أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-8-2016
827
التاريخ: 1-8-2016
635
التاريخ: 24-8-2016
739
التاريخ: 24-8-2016
892
|
أمّا البراءة الشرعية فربّما يتوهّم إطلاق أدلّتها ; قائلا بأنّه ظاهر قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم: «رفع عن اُمّتي . . . ما لا يعلمون»(1)، و «إنّ الناس في سعة ما لا يعلمون»(2) هو الرفع والتوسعة ; كان قبل الفحص أو بعده .
وربّما يجاب بالتقييد بالإجماع (3)، وهو كما ترى. وربّما يتمسّك بالعلم الإجمالي(4) ، وقد عرفت : أنّ التمسّك به خروج عن موضوع البحث ; لأنّ البحث في شرائط الجريان بعد الفراغ عن كون المقام مجرى لها(5) .
والحقّ : إنكار إطلاقها لما قبل الفحص ، وذلك بوجهين :
الأوّل : أنّ العقل يحكم بوجـوب اللطف على الله ببعث الـرسل وإنـزال الكتب حتّى ينتفع الناس بأحكامـه تعالى عاجـلا وآجـلا ، ويصلح حالهم في الـدنيا والآخـرة .
ومع هذا الحكم الباتّ هل يمكن أن يحتمل العقل أنّ من أحكامه تعالى هو الرفع بقول مطلق ; بأن يجوز لهم الإعراض عن سماع قول الأنبياء وترك التعلّم والتفحّص عن أحكامه وشريعته ; حتّى يتنزّلوا منزلة البهائم والمجانين ؟ حاشا وكلاّ !
وإن أبيت عن ذلك كلّه ـ لأجل وضوح كثير من الأحكام ـ فلا مانع من جريان البراءة في الباقي: فلا أقلّ من انصراف أدلّتها عمّا قبل الفحص .
الثاني ـ وهو الموافق للتحقيق ـ أنّ المراد من عدم العلم المأخوذ موضوعاً في لسان أدلّتها ليس العلم الوجداني حتّى يكون تقديم أدلّة الأمارات والاُصول الحاكمة عليها من باب التخصيص ; لاستهجان ذلك التخصيص الكثير ، بل لا يخلو عن استهجان ; ولو كان بنحو الحكومة أيضاً .
بل المراد من العلم هو الحجّة ، ومفادها : أنّه رفع عمّا لا حجّة عليه . وسيوافيك في مبحث الاستصحاب : أنّ إطلاق العلم واليقين بهذا المعنى كثير في الأخبار(6) .
ومن المعلوم : أنّ الحجّة موجودة في الكتاب والسنّة ، وقد قامت الحجّة على كثير من الأحكام ، ووصلت إلينا وصولا متعارفاً ، فمع عدم الفحص يشكّ في تحقّق ما هو موضوع البراءة .
وإن أبيت : فلاحظ لسان أدّلتها ; فإنّ قوله تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } [الإسراء: 15] من أدلّة البراءة ، وأوضحنا مفاده(7) ، وهو كما ترى جعل بعث الرسول غايةً لرفع التعذيب .
وقـد عرفت أنّ المراد ـ ولـو بمعونة مناسبـة الحكم والموضوع ـ مـن بعثه هـو تبليغ أحكامـه وإيصال شريعته على النحو الـدائر بين العقلاء ، فيدلّ أنّـه لـو بلّغ الرسول وأتمّ الحجّة لوقع التعذيب على فرض المخالفة .
هذا مفاد الآية ، والمفروض أنّ الرسول قد بلّغ وأتمّ البيان بالكتاب والسنّة ، فلا يجوز الصفح عنهما .
ومثله قوله تعالى : {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] ، بناءً على دلالتها .
ومثله الروايات المذكورة في بابها من قوله ـ عليه السلام ـ : «إنّما يحتجّ على العباد بما آتاهم وعرّفهم»(8) ، وقوله ـ عليه السلام ـ : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي»(9) ، فتلك الأدلّة صريحة في تقيّد البراءة بورود النهي وما في معناه ، والمفروض ورود النهي في مظانّه. ولو فرض هنا إطلاق يقيّد بهذه الأدلّة .
ومع الغضّ عمّا ذكرنا كلّه: فلا شكّ أنّ ما يدلّ على وجوب التعلّم والتفقّه في الدين حاكم على إطلاق أدلّة البراءة ، وإليك نماذج من هذه الروايات :
مثل قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم»(10) .
وما في مرسلة «الكافي» عن علي ـ عليه السلام ـ : «ألا وإنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال» إلى أن قال : «والعلم مخزون عند أهله ، وقد أمرتم بطلبه من أهله ، فاطلبوه»(11) .
وما في «الكافي» عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ : «تفقّهوا في الدين ; فإنّه من لم يتفقّه
منكم في الدين فهو أعرابي»(12) .
وما في «الكافي» عن يونس عن بعض أصحابنا قال : سئل أبو الحسن ـ عليه السلام ـ هل يسع الناس ترك مسألة عمّا يحتاجون إليه ؟ فقال : «لا»(13) .
وما في «الكافي» في الصحيح قال أبو عبدالله ـ عليه السلام ـ لحمران بن أعين في شيء سأله : «إنّما يهلك الناس لأنّهم لا يسألون»(14) .
وما ورد في تفسير قوله تعالى : {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: 149] (15) .
وما ورد فيمن أطال الجلوس في بيت الخلاء(16) .
وما ورد في غسل المجدور(17) ، إلى غير ذلك من الروايات .
ولاشكّ في حكومة تلك الطائفة على إطلاقات الباب ; فإنّها متعرّضة لما هو موضوع دليل البراءة ، وتتعرّض لما لم يتعرّض له أدلّة البراءة .
ثمّ إنّ بعض محقّقي العصر ـ رحمه اللّه ـ قد استشكل في صلاحية تلك الأدلّة لتقييد مطلقات الباب ; قائلا بأنّها ظاهرة في الإرشاد إلى حكم العقل بلزوم الفحص لأجل استقرار الجهل الموجب لعذره ، فعموم أدلّة البراءة واردة عليها ; لأنّه بقيام الترخيص الشرعي قبل الفحص يرتفع حكم العقل .
مضافاً إلى إمكان دعوى اختصاصها بصورة العلم الإجمالي ، فتكون إرشادية أيضاً ، مع أنّها قاصرة عن إفادة تمام المطلوب ; لأنّها ظاهرة في الاختصاص بصورة يكون الفحص مؤدّياً إلى العلم بالواقع ، والمطلوب أعمّ من ذلك(18) ، انتهى كلامه .
ولا يخفى ما في هذه الدعاوي :
أمّا الأوّل : فلأنّه لو كانت أدلّة البراءة واردة عليها فالتعيير على عدم العلم بماذا ؟ وما معنى الهلكة في ترك السؤال ؟ ولماذا دعا ـ عليه السلام ـ على القوم الذين غسّلوا المجدور بأنّه قاتلهم الله(19) ؟ فهل بعد ذلك التعبيرات يصحّ لنا أن نقول بورود إطلاق أدلّتها على هذه الطائفة من الأخبار ؟ بل يكشف ذلك أنّه لا إطلاق لها من رأس .
وأضعف منه : دعوى اختصاصها بصورة العلم الإجمالي ، وأيّ شاهد على هذا الاختصاص مع شمولها على الشبهة البدوية ؟ !
وأمّا الثالث : فلاشكّ في إطلاقها ، فهي عامّة تشمل صور العلم بالوصول إلى الحكم وعدمه .
نعم لو علم بأنّه لا يصل إلى الواقع فلا شكّ في عدم وجوب التعلّم والفحص ; لأنّ إيجاب التعلّم لأجل العلم بالواقع ، ومع اليأس عن الوصول لا معنى لإيجابه . وأمّا مع العلم بالوصول أو الشكّ فيه فلا ريب في أنّ إطلاقها محكّم وحاكمة على إطلاق أدلّة البراءة ، لو قلنا بوجود الإطلاق فيها .
ثمّ إنّه قد ذكر لجريان البراءة شرطين آخرين (20)، وبما أنّهما بمكان من الضعف فقد ضربنا عنهما صفحاً.
نعم ، إنّ جمعاً من المحقّقين ـ منهم الشيخ الأعظم وتلاميذه ـ قد استطرفوا المقام بالبحث عن قاعدة لا ضرر ; استطراداً لما فيها عظيم فائدة ، وقد آثرناهم في موارد كثيرة .
وبما أنّ مباحث القاعدة طويلة الذيل أفردنا لها رسالة مستقلّة ، وإلى المولى سبحانه نبتهل ومنه نستمدّ ، وهو ولي التوفيق .
________________
1 ـ الخصال : 417 / 9 ، التوحيد ، الصدوق : 353 / 24 ، وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 .
2 ـ الكافي 6 : 297 / 2 ، وسائل الشيعة 3 : 493 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 11 ، و 24 : 90 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 38 ، الحديث 2 .
3 ـ فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25 : 412 ، اُنظر كفاية الاُصول : 424 .
4 ـ فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25 : 414 .
5 ـ تقدّم في الصفحة 428 .
6 ـ الاستصحاب ، الإمام الخميني ـ قدس سره ـ : 81 ـ 82 و 239 و 241 ـ 242 .
7 ـ تقدّم في الصفحة 15 .
8 ـ الكافي 1 : 162 / 1 و 164 / 4 .
9 ـ الفقيه 1 : 208 / 937 ، وسائل الشيعة 27 : 173 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 67 .
10 ـ الكافي 1 : 30 / 1 و 5 .
11 ـ الكافي 1 : 30 / 4 .
12 ـ الكافي 1 : 31 / 6 .
13 ـ الكافي 1 : 30 / 3 .
14 ـ الكافي 1 : 40 / 2 .
15 ـ الأمالي ، الشيخ الطوسي : 9 / 10 ، تفسير نور الثقلين 1 : 775 / 330 .
16 ـ الفقيه 1 : 45 / 177 ، وسائل الشيعة 3 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال 16 ، الباب 18 ، الحديث 1 .
17 ـ راجع وسائل الشيعة 3 : 346 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 1 و 3 و 6 .
18 ـ نهاية الأفكار : 474 ـ 475 .
19 ـ وسائل الشيعة 3 : 347 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 6 .
20 ـ الوافية في اُصول الفقه : 193 .
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|