصهباء دون سوامهم طعنــا يسلي نفسه وزحامـا
كنـتم أسودا فـي الوغـا فوجدتـم يوم الأفاقـة في الغبيط نعاما
وأكثر العوام الشعر في هذا اليوم فلما ألح فيه أخذ بسطام إبله فقالت أمه:
أرى كل ذي شعر أصاب شعره خلا أن عواما بما قال عيلا
فلا ينطقن شعرا يكون جوازه كما شعر عوام أعام وأرجلا.
يوم الشقيقة وقتل بسطام بن قيس :
هذا يوم بني شيبان وضبة بن أد قتل فيه بسطام بن قيس سيد شيبان وكان سببه أن بسطام بن قيس بن مسعود بن خالد بن عبد الله ذي الجدين غزا بني ضبة ومعه أخوه السليل بن قيس ومعه رجل يزجر الطير من بني أسد بن خزيمة يسمى نقيدا فلما كان بسطام في بعض الطريق رأى في منامه كأن آتيا أتاه فقال له الدلو تأتي الغرب المزلة فقص رؤياه على نقيد فتطير وقال ألا قلت ثم تعود باديا مبتله فتفرط عنك النحوس ومضى بسطام على وجهه فلما دنا من نقا يقال له الحسن في بلاد ضبة صعده ليراه فإذا هو بنعم قد ملأ الأرض فيه ألف ناقة لمالك بن المنتفق الضبي من بني ثعلبة بن سعد بن ضبة قد فقأ عين فحلها وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية إذا بلغت إبل أحدهم ألف بعير فقأوا عين فحلها لترد عنها العين وهي إبل مرتبعة ومالك بن المنتفق فيها على فرس له جواد فلما أشرف بسطام على النقا تخوف أن يروه فينذروا به فاضطجع وتدهدى حتى بلغ الأرض وقال يا بني شيبان لم أر كاليوم قط في الغرة وكثرة النعم ونظر إلى نقيد إلى لحية بسطان معفرة بالتراب لما تدهدى فتطير له أيضا وقال إن صدقت الطير فهو أول من يقتل وعزم الأسدي على فراقه فأخذته رعدة تهيبا لفراقه والانصراف عنه وقال له ارجع يا أبا الصهباء فإني أتخوف عليك أن تقتل فعصاه ففارقه نقيد وركب بسطام وأصحابه وأغاروا على الإبل واطردوها وفيها فحل لمالك يقال له أبو شاعر وكان أعور فنجا مالك على فرسه إلى قومه من ضبة حتى إذا أشرف على تعشار نادى يا صباحاه وعاد راجعا وأدرك الفوارس القوم وهم يطردون النعم فجعل فحله أبو شاعر يشذ من النعم ليرجع وتتبعه الإبل فكلما تبعته ناقة عقرها بسطام فلما رأى مالك ما يصنع بسطام وأصحابه قال ماذا السفه يا بسطام لا تعقرها فإما لنا وإما لك فأبى بسطام وكان في آخريات الناس على فرس أدهم يقال له الزعفران يحمي أصحابه فلما لحقت خيل ضبة قال لهم مالك ارموا روايا القوم فجعلوا يرمونها فيشقونها فلحقت بنو ثعلبة وفي أوائلهم عاصم بن خليفة الصباحي وكان ضعيف القتل وكان قبل ذلك يعقب قناة له فيقال له ما تصنع بهم يا عاصم فيقول أقتل عليها بسطاما فيهرعون منه فلما جاء الصريخ ركب فرس أبيه ومر بغير أمره ولحقه الخيل فقال لرجل من ضبة أيهم الرئيس قال صاحب الفرس الأدهم فعارضه عاصم حتى حاذاه ثم حمل عليه فطعنه بالرمح في صماخ أذنه أنفذ الطعنه إلى الجانب الآخر وخر بسطام على شجرة يقال لها الألاءة فلما رأت ذلك شيبان خلوا سبيل النعم وولوا الأدبار فمن قتيل وأسير وأسر بنو ثعلبة نجاد بن قيس أخا بسطام في سبعين من بني شيبان وكان عبد الله بن عنمة الضبي مجاورا في شيبان فخاف أن يقتل فقال يرثي بسطاما:
لأم الأرض ويل ما أجنت غداة أضر بالحسن السبيل
يقسـم مالته فينا ونـدعـو أبا الصهباء إذ جنح الأصيل
اجدك لن تريه ولن نراه تخب به عذافـرة ذمـول
حقيبة بطنها بدن وسرج تعـارضها مزببـة دؤل
إلـى ميعاد أرعن مكفهـر تضمر في جوانبه الخيول
لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول
لقد صمت بنو زيد بن عمرو ولا يوفي ببسطام قتيل
فخر على الألاءة لم يوسد كأن جبينه سيف صقيل
فـان يجزع عليه بنو أبيه فقد فجعوا وفاتهم جليل
بمطعام إذا الأشوال راحت إلى الحجرات ليس لها فصيل
فلم يبق في بكر بن وائل بيت إلا وألقى لقتله لعلو محله ، وقال شمعلة بن الأخضر بن هبيرة الضبي يذكره:
ويوم شقيقة الحسنين لاقت بنو شيبان آجالا قصارا
شككنا بالرماح وهن زور صماخى كبشهم حتى استدارا
وأوجزناه أسمر ذا كعوب يشبه طوله مسدا مغارا
( الشقيقة ) أرض صلبة بين جبلي رمل ( والحسنان ) نقوا رمل كانت الوقعة عندهما وقالت أم بسطام بن قيس ترثيه :
لبيك ابن ذي الجدين بكر بن وائل فقد بان منها زينها وجمالها
إذا مــا غـدا فيهم غـدوا وكـأنهـم نجـوم سماء بينهـن هلالهـا
فللــه عينـا مـن رأى مثلـه فــتـى إذا الخيل يوم الروع هب نزالها
عـزيز المكــر لا يهـد جـناحــه وليث إذا الفتيان زلت نعالها
وحمــال أثقــال وعائـد محجـر تحل إليـه كل ذاك رحالهـا
سيبكيك عان طالما لم يجد من يفكه ويبكيك فرسان الوغى ورجالها
وتبكيــك أسرى طالمـا قد فككتهـم وأرملة ضاعت وضاع عيالها
مفرج حومات الخطوب ومدرك الحروب إذا صالت وعز صيالها
تغشـى بها حيـنا كـذاك ففجعــت تميـم به أرماحـها ونـبالهـا
فقد ظفرت منا تميم بعثرة تلك لعمري عثرة لا تقالها
أصيبت به شيبان والحي يشكر وطير يرى إرسالها وحبالها
( عنمة ) بفتح العين المهملة والنون.
يوم النسار :
النسار أجبل متجاورة وعندها كانت الوقعة وهو موضع معروف عندهم وكان سبب ذلك اليوم أن بني تميم بن مر بن أد كانوا يأكلون عمومتهم ضبة بن أد وبني عبد مناة بن أد فأصابت ضبة رهطا من تميم فطلبتهم تميم فانزاحت جماعة الرباب وهم تيم وعدي وثور وأطحل وعكل بنو عبد مناة بن أد وضبة بن أد وإنما سمو الرباب لأنهم غمسوا أيديهم في الرب حتى تحالفوا فلحقت ببني أسد وهم يومئذ حلفاء لبني ذبيان بعن بغيض فنادى صارخ بني ضبة يا آل خندف فاصرختهم بنو أسد وهو أول يوم تخندفت فيه ضبة واستمدوا حليفهم ظبيا وغطفان فكان رئيس أسد يوم النسار عوف بن عبد الله بن عامر بن جذيمة بن نصر بن قعين وقيل خالد بن نضلة وكان رئيس الرباب حذيفة بن بدر وفيه يقول زهير بن أبي سلمى:
ومن مثل حصن في الحروب ومثله لا نداد ضيم أو لأمر يحاوله
إذا حــل أحيـاء الأحــاليـف حــولــه بذي نجب هداته وصواهله
فلما بلغ بني تميم ذلك استمدوا بني عامر بن صعصعة فأمدوهم وكان حاجب بن زرارة على بني تميم وكان عامر بن صعصعة جوابا وهو لقب مالك بن كعب من بني أبي بكر بن كلاب لأن بني جعفر كانوا جوابين قد أخرجهم إلى بني الحارث بن كعب فحالفوهم وقيل كان رئيس عامر شريح بن مالك القشيري وسار الجمعان فالتقوا بالنسار واقتتلوا فصبرت عامر واستحر بهم القتل وانفضت تميم فنجت ولم يصب منهم كثير وقتل شريح القشيري رأس بني عامر وقتل عبيد بن معاوية بن عبد الله بن كلاب وغيرهما وأخذ عدة أشراف نساء بني عامر منهن سلمى بنت المخلف والعنقاء بنت همام وغيرهما فقالت سلمى تعير جوابا والطفيل:
لحــي الالـه أبـا ليلـى بفــرتــه يوم النسار وقنب العير جوابا
كيف الفخار وقد كانت بمعترك يوم النسار بنو ذبيان أربابا
لم تمنعوا القوم إذا أشلوا سوامكم ولا النساء وكان القوم أحرابا
وقال رجل يعير جوابا والطفيل بفراره عن امرأتيه:
وفر عن ضرتيه وجــه خارئـة ومالك فر قنـب العير جـواب
( القنب ) غلاف الذكر وجواب لقب لأنه كان يجوب الآثار واسمه ملك وقال بشر بن أبي خازم في هزيمة حاجب :
وأفلت حاجب جوب العوالي على شقراء تلمع في السراب
ولو أدركن رأس بني تميم عفرن الوجه منه بالتراب
وكان يوم النسار بعد يوم جبلة وقتل لقيط بن زرارة.
( جواب ) بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره باء موحدة . ( وخازم ) بالخاء المعجمة والزاي.
يوم الجفار:
لما كان على رأس الحول من يوم النسار اجتمع من العرب من كان شهد النسار وكان رؤساؤهم بالجفار الرؤساء الذين كانوا يوم النسار إلا أن بني عامر قيل كان رئيسهم بالجفار عبد الله بن جعدة بن كعب بن ربيعة فالتقوا بالجفار واقتتلوا وصبرت تميم فعظم فيها القتل وخاصة في بني عمرو بن تميم وكان يوم الجفار يسمى ( الصليم ) لكثرة من قتل به وقال بشر بن أبي خازم في عصبة تميم لبني عامر:
عصــبت تميـــم أن يقتـل عامــر يوم النســار فأعقبوا بالصيلم
كنــا إذا نفــروا لحــرب نـــفرة نشفـي صداعهم برأس صلدم
نعلوا الفوارس بالسيوف ونعتري والخيل مشعلة النحور من الدم
يخرجن من خلل الغبار عوابسا خبب السباع بكل ليث ضيغم
وهي عدة أبيات وقال أيضا:
يوم الجفار ويوم النسار كانا عذابا وكانا غراما
فاما تميم تميـم بن مــر فألفاهم القوم روبى نياما
وأما بنو عامـر بالجفــار ويوم النسار فكانوا نعاما
فلما أكثر بشر على تميم قيل له مالك ولتميم وهم أقرب الناس منك أرحاما فقال إذا فرغت منهم فرغت من الناس ولم يبق أحد.
يوم الصفقة والكلاب الثاني:
أما يوم الصفقة وسببه فإن باذان نائب كسرى أبرويز بن هرمز باليمن أرسل إليه حملا من اليمن فلما بلغ الحمل إلى نطاع من أرض نجد أغارت تميم عليه وانتهبوه وسلبوا رسل كسرى وأساورته فقدموا على هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة مسلوبين فأحسن إليهم وكساهم وقد كان قبل هذا إذا أرسل كسرى لطيمة تباع باليمن يجهز رسله ويخفرهم ويحسن جوارهم وكان كسرى يشتهي أن يراه ليجازيه على فعله فلما أحسن أخيرا إلى هؤلاء الرسل الذين أخذتهم تميم قالوا له إن الملك لا يزال يذكرك ويؤثر أن تقدم عليه ، فسار معهم إليه فلما قدم عليه أكرمه وأحسن إليه وجعل يحادثه لينظر عقله فرأى ما سره فأمر له بمال كثير وتوجه بتاج من تيجانه وأقطعه أموالا نهجر وكان هوذة نصرانيا وأمره كسرى ان يغزو هو المكعبر مع عساكر كسرى بني تميم فساروا إلى هجر ونزلوا بالمشقر وخاف المكعبر وهوذة إن يدخلا بلاد تميم لأنها لا تحتملها العجم وأهلها بها ممتنعون فبعثا رجالا من تميم يدعونهم إلى الميرة وكانت شديدة فأقبلوا على كل صعب وذلول فجعل المكعبر يدخلهم الحصن خمسة خمسة وعشرة عشرة وأقل وأكثر يدخلهم من باب على أنه يخرجهم من آخر فكل من دخل ضرب عنقه فلما طال ذلك عليهم ورأوا أن الناس يدخلون ولا يخرجون بعثوا رجالا يستعلمون الخبر فشد رجل من عبس فضرب السلسلة فقطعها وخرج من كان بالباب فأمر المكعبر بغلق الباب وقتل كل من كان بالمدينة وكان يوم الفصح فاستوهب هوذة منه مائة رجل فكساهم وأطلقهم يوم الفصح فقال الأعشى من قصيدة يمدح هوذة :
بهم يقرب يوم الفصح ضاحية يرجو الاله بما أسدى وما صنعا
فصار يوم المشقر مثلا وهو يوم صفقة لا صفاق الباب وهو إغلاقه وكان يوم الصفقة وقد بعث النبي[صلى الله عليه وآله] وهو بمكة بعد لم يهاجر وأما يوم الكلاب الثاني فإن رجلا من بني قيس بن ثعلبة قدم أرض نجران على بني الحارث بن كعب وهم أخواله فسألوه عن الناس خلفه فحدثهم أنه أصفق على بني تميم باب المشقر وقتلت المقاتلة وبقيت أموالهم وذراريهم في مساكنهم لا مانع لها فاجتمعت بنو الحرث من مذحج وأحلافها من نهد وجرم بن زبان فاجتمعوا في عسكر عظيم بلغوا ثمانية آلاف ولا يعلم في الجاهلية جيش أكثر منه ومن جيش كسرى بذي قار ومن يوم جبلة وساروا يريدون بني تميم أعيانا وتغزون أحيانا سعد وريانا وتردون مياهها جيابا فتلقون عليها ضرابا وتكون غنيمتكم ترابا فأطيعوا أمري ولا تغزو تميما فعصوه وساروا إلى عروة فبلغ الخبر تميما فاجتمع ذوو الرأي منهم إلى أكثم بن صيفي وله يومئذ مائة وتسعون سنة فقالوا له يا أبا حيدة حقق هذا الأمر فانا قد رضيناك رئيسا فقال لهم:
وإن امرأ قد عاش تسعين حجة إلى مائة لم يسأم العيش جاهل
مضت مائتان غير عشر وفاؤها وذلك من عـد الليــالي قلائــل
ثم قال لهم لا حاجة لي في الرياسة ولكني أشير عليكم لينزل حنظلة بن مالك بالدهناء ولينزل سعد بن زيد مناة والرباب وهم ضبة بن أد وثور وعكل وعدي بنو عبد مناة بن أد الكلاب فأي الطريقين أخذ القوم كفى أحدهما صاحبه ثم قال لهم احفظوا وصيتي لا تحضروا النساء الصفوف فإن نجاة اللئيم في نفسه ترك الحريم وأقلوا الخلاف على امرائكم ودعوا كثرة الصياح في الحرب فإنه من الفشل والمرء يعجز لا محالة فإن أحمق الحمق الفجور وأكيس الكيس التقى كونوا جميعا في الرأي فإن الجميع معزز للجميع إياكم والخلاف فإنه لا جماعة لمن اختلف ولا تلبثوا ولا تسرعوا فإن أحزم الفريقين الركين ورب عجلة تهب ريثا وإذا عز أخوك فيهن البسوا جلود النمور وأبرزوا للحرب وادرعوا الليل واتخذوه جملا فإن الليل أخفى للويل والثبات أفضل من القوة وأهنأ الظفر كثرة الأسرى وخير الغنيمة المال ولا ترهبوا الموت عند الحرب فإن الموت من ورائكم وحب الحياة لدى الحرب زلل ومن خير أمرائكم النعمان بن مالك بن حارث بن جساس وهو من بني تميم بن عبد مناة بن أد فقبلوا مشورته، ونزلت عمرو بن حنظلة الدهناء ونزلت سعد والرباب الكلاب واقبلت مذحج ومن معها من قضاعة فقصدوا الكلاب وبلغ سعدا والرباب الخبر فلما دنت مذحج نذرهم شميت بن زنباع اليربوعي فركب جمله وقصد سعدا ونادى يا آل تميم يا صباحاه فثار الناس وانتهت مذحج إلى النعم فانتهبها الناس وراجزهم يقول
فـي كـل عـام نعـم ننتابـه علـى الكـلاب غيـب أصحـابـه
يسقــط في آثـاره غلابـه
فلحق قيس بن عاصم المنقري والنعمان بن جساس ومالك بن المنتفق في سرعان الناس فأجابه قيس يقول:
عما قليل تلتحق أربابه مثل النجوم حسرا سحابه
ليمنعن النعم اغتصابه سعد وفرسان الوغى أربابه
ثم حمل عليهم قيس وهو يقول:
في كل عام نعم تحوونه يلحقه قوم وينتجونه
أربابه نوكى فلا يحمونه ولا يلاقون طعانا دونه
أنعم الأبنــاء تحسبــونه هيهات هيهات لما ترجونه
فاقتتل القوم قتالا شديدا يومهم أجمع فحمل يزيد بن شداد بن قنان الحارثي على النعمان بن مالك بن جساس فرماه بسهم فقتله وصارت الرياسة لقيس بن عاصم واقتتلوا حتى حجز بينهم الليل وباتوا يتحارسون فلما أصبحوا غدوا على القتال وركب قيس بن عاصم وركبت مذحج واقتتلوا أشد من القتال الأول فكان أول من انزهم من مذحج مدرج الرياح وهو عامر بن الجون بن عبد الله الجرمي وكان صاحب لوائهم فألقى اللواء وهرب فلحقه رجل من بني سعد فعقر به دابته فنزل يهرب ماشيا ونادى قيس عاصم يا آل تميم عليكم الفرسان ودعوا الرجالة فإنها لكم وجعل يلتقط الأسارى وأسر عبد يغوث بن الحارث بن وقاص الحارثي رئيس مذحج فقتل بالنعمان بن مالك بن جساس وكان عبد يغوث شاعرا فشدوا لسانه قبل قتله لئلا يهجوهم فاشار إليهم ليحلوا لسانه ولا يهجوهم فحلوه فقال شعرا:
ألا لا تلوموني كفى اللوم ما بيا فمالكما في اللوم نفع ولا ليا
ألم تعلما أن الملامة نفعها قليل وما لومي أخي من شماليا
فيا راكبا إما عرضت فبلغن نداماي من نجران أن لا تلاقيا
أبا كرب والا يهمين كليهما وقيسا بأعلى حضرموت اليمانيا
أقول وقد شدوا لساني بنسعة معاشر تيم أطلقوا من لسانيا
كأني لم أركب جوادا ولم أقل لخيلي كرى كرة من ورائيا
ولم أسبأ الزق الروى ولم أقل لإيسار صدق عظموا ضوء ناريا
وقد علمت عرسي مليكة أنني أنا الليث معدوا عليه وعاديا
لحى الله قوما بالكلاب شهدتهم صميمهم والتابعين والمواليا
ولو شئت نجتني من القوم شطبة ترى خلفها الكمت العتاق تواليا
وكنت إذا ما لخيل شمصها القنا لبيقا بتصريف القناة بنانيا
فيا عاص فك القيد عني فإنني صبور على مر الحوادث ناكيا
فإن تقتلوني تقتلوا بي سيدا وإن تطلقوني تحربوني ماليا
أبو كرب: بشر بن علقمة بن الحارث. ( والأيهمان ): الأسود بن علقمة بن الحرث والعاقب وهو عبد المسيح بن الأبيض وقيس بن معد يكرب فزعموا أن قيسا قال لو جعلتني أول القوم لأفتديته بكل ما أملك ثم قتل ولم يقبل له فدية. ( رباب ): بالراء والباء الموحدة.
يوم ظهر الدهناء :
هو يوم بين طيء وأسد بن خزيمة وسبب ذلك أن أوس بن حارثة بن لأم الطائي كان سيدا مطاعا في قومه وجوادا مقداما فوفد هو وحاتم الطائي على عمرو بن هند فدعا عمرو أوسا فقال له أنت أفضل أم حاتم فقال أبيت اللعن إن حاتما أوحدها وأنا أحدها ولو ملكني حاتم وولدي ولحمتي لوهبنا في غداة واحدة ثم دعا عمرو حاتما فقال له أنت أفضل أم أوس فقال أبيت اللعن إنما ذكرت أوسا ولأحد ولده أفضل مني فاستحسن ذلك منهما وحباهما وأكرمهما ثم إن وفود العرب من كل حي اجتمعت عند النعمان بن المنذر وفيهم أوس فدعا بحلة الملوك من حلل الملوك وقال للوفود احضروا في غد فإني ملبس هذه الحلة أكرمكم فلما كان الغد حضر القوم إلا أوسا فقيل له لم تتخلف فقا لإن كان المراد غيري فاجمل الأشياء بي أن لا أكون حاضرا وإن كنت المراد فسأطلب فلما جلس النعمان ولم ير أوسا قال اذهبوا إلى أوس فقولوا له احضر آمنا مما خفت فحضر فالبس الحلة فحسده قوم من أهله فقالوا للحطيئة أهجه ولك ثلثمائة ناقة فقال كيف أهجو رجلا لا أرى في بيتي أثاثا ولا مالا إلا منه ثم قال:
كيف الهجاء وما تنفعك صالحة من أهل لأم بظهر الغيب تأتيني
فقال لهم بشر بن أبي خازم أنا أهجوه لكم فأعطوه النوق وهجاه فافحش في هجائه وذكر أمه سعدى فلما عرف أوس ذلك أغار على النوق فاكتسحها وطلبه فهرب منه والتجأ إلى بني أسد عشيرته فمنعوه منه ورأوا تسليمه إليه عارا فجمع أوس جديلة طيء وسار بهم إلى أسد فالتقوا بظهر الدهناء تلقاء تيم فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت بنو أسد وقتلوا قتلا ذريعا وهرب بشر فجعل لا يأتي حيا يطلب جوارهم ألا امتنع من إجارته على أوس ثم نزل على جندب بن حصن الكلابي بأعلى الصمان فأرسل إليه أوس يطلب منه بشرا فأرسله إليه فلما قدم به على أوس أشار عليه قومه بقتله فدخل على أمه سعدى فاستشارها فأشارت أن يرد عليه ماله ويعفو عنه ويحبوه فإنه لا يغسل هجاءه إلا مدحه فقبل ما أشارت به وخرج إليه وقال يا بشر ما ترى إني اصنع بك فقال:
إنـي لأرجـو منـك يا أوس نعمة وإني لأخرى منك يا أوس راهب
وإنـي لأمحـو بالــذي أنـا صـادق به كـل ما قـد قلــت إذ أنا كـــاذب
فهـل نافعـي في اليـوم عنـدك أننـي سأشكر ان انعمت والشكر واجب
فدى لابن سعدي اليوم كل عشيرتي بني أســـد أقصــاهم والأقــارب
تـداركني أوس بن سعـدي بنــعمــة وقـد أمكنته من يـدي العواقــب
فمن عليه أوس وحمله على فرس جواده ورد عليه ما كان أخذ منه وأعطاه من ماله مائة من الإبل فقال بشر لا جرم مدحت أحدا حتى أموت غيرك ومدحه بقصيدته المشهورة التي أولها:
أتعرف من هنيدة رسم دار بخرجي ذروة فإلى لواها
ومنها منزل ببـراق خبـت عفت حقبا وغيرها بلاها
وهي طويلة.
يوم الوقيط:
وكان من حديثه أن اللهازم تجمعت وهي قيس وتيم اللات ابنا ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ومعهما عجل بن لجيم وعنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار لتغير على بني تميم وهم غارون فرأى ذلك الأعور وهو ناشب بن بشامة العنبري وكان أسيرا في قيس بن ثعلبة فقال لهم أعطوني رجلا أرسله إلى أهلي أوصيهم ببعض حاجاتي فقالوا له ترسله ونحن حضور قال نعم فاتوه بغلام مولد فقال أتيتموني بأحمق فقال الغلام والله ما أنا بأحمق فقال إني أراك مجنونا قال والله ما بي جنون قال أتعقل قال نعم إني لعاقل قال فالنيران أكثر أم الكواكب قال الكواكب ولك كثيرة فملأ كفه رملا وقال كم في كفي قال لا أدري فإنه لكثير فأومأ إلى الشمس بيده وقال ما تلك قال الشمس قال ما أراك إلا عاقلا فأبلغهم السلام وقل لهم ليحسنوا إلى أسيرهم فإني عند قوم يحسنون إلي ويكرموني وقل لهم فليعروا جملي الأحمر ويركبوا ناقتي العيساء وليرعوا حاجتي في بني مالك وأخبرهم أن العوسج قد أورق وأن النساء قد اشتكت وليعصوا همام بن بشامة فإنه مشؤوم مجدود وليطيعوا هذيل بن الأخنس فإنه حازم ميمون واسألوا الحارث عن خبري وسار الرسول فأتى قومه فأبلغهم فلم يدروا ما أراد فأحضروا الحارث وقصوا عليه خبر الرسول فقال للرسول اقصص علي أول قصتك فقص عليه أول ما كلمه حتى أتى على آخره فقال أبلغه التحية والسلام وأخبره أنا نستوصي بما أوصى به فعاد الرسول ثم قال لبني العنبران صاحبكم قد بين لكم أما الرمل الذي جعله في كفه فإنه يخبركم أنه قد أتاكم عدد لا يحصى وأما الشمس التي أومأ إليها فإنه يقول ذلك أوضح من الشمس وأما جمله الأحمر فالصمان فإنه يأمركم أن تعروه يعني ترتحلوا عنه وأما ناقته العيساء فإنه يأمركم أن تحترزوا في الدهناء وأما بنو مالك فإنه يأمركم أن تنذروهم معكم وأما إيراق العوسج فإن القوم قد لبسوا السلاح وأما اشتكاء النساء فإنه يريد أن النساء قد خرزن الشكاء وهي أسقية الماء للغزو فحذر بنو العنبر وركبوا الدهناء وأنذروا بني مالك فلم يقبلوا منهم ثم إن اللهازم وعجلا وعنزة أتوا بني حنظلة فوجدوا عمرا قد أجلت فأوقعوا ببني دارم بالوقيط فاقتتلوا قتالا شديدا وعظمت الحرب بينهم فأسرت ربيعة جماعة من رؤساء بني تميم منهم ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة فجزوا ناصيته وأطلقوه وأسروا عثجل بن المأمون بن زرارة وجويرة بن بدر بن عبد الله بن دارم ولم يزل في الوثاق حتى رآهم يوما يشربون فأنشأ يتغنى يسمعهم ما يقول:
وقـائلـة مـا غـالــه أن يـزورنــا وقد كنت عن تلك الزيارة في شغل
وقــد أدركتنــي والحوادث جمـة مخـالـب قوم لإضعـاف ولا عــزل
سراع إلى الجلى بطاء عن الخنا رزان لدى الباذين في غير ما جهل
لعـلهــم أن يمطــرونــي بنعمته كما صاب ماء المزن في البلد المحل
فقــد ينعش الله الفتــى بعــد ذلة وقد تبتني الحسنى سراة بني عجل
فلما سمعوا الأبيات أطلقوه واسر أيضا نعيم وعوف ابنا القعقاع بن معبد بن زرارة وغيرهما من سادات بني تميم وقتل حكيم بن النهشلي ولم يشهدها من نهشل غيره وعادت بكر فمرت بطريقها بعد الوقعة بثلاثة بجذيمة بن الاصليع نفر من بني العنبر لم يكونوا ارتحلوا مع قومهم فلما رأوهم طردوا إبلهم فاحرزوها من بكر وأكثر الشعراء في هذا اليوم فمن ذلك قول أبي مهوش الفقعسي يعير تميما بيوم الوقيط:
فما قاتلت يوم الوقيطين نهشل ولا الانكد الشؤمي فقيم بن دارم
ولا قتضت عوف رجال مجاشع ولا قشر الاستاه غير البراجم
وقال أبو الطفيل عمرو بن خالد بن محمود بن عمرو بن مرثد:
حكــت تميــم بركــها لما التقــت راياتنــا ككــواسر العقبــان
دهموا الوقيط بجحفل جم الوغى ورماحها كنوازع الاشطان.
يوم المروت :
وهو يوم بني تميم وعامر بن صعصعة وكان سببه أنه التقى قعنب بن عتاب الرياحي وبحير بن عبد الله بن سلمة العامري بعكاظ فقال بحير لقعنب ما فعلت فرسك البيضاء قال هي عندي وما سؤالك عنها قال لأنها نجتك مني يوم كذا وكذا فأنكر قعنب ذلك وتلاعنا وتداعيا أن يجعل الله ميته الكاذب بيد الصادق فمكثا ما شاء الله وجمع بحير بني عامر وسار بهم فأغار على بني العنبر بن عمرو بن تميم بارم الكلبة وهم خلوف فاستاق السبي والنعم ولم يلق قتالا شديدا وأتى الصريخ بني العنبر بن عمرو بن تميم وبني مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وبني يربوع بن حنظلة فركبوا في الطلب فتقدمت عمرو بن تميم فلما انتهى بحير إلى المروت قال يا بني عامر انظروا هل ترون شيئا قالوا نرى خيلا عارضة رماحها على كواهل خيلها قال هذه عمرو بن تميم وليست بشيء فلحق بهم بنو عمرو فقاتلوهم شيئا من القتال ثم صدروا عنهم ومضى بحير ثم قال يا بني عامر انظروا هل ترون شيئا قالوا نرى خيلا ناصبة رماحها قال هذه مالك بن حنظلة وليست بشيء فلحقوا فقاتلوا شيئا من قتال ثم صدروا عنهم ومضى بحير وقال يا بني عامر انظروا هل ترون شيئا قالوا نرى خيلا ليست معها رماح كأنما عليها الصبيان قال هذه يربوع رماحها بين آذان خيلها إياكم والموت الزؤام فاصبروا ولا أرى أن تنجو فكان أول من لحق من بني يربوع الواقعة وهو نعيم بن عتاب وكان يسمى الواقعة لبليته فحمل على المثلم القشيري فأسره وحملت قشير على دوكس بن واقد بن حوط فقتلوه وأسر نعيم المصفى القشيري فقتله وحمل كدام بن بجيلة المازني على بحير فعانقه ولم يكن لقعنب همة إلا بحير فنظر إليه وإلى كدام قد تعانقا فاقبل نحوهما فقال كداميا قعنب أسيري فقال قعنب ماز رأسك والسيف يريد يا مازني فخلى عنه كدام وشد عليه قعنب فضربه فقتله وحمل قعنب أيضا على صهبان وأم صهبان مازنية فأسره فقالت بنو مازن يا قعنب قتلت أسيرنا فاعطنا ابن أخينا مكانه فدفع إليهم صهبان في بحير فرضوا بذلك واستنقذت بنو يربوع أموال بني العنبر وسبيهم من بني عامر وعادوا.
( بحير ) بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة.
يوم فيف الريح:
وهو بين عامر بن صعصعة والحرث بن كعب وكان خبره ان بني عامر كانت تطلب بني الحرث بن كعب بأوتار كثيرة فجمع لهم الحصين بن يزيد بن شداد بن قنان الحارثي وهو ذو الغصة واستعان بجعفة زبيد وقبائل سعد العشيرة ومراد وصداء ونهد وخثعم وشهران وناهس ثم أقبلوا يريدون بني عامر وهم منتجعون مكانا يقال له فيف الريح ومع مذحج النساء والذراري حتى لا يفروا فاجتمعت بنو عامر فقال لهم عامر بن الطفيل أغيروا بنا على القوم فإني أرجو أن نأخذ غنائمهم ونسبي نساءهم ولا تدعوهم يدخلون عليكم فأجابوه إلى ذلك وساروا إليهم فلما دنوا من بني الحرث ومذحج ومن معهم أخبرتهم عيونهم وعادت إليهم مشايخهم فحذروا فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا ثلاثة أيام يعاودونهم القتال بفيف الريح فالتقى الصميل بن الأعور الكلابي وعمرو بن صبيح النهدي فطعنه عمرو فاعتنق الصميل فرسه وعاد فلقيه رجل من خثعم فقتله وأخذ درعه وفرسه وشهدت بنو نمير يومئذ مع عامر بن الطفيل فأبلوا بلاء حسنا وسموا ذلك اليوم حريجة الطعان لأنهم اجتمعوا برماحهم فصاروا بمنزلة الحرجة وهي شجر مجتمع وسبب اجتماعهم أن بني عامر جالوا جولة إلى موضع يقال له العرقوب والتفت عامر بن الطفيل فسأل عن بني نمير فوجدهم قد تخلفوا في المعركة فرجع وهو يصيح يا صباحاه يا نميراه ولا نمير لي بعد اليوم حتى اقتحم فرسه وسط القوم فقويت نفوسهم وعادت بنو عامر وقد طعن عامر بن الطفيل ما بين ثغرة نحره إلى سرته عشرين طعنه وكان عامر في ذلك اليوم يتعهد الناس فيقول يا فلان ما رأيتك فعلت شيئا فمن أبلى فليرني سيفه ورمحه ومن لم يبل شيئا تقدم فأبلى فكان كل من أبلى بلاء حسنا أتاه فأراه الدم على سنان رمحه أو سيفه فأتاه رجل من الحارثيين اسمه مسهر فقال له يا أبا علي أنظر ما صنعت بالقوم انظر إلى رمحي فلما أقبل عليه عامر لينظر وجأه بالرمح في وجنته ففلقها وفقأ عينه وترك رمحه وعاد إلى قومه وإنما دعاه إلى ذلك ما رآه يفعل بقومه فقال هذا والله مبير قومي فقال عامر بن الطفيل :
أتـونـــا بشهران العريضة كلهــا وأكلب طرافي جياد النسور
لعمري وما عمــري علــي بهين لقد شان حر الوجه طعنه مسهر
فبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا جبانا وما أغنى لدى كل محضر
وأسرت بنو عامر يومئذ سيد مراد جريحا فلما برأ من جراحته أطلق وممن أبلى يومئذ أريد بن قيس بن حر بن خالد بن جعفر وعبيد بن شريح بن الأحوص بن جعفر وقال لبيد بن ربيعة ويقال انها لعامر بن الطفيل:
أتونا بشهران العريضـة كلهــا وأكلها في مثل بكر بن وائل
فبتنا ومن ينزل به مثل ضيفنا يبت عن قرى أضيافه غير غافل
أعـاذل لـو كـان البداد لقوبلــوا ولكن أتانا كل جن وخابل
وخثعم حي يعدلون بمذحج فهل نحن إلا مثل احدى القبائل
يوم اليحاميم ويعرف أيضا بقارات حوق :
وهو بين قبائل طيء بعضها في بعض وكان سبب ذلك أن الحرث بن جبلة الغساني كان قد أصلح بين طيء فلما هلك عادت إلى حربها فالتقت جديلة والغوث بموضع يقال له غرثان فقتل قائد بني جديلة وهو أسبع بن عمرو بن لأم عم أوس بن خالد بن حارثة بن لأم وأخذ رجل من سنبس يقال له مصعب أذنيه فخصف بهما نعليه وفي ذلك يقول أبو سروة السنبسي:
نخصف بالآذان منكم نعالنا ونشرب كرها منكم في الجماجم
وتناقل الحيان في ذلك اشعارا كثيرة وعظم ما صنعت الغوث على أوس بن خالد بن لأم وعزم على لقاء الحرب بنفسه وكان لم يشهد الحروب المتقدمة هو ولا أحد من رؤساء طيء كحاتم بن عبد الله وزيد الخيل وغيرهم من الرؤساء فلما تجهز أوس للحرب وأخذ في جمع جديلة ولفها قال أبو جابر:
أقيموا علينـــا القصد يــا آل طيء والا فإن العلم عند التحاسب
فمن مثلنا يوما إذا الحرب شمرت ومن مثلنا يوما إذا لم نحاسب
فإن تقطعيني أو تريدي مســاءتي فقد قطع الخوف المخوف ركائبي
وبلغ الغوث جمع أوس لها وأوقدت النار على مناع وهي ذروة اجأ وذلك أول يوم توقد عليه النار فأقبلت قبائل الغوث كل قبيلة وعليها رئيسها منهم زيد الخيل وحاتم وأقبلت جديلة مجتمعة على أوس بن حارثة بن لأم وحلف أوس أن لا يرجع عن طيء حتى ينزل معها جبليها أجأ وسلمى وتجبى له أهلها وتزاحفوا والتقوا ا بقارات حوق على راياتهم فاقتتلوا قتالا شديدا ودارت الحرب على بني كباد بن جندب فأبيروا قال عدي بن حاتم إني لواقف يوم اليحاميم والناس يقتتلون إذا نظرت إلى زيد الخيل قد حضر ابنيه مكنفا وحريثا في شعب لا منفذ له وهو يقول أي بني أبقيا على قومكما فإن اليوم يوم التفاني فإن يكن هؤلاء أعماما فهؤلاء أخوال فقلت كأنك كرهت قتال أخوالك قال فاحمرت عيناه غضبا وتطاول إلي حتى نظرت إلى ما تحته من سرجه فخفته فضربت فرسى وتنحيت عنه واشتغل بنظره إلي عن ابنيه فخرجا كالصقرين وحمل قيس بن عازب على بحير بن زيد الخيل بن حارثة بن لأم فضرب على رأسه ضربة عنق لها بحير فرسه وولى فانهزمت جديلة عند ذلك وقتل فيها قتل ذريع فقال زيد الخيل:
يجـيء بنـي لأم جيـاد كـأنهـــا عصائب طير يوم طل وحاصب
فإن تنج منها لا يزل بك شامة أناء حيا بين الشجا والترائب
وفـر ابن لأم واتقـانـا بظهــره يردعه بالرمح قيس بن عازب
وجاءت بنو معن كأن سيوفهم مصابيح من سقف فليس بآيب
وما فر حتى أسلم بن حمارس لوقعة مصقول من البيض قاضب
فلم تبق لجديلة بقية للحرب بعد يوم اليحاميم فدخلوا بلاد كعب فحالفوهم وأقاموا معهم.
يوم ذي طلوح :
وهو يوم الصمد ويوم أود أيضا وهو بين بكر وتميم وكان من حديثه أن عميرة بن طارق بن ارقم اليربوعي التميمي تزوج مرية بنت جابر العجلي أخت أبجر وسار إلى عجل ليبتني بأهله وكان له في بني تميم امرأة أخرى تعرف بابنة النطف من بني تميم فأتى أبجر اخته يزورها وزوجها عندها فقال لها أبجر إني لأرجوا أن آتيك بابنة النطف امرأة عميرة فقال له ما أراك تبقي علي حين تسلبني أهلي فندم أبجر وقال له ما كنت لأغزو قومك ولكنني متأسر في هذا الحي من تميم وجمع أبجر والحوفزان بن شريك الشيباني الحوفزان على شيبان وأبجر على اللهازم ووكلا بعميرة من يحرسه لئلا يأتي قومه فينذرهم فسار الجيش فاحتال عميرة على الموكل بحفظه وهرب منه وجد السير إلى أن وصل إلى بني يربوع فقال لهم قد غزاكم الجيش من بكر بن وائل فاعلموا بني ثعلبة بطنا منهم فأرسلوا طليعة منهم فبقوا ثلاثة أيام ووصلت بكر فركبت يربوع والتقوا بذي طلوح فركب عميرة ولقي أبجر فعرفه نفسه والتقى القوم واقتتلوا فكان الظفر ليربوع وانهزمت بكر واسر الحوفزان وابنه شريك وابن عنمة الشاعر وكان مع بني شيبان فافتكه متمم بن نويرة وأسر أكثر الجيش البكري وقال ابن عنمة يشكر متمما:
جزى الله رب الناس عني متمما بخير الجزاء ما أعف واجودا
اجيــرت بـه ابنــاءنــا ودمـاؤنــا وشــارك في اطلاقنـــا وتفردا
أبــا نهشـل إني لكــم غـير كــافر ولا جاعل من دونك المال سرمدا
يوم أقرن:
قال أبو عبيدة غزا عمرو بن عمرو بن عدس التميمي بني عبس فأخذ ابلهم واستاق سبيهم وعاد حتى إذا كان أسفل ثنية أقرن نزل وابتنى بجارية من السبي ولحقه الطلب فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل أنس الفوارس بن زياد العبسي عمرا وابنه حنظلة واستردوا الغنيمة والسبي فنعى جرير على بني دارم ذلك فقال:
أتنسون عمرا يوم برقة أقرن وحنظلة المقتول إذ هو يافعا
وكان عمرو أسلع أبرص وكان هو ومن معه قد أخطأوا ثنية الطريق في عودهم وسلكوا غير الطريق فسقطوا من الجبل الذي سلكوه فلقوا شدة ففي ذلك يقول عنترة:
كـأن السرايــا يوم نـيق وصــارة عصائب طير ينتحين لمشرب
شفـى النفـس منـي أو دنا لشفـائها تهورهم من حالق متصوب
وقد كنت أخشى أن أموت ولم تقم مراتب عمرو وسط نوح مسلب
وكانت أم سماعة بن عمرو بن عمرو من عبس فزاره خاله فقتل بابيه فقال في ذلك مسكين الدرامي:
وقاتل خاله بابيه منا سماعة لم يبغ نسبا بخال.
يوم السلان :
قال أبو عبيدة كان بنو عامر بن صعصعة حمسا والحمس قريش ومن له فيهم ولادة والحمس متشددون في دينهم وكانت عامر أيضا لقاحا لا يدينون للملوك فلما ملك النعمان بن المنذر ملكه كسرى ابرويز وكان يجهز كل عام لطيمة وهي التجارة لتباع بعكاظ عرضت بنو عامر لبعض ما جهزه فأخذوه فغضب لذلك النعمان وبعث إلى أخيه لأمه وهو وبرة بن رومانس الكلبي وبعث إلى صنائعه ووضائعه والصنائع من كان يصطنعه من العرب ليغزيه والوضائع هم الذين كانوا شبه المشايخ وأرسل إلى بني ضبة بن أد وغيرهم من الرباب وتميم فجمعهم فأجابوه فأتاه ضرار بن عمرو الضبي في تسعة من بنيه كلهم فوارس ومعه حبيش بن دلف وكان فارسا شجاعا فاجتمعوا في جيش عظيم فجهز النعمان معهم عيرا وأمرهم بتسييرها وقال لهم إذا فرغتم من عكاظ وانسلخت الحرب ورجع كل قوم إلى بلادهم فاقصدوا بني عامر فإنهم قريب بنواحي السلان فخرجوا وكتموا أمرهم وقالوا خرجنا لئلا يعرض أحد للطيمة الملك فلما فرغ الناس من عكاظ علمت قريش بحالهم فارسل عبد الله بن جدعان قاصدا إلى بني عامر يعلمهم الخبر فسار إليهم وأخبرهم خبرهم فحذروا وتهيؤا للحرب وتحرزوا ووضعوا العيون وعاد عامر عليهم عامر بن مالك ملاعب الأسنة وأقبل الجيش فالتقوا بالسلان فاقتتلوا قتالا شديدا فبينما هم يقتتلون إذ نظر يزيد بن عمرو بن خويلد الصعق إلى وبرة بن رومانس أخي النعمان فأعجبه هيئته فحمل عليه فأسره فلما صار في أيديهم هم الجيش بالهزيمة فناهم ضرار بن عمرو الضبي وقام بأمر الناس فقاتل هو وبنوه قتالا شديدا فلما رآه أبو براء عامر بن مالك وما يصنع ببني عامر هو وبنوه حمل عليه وكان أبو براء رجلا شديد الساعد فلما حمل على ضرار اقتتلا فسقط ضرار إلى الأرض وقاتل عليه بنوه حتى خلصوه وركب وكان شيخا فملا ركب قال من سره بنوه ساءته نفسه فذهبت مثلا يعني من سره بنوه إذا صاروا رجالا كبر وضعف فساءه ذلك وجعل أبو براء يلح على ضرار طمعا في فدائه وجعل بنوه يحمونه فلما رأى ذلك أبو براء قال له لتموتن أو لأموتن دونك فاحلني على رجل له فداء فأومأ ضرار إلى حبيش بن دلف وكان سيدا فحمل عليه أبو براء فأسره وكان حبيش أسود نحيفا دميما فلما رآه كذلك ظنه عبدا وأن ضرار خدعه فقال له إنا لله أعزز سائر القوم ألا في الشؤم وقعت فلما سمعها حبيش منه خاف أن يقتله فقال أيها الرجل أن كنت تريد اللبن يعني الأبل فقد أصبته فافتدى نفسه بأربعمائة بعير وهزم جيش النعمان فلما رجع الفل اليه أخبروه بأسر أخيه وبقيام ضرار بأمر الناس وما جرى له مع أبي براء وافتدى وبرة بن رومانس نفسه بألف بعير وفرس من يزيد الصعق فاستغنى يزيد وكان قبله خفيف الحال وقال لبيد يذكر أيام قومه:
إني امرؤ منعت أرومة عامر ضيمي وقد حنقت علي خصوم
يقول فيها :
وغداة قاع القريتين أتاهم رهوا يلوح خلالها التسويم
بكتائب رجح تعود كبشها نطح الكباش كأنهن نجوم
قوله قاع القريتين يعني يوم السلان. ( حبيس بن دلف ) بضم الحاء المهملة وبالباء الموحدة وبالياء المثناة من تحتها نقطتان وآخره شين معجمة.
يوم ذي علق:
وهو يوم التقى فيه بنو عامر بن صعصعة وبنو أسد بذي علق فاقتتلوا قتالا عظيما قتل في المعركة ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري أبو لبيد الشاعر وانهزمت عامر فتبعهم خالد بن نضلة الأسدي وابنه حبيب والحرث بن خالد بن المضلل وأمعنوا في الطلب فلم يشعروا الا وقد خرج عليهم أبو براء عامر بن مالك من وراء ظهورهم في نفر من أصحابه فقال لخالد يا أبا معقل إن شئت أجزتنا وأجزناك حتى نحمل جرحانا وندفن قتلانا قال قد فعلت فتواقفوا فقال له أبو براء هل علمت ما فعل ربيعة قال نعم تركته قتيلا قال ومن قتله قال ضربته أنا وأجهز عليه صامت بن الافقم فلما سمع أبو براء بقتل ربيعة حمل على خالد هو ومن معه فمانعهم خالد وصاحباه وأخذوا سلاح حبيب بن خالد ولحقهم بنو أسد فمنعوا أصحابهم وحموهم فقال الجميح
ســائل معـدا عـن الفــوارس لا أوفوا بجيرانهم ولا سلموا
يسعى بهم قرزل ويستمع الـ ناس إليهم وتخفق اللمم
ركضا وقد غادروا ربيعة في الآ ثار لما تقارب النسم
في صدره صعدة ويخلجه بالرمح حران باسلا أضم
قرزل فرس الطفيل والد عامر بن الطفيل وقال لبيد من قصيدة يذكر أباه:
ولا من ربيعة المقترين وريته بذي علق فاقني حياءك واصبري .
يوم الرقم :
قال أبو عبيدة غزت عامر بن صعصعة غطفان ومع بني عامر يومئذ عامر بن الطفيل شابا لم يرأس بعد فبلغوا وادي الرقم وبه بنو مرة بن عوف بن سعد ومعهم قوم من أشجع بن ذئب بن غطفان وناس من فزارة بن ذبيان فنذورا ببني عامر وهجمت عليهم بنو عامر بالرقم وهو واد بقرب تضرع فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا فأقبل عامر بن الطفيل فرأى امرأة من فزارة فسألها فقالت أنا أسماء بنت نوفل الفزاري وقيل كانت أسماء بنت حصن بن حذيفة فبينما عامر يسألها خرج عليه المنهزمون من قومه وبنو مرة في أعقابهم فلما رأى ذلك عامر ألقى درعه إلى أسماء وولى منهزما فأدتها إليه بعد ذلك وتبعتهم مرة وعليهم سنان بن حارثة بن أبي حارثة المري وجعل الأشجعيون يذبحون كل من أسروه من بني عامر لوقعة كانت أوقعتها بهم بنو عامر فذلك البطن من بني أشجع يسمون بني مذحج فذبحوا سبعين رجلا منهم فقال عامر بن طفيل يذكر غطفان ويعرض بأسماء:
قد ساءلت أسماء وهي خفية لضحائها أطردت أم لم أطرد
فـلأبغينكــم القنـا وعـوارضا ولأقبلن الخيل لابة ضرغد
ولأبـرزن بمـالـك وبمـــالــك واخي المرورات الذي لم يسند
في أبيات عدة فلما بلغ شعره غطفان هجاه منهم جماعة وكان نابغة بن ذبيان حينئذ غائبا عند ملوك غسان قد هرب من النعمان فلما آمنه النعمان وعاد سأل قومه عما هجوا به عامر بن الطفيل فانشدوه ما قالوا فيه وما قاله فيهم فقال لقد أفحشتم وليس مثل عامر يهجي بمثل هذا ثم قال يخطئ عامرا في ذكره امرأة من عقائلهم:
فإن يك عامر قد قال جهلا فإن مطية الجهل الشباب
فإنك سوف تحلم أو تباهي إذا ما شبت أو شاب الغراب
فكن كأبيك أو كأبي براء توفقك الحكومة والصواب
فلا تذهب بحلمك طامثات من الخيلاء ليس لهن باب
إلى أخرها فلما سمعها عامر قال ما هجيت قبلها.
يوم ساحوق :
قال أبو عبيدة غزت بنو ذبيان بني عامر وهم بساحوق وعلى ذبيان سنان بن أبي حارثة المري وقد جهزهم وأعطاهم الخيل والإبل وزودهم فأصابوا نعما كثيرة وعادوا فلحقتهم بنو عامر واقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزمت بنو عامر وأصيب منهم رجال وركبوا الفلاة فهلك أكثرهم عطشا وكان الحر شديدا وجعلت ذبيان تدرك الرجل منهم فيقولون له قف ولك نفسك وضع سلاحك فيفعل وكان يوما عظيما على عامر وانهزم عامر بن الطفيل وأخوه الحكم ثم أن الحكم ضعف وخاف أن يؤسر فجعل في عنقه حبلا وصعد إلى شجرة وشده ودلى نفسه فاختنق وفعل مثله رجل من بني غني فلما ألقى نفسه ندم فاضطرب فأدركوه وخلصوه وعيروه بجزعه وقال عروة بن الورد العبسي في ذلك:
ونحن صبحنا عامرا في ديارها علالة ارمــاح وضربـا مذكـرا
بكــل رقــاق الشــفرتيـن مهنــد ولدن من الخطي قد طرا سمرا
عجبـت لهم إذ يخنقـون نفوسهم ومقتلهم إذ يلتقــي كــان أعــذرا.
يوم أعيار ويوم النقيعة :
كان المثلم بن المشجر العائذي ثم الضبي مجاورا لبني عبس فتقامر هو وعمارة بن زياد وهو أحد الكملة فقمره عمارة حتى اجتمع عليه عشرة أبكر فطلب منه المثلم أن يخلي عنه حتى يأتي أهله فيرسل إليه بالذي له فأبى ذلك فرهنه ابنه شرحاف بن المثلم وخرج المثلم فأتى قومه فأخذ البكارة فأتى بها عمارة وافتك ابنه فلما انطلق بابنه قال له في الطريق يا أبتاه من معضال قال ذلك رجل من بني عمك ذهب فلم يوجد إلى الساعة قال شرحاف فإني قد عرفت قاتله قال أبوه ومن هو قال عمارة بن زياد سمعته يقول للقوم يوما وقد أخذ فيه الشراب أنه قتله لم يلق له طالبا ولبثوا بعد ذلك حينا وشب شرحاف ثم أن عمارة جمع جمعا عظيما من عبس وأغار بهم على بني ضبة فأخذوا إبلهم وركبت بنو ضبة فأدركوهم في المرعى فلما نظر شرحاف إلى عمارة قال يا عمارة أتعرفني قال من أنت قال أنا شرحاف أد إلي ابن عمي معضالا لا مثله يوم قتلته وحمل عليه فقتله واقتتلت ضبة وعبس قتالا شديدا واستنقذت ضبة الإبل وقال شرحاف:
ألا أبــلغ سـراة بني بغيض بما لاقت سراة بني زياد
وما لاقت جذيمة إذ تحامي وما لاقى الفوارس من بجاد
تـركنــا بالنقيعـة آل عبــس شعاعا يقتلون بكل واد
ومــا إن فاتنــا إلا شــريـد يؤم الفقر في تيه البلاد
فسل عنا عمارة آل عبس وسل وردا وما كان بداد
تركتهم بوادي البطن رهنا لسيدان القرارة والجلاد.
يوم النباة :
قال أبو عبيدة خرجت بنو عامر تريد غطفان لتدرك بثأرها يوم الرقم ويوم ساحوق فصادفت بني عبس وليس معهم أحد من غطفان وكانت عبس لم تشهد يوم الرقم ولا يوم ساحوق مع غطفان ولم يعينوهم على بني عامر وقيل بل شهدها أشجع وفرازة وغيرهما من بين غطفان على ما نذكره قال وأغارت بنو عامر على نعم بني عبس وذبيان وأشجع فأخذوها وعادا متوجهين إلى بلادهم فضلوا في الطريق فسلكوا وادي النباة فامعنوا فيه ولا طريق لهم ولا مطلع حتى قاربوا آخره وكاد الجبلان يلتقيان إذا هم بامرأة من بني عبس تخبط الشجر لهم في قلة الجبل فسألوها عن المطلع فقالت لهم الفوارس المطلع وكانت قد رأت الخيل قد أقبلت وهي على الجبل ولم يرها بنو عامر لأنهم في الوادي فارسلوا رجلا إلى قلة الجبل ينظر فقال لهم أرى قوما كأنهم الصبيان على متون الخيل أسنة رماحهم عند آذان خيلهم قالوا تلك فزارة قال وأرى قوما بيضا جعادا كأن عليهم ثيابا حمرا قالوا تلك أشجع قال وأرى قوما نسورا قد قلعوا خيولهم ببدادهم كأنهما يحملونها حملا بأفخاذهم آخذين بعوامل رماحهم يجرونها قالوا تلك عبس أتاكم الموت الزؤام ولحقهم الطلب بالوادي فكان عامر بن الطفيل أول من سبق على فرسه الورد ففات القوم وأعيا فرسه الورد وهو المربوق أيضا فعقره لئلا تفتحله فزارة واقتتل الناس ودام القتال بينهم وانهزمت عامر فقتل منهم مقتلة كبيرة قتل فيها من أشرافهم البراء بن عامر بن مالك وبه يكنى أبوه وقتل نهشل وأنس وهزار بنو مرة بن أنس بن خالد بن جعفر وقتلوا عبد الله بن الطفيل أخا عامر قتله الربيع بن زياد العبسي وغيرهم كثير وتمت الهزيمة على بني عامر.
يوم الفرات:
قال أبو عبيدة أغار المثنى بن حارثة الشيباني وهو ابن أخت عمران بن مرة على بني تغلب وهم عند الفرات وذلك قبيل الإسلام فظفر بهم فقتل من أخذ من مقاتلتهم وغرق منهم ناس كثير في الفرات وأخذ أموالهم وقسمها بين أصحابه فقال شاعرهم في ذلك:
ومنا الذي غشى الدليكة سيفه على حين أن أعيا الفرات كتائبه
ومنا الذي شد الركي ليستقي ويسقي محضا غير ضاف جوانبه
ومنا غريب الشام لم ير مثله أفــك لعــان قـد تنــاءى أقــاربــه
( الدليكة ) فرس المثنى بن حارثة. والذي شد الركي مرة بن همام .وغريب الشام ابن القلوص بن النعمان بن ثعلبة.
يوم بارق:
قال المفضل الضبي إن بني تغلب والنمر بن قاسط وناسا من تميم اقتتلوا حتى نزلوا ناحية بارق وهي أرض السواد وأرسلوا وفدا منهم إلى بكر بن وائل يطلبون إليهم الصلح فاجتمعت شيبان ومن معهم وأرادوا قصد تغلب ومن معهم فقال زيد بن شريك الشيباني إني قد اجرت أخوالي وهم النمر بن قاسط فامضوا جواره وساروا وأوقعوا ببني تغلب وتميم فقتلوا منهم مقتله عظيمة لم تصب تغلب بمثلها واقتسموا الأسرى والأموال وكان من أعظم الأيام عليهم قتل الرجال ونهب الأموال وسبى الحريم فقال أبو كلبة الشيباني:
وليلــة بسعادى لـم تــدع سنــدا لتغلبـي ولا أنفــا ولا حسبـــا
والنمريون لولا سر من ولدوا من آل مرة شاع الحي منتهبا
يوم طخفة :
وهو لبني يربوع على عساكر النعمان بن المنذر قال أبو عبيدة وكان سبب هذه الحرب أن الرجافة وهي بمنزلة الوزارة وكان الرديف يجلس عن يمين الملك كانت لبني يربوع من تميم يتوارثونها صغيرا عن كبير فلما كان أيام النعمان وقيل أيام ابنه المنذر سألها حاجب بن زرارة الدرامي التميمي النعمان أن يجعلها للحرث بن بيبة بن قرط بن سفيان بن مجاشع الدرامي التميمي فقال النعمان لبني يربوع في هذا وطلب منهم أن يجيبوا إلى ذلك فامتنعوا وكان منزلهم أسفل طخفة فحيث امتنعوا من ذلك بعث إليهم النعمان قابوس إبنه وحسانا أخاه ابني المنذر قابوس على الناس وحسان على المقدمة وضم إليهما جيشا كثيفا منهم الصنائع والوضائع وناس من تميم وغيرهم فساروا حتى أتوا طخفة فالتقوا هم ويربوع واقتتلوا وصبرت يربوع وانهزم قابوس ومن معه وضرب طارق أبو عميرة فرس قابوس فعقره وأسره وأراد أن يجز ناصيته فقال إن الملوك لا تجز نواصيها فأرسله وأما حسان فأسره بشر بن عمرو بن جوين فمن عليه وأرسله فعاد المنهزمون إلى النعمان وكان شهاب بن قيس بن كياس اليربوعي عند الملك فقال له يا شهاب أدرك ابني وأخي فإن أدركتهما حيين فلبني يربوع حكمهم وأرد عليهم ردافتهم وأترك لهم من قتلوا وما غنموا وأعطيهم الفي بعير فسار شهاب فوجدهما حيين فأطلقهما ووفى الملك لبني يربوع بما قال ولم يعرض لهم في ردافتهم وقال مالك بن نويرة:
ونحن عقرنا مهر قابوس بعدما رأى القوم منه الموت والخيل تلجب
عليــه دلاص ذات نسج وسيفـه جراز من الهنــدي أبيــض مقضب
طلبنــا بهــا إنــا مداريك نيلهــا إذا طلـب الشـــأو البعــيد المغـــرب.
يوم النباج وثيتل:
قال أبو عبيدة غزا قيس بن عاصم المنقري ثم التميمي مقاعس وهم بطون من تميم وهم صريم وربيع وعبيد بنو الحرث بن عمرو بن كعب بن سعد وغزا معه سلامة بن ظرب الحماني في الأحارث وهم بطون من تميم أيضا وهم حمان وربيعة ومالك والأعرج بنو كعب بن سعد فغزوا بكر بن وائل فوجدوا اللهازم وهم بنو قيس وتيم اللات أبناء ثعلبة بن عكاشة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ومعهم بنو ذهل بن ثعلبة وعجل بن لجيم وعنزة بن أسد بن ربيعة بالنباج وثيتل وبينهما روحة فأغار قيس على النباج ومضى سلامة إلى ثيتل ليغير على من بها فلما بلغ قيس إلى النباح سقى خيله ثم أراق ما معهم من الماء وقال لمن معه قاتلوا فالموت بين أيديكم والفلاة من ورائكم فأغار على من به من بكر صبحا فقاتلوهم قتالا شديدا وانهزمت بكر وأصيب من غنائمهم مالا يحد كثرة فلما فرغ قيس من النهب عاد مسرعا إلى سلامة ومن معه نحو ثيتل فأدركوهم ولم يغر سلامة على من به فأغار عليه قيس أيضا فقاتلوه وانهزموا وأصاب من الغنائم نحو ما أصاب بالنباج وجاء سلامة فقال أغرتم على من كان لي فتنازعوا حتى كاد الشر يقع بينهم ثم اتفقوا على تسليم الغنائم إليه ففي ذلك يقول ربيعة بن طريف :
فلا يبعدنـك الله قيس بن عـاصم فأنت لنا عز عزيــز ومعقل
وأنت الذي خويت بكر بن وائل وقد عضلت بها النباج وثيتل
وقال قرة بن زيد بن عاصم:
أنا ابن الذي شق المرار وقـد رأى بثيتل أحيــاء اللهــازم حضــرا
فصبحهم بالجيش قيس بن عاصم فلم يجدوا إلا الأسنــة مصــدرا
سقاهم بها الذيفان قيس بن عاصم وكان إذا ما أورد الأمر أصدرا
على الجرد يعلكن الشكيم عوابسا إذا الماء من أعطــافهن تحــدرا
فلــم يرهــا الــراؤون إلا فجــاءة نثــرن عجاجا كالدواخن أكدرا
وحمــران أدتـــه إلينــا رمــــاحنا فنــازع غلافـي ذراعيه أسمرا
( ثيتل ) بالثاء المثلثة المفتوحة والياء المسكنة المثناة من تحتها والتاء المثناة من فوقها.
يوم فلج:
قال أبو عبيدة: هذا يوم لبكر بن وائل على تميم وسببه أن جمعا من بكر ساروا إلى الصعاب فشتوا بها فلما انقضى الربيع انصرفوا فمروا بالدو فلقوا ناسا من بني تميم من بني عمرو وحنظلة فأغاروا على نعم كثير لها ومضوا واتى بني عمرو وحنظلة الصريخ فاستجاشوا لقومهم فاقبلوا في آثار بكر بن وائل فساروا يومين وليلتين حتى جهدهم السير وانحدروا في بطن فلج وكانوا قد خلفوا رجلين على فرسين سابقين ربيئة ليخبراهم بخبرهم إن ساروا إليه فلما وصلت تميم إلى الرجلين أجريا فرسيهما وسارا مجدين فأنذرا قومهما فأتاهم الصريخ بمسير تميم عند وصولهم إلى فلج فضرب حنظلة بن يسار العجلي قبته ونزل فنزل الناس معه وتهيؤا للقتال معه ولحقت بنو تميم فقاتلهم بكر بن وائل قتالا شديدا وحمل عرفجة بن بجير العجلي على خالد بن مالك بن سلمة التميمي فطعنه وأخذه أسيرا وقتل في المعركة ربعي بن مالك بن سلمة فانهزمت تميم وبلغت بكر بن وائل منها ما أرادت ثم أن عرفجة أطلق خالد بن مالك وجز ناصيته فقال خالد:
وجدنــا الرفــد رفد بنـي لجـيم إذا مـــــا قـلت الارفــــاد زادا
همو ضربوا القباب ببطن فتلج وذادوا عــن محــارمهم ذيـادا
وهــم منــوا علــي وأطلقــوني وقد طاوعت في الجنب القيادا
أليسـوا خـير من ركب المطايا وأعظمهم إذا اجتمعوا رمـــادا
أليـس همـو عمــاد الحـي بكرا إذا نــزلـــت مجــلــلـة شــدادا
وقال قيس بن عاصم يعير خالدا:
لو كنت حريا يا بن سلمى بن جندل نهضت ولم تقصد لسلمى بن جندل
فمــا بــال أصــداء بفــلــج غــريبـة تنادي مع الأطلال يا لابن حنظل
صــوادي لا مــولى عــزيز يجيبها ولا أسرة تستقي صداها بمنهل
وغــادرت ربـعيــا بفــلــج مــلحبــا وأقبلت في أولى الرعيل المعجل
تؤامل من خوف الردي ولا وقيته كما نالت الكدراء من حين أجدل
يعيره حيث لم يأخذ بثار أخيه ربعي ومن قتل معه يوم فلج ويقول إن أصداءهم تنادي ولا يسقيها أحد على مذهب الجاهلية ولولا التطويل لشرحناه أبين من هذا.
يوم الشيطين:
قال أبو عبيدة: كان الشيطان لبكر بن وائل فلما ظهر الإسلام في نجد سارت بكر قبل السواد وبقي مقايس بن عمرو العائذي بن عائذة من قريش حليف بني شيبان بالشيطين فلما أقامت بكر في السواد لحقهم الوباء والطاعون الذي كان أيام كسرى شيرويه فعادوا هاربين فنزلوا لعلع وهي مجدبة وقد أخصب الشيطان فسارت تميم فنزلوا بها وبلغت أخبار خصب الشيطين إلى بكر فاجتمعوا وقالوا نغير على تميم فإن في دين ابن عبد المطلب يعنون النبي[صلى الله عليه وآله] ان من قتل نفسا بها فنغير هذه الغارة ثم نسلم عليها فارتحلوا من لعلع بالذراري والأموال ورئيسهم بشر بن مسعود بن قيس بن خالد فأتوا الشيطين في أربع ليال والذي بينهما ميسرة ثمان ليال فسبقوا كل خبر حتى صبحوهم وهم لا يشعرون فقاتلوهم قتالا شديدا وصبرت تميم ثم انهزمت فقال رشيد بن رميض العنبري يفتخر بذلك:
وما كـان بيــن الشيطيــن ولعلع لنســــــوتنا إلا منــــــاقل أربـــــع
فجئنـا بجمــع لم ير الناس مثلـه يكاد له ظهر الوديعــة يـــطلــــــع
بأرعن دهم تنسل البلق وسطــه له عارض فيــه المنيـــة تلمـــــع
صبحنا به سعدا وعمرا ومالكـا فظـل لهـم يـــوم مـن الشـر أشنــع
وذا حسب من آل ضبة غادروا يجري كما يجري الفصيل المفزع
تقصــع يربـوع بسـرة أرضنـا وليــس ليــربـــوع بهــــا متقـــصع
ثم إن النبي[صلى الله عليه وآله] كتب إلى بكر بن وائل على ما بأيديهم.( الشيطين ) بالشين المعجمة والياء المشددة المثناة من تحتها وبالطاء المهملة أخره نون.
أيام الأنصار وهم الأوس والخزرج التي جرت بينهم :
الأنصار لقب قبيلتي الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان لقبهم به رسول الله [صلى الله عليه وآله] لما هاجر إليهم ومنعوه ونصروه وأم الأوس والخزرج قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد ولذلك يقال لهم أبناء قيلة وإنما لقب ثعلبة العنقاء لطول عنقه ولقب عمرو مزيقياء لأنه كان يمزق عنه كل يوم حلة لئلا يلبسها أحد بعده ولقب عامر ماء السماء لسماحته وبذله كأنه ناب مناب المطر وقيل لشرفه ولقب امرؤ القيس البطريق لأنه أول من استعان به بنو إسرائيل من العرب بعد بلقيس فبطرقه رحبعم بن سليمان بن داود عليه السلام فقيل له البطريق وكانت مساكن الأزد بمأرب من اليمن إلى أن أخبر الكهان عمرو بن عامر مزيقياء أن سيل العرم يخرب بلادهم ويغرق أكثر أهلها عقوبة لهم بتكذيبهم رسل الله تعالى إليهم فلما علم ذلك عمرو وباع ماله من مال وعقار وسار عن مأرب هو ومن تبعه ثم تفرقوا في البلاد فسكن كل بطن ناحية اختاروها فسكنت خزاعة الحجاز وسكنت غسان الشام ولما سارا ثعلبة بن عمرو بن عامر فيمن معه اجتازوا بالمدينة وكانت تسمى يثرب فتخلف بها الأوس والخزرج ابنا حارثة فيمن معهما وكان فيها قرى وأسواق وبها قبائل من اليهود من بني إسرائيل وغيرهم منهم قريظة والنضير وبنو قينقاع وبنو ماسلة وزعورا وغيرهم وقد بنوا لهم حصونا يجتمعون بها إذا خافوا فنزل عليهم الأوس والخزرج فابتنوا المساكن والحصون إلا أن الغلبة والحكم لليهود إلى أن كان من الفطيون ومالك بن العجلان فعادت الغلبة للأوس والخزرج ولم يزالوا على حال اتفاق واجتماع إلى أن حدث بينهم حرب.
ذكر غلبة الأنصار على المدينة وضعف أمر اليهود بها وقتل الفطيون:
قد ذكرنا أن الاستيلاء كان لليهود على المدينة لما نزلها الأنصار ولم يزل الأمر كذلك حتى إلى أن ملك عليهم الفطيون اليهودي وهو من بني إسرائيل ثم من بني ثعلبة وكان رجل سوء فاجرا وكانت اليهود تدين له بأن لا تزوج امرأة منهم إلا دخلت عليه قبل زوجها وقيل إنه يفعل ذلك بالأوس والخزرج ايضا ثم أن اختا لمالك بن العلاج السالمي الخزرجى تزوجت فلما كان زفافها خرجت عن مجلس قومها وفيه أخوها مالك وقد كشفت عن ساقيها فقال لها مالك لقد جئت بسوء قالت الذي يراد بي الليلة أشد من هذا ادخل على غير زوجي ثم عادت فدخل عليها أخوها فقال لها هل عندك من خبر قالت نعم فما عندك قال أدخل مع النساء فإذا خرجن ودخل عليك قتلته قالت افعل فلما ذهب بها النساء إلى الفطيون انطلق مالك معهن في زي امرأة ومعه سيفه فلما خرج النساء من عندها ودخل عليها الفطيون قتله مالك وخرج هاربا فقال بعضهم في ذلك من أبيات:
هل كان للفطيون عقر نسائكم حكم النصيب فبئس حكم الحاكم
حتــى حبــاه مــالك بمرشــــة حمـراء تضحــك عن نجيع قاتم
ثم خرج مالك بن العجلان هاربا حتى دخل الشام فدخل على ملك من ملوك غسان يقال له أبو جبيلة واسمه عبيد بن سالم بن مالك بن سالم وهو أحد بني غضب بن جشم بن الخزرج وكان قد ملكهم وشرف فيهم وقيل إنه لم يكن ملكا وإنما كان عظيما عند ملك غسان وهو الصحيح لأن ملوك غسان لم يعرف فيهم هذا وهو أيضا من الخزرج على ما ذكر فلما دخل عليه مالك شكا إليه ما كان من الفطيون وأخبره بقتله وأنه لا يقدر على الرجوع فعاهد الله أبو جبيلة أن لا يمس طيبا ولا يأتي النساء حتى يذل اليهود ويكون الأوس والخزرج أعز أهلها ثم سار من الشام في جمع كثير وأظهر أنه يريد اليمن حتى قدم المدينة فنزل بذي حرض وأعلم الأوس والخزرج ما عزم عليه ثم أرسل إلى وجوه اليهود يستدعيهم إليه وأظهر لهم أنه يريد الاحسان إليهم فأتاه أشرافهم في حشمهم وخاصتهم فلما اجتمعوا ببابه أمر بهم فادخلوا رجلا رجلا وقتلهم عن آخرهم فلما فعل بهم ذلك صارت الأوس والخزرج أعز أهل المدينة فشاركوا اليهود في النخل والدور ومدح الرمق بن زيد الخزرجي أبا جبيلة بقصيدة منها :
وأبــو جبيلة خيـر مـن يمشي وأوفاه يمينا
وأبـرهم برا وأعلمهـــم بهدى الصــالحيـنا
أبقت لنا الأيام والحرب المهمــة تعتريــنا
كبشــاله قــرن يعــــض حسـامه الذكر السنينا
فقال له أبو جبلة عسل طيب في وعاء سوء وكان الرمق رجلا ضئيلا فقال الرمق إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه ورجع أبو جبيلة إلى الشام.
( حرض ) بضم الحاء والراء المهملتين وآخره ضاد معجمة.
حرب سمير:
ولم يزل الأنصار على حال اتفاق واجتماع وكان أول اختلاف وقع بينهم حرب كانت لهم حرب سمير وكان سببها أن رجلا من بني ثعلبة من سعد بن ذبيان يقال له كعب بن العجلان نزل على مالك بن العجلان السالمي فحالفه وأقام معه فخرج كعب يوما إلى سوق بني قينقاع فرأى رجلا من غطفان معه فرس وهو يقول ليأخذ هذا الفرس أعز أهل يثرب فقال رجل فلان وقال رجل آخر أحيحة بن الجلاح الأوسي وقال غيرهما فلان بن فلان اليهودي أفضل أهلها فدفع الغطفاني الفرس إلى مالك بن العجلان فقال كعب ألم أقل لكم أن حليفي مالكا أفضلكم فغضب من ذلك رجل من الأوس من بني عمرو بن عوف يقال له سمير وشتمه وافترقا وبقي كعب ما شاء الله ثم قصد سوقا لهم بقباء فقصده سمير ولازمه حتى خلا السوق فقتله وأخبر مالك بن العجلان بقتله فارسل إلى بني عمرو بن عوف يطلب قاتله فأرسلوا أنا لا ندري من قتله وترددت الرسل بينهم هو يطلب سميرا وهم ينكرون قتله ثم عرضوا عليه الدية فقبلها وكانت دية الحليف فيهم نصف دية النسيب منهم فأبى مالك إلا أخذ دية كاملة وامتنعوا من ذلك وقالوا نعطي دية الحليف وهي النصف ولج الأمر بينهم حتى أتى إلى المحاربة فاجتمعوا والتقوا واقتتلوا قتالا شديدا وافترقوا ودخل فيها سائر بطون الأنصار ثم أرسلت الأوس إلى مالك يدعونه إلى أن يحكم بينهم المنذر بن حرام النجاري الخزرجي جد حسان بن ثابت بن المنذر فأجابهم إلى ذلك فأتوا المنذر فحكم بينهم المنذر بان يدوا كعبا حليف مالك دية الصريح ثم يعودون إلى سنتهم القديمة فرضوا بذلك وحملوا الدية وافترقوا وقد شبت البغضاء في نفوسهم وتمكنت العداوة بينهم.
ذكر حرب كعب بن عمرو المازني :
ثم إن بني جحجبا من الأوس وبني مازن بن النجار من الخزرج وقع بينهم حرب كان سببها ان كعب بن عمرو المازني تزوج امراة من بني سالم فكان يختلف إليها فأمر أحيحة بن الجلاح سيد بني جحجبا جماعة فرصدوه حتى ظفروا به فقتلوه فبلغ ذلك أخاه عاصم بن عمر فأمر قومه فاستعدوا للقتال وأرسل إلى بني جحجبا يؤذنهم بالحرب التقوا بالرحابة فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت بنو جحجبا ومن معهم وانهزم معهم أحيحة فطلبه عاصم بن عمرو فأدركه وقد دخل حصنه فرماه بسهم فوقع في باب الحصن فقتل عاصم أخا لأحيحة فمكثوا بعد ذلك ليالي فبلغ أحيحة أن عاصما يتطلبه ليجد له غرة فيقتله فقال أحيحة:
نبئــت أنــك جــئت تســـري بيـــــن داري والقبـــابــه
فلق وجدت بجـانب الضحيــ ان شبـــانــــــا مهــابـــــه
فتيـــان حــرب فـي الحديـــ د وشامرين كأســـد غـابه
هـــم نكبــوك عــن الطـريـ ق فبـــــت تركب كل لابه
أعصيــتم لا تجــزع فان الـ حـــرب ليســت بالـــدعابه
فـــانـــا الـــذي صبحتــــكم بالقــــوم إذ دخـلوا الرحابه
وقتلـــت كعبـــا قــبــــلهـــا وعـــلوت بالسيف الذؤابه
فأجابه عاصم:
أبــلغ أحيحة أن عرضت بــداره عنـــي جوابه
وأنــــا الـــذي أعـجلتـــه عـن مقعد ألهي كلابه
ورميتــه سهمــا فأخطأه وأغـــلق ثم بـــابـــــه
في أبيات ثم أن أحيحة أجمع أن يبيت بني النجار وعنده سلمى بنت عمرو بن زيد النجارية وهي أم عبد المطلب جد النبي[صلى الله عليه وآله] فما رضيت فلما جنا الليل وقد سهر معها أحيحة فنام فلما نام سارت إلى بني النجار فاعلمتهم ثم رجعت فحذروا وغدا أحيحة بقومه مع الفجر فلقيهم بنو النجار في السلاح فكان بينهم شيء من قتال وانحاز أحيحة وبلغه أن سلمى أخبرتهم فضربها حتى كسر يدها وأطلقها وقال أبياتا منها :
لعمـــر أبيك ما يغني مكانـي من الحلفاء آكلة غفول
تؤوم لا تقلــص مشمعــــــلا مع الفتيان مضجعه ثقيل
تنــــزع للحليلة حيث كانـت كما يعتاد لقحتـــــه الفصيل
وقد اعددت للحدثـان حصنا لو أن المرء ينفعــه العقول
جــلاء القيــن ثمت لم تخنه مضــاربه ولاطتــه فـــلول
فهـــــل من كاهـن آوى إليه إذا ما حان من آل نــــزول
يراهننـــي ويـــرهننـي بنيه وارهنه بني بما أقـــــــــول
فما يدري الفقير متـى غناه وما يدري الغني متى يعيل
وما تدري وإن انتجت سقيا لغيرك أم يكون لك الفصيل
ومـا أن أخوة كبروا وطابوا بباقيــــة وأمـــهــــم هبـــول
ستثكــــل أو يفارقهـــا بنوها بموت أو يجيء لهم قـــتول
ذكر الحرب بين بني عمرو بن عوف وبني الحرث وهو يوم السرارة:
ثم أن بني عمرو بن عوف من الأوس وبني الحرث من الخزرج كان بينهما حرب شديدة وكان سببها أن رجلا من بني عمرو قتله رجل من بني الحرث فعدا بنو عمرو على القاتل فقتلوه غيله فاستكشف أهله فعلموا كيف قتل فتهيؤا للقتال وأرسلوا إلى بني عمرو بن عوف يؤذنونهم بالحرب فالتقوا بالسرارة وعلى الأوس حضير بن سماك والد أسيد بن حضير وعلى الخزرج عبد الله بن سلول أبو الحباب الذي كان رأس المنافقين فاقتتلوا قتالا شديدا صبر بعضهم لبعض أربعة أيام ثم انصرفت الأوس إلى دورها ففخرت الخزرج بذلك وقال حسان بن ثابت في ذلك :
فـــدى لبني النجــــــار أمي وخالتي غداة لقومهـــــم بالمثقفـــة السمــــر
وصرم من الأحياء عمرو بن مالك إذا ما دعوا كانت لهم دعوة النصـر
فـــوالله لا أنســـــــى حياتي بلاءهم غـــــداة رموا عمـرا بقاصمة الظهر
وقال حسان أيضا:
لعمــر أبيــــك الخير بالحق ما نبا علي لساني في الخطوب ولا يدي
لساني وسيفي صارمان كلاهمــــا ويبلغ مالا يبلغ السيف مذودي
فلا الجهد ينسيني حياتي وحفظتي ولا وقعات الدهر يفللن مبردي
أكثـــــر أهلي من عيــــال سواهم وأطوى على الماء القراح المبرد
وهي أبيات كثيرة فأجابه قيس بن الخطيم:
تروح عن الحسناء أم أنت مغتدي وكيــف انطـلاق عاشق لم يزود
تــراءت لنا يوم الرحيــــل بمقلتي بملــتف من الســـدر مفـــــــــرد
وجيد كجيـــــــد الريم حال يزينه على النحر ياقوت وفص زبرجد
كأن الثـــــــريا فوق ثغرة نحرها تـــــوقـــــد فــي الظلماء أي توقد
إلا أن بيــــن الشـــــرعبي وراتج ضــــــرابا كتجذيم السيال المعضد
لنا حـــــائطان الموت أسفل منهما وجمع متى يصرخ بيثرب يصعد
وهي طويلة وقال عبيد بن ناقد:
لمـــــن الديـــــار كــأنهن المذهب بلــــيت وغيـــرها الدهور تقــلب
يقول فيها في ذكر الوقعة:
لكــن فـرار أبي الحباب بنفســه يـوم السرارة سيء منه الأقرب
ولــي وألقـــى يـــوم ذلك درعه إذ قـيل جاء الموت خلفك يطلب
نجــاك منـــا بعد ما قد أشرعت فيـــك الرماح هناك شد المذهب
وهي طويلة أيضا وأبو الحباب هو عبد الله بن سلول.
حرب الحصين بن الاسلت :
ثم كانت حرب بين بني وائل بن زيد الأوسيين وبين بني مازن بن النجار الخزرجيين وكان سببها أن الحصين بن الأسلت الاوسي الوائلي نازع رجلا من بني مازن فقتله الوائلي ثم انصرف إلى أهله فتبعه نفر من بني مازن فقتلوه فبلغ ذلك أخاه أبا قيس بن الأسلت فجمع قومه وأرسل إلى بني مازن يعلمهم أنه على حربهم فتهيؤا للقتال ولم يختلف من الأوس والخزرج أحد فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعا وقتل أبو قيس بن الاسلت الذين قتلوا أخاه ثم انهزمت الأوس فلام وحوح بن الأسلت أخاه أبا قيس وقال لا يزال منهزم من الخزرج فقال أبو قيس لأخيه ويكنى أبا حصين :
أبــلغ أبا حصن وبعـــض القـــول عندي ذو كبـــاره
أن ابــن أم المــرء لــيس مــن الحــديد ولا الحجـاره
مـــاذا عليكــم أن يكــون لكــم بها رحـلا عمـــــــاره
يحمــي ذمـار كم وبعض القــــوم لا يحمــــي ذماره
يبنــــي لكم خيرا وبنيـــ ان الكــريم لـــه أثـــــاره
في أبيات.
حرب ربيع الظفري:
ثم كانت حرب بين بني ظفر من الأوس وبين بني مالك بن النجار من الخزرج وكان سببها أن ربيعا الظفري كان يمر في مال لرجل من بني النجار إلى ملك له فمنعه النجاري فتنازعا فقتله ربيع فجمع قومهما فاقتتلوا قتالا شديدا كان أشد قتال بينهم فانهزمت بنو مالك بن النجار فقال قيس بن الخطيم الأوسي في ذلك:
أجـــد بعمــــرة غنيــانهـــــــا فتهجر أم شاننا شانها
فان تمس شطت بها دارهــــا وباح لك اليوم هجرانها
فما روضة من رياض القطا كأن المصابيح حوذانها
بــــاحســـن منهــا ولا نزهة ولوج تكشف أدجانها
وعمرة من سروات النسـاء ينفخ بالمسك أردانها
منها:
ونحن الفـوارس يوم الربيــع قد علموا كيف أبدانها
جنونا لحرب وراء الصريخ حتى تقصد مرانهــــا
تراهــن يخـــلجن خلـج الدلا يبادر بالنزع أشطانها
وهي طويلة.
فأجابه حسان بن ثابت الخزرجي بقصيدة أولها:
لقــد هــاج نفســك أشجـانها وغادرها اليوم أديانها
....
ومنها:
متى ترنا الأوس في بيضنا نهز القنا تخب نيرانها
وتعـط المقـاد علـى رغمـها وتنزل من الهام عصيانها
فلا تفخــرن والتمس ملجــأ فقـد عــاود الأوس أديانها
حرب فارع بسبب الغلام القضاعي :
ومن أيامهم يوم فارع وسببه أن رجلا من بني النجار أصاب غلاما من قضاعة ثم من بلى وكان عم الغلام جارا لمعاذ بن النعمان بن امرئ القيس الأوسي والد سعد بن معاذ فأتى الغلام عمه يزوره فقتله النجاري فأرسل معاذ إلى بني النجار أن ادفعوا إلي دية جاري أو ابعثوا إلي بقاتله أرى فيه رأيي فأبوا أن يفعلوا فقال رجل من بني عبد الأشهل والله إن لم تفعلوا لا نقتل به إلا عامر بن الاطنابة وعامر من أشراف الخزرج فبلغ ذلك عامرا فقال:
ألا مــن مبلـــغ الاكفــــاء عني وقد تهدى النصيحة للنصــــــيح
فإنكـــــم وما ترجون شطري من القول المزجى والصـــــريح
سيـنــدم بعضكــم عـجلا عليه وما أثر اللسان إلى الجــــــروح
أبــت لــي عــزتي وأبى بلائي وأخذي الحمد بالثمن الربــــــيح
وإعطــائي علـى المكروه مالي وضربي هامة البطل المشيــــح
وقولــي كلمــا جشـأت وجاشت مكانك تحمـدي أو تستريحـــــي
لأدفـــع عن مــآثر صــالحـــات وأحمي بعد عن عرض صحيح
بـــذي شطب كلون الملح صاف ونفــس لا تقـــر علـــى القبيــح
فقال الربيع بن أبي الحقيق اليهودي في عراض قول عامر بن الإطنابة:
ألا مــن مبلـغ الأكفاء عني فلا ظلــــــم لدي ولا افتــراء
فلســت بغائظ الأكفاء ظلما وعنـــــدي للملامات اجـــزاء
فلم أر مثل من يدنو لخسف له في الأرض سير واستواء
ومـا بعض الاقامة في ديار يهـــان بها الفتى إلا عنـــــاء
وبعض القول ليس له علاج كمحص الماء ليـــس له إناء
وبعــض خلائق الأقوام داء كــــداء الشــــح ليس به دواء
......
فلما رأى معاذ بن العمان امتناع بني النجار من الدية أو تسليم القاتل إليه تهيأ للحرب وتجهز هو وقومه واقتتلوا عند فارع وهو أطم حسان بن ثابت واشتد القتال بينهم ولم تزل الحرب بينهم حتى حمل ديته عامر بن الاطنابة فلما فعل صلح الذي كان بينهم وعادوا إلى أحسن ما كانوا عليه فقال عامر بن الاطنابة في ذلك:
صــرمت ظليمة خلتي ومراسلي وتباعدت ضنا بزاد الراحـــل
جهــلا وما تدري ظليمة أننـــــي قد أستقل بصرم غير الواصل
ذلـــل ركابي حيث شئت مشيعي إني أروع قطا المكان العاقــل
اظليــــم ما يدريك ربه خلـــــــة حسن مرغمها كظبي الحائـــل
قد بت مالكهـــــــا وشارب قهوة درياقة رويت منها واغلــــــي
.....
وإنما أثبتنا هذه الأبيات وليس فيها ذكر الوقعة لجودتها وحسنها.
حرب حاطب:
ثم كانت الوقعة المعروفة بحاطب وهو حاطب بن قيس من بني أمية بن يزيد بن مالك بن عوف الأوسي وبينها وبين حرب سمير نحو مائة سنة وكان بينما أيام ذكرنا المشهور منها وتركنا ما ليس بمشهور وحرب حاطب آخر وقعة كانت بينهم إلا يوم بعاث حتى جاء الله بالإسلام وكان سبب هذه الحرب إن حاطبا كان رجلا شريفا سيدا فأتاه رجل من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان فنزل عليه ثم أنه غدا يوما إلى سوق بني قينقاع فرآه يزيد بن الحرث المعروف باسم فسحم وهي أمه وهو من بني الحرث بن الخزرج فقال يزيد لرجل يهودي لك ردائي أن كسعت هذا الثعلبي فاخذ رداءه وكسعه كسعة سمعها من بالسوق فنادى الثعلبي يا لحاطب كسع ضيفك وفضح وأخبر حاطب بذلك فجاء إليه فسأله من كسعه فأشار إلى اليهودي فضربه حاطب بالسيف فلق هامته فاخبر ابن فسحم الخبر وقيل له اليهودي قتله حاطب فأسرع خلف حاطب فأدركه وقد دخل بيوت أهله فلقي رجلا من بني معاوية فقتله فثارت الحرب بين الأوس والخزرج واحتشدوا واجتمعوا والتقوا على جسر ردم بني الحرث بن الخزرج وكان على الخزرج يومئذ عمرو بن النعمان البياضي وعلى الأوس حضير بن سماك الأشهلي وقد كان ذهب ذكر ما وقع بينهم من الحروب فيمن حولهم من العرب فسار إليهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري وخيار بن مالك بن حماد الفزاري فقدما المدينة وتحدثا مع الأوس والخزرج في الصلح وضمنا أن يتحملا كل ما يدعي بعضهم على بعض فأبوا ووقعت الحرب عند الجسر وشهدها عيينة وخيار فشاهدا من قتالهم وشدتها ما أيسا معه من الاصلاح بينهم فكان الظفر يومئذ للخزرج وهذا اليوم من أشهر أيامهم وكان بعده عدة وقائع كلها من حرب حاطب فمنها.
يوم الربيع :
ثم التقت الأنصار بعد يوم الجسر بالربيع وهو حائط في ناحية السفح فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كاد يفني بعضهم بعضا فانهزمت الأوس وتبعها الخزرج حتى بلغوا دورهم وكانوا قبل ذلك إذا انهزمت إحدى الطائفتين فدخلت دورهم كفت الأخرى عن اتباعهم فما تبع الخزرج الأوس إلى دورهم طلبت الأوس الصلح فامتنعت بنو النجار من الخزرج عن إجابتهم فحصنت الأوس النساء والذراري في الآطام وهي الحصون ثم كفت عنهم الخزرج فقال صخر بن سليمان البياضي:
ألا أبلغا عني سويد بن صامت ورهط سويد بلغا وابن الاسلت
بأنـــا قتلنـــا بالربيــــع سراتكم وأفلت مجــــروحا به كل مفلت
فـــلولا حقوق في العشيرة إنها أدلـــت بحـــــق واجب إن أدلت
لنــــالهم منـــا كما كان نـــالهم مقانــــب خيل أهلكت حين حلت
فأجابه سويد بن الصامت:
ألا أبلغا عني صخيرا رسالة فقد ذقت حرب الأوس فيها ابن الاسلت
قتلنـــا سراياكم بقتلى سراتنا وليس الـــــذي ينجو اليكـــــم بمفــــــلت
ومنها يوم البقيع :
ثم التقت الأوس والخزرج ببقيع الغرقد فاقتتلوا قتالا شديدا فكان الظفر يومئذ للأوس فقال عبيد بن ناقد الأوسي:
لما رأيــــــــت بني عوف وجمعهـم جاؤوا وجمع بني النجار قد حفلوا
دعوت قومي وسهلت الطريق لهــم إلى المكان الذي أصحــابه حللــوا
جادت بأنفسهــــا من مالك عصـــب يوم اللقاء فما خافـــــوا ولا فشلوا
وعاوروكم كؤوس الموت إذ برزوا شطر النهار وحتى أدبر الاصـل
حتى استقاموا وقد طال المراس بهم فكلهم من دماء القوم قـــــد نهلوا
تكشف البيض عن قتلى أولى رحم لولا المسالم والأرحـــام ما نقلوا
تقـــــول كــل فتـاة غـاب قيمـها أكـل من خلفنا من قومنا قتلوا
لقــد قتلتـــم كريمـــا ذا محافظة قـد كان حالفه القينات والحلل
جـــزل نوافلـــه حلــــو شمائلـه ريان واغله تشقى بـه الإبـــل
والواغل الذي يدخل على القوم وهم يشربون فأجابه عبد الله بن رواحة الحارثي الخزرجي :
لما رأيت بني عــوف وأخـوتهم كعبا وجمع بني النجار قد حفلوا
قدما أباحوا حماكم بالسيوف ولم يفعل بكم أحد مثل الــذي فعــلوا
وكان رئيس الأوس يومئذ في رحب حاطب أبو قيس بن الأسلت الوائلي فقام في حربهم وهجر الراحة فشحب وتغير وجاء يوما إلى امرأته فأنكرته حتى عرفته بكلامه فقالت له لقد أنكرتك حتى تكلمت فقال:
قالت ولم تقصد لقيـل الخنــى مهلا فقد أبلغت أسمـــــاعي
واستنكـرت لونـا له شاحبـــا والحرب غول ذات أوجاع
من يذق الحرب يجد طعمها مرا وتتــــركه بجعجــــــاع
قد حصت البيضة رأسي فما أطعــــم نوما غير تهجــــاع
أسعـى علـى جل بنـــي مالك كل امرئ في شأنه ســـاعي
أعـــددت للأعداء موضـونة فضفاضة كالنهي بالقــــــاع
أحفـــزها عنـــي بذي رونق مهنــد كاللمــــــع قطــــــــاع
صـــدق حســـــام وادق حده ومنـــحــن أســمر قــــــراع
وهي طويلة ثم إن قيسا بن أسلت جمع الأوس وقال لهم ما كنت رئيس قوم قط إلا هزموا فرئسوا عليكم من أحببتم فرأسوا عليهم حضير الكتائب بن السماك الأشهلي وهو والد أسيد بن حضير لولده صحبة وهو بدري فصار حضير يلي أمورهم في حروبهم فالتقى الأوس والخزرج بمكان يقال له الغرس فكان الظفر للأوس ثم تراسلوا في الصلح فاصطلحوا على أن يحسبوا القتلى فمن كان عليه الفضل أعطى الدية فأضلت الأوس على الخزرج ثلاثة نفر فدفعت الخزرج ثلاثة غلمة منهم رهنا بالديات فغدرت الأوس فقتلت الغلمان.
حرب الفجار الأول للأنصار:
وليس بفجار كنانة وقيس فلما قتلت الأوس الغلمان جمعت الخزرج وحشدوا والتقوا بالحدائق وعلى الخزرج عبد الله بن أبي بن سلول وعلى الأوس أبو قيس بن الأسلت فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كان بعضهم يفني بعضا وسمي ذلك اليوم يوم الفجار لغدرهم بالغلمان وهو الفجار الأول فكان قيس بن الخطيم في حائط له فانصرف فوافق قومه قد برزوا للقتال فعجز عن أخذ سلاحه إلا السيف ثم خرج معهم فعظم مقامه يومئذ وأبلى بلاء حسنا وجرح جراحة شديدة فمكث حينا يتداوى منها وأمر أن يحتمي عن الماء فذلك يقول عبد الله بن رواحة:
رمينــاك أيام الفجـار فلم تـزل حميا فمن يشرب فلست بشارب
يوم معبس ومضرس :
ثم التقوا عند معبس ومضرس وهما جداران فكانت الخزرج وراء مضرس وكانت الأوس وراء معبس فأقاموا أياما يقتتلون قتالا شديدا ثم انهزمت الأوس حتى دخلت البيوت والآطام وكانت هزيمة قبيحة لم ينهزموا مثلها ثم إن بني عمرو بن عوف وبني أوس مناة من الأوس وادعوا الخزرج فامتنع من الموادعة بنو عبد الأشهل وبنو ظفر وغيرهم من الأوس وقالوا لا نصالح حتى ندرك ثأرنا من الخزرج فألحت الخزرج عليهم بالأذى والغارة حين وادعهم بنو عمر بن عوف وأوس بن مناة فعزمت الأوس إلا من ذكرنا على الانتقال من المدينة فأغارت بنو سلمة على مال لبني الأشهل يقال له الرعل فقاتلوهم عليه فجرح سعد بن معاذ الأشهلي جراحة شديدة واحتمله بنو سلمة إلى عمرو بن الجموح الخزرجي فأجاره وأجار الرعل من الحريق وقطع الأشجار فلما كان يوم بعاث جازاه سعد على ما نذكره إن شاء الله ثم سارت الأوس إلى مكة لتحالف قريشا على الخزرج وأظهروا أنهم يريدون العمرة وكانت عادتهم أنه إذا أراد أحدهم العمرة أو الحج لم يعرض إليه خصمه ويعلق المعتمر على بيته كرانيف النخل ففعلوا ذلك وساروا إلى مكة فقدموها وحالفوا قريشا وأبو جهل غائب فلما قدم أنكر ذلك وقال لقريش أما سمعتم قول الأول ويل للأهل من النازل أنهم لأهل عدد وجلد ولقلما نزل قوم على قوم إلا أخرجوهم من بلادهم وغلبوهم عليه قالوا فما المخرج من حلفهم قال أنا أكفيكموهم ثم خرج حتى جاء الأوس فقال إنكم حالفتم قومي وأنا غائب فجئت لأحالفكم واذكر لكم من أمرنا ما تكونون بعده على رأس أمركم أنا قوم تخرج أماؤنا إلى أسواقنا ولا يزال الرجل منا يدرك الأمة فيضرب عجيزتها فإن طابت أنفسكم أن تفعل نساؤكم مثل ما تفعل نساؤنا حالفناكم وإن كرهتم ذلك فردوا إلينا حلفنا فقالوا لا نقر بهذا وكانت الأنصار بأسرها فيهم غيرة شديدة فردوا إليهم حلفهم وساروا إلى بلادهم فقال حسان بن ثابت يفتخر بما أصاب قومه من الأوس:
ألا أبلـــغ أبا قيــــس رسولا إذا ألقـى لــه سمع مبـــــــين
فلست بحاضر إن لم يزركم خلال الدار مسبلة طحــــون
يديــــن لها العزيز إذا رآها ويسقط من مخافتها الجنيــن
تشيب الناهد العذراء مــنـها ويهرب من مخافتها القطين
يطوف بها من النجار أسـد كأسد الغيل مسكنها العــرين
يظــل الليث فيها مستكينتـا له في كل ملتفــــت أنيـــــن
كأن بهـــــاءها للنـاظريهــا من الأسلات والبيض الفتين
كأنهم مـن المــاذي عليهـم جمال حين يجتلــدون جون
فقــــد لاقاك قبل بعاث قتل وبعــــتد بعاث ذل مستكين
وهي طويلة أيضا.
يوم الفجار الثاني للأنصار:
كانت الأوس قد طلبت من قريظة والنضير أن يحالفوهم على الخزرج فبلغ ذلك الخزرج فأرسلوا إليهم يؤذنونهم بالحرب فقالت اليهود لا نريد ذلك فأخذت الخزرج رهنهم على الوفاء وهم أربعون غلاما من قريظة والنضير ثم أن يزيد بن فسحم شرب يوما فسكر فتغنى بشعر يذكر فيه ذلك:
هلم إلى الاحلاف إذ رق عظمهم وإذا أصلحوا مالا لجذمان ضائعا
إذا مـــا امرؤ منهم أساء عمــارة بعثنا عليهم من بني العير جادعـا
فأمـــا الصــريخ منهم فتحمـــــلوا وأما اليهود فاتــخذنا بضــــائـــعا
أخذنــا من الأولى اليهود عصابة لغـــدرهم كـــانوا لديـنــا ودائـعـــا
فذلوا لـــرهن عنـــدنا في حبــالنا مصـــانعة يخشـــون منـا القوارعا
وذاك بانــا حين نلــقى عــــدونــا نصول بضرب يترك العز خاشعا
فبلغ قوله قريظة والنضير فغضبوا وقال كعب بن أسد نحن كما قال إن لم نغر فحالف الأوس على الخزرج فلما سمعت الخزرج بذلك قتلوا كل من عندهم من الرهن من أولاد بني قريظة والنضير فاطلقوا نفرا منهم سليم بن أسد القرظي جد محمد بن كعب بن سليم واجتمعت الأوس وقريظة والنضير على حرب الخزرج فاقتتلوا قتالا شديدا وسمي ذلك الفجار الثاني لقتل الغلمان من اليهود.
وقد قيل في قتل الغلمان غير هذا وهو أن عمرو بن النعمان البياضي الخزرجي قال لقومه بين بياضة إن أباكم أنزلكم منزلة سوء والله لا يمس رأسي ماء حتى أنزلكم منازل قريظة والنضير أو أقتل رهنهم وكانت منازل قريظة والنضير خير البقاع فأرسل إلى قريظة والنضير أما أن تخلوا بيننا وبين دياركم وأما أن نقتل الرهن فهموا بأن يخرجوا من ديارهم فقال لهم كعب بن أسيد القرظي يا قوم امنعوا دياركم وخلوه يقتل الغلمان ما هي إلا ليلة يصيب فيها أحدكم امرأة حتى يولد له مثل أحدهم فارسلوا إليهم أنا لا ننتقل عن ديارنا فانظروا في رهننا فعوالنا فعدا عمرو بن النعمان على رهنهم فقتلهم وخالفه عبد الله بن أبي سلول فقال هذا بغي واثم ونهاه عن قتلهم وقتال قومهم من الأوس وقال له كأني بك وقد حملت قتيلا في عباءة يحملك أربعة رجال فلم يقتل هو ومن أطاعه أحدا من الغلمان وأطلقوهم ومنهم سليم بن أسد جد محمد بن كعب وحالفت حينئذ قريظة والنضير الأوس على الخزرج وجرى بينهم قتال سمي ذلك اليوم يوم الفجار الثاني وهذا القول أشبه بأن يسمى اليوم فجارا وأما على القول الأول فإنما قتلوا الرهن جزاءا للغدر من اليهود فليس بفجار من الخزرج إلا أن يسمى فجارا لغدر اليهود
يوم بعاث :
ثم إن قريظة والنضير جددوا العهود مع الأوس على المؤازرة والتناصر واستحكم أمرهم وجدوا في حربهم ودخل معهم قبائل من اليهود غير ما ذكرنا فلما سمعت بذلك الخزرج جمعت وحشدت وراسلت حلفاءها من أشجع وجهينة وراسلت الأوس حلفاءها من مزينة ومكثوا أربعين يوما يتجهزون للحرب والتقوا ببعاث وهي من أعمال قريظة وعلى الأوس حضير الكتائب بن سماك والد أسيد بن حضير وعلى الخزرج عمرو بن النعمان البياضي وتخلف عبد الله بن أبي سلوك في من تبعه عن الخزرج وتخلف بنو حارثه بن الحرث عن الأوس فما التقوا اقتتلوا قتالا شديدا وصبروا جميعا ثم إن الأوس وجدت مس السلاح فولوا منهزمين نحو العريض فلما رأى حضير هزيمتهم برك وطعن قدمه بسنان رمحه وصاح واعقراه كعقر الجمل والله لا أعود حتى أقتل فإن شئتم يا معشر الأوس أن تسلموني فافعلوا فعطفوا عليه وقاتل عنه غلامان من بني عبد الأشهل يقال لهما محمود ويزيد ابنا خليفة حتى قتلا وأقبل سهم لا يدري من رمى به فأصاب عمرو بن النعمان البياضي رئيس الخزرج فقال فبين عبد الله بن أبي سلول يتردد راكبا قريبا من بعاث يتجسس الأخبار إذ طلع عليه بعمرو بن النعمان قتيلا في عباءة يحمله أربعة رجال كما كان قال له فلما رآه قال ذق وبال البغي وانهزمت الخزرج ووضعت فيهم الأوس السلاح فصاح صائح يا معشر الأوس أحسنوا ولا تهلكوا أخوانكم فجوارهم خير من جوار الثعالب فانتهوا عنهم ولم يسلبوهم وإنما سلبهم قريظة والنضير وحملت الأوس حضيرا مجروحا فمات وأحرقت الأوس دور الخزرج ونخيلهم فأجار سعد بن معاذ الأشهلي أمول بني سلمة ونخليهم ودورهم جزاءا بما فعلوا له في الرعل وقد تقدم ذكره ونجى يومئذ الزبير بن إياس بن باطا ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي أخذه فجز ناصيته وأطلقه وهي اليد التي جازاه بها ثابت في الإسلام يوم بني قريظة وسنذكره وكان يوم بعاث آخر الحروب المشهورة بين الأوس والخزرج ثم جاء الإسلام واتفقت الكلمة واجتمعوا على نصر الإسلام وأهله وكفى الله المؤمنين القتال وأكثرت الأنصار الأشعار في يوم بعاث فمن ذلك قول قيس بن الخطيم الظفري الأوسي:
أتعرف رسما كالطراز المذهب لعمرة ركبا غير موقف راكب
ديار التي كانت ونحن على مني تحل بنا لولا رجـاء الركائــب
تبدت لنا كالشمس تحت غمـامة بدا حاجب منها وضنت بحاجب
ومنها:
وكنت أمرأ لا أبعث الحرب ظالما فلما أبوا شعلتها كــل جـــانـــــب
أذنــت بدفع الحرب حتــى رأيتهـا عن الدفع لا تزداد غيـر تقـــارب
فلمـا رأيت الحرب حربا تجـردت لبست من البردين ثوب المحارب
مضعفــة يغشــى الأنـــامل ريعها كان قتيريهـــــا عيون الجنـــــادب
تــرى قصد المـــران تلقــى كأنها تــذرع خرصـان بأيدي الشواطب
....
فأجابه عبد الله بن رواحة:
أشاقتـــك ليلى في الخلــيط المجــانب نعم فرشاش الدمع في الصدر غالب
بكــى أثر من شطت نــواه ولـم يقـــم لحاجة مخزون شكا الحب نـــاصب
لدن غدوة حتى إذا الشمس عارضـت أراحت له من لبـــه كــــل غــارب
نحــامي على أحســــابنا بتـــلادنـــــا لمفتقـــر أو سائل الحـــق واجــــب
وأعمــــى هدتــــه للسبيـــل سيــوفنا وخصــــم أقمنـــا بعـــد مانـج ثاعب
....
وهي طويلة.
وليلى التي شبب بها ابن رواحة: هي أخت قيس بن الخطيم، وعمرة التي شبب بها ابن الخطيم: هي أخت عبد الله بن رواحة، وهي أم النعمان بن بشير الأنصاري.
( بعاث ) بضم الباء الموحدة وبالعين المهملة وقال صاحب كتاب العين وحده وهو بالغين المعجمة.
ذكر غلبة ثقيف على الطائف والحرب بين الأحلاف وبني مالك :
كانت أرض الطائف قديما لعدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر فلما كثر بنو عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان غلبوهم على الطائف بعد قتال شديد وكان بنو عامر يصيفون بالطائف ويشتون بأرضهم من نجد وكانت مساكن ثقيف حول الطائف وقد اختلف الناس فيهم فمنهم من جعلهم من إياد فقال ثقيف اسمه قسي بن نبت بن منبه بن منصور بن يقدم بن افصى بن دعمي بن إياد من معد ومنهم من جعلهم من هوازن فقال هو قيس بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان فرأت ثقيف البلاد فأعجبهم نباتها وطيب ثمرها فقالوا لبني عامر إن هذه الأرض لا تصلح للزرع وإنما هي أرض ضرع ونراكم على أن آثرتم الماشية على الغراس نحن أناس ليست لنا مواش فهل لكم أن تجمعوا الزرع والضرع بغير مؤنة تدفعون إلينا بلادكم هذه فنثيرها ونغرسها ونحفر فيها الأطوار ولا نكلفكم مؤنة نحن نكفيكم المؤنة والعمل فإذا كنت وقت إدراك الثمر كان لكم النصف كاملا ولنا النصف بما عملنا فرغب بنو عامر في ذلك وسلموا إليهم الأرض فنزلت ثقيف الطائف واقتسموا البلاد وعملوا الأرض وزرعوها من الأعناب والثمار ووفوا بم شرطوا لبني عامر حينا من الدهر وكان بنو عامر يمنعون ثقيفا ممن أرادهم من العرب فلما كثرت ثقيف وشرفت حصنت بلادها وبنوا سورا على الطائف وحصنوه ومنعوا عامرا مما كانوا يحملونه إليهم عن نصف الثمار وأراد بنو عامر أخذه منهم فلم يقدروا عليه فقاتلوهم فلم يظفروا وكانت ثقيف بطنين الأحلاف وبني مالك وكان للأحلاف في هذا أثر عظيم ولم يزل تعتد بذلك على بني مالك فأقاموا كذلك ثم إن الأحلاف أثروا وكثرت خيلهم فحموا لها حمى من أرض بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن يقال له جلذان فغضب من ذلك بنو نصر وقاتلوهم عليه ولجت الحرب بينهم وكان رأس بني نصر عفيف بن عوف بن عباد النصري ثم اليربوعي ورأس الأحلاف مسعود بن معتب فلما لجت الحرب بين بني نصر والأحلاف اغتنم ذلك بنو مالك ورئيسهم جندب بن عوف بن الحرث بن مالك بن حطيط بن جشم من ثقيف لضغائن كانت بينهم وبين الأحلاف فحالفوا بني يربوع على الأحلاف فلما سمعت الأحلاف بذلك اجتمعوا وكان أول قتال كان بين الأحلاف وبين بني مالك وحلفائهم من بني نصر يوم الطائف واقتتلوا قتالا شديدا فانتصر الأحلاف وأخرجوهم منه إلى واد من وراء الطائف يقال له لحب وقتل من بني مالك وبني يربوع مقتلة عظيمة في شعب من شعاب ذلك الجبل يقال له الابان ثم اقتتلوا بعد ذلك أياما مسميات منهن يوم عمر ذي كندة من نحو نخلة ومنهن يوم كروبا من نحو حلوان وصاح عفيف بن عوف اليربوعي في ذلك اليوم صيحة يزعمون أن سبعين حبلى منهم ألقت ما في بطنها فاقتتلوا أشد قتال ثم افترقوا فسارت بنو مالك تبتغي الحلف من دوس وخثعم وغيرهما على الأحلاف وخرجت الأحلاف إلى المدينة تبتغي الحلف من الأنصار على بني مالك فقدم مسعود بن معتب على أحيحة بن الجلاح أحد بني عمرو بن عوف من الأوس أشرف الأنصار في زمانه فطلب منه الحلف فقال له أحيحة والله ما خرج رجل من قومه إلى قوم قط بحلف أو غيره إلا أقر لأولئك القوم بشر مما أنف منه من قومه فقال له مسعود إني أخوك وكان صديقا له فقال أخوك الذي تركته وراءك فارجع إليه وصالحه ولو بجدع أنفك وأذنكم فإن أحدا لن يبر لك في قومك إذ خالفته فانصرف عنه وزوده بسلاح وزاد وأعطاه غلاما كان يبني الآطام يعني الحصون بالمدينة فبنى لمسعود بن معتب أطما فكان أول أطم بني بالطائف ثم بنيت الآطام بعده بالطائف ولم يكن بعد ذلك بينهم حرب تذكر وقالوا في حربهم أشعارا كثيرة فمن ذلك قول محبر وهو ربيعة بن سفيان أحد بني عوف بن عقدة من الأحلاف:
ومـا كنت ممـن أرث الشـر بينهم ولكن مسعودا جناها وجندبا
قريعـي ثقيف أنشبا الشر بينهــــم فلم يك عنها منزع حين أنشبا
عناقا ضروسا بين عوف ومـالك شديدا لظاها مترك الطفل أشيبا
مضــرمة شبـــا أشبـــا وقــودها بأيديهما ما أورياها وأثقبا
أصابت براء من طوائف مــالك وعوف بما جرا عليها وأجلبا
كجمثورة جاؤوا تخطوا بنا مآبنا إليهم وتدعوا في اللقاء معتبا
وتدعو بني عوف بن عقدة في الوغى وتدعو علاجا والحليف المطيبا
حبيـــبا وحيــا من ربــاب كتائبا وسعدا إذا الداعي إلى الموت ثوبا
وقوما بمكـــر وثاء شنت معتب بغارتها فكان يوما عصبصبا
فاسقــط أحبال النســـاء بصوته عفيف إذا نادى بنصر فطربا
( عفيف ) هذا بضم العين وفتح الفاء.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|