المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

ابنية الفعل الثلاثي المزيد
17-02-2015
القيود التي ترد على سرية المراسلات في مجال الأهلية
23-10-2015
الافات الحشرية التي تصيب الحمص
2-5-2019
بعضٌ من آداب المائدة
2024-09-01
Infrared Spectroscopy For Ether
27-10-2019
تفسير الآيات [252 الى 253] من سورة البقرة
12-06-2015


أسئلة سليمان المروزي  
  
3198   10:52 صباحاً   التاريخ: 30-7-2016
المؤلف : باقر شريف القرشي
الكتاب أو المصدر : حياة الإمام الرضا (عليه السلام)
الجزء والصفحة : ج‏1،ص117-131.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن موسى الرّضا / التراث الرضوي الشريف /

سليمان المروزي كان متضلعا بالفلسفة ومتمرسا في البحوث الكلامية وكان يعد في طليعة علماء خراسان وقد انتدبه المأمون لامتحان الامام الرضا (عليه السّلام) وقد قابله بحفاوة وتكريم وقال له: ان ابن عمي علي بن موسى الرضا قدم عليّ من الحجاز وهو يحب الكلام واصحابه فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته ...

و خاف سليمان من ذلك فقد ظن أن الامام سوف يعجز عن أجوبة مسائله فيحقد عليه العلويون وراح يعتذر من المأمون قائلا: إني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هامش فينتقص عند القوم اذا كلمني ولا يجوز الانتقاص عليه .

و تعهد له المأمون ووعده أن لا يصيبه أي اذى أو مكروه قائلا: إنما وجهت إليه لمعرفتي بقوتك وليس مرادي إلّا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط ...

و هذا الكلام يدلل على سوء ما يضمره المأمون للامام وما يكنه له من الحقد والعداء واطمأنّ سليمان من أي اعتداء عليه وراح يقول للمأمون: حسبك يا أمير المؤمنين اجمع بيني وبينه وخلني والذم ...

و وجه المأمون في الوقت رسوله الى الامام يطلب منه الحضور لمناظرة سليمان فأجابه الامام الى ذلك وحضر معه وفد من أعلام أصحابه ضم عمران الصابئ الذي أسلم على يده وجرى حديث بينه وبين سليمان حول البداء فأنكره سليمان وأثبته عمران وطلب سليمان رأي الامام فيه فأقرّه واستدل عليه بآيات من الذكر الحكيم والتفت المأمون الى سليمان فقال له: سل أبا الحسن عما بدا لك وعليك بحسن الاستماع والانصاف ووجه سليمان الاسئلة التالية للامام (عليه السّلام): ما تقول فيمن جعل الارادة اسما وصفة مثل حي وسميع وبصير وقدير؟ ...

- انما تقول: حدثت الاشياء واختلفت لأنه شاء واراد ولم تقولوا: حدثت الاشياء واختلفت لأنه سميع بصير فهذا دليل على أنهما - أي الارادة والمشيئة- ليستا مثل سميع ولا بصير ولا قدير.

و انبرى سليمان قائلا: فانه لم يزل مريدا ...

ورد عليه الامام: يا سليمان فأرادته غيره؟ ...

- نعم .

و ذهب سليمان الى التعدد مع أن اللّه تعالى متحد مع ارادته وابطل الامام شبهته قائلا: قد اثبت معه شيئا غيره لم يزل؟ ...

- ما أثبت .

- أ هي- أي الا ارادة- محدثة؟ ...

- لا ما هي محدثة .

و ضيّق الإمام على سليمان الخناق وراحت أقواله تناقض فتارة يقول بقدم الارادة وأخرى يقول بحدوثها فصاح به المأمون وطلب منه عدم المكابرة والانصاف في حديثه قائلا: عليك بالإنصاف أ ما ترى من حولك من أهل النظر؟.

و التفت المأمون الى الامام قائلا: كلمه يا أبا الحسن فانه متكلم خراسان.

و سأله الامام قائلا: أ هي محدثة؟ ...

فأنكر سليمان حدوث الارادة فردّ عليه الامام: يا سليمان هي محدثة فان الشي‏ء اذا لم يكن أزليا كان محدثا واذا لم يكن محدثا كان أزليا ...

و انبرى سليمان قائلا: ارادته- أي اللّه- منه؟ كما ان سمعه وبصره وعلمه منه.

و ابطل الامام عليه قوله قائلا: فأراد نفسه؟ ...

- لا .

و أخذ الامام يفند مقالته قائلا له: فليس المريد مثل السميع والبصير.

و راح سليمان يتخبط خبط عشواء فقد ضيّق الامام عليه وسدّ كل نافذة يسلك منها قائلا: إنما أراد نفسه كما سمع نفسه وأبصر نفسه وعلم نفسه ...

و انبرى الامام فابطل مقالته قائلا له: ما معنى أراد نفسه؟ أراد أن يكون شيئا واراد أن يكون حيا أو سميعا أو بصيرا أو قديرا؟ ...

و لم يدر سليمان ما ذا يقول فأجاب: نعم ...

فقال له الامام: ا فبارادته كان ذلك؟ ...

- نعم .

و طفق الامام يبطل مقالته ويبدي ما فيها من التناقض قائلا: فليس لقولك: أراد أن يكون حيا سميعا بصيرا معنى اذا لم يكن ذلك بارادته؟ .

و التبس الامر على سليمان وراح يقول: بلى قد كان ذلك بارادته .

و عجّ المجلس بالضحك وضحك المأمون والرضا (عليه السّلام) من تناقض كلام سليمان والتفت الامام الى الجماعة وطلب منهم الرفق بسليمان ثم قال له: يا سليمان فقد حال- أي اللّه تعالى- عندكم عن حاله وتغير عنها وهذا ما لا يوصف اللّه به ؛ و بان العجز على سليمان وانقطع الكلام والتفت الامام إليه ليقيم عليه الحجة قائلا: يا سليمان أسألك عن مسألة ..؟.

- سل جعلت فداك ...

- اخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما تفقهون وتعرفون؟ أو بما لا تفقهون ولا تعرفون .

- بل بما نفقه ونعلم ...

و أخذ الامام يقيم الحجة والبرهان على خطأ ما ذهب إليه سليمان قائلا: فالذي يعلم الناس أن المريد غير الارادة وان المريد قبل الارادة وان الفاعل قبل المفعول وهذا يبطل قولكم: ان الارادة والمريد شي‏ء واحد .

و طفق سليمان قائلا: جعلت فداك ليس ذلك منه على ما يعرف الناس ولا على ما يفقهون؟.

و اندفع الامام يبطل ما ذهب إليه قائلا: فأراكم ادعيتم علم ذلك بلا معرفة وقلتم: الارادة كالسمع والبصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا يعقل ...

و حار سليمان ولم يطق جوابا أمام هذه الطاقات الهائلة من العلم التي يملكها الامام (عليه السّلام) واستأنف الامام حديثه ليتم عليه الحجة قائلا: يا سليمان هل يعلم اللّه جميع ما في الجنة والنار؟ .

و اسرع سليمان قائلا: نعم ...

و انبرى الامام قائلا: أ فيكون ما علم اللّه تعالى أنه يكون من ذلك؟ ...

- نعم ...

- فاذا كان حتى لا يبقى منه شي‏ء إلّا كان يزيدهم أو يطويه عنهم؟ ...

فأجاب سليمان: بل يزيدهم ...

و ابطل الامام قوله: فأراه في قولك: قد زادهم ما لم يكن في علمه انه يكون ...

و طفق سليمان يقول: جعلت فداك فالمريد لا غاية له .

و مضى الامام يفنّد شبه سليمان قائلا: فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما اذا لم يعرف غاية ذلك واذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون تعالى اللّه عزّ وجلّ عن ذلك علوا كبيرا ...

و راح سليمان يعتذر ويوجه ما قاله: انما قلت: لا يعلمه لانه لا غاية لهذا لان اللّه عزّ وجلّ وصفهما بالخلود وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعا ...

و راح الامام (عليه السّلام) يفنّد شبهه وأوصافه قائلا: ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لانه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم وكذلك قال اللّه عزّ وجلّ في كتابه: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء: 56] ‏ وقال لأهل الجنة: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108] وقال عزّ وجلّ: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 32، 33] فهو عزّ وجلّ يعلم ذلك لا يقطع عنهم الزيادة .. أ رأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا يخلف مكانه؟ ...

- بلى ...

- أ فيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه؟ ...

- لا ...

و مضى الامام (عليه السّلام) يقرر ما ذهب إليه قائلا: فكذلك كلما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم ...

و راح سليمان يتمسك بالشبه والأوهام ثم يزيله عنها هذه الحجج البالغة التي أقامها الامام قائلا:

بلى يقطعه عنهم ولا يزيدهم ...

و انبرى الامام فأبطل ذلك بقوله: إذا يبيد فيها وهذا يا سليمان ابطال الخلود وخلاف الكتاب لأن اللّه عزّ وجلّ يقول: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35] ويقول عزّ وجلّ: {عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ويقول عزّ وجلّ: {وما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ‏} ويقول عزّ وجلّ: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [النساء: 57] ويقول عزّ وجلّ: {وفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ ولا مَمْنُوعَةٍ}.

و وجم سليمان وحار في الجواب وراح يسد عليه كل نافذة يسلك فيها لاثبات شبهة قائلا له:

يا سليمان الا تخبرني عن الارادة أفعل هي أم غير فعل ...؟.

- بل هي فعل ...

و ردّ الامام عليه: فهي محدثة لأن الفعل كله محدث ...

إن كل ممكن معلول ومصنوع وحادث أما واجب الوجود تعالى فهو عار عن‏ صفات الممكن ومستحيلة عليه ...

ولم يستطع سليمان أن يقول شيئا وراح يناقض نفسه فقال: ليست- أي الارادة- بفعل ...

و قد اعترف سليمان سابقا بانها فعل والتفت إليه الامام فقال: فمعه- أي مع اللّه- غيره لم يزل؟ ...

و راوغ سليمان ولم يجب الامام عن سؤاله وقال: الارادة هي الانشاء .

فأجابه الامام: هذا الذي عبتموه على ضرار وأصحابه من قولهم: إن كل ما خلق اللّه عزّ وجلّ في سماء أو أرض أو بحر أو برّ من كلب أو خنزير أو قرد أو انسان أو دابة ارادة اللّه وان ارادة اللّه تحيى وتموت وتذهب وتأكل وتشرب وتنكح وتلذ وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر وتشرك فيبرأ منها ويعاد بها وهذا حدها.

عرض الامام (عليه السّلام) الى الآراء الفاسدة التي التزم بها ضرار والتي عابها على سليمان وأصحابه فان هذه اللوازم الفاسدة كلها ترد على سليمان إلّا انه لم يع مقالة الامام وراح يقول: إنها- أي الارادة- كالسمع والبصر والعلم ...

لقد كرر سليمان ما قاله سابقا من ان الارادة كالسمع والبصر وقد ابطل الامام ذلك فقال (عليه السّلام) له: أخبرني عن السمع والبصر والعلم أ مصنوع؟ ...

- لا ...

و انبرى الامام يدله على تناقض كلامه قائلا: فكيف نفيتموه؟ قلتم لم يرد ومرة قلتم: أراد وليست- أي الارادة- بمفعول له ...

و راح سليمان يتخبط خبط عشواء فقال: انما ذلك كقولنا: مرة علم ومرة لم يعلم ...

فأجابه الامام ببالغ الحجة قائلا: ليس ذلك سواء لان نفي المعلوم ليس كنفي العلم ونفي المراد نفي الارادة أن تكون لان الشي‏ء اذا لم يرد لم تكن ارادة فقد يكون العلم ثابتا وان لم يكن المعلوم بمنزلة البصر فقد يكون العلم ثابتا وان لم يكن المعلوم بمنزلة البصر فقد يكون الانسان بصيرا وإن لم يكن المبصر وقد يكون العلم ثابتا وان لم يكن المعلوم ...

و أجاب سليمان: إنها- أي الارادة- مصنوعة ...

و ابطل الامام قول سليمان قائلا: فهي محدثة ليست كالسمع والبصر لان السمع والبصر ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعة ...

فقال سليمان: إنها صفة من صفاته لم تزل ...

ورد عليه الامام قائلا: فينبغي أن يكون الانسان لم يزل لان صفته لم تزل ...

و أخذ سليمان يراوغ في كلامه قائلا: لا لانه لم يفعلها ...

فانكر الامام عليه ذلك وقال: يا خراساني ما اكثر غلطك أ فليس بارادته وقوله تكون الاشياء؟ ...

و أصرّ سليمان على خطئه قائلا: لا .

فأجابه الامام: اذا لم تكن بارادته ولا مشيئته ولا أمره ولا بالمباشرة فكيف يكون ذلك؟

- تعالى اللّه عن ذلك ...

و حار سليمان فلم يستطع أن يقول شيئا وراح الامام يفنّد شبه سليمان وما تمسك به من أوهام قائلا له: أ لا تخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ: وإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها . يعني بذلك أنه يحدث إرادة؟ ...

و سارع سليمان قائلا: نعم ...

فأجابه الامام: فإذا أحدث ارادة كان قولك: إن الارادة هي هو أو شي‏ء منه باطلا لانه لا يكون أن يحدث نفسه ولا يتغير عن حالة تعالى اللّه عن ذلك ...

و انبرى سليمان قائلا: إنه لم يكن عنى بذلك أنه يحدث إرادة ...

- فما عنى به؟ ...

- عنى فعل الشي‏ء ...

فزجره الامام قائلا: ويلك كم تردد هذه المسألة وقد اخبرتك ان الارادة محدثة لان فعل الشي‏ء محدث .

- فليس لها معنى ...

قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالإرادة بما له معنى له فاذا لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم ان اللّه عزّ وجلّ لم يزل مريدا ...

و راح سليمان يتمسك بالشبه قائلا: إنما عنيت أنها- أي الارادة- فعل من اللّه تعالى لم يزل .

فرد عليه الامام قائلا: ا لم تعلم أن ما لم يزل لا يكون مفعولا وقديما وحديثا في حالة واحدة.

و حار سليمان في الجواب فقد ابطل الامام جميع شبهه وأوضح له ان كل ممكن حادث وليس أزليا وارادة اللّه تعالى ليست على غرار صفات الممكن.

و راح الامام يقيم عليه الحجة قائلا: لا بأس اتمم مسألتك ...

- ان الارادة صفة من صفاته ...

و انكر الامام عليه تكراره لهذه المسألة قائلا: كم تردد عليّ أنها صفة من صفاته فصفته محدثة أو لم تزل؟ ...

- محدثة .

- اللّه اكبر فالارادة محدثة وان كانت صفة من صفاته لم تزل فلم يرد شيئا ...

- ان ما لم يزل لا يكون مفعولا ...

و راح سليمان يغالط نفسه قائلا: ليس الاشياء ارادة ولم يرد شيئا ...

ورد الامام عليه قائلا: وسوست يا سليمان فقد فعل وخلق ما لم يزل خلقه وفعله وهذه صفة من لا يدري ما فعل؟ تعالى عن ذلك ...

و غالط سليمان فقال: يا سيدي فقد أخبرتك انها كالسمع والبصر والعلم ...

و صاح به المأمون قائلا: ويلك يا سليمان كم هذا الغلط والتردد؟ اقطع هذا وخذ في غيره إذ لست تقوى على غير هذا الرد ...

و التفت الامام الى المأمون قائلا: دعه يا أمير المؤمنين لا تقطع عليه مسألته فيجعلها حجّة ...

و نظر الامام الى سليمان قائلا:

- تكلم يا سليمان ...

و مضى سليمان قائلا: قد اخبرتك أنها- أي الارادة- كالسمع والبصر والعلم ...

فرد عليه الامام: لا بأس اخبرني عن معنى هذه؟ أ معنى واحد أم معان مختلفة؟ ...

- معنى واحد , فمعنى الارادات كلها معنى واحد؟.

- نعم ...

و رد عليه الامام ببالغ الحجة قائلا: فإذا كان معناها واحدا كانت ارادة القيام وارادة القعود وارادة الحياة وارادة الموت اذا كانت ارادته واحدة لم تتقدم بعضها بعضا ولم يخالف بعضها بعضا وكانت شيئا واحدا ...

و أجاب سليمان قائلا: إن معناها مختلف ...

و أشكل الامام عليه قائلا: اخبرني عن المريد أ هو الارادة أم غيرها؟ ...

- بل هو الارادة ...

فأجابه الامام: المريد عندكم مختلف إذا كان هو الارادة ...

يا سيدي ليس الارادة المريد ...

و أشكل الامام عليه قائلا: فالارادة محدثة وإلّا فمعه غيره ...

- إنها اسم من اسمائه ...

- هل سمي نفسه بذلك؟.

- لا لم يسمّ نفسه بذلك ...

- فليس لك أن تسميه بما لم يسمّ به نفسه ...

و راوغ سليمان فقال: قد وصف نفسه بأنه مريد ...

و قال الامام: ليس صفته نفسه انه مريد اخبار عن أنه ارادة ولا اخبار عن أن الارادة اسم من اسمائه ...

- لان ارادته علمه ...

و اجابه الامام: إذا علم الشي‏ء فقد اراده ...

- أجل ...

 - إذا لم يرده لم يعلمه.

- أجل ...

و أنبرى الامام يوضح فساد ما ذهب إليه سليمان قائلا: من أين قلت ذلك؟ وما الدليل على ان ارادته عمله؟ وقد يعلم ما لا يريده أبدا وذلك قوله عزّ وجلّ: لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ‏ فهو يعلم كيف يذهب به وهو لا يذهب به ابدا ...

و قال سليمان: لأنه قد فرغ من الأمر فليس يزيد فيه شيئا ...

و ردّ الامام عليه قائلا: هذا قول اليهود: فكيف قال تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ .

و انكر سليمان ذلك وقال: انما عنى بذلك انه قادر عليه ...

و اجابه الامام: أ فيعد ما لا يفي به؟ فكيف قال: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ وقال عزّ وجلّ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] .

و حار سليمان فقد سدّ الامام عليه كل نافذة فأين ما اتجه فالأمام يواجهه ببالغ الحجة وقوة البرهان في ابطال ما يذهب إليه .. ومضى الامام (عليه السّلام) في ابطال شبه سليمان قائلا: يا سليمان هل يعلم أن انسانا يكون ولا يريد أن يخلق انسانا أبدا وان انسانا يموت اليوم ولا يريد أن يموت اليوم ...

و سارع سليمان قائلا: نعم.

و سارع الامام رادا عليه هذا التناقض في كلامه قائلا: فيعلم أنه يكون ما يريد أن يكون أو يعلم أنه يكون ما لا يريد أن يكون؟ ...

و انبرى سليمان قائلا: يعلم أنهما يكونان جميعا ...

و أجابه الامام بما يترتب على قوله من التناقض قائلا: إذا يعلم أن انسانا حيّ ميت قائم قاعد أعمى بصير في حالة واحدة وهذا هو المحال .

و راح سليمان يكثر من التناقض في كلامه الذي الزمه به الامام قائلا: جعلت فداك فانه يعلم أنه يكون أحدهما دون الآخر .

فقال الامام: لا بأس فأيهما يكون الذي أراد أن يكون أو الذي لم يرد أن يكون؟ ...

و راح سليمان يتخبط خبط عشواء لم يدر ما يقول وما يترتب على كلامه من التهافت فقال: أراد الذي أن يكون ...

و غرق القوم في الضحك وضحك الامام الرضا والمأمون فقال الامام: غلطت وتركت قولك: إنه يعلم أن إنسانا يموت اليوم وهو لا يريد أن يموت اليوم وانه يخلق خلقا وانه لا يريد أن يخلقهم واذا لم يجز العلم عندكم بما لم يرد أن يكون فانما يعلم أن يكون ما أراد أن يكون؟ ...

و راح سليمان يوجه ما قاله: فإنما قولي: إن الارادة ليست هو ولا غيره ...

و انبرى الامام يدله على تناقض قوله: إذا قلت: ليست هو فقد جعلتها غيره وإذا قلت: ليست هي غيره فقد جعلتها هو ...

و قال سليمان: كيف فهو يعلم- أي اللّه- كيف يصنع الشي‏ء؟ ...

- نعم ...

- فان ذلك اثبات للشيء ...

فأجابه الامام بمنطق الحكمة والعلم قائلا: أحلت- أي تكلمت بالمحال- لان الرجل قد يحسن البناء وان لم يبن ويحسن الخياطة وإن لم يخط ويحسن صنعة الشي‏ء وان لم يصنعه ابدا.

- يا سليمان هل تعلم أنه واحد لا شي‏ء معه؟ ...

- نعم ...

- فيكون ذلك اثباتا للشي‏ء ...

و أنكر سليمان ما قاله سابقا : ليس يعلم أنه واحد لا شي‏ء معه ...

فأجابه الامام: أ فتعلم أنت ذاك؟ ...

- نعم ...

- فأنت يا سليمان إذا أعلم منه؟ ...

و راح سليمان يقول: المسألة محال ...

فرد الامام عليه قائلا: محال عندك إنه واحد لا شي‏ء معه وانه سميع بصير حكيم قادر ...

- نعم ...

و أجابه الامام بمنطق العلم والحكمة قائلا: كيف أخبر عزّ وجلّ انه واحد حي سميع بصير حكيم قادر عليم خبير وهو لا يعلم ذلك وتكذيبه .. تعالى اللّه عن ذلك.

و اضاف الامام قائلا: كيف يريد صنع ما لا يدري صنعه ولا ما هو؟ واذا كان الصانع لا يدري كيف يصنع الشي‏ء قبل أن يصنعه فانما هو متحير .. تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا ...

و راح سليمان يتخبط فقال: إن الارادة القدرة ...

فرد الامام عليه بقوله: و هو عزّ وجلّ يقدر على ما لا يريده أبدا ولا بد من ذلك لانه قال تبارك وتعالى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86] فلو كانت الارادة هي القدرة كان قد أراد ان يذهب به لقدرته ...

و بان العجز على سليمان ووقف حائرا أمام هذا البحر المتلاطم من العلم والفضل فانقطع عن الكلام والتفت إليه المأمون مشيدا بمواهب الامام وعبقرياته قائلا: يا سليمان هذا أعلم هاشمي ...

و احتوت هذه المناظرة على بحوث فلسفية بالغة الاهمية دلت على مدى ما يحمله الامام الرضا (عليه السّلام) من طاقات علمية هائلة اثبتت صدق وواقعية ما تذهب إليه الشيعة الامامية من ان الامام لا بد ان يكون أعلم أهل عصره وبذلك فقد باءت بالفشل محاولة المأمون الذي أراد تعجيز الامام ولو بمسألة واحدة ليتخذ منها وسيلة للطعن في معتقدات الشيعة بالامام وقد علق الشيخ الصدوق نضّر اللّه مثواه على هذه المناظرة بقوله: كان المأمون يجلب على الرضا من متكلمي الفرق والأهواء المضلة كل من سمع به حرصا على انقطاعه عن الحجة مع واحد منهم وذلك حسدا منه له ولمنزلته من العلم فكان لا يكلمه احد إلّا أقرّ له بالفضل وألزم الحجة له عليه لان اللّه تعالى ذكره يأبى إلّا أن يعلي كلمته ويتم نوره وينضر حجته وهكذا وعد تبارك وتعالى في كتابه فقال: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [غافر: 51] يعني بالذين آمنوا الأئمة الهداة واتباعهم العارفين بهم والآخذين عنهم بنصرهم بالحجة على مخالفيهم ما داموا في الدنيا وكذلك يفعل بهم في الآخرة وان اللّه عزّ وجلّ لا يخلف الميعاد .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.