أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-11-2014
10269
التاريخ: 22-09-2014
2576
التاريخ: 23-09-2014
2445
التاريخ: 3-12-2015
2479
|
كان موقف الناس من الطلاق موقفا متناقضا ، فمنهم الذي يبيحه ويفتح الباب فيه على مصراعيه ، من غير أن يكون له قواعد وضوابط ، وفي هذا من المساوئ والسلبيات ما لا يحصى ، ومنهم من تشدد فيه وجعله أمرا ممنوعا محرما مهما كان في ذلك من شقاء وضنك وضيق يعيشه الزوجان وفي ذلك من الشر العضال ، والنتائج السيئة ، والخروج من حصن الفضيلة ، وغير من السلبيات ما لا يحصى كذلك ، فما هو موقف الإسلام من هذه القضية الخطيرة ؟ .
لم يتورع بعض الناس من خصوم هذا الدين مستشرقين أو مستغربين من أن يرموا الإسلام بسهام الحقد ، وهم يعدون الطلاق من مساوئ الإسلام ، وهم يزعمون أن فيه ظلما للمرأة وهو استبداد من الرجل ، ولا نتعجل الرد عليهم ولنضع بين يدي القارئ بعض قواعد التشريع في هذه القضية :
أولا : الطلاق في الإسلام بدون سبب صحيح حرام لما فيه من قطع الزوجية ، التي هي من النعم العظمى ، ولما فيه من ضياع الاولاد ، أم إذا وجد التباغض والتقاطع ، ولم يمكن الصلح بينهما ، وغلب على الظن عدم إقامة حدود الله في الزوجية فالدواء الاخير هو الفراق فيكون حينئذ مباحاً .
ثانياً : جعل الشارع أمر الطلاق بيد الرجل ، لأنه أحرص على بقاء الزوجية و وذلك لما أنفق في سبيله من المال ، يصعب عليه أن ينقف مثله كلما أراد أن يتزوج هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فإنه أشد صبراًَ فلا يسارع الى الطلاق ، ومن هنا ندرك السبب الذي من أجله لم يجعل الإسلام الطلاق بيد المرأة ، لان الطلاق لم يكلفها من جهة ، ولأنها ذات عاطفة جموحة من ناحية ثانية .
ومع ذلك فقد جعل لها الشارع حق طلب الفسخ إذا امتنع عن الإنفاق ، أو عجز أو غاب غيبة منقطعة و أو كان به علة تمنعه من تأدية وظيفة الزوجية ، كذلك أباح للزواج أن يجعل للمرأة حق التطليق ، ومع كل هذا الإصلاح والمحافظة على حقوق المرأة فقد أوجب الشارع على الزوج إذا طلق ان يدفع مؤخر صداقها إليها ، أن يقوم بالإنفاق عليها مدة العدة ولو طالت ، وبإسكانها وكسوتها كما طلب منه أن يفرق الطلاق ، وأن يقف عند حد محدود لا يتعداه ، وهو الثلاث خشية أن تكون المرأة ألعوبة في يد الرجل .
ثالثاً : لقد فرق القرآن الكريم بين حالتين : الأولى : المرأة التي طلقها زوجها قبل الدخول بها ، والثانية : المطلقة بعد الدخول ، أما في الحالة الاولى فقد اوجب القرآن الفسخ بين الزوجين ، قال تعال : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } [الأحزاب : 49] وإنما اتخذ القرآن الكريم هذا القرار الحاسم لأن هذه الفترة التي يعيشها الزوجان بعد العقد وقبل الدخول فترة يسودها الحب والمودة والاحترام المتبادل ، فكل واحد من الزوجين يظهر أما الآخر بمظهر جذاب فيه العطف والحنان ، إن كلاً منهما يود أن يري صاحبه الصورة المشرقة فإذا لم يستطيعا التفاهم في هذه الفترة الزمنية ، وكان الطلاق ، فمن الخير أن تنتهي هذه الصلة بينهم ، ليسير كل في طريق ، {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء : 130].
والتشريع القرآني ، في منتهى الحكمة ، وغاية السمو ، فالطلاق في هذه الفترة لن يفقد كل من الزوجين فيه شيئاً كثيراً ، فالمرأة لم تفقد حصن البكارة ، والرجل لا يكلف إلا نصف المهر ، إلا إذا تنازلت المرأة عن شيء أو طلبت هي الطلاق ، وقد حث القرآن على العفو ، فقال {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة : 237] .
أما إذا كان الطلاق بعد الدخول ، فلقد جعل الإسلام ضوابط كثيرة متعددة ، واحتاط له احتياطات من شأنها أن تقلل من حوادث الطلاق في المجتمع المسلم ، وأذكر أننا كنا نفجأ حينما كنا نسمع بحادثة الطلاق ، ما أوسع الشقة بين المجتمعات المسلمة ، والمجتمعات الغربية والشرقية ، التي كان الطلاق فيها محرماً ، وأباحته فيما بعد ، فما هي هذه الضوابط والاحتياطات :
1- كان من حكمة التشريع أن يكون الطلاق مفرقاً وأن لا يقع دفعة واحدة ، يقول الله سبحانه {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة : 229] وهاتن المرتان لا تقعان مرة واحدة ، بل تكون التطليقة الأولى أولا ، هي طلقة رجعية يجوز للزوج أن يراجع زوجه أثناء العدة ، وهي ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر ، فإن راجعها ولكنهما لم يستطيعا المسيرة الهنيئة الهادية وطلقها مرة ثانية فإنه يمكن له أن يراجعها بعد هذه التطليقة كذلك في أثناء العدة ، فإن راجعها ولكنهما لم يستطيعا إتمام المسيرة معاً وطلقها مرة ثالثة ، حينئذ تحرم عليه ولا يجوز له مراجعتها حتى تنكح زوجا غيره نكاحاً صحيحاً ليس في تحايل ، وفي ذلك خير للزوجين معاً ما دام كل منهما لا يسع صاحبه .
2- إن هذا الطلاق يجب أن يقع في حالة طهر ، ومعنى هذا ان الزوج لا ينبغي أن يطلق زوجه في حالة الحيض لأنها حالة يمكن أن يكون فيها نفرة بين الزوجين ، وجيب أن يطلقها في حالة طهر لا وطء فيه ، قال تعال : {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق : 1] .
3- أوجب على المرأة أن تقضي العدة في بيت الزوج ، وحرم على زوجها أن يخرجها من بيته ، وفي هذا محاولة لكي يفكر كل من الزوجين ملياً قبل أن يقرر فصم على الزوجية ، قفد يكون وجودها في بيته سبباً لمراجعة نفسه ، وبالتالي الإقلاع عن إنفاذ الطلاق . قال تعالى : {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق : 1] .
ونلحظ أنه قد كثر في سورة الطلاق – وهي التي تسمى سورة النساء الصغرى تمييزا لها عن سورة النساء – كثر فيها الحث على التقوى ، وبيان ما أعد الله للمتقين من خير في الدنيا والآخرة ، وذلك كله من أجل تذكير الازواج بما يجب عليهم ، نقرأ هذه الآيات في السورة الكريمة {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق : 2] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق : 4] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا } [الطلاق : 5] {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق : 7] فقد حرم الله على الازواج والاولياء الإضرار بالنساء ، فقال سبحانه {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة : 231] وهذا خطاب للأزواج وقال تعالى : {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة : 232] وهذا خطاب للأولياء .
ذلك هو تشريع الطلاق في كتاب الله تبارك وتعالى ، هناك تفصيلات كثيرة في السنة المطهرة ، فقولوا لي بربكم : أي من تشريعات البشر ، يمكن أن يصل سمواً وعدالة الى هذا التشريع ، إنه والله الإعجاز التشريعي ، والتشريع المعجز ، وصدق الله {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء : 9] .
واكتفى بهذه الموضوعات التي ذكرتها ، على أن الإعجاز في القرآن الكريم يظهر في كل مجال من مجالات التشريع ، يظهر فيما حرمه القرآن الكريم ، سواء كانت هذه المحرمات في المطاعم والمشارب كالميتة والدم ولحم الخنزير وشرب الخمر أم كانت في مجال الاجتماع كالزنا والقذف ، أم في مجال الاقتصاد كتحريم الربا ، كما يظهر ذلك الإعجاز في المعاملات المالية ، يجد حقيقة الإعجاز في كل قضية من هذه القضايا ، كذلك من يتأمل الآيات التي نظمت شؤون الجهاد وعلاقة المسلمين بغيرهم ، يجد العدالة المعجزة ، وصدق الله العظيم {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت : 51] وصدق الله {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل : 89] .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|