أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-02
2332
التاريخ: 2023-07-28
1424
التاريخ: 11-1-2021
2516
التاريخ: 29-1-2016
2741
|
صحيح أن عملية الإثبات في صورتها المطلقة، لا تختلف باختلاف نوع النزاع أو الحق، إذ لا تعدو أن تكون مخاصمة يعكف فيها كل طرف إلى اثبات حقيقة دعواه ملقياً على عاتق الطرف الآخر، ضرورة التصدي لأدلته والعمل على دفعها، ومن ثم تقديم ما يؤيد موقفه ويدعم حقيقة مركزه. وصحيح أيضا وجود تشابه وقدر من التماثل بين إجراءات الرعويين المدنية والجنائية، وأن الشكل الادعائي الذي تتسم به الإجراءات الجنائية في بدايتها، والصيغة الوجاهية للمرافعات وشفويتها، متماثلة في الرعويين، وأن قاعدة تحميل الادعاء – بصفة عامة – عبء الإثبات، أصبحت ذات صفة تقليدية، لصيقة بكل نظام اجرائي ادعائي(1)، ذلك كله أدى إلى ظهور من ينادي بضرورة توحيد قواعد الإثبات، لعدم وجود ما يبرر الفصل، خاصة في نطاق القانونين الجنائي والمدني، استناداً إلى القاعدة اللاتينية "البينة على من ادعى، وأن المدعى عليه يصير مدعياً بالدفع". إذ يرى كثير من فقهاء القانون المدني أن هذه القاعدة عامة، وإنما تحدد – من وجهة نظرهم – النظرية العامة للاثبات، التي ينبغي تطبيقها في كل فروع القانون(2). ولكن هل الدعوى الجنائية، تشبه فعلاً الدعوى المدنية، ومن ثم يمكن أن تنطبق عليها تلك القواعد المقررة لعبء الإثبات في المواد المدنية، أم أن اصل البراءة يعطي ذاتية خاصة للاثبات الجنائي؟ إذا كان الفقه الجنائي، يسلم بوجود عناصر مشتركة بين الرعويين المدنية والجنائية، إلا أنه لا يقر توحيد قواعد المحاكمة بينهما، نظراً لوجود اختلافات جوهرية، نظرية وعملية على حد سواء، تحول دون إقرار القواعد والإجراءات ذاتها بين الدعوى المدنية والدعوى الجنائية. لعل أبرز تلك الاختلافات تتصل بسبب الدعوى، وموضوعها، ومركز الخصوم، فالدعوى الجنائية يباشرها الادعاء العام باسم المجتمع ضد المتهم، وسببها الاخلال الذي لحق بكيان المجتمع نتيجة للفعل الذي لا يتسق مع نظمه وأوضاعه المقررة – أي انتهاك لمصلحة عامة – وموضوعها هو رد الفعل على ذلك الاخلال ويتمثل في توقيع العقوبة على الجاني. أما الدعوى المدنية فيقيمها من أصابه ضرر من الجريمة قبل المتسبب فيه، لما لحقه ضرر في شخصه أو ماله أو شرفه – أي انتهاك لمصلحة خاصة – وتهدف إلى اصلاح الضرر أو التعويض(3) . بيد أن التباين الأبرز، والذي يتصل بقواعد الإثبات، يبدو عند توضيح ما يستند اليه الخصوم في كلا الرعويين. فالقاعدة السائدة في المسائل المدنية هي المساواة المطلقة بين طرفي الخصومة، بمعنى انهما يتقاسمان عبء الإثبات، فيما بينهما بذات الوسائل المرسومة في القانون، بينما التوازن القانوني بين اطراف الدعوى الجنائية، لا يمكن قانوناً – لأسباب تكاد لا تقبل حصراً– أن يكون هو ذات التوازن المسلم به في الدعاوى الاخرى(4). ويمكن تفسير ذلك، بأن المدعى – في الدعوى المدنية – يمارس ادعائه على وفق مبدأين هما: "البينة على من ادعى" "والمدعى عليه يصير مدعياً بالدفع"؛ بينما الادعاء – في الدعوى الجنائية – يمارس اتهامه على وفق مبدأين هما: الأول "قرينة البراءة "، والثاني " السعي إلى اظهار الحقيقة " بعدِّه خصماً عادلاً لا يضيره تبرئة مدان، بقدر ما يضيره ويؤذي العدالة إدانة بريء(5). ومن ثم فإن تصور البعض، خضوع الإثبات في المواد الجنائية، لمبدأي الإثبات المدني، هو تصور غير صحيح في سنده بالنسبة للمبدأ الأول، وفي مضمونه بالنسبة للمبدأ الثاني. فإذا كان الادعاء العام، في الدعوى الجنائية، هو المكلف قانوناً باثبات وقوع الجريمة ومسؤولية المتهم عنها، فإن هذا التكليف – وان بدا من حيث نتيجته – وكأنه تطبيق بسيط وخالص للقاعدة المدنية التي تضع عبء الإثبات على عاتق المدعى، إلا أن مرجعه في خصوص المواد الجنائية إلى مبدأ "الأصل في الإنسان البراءة"(6). ومن جهة أخرى، لا يبدو للشق الثاني من القاعدة المدنية – والتي تجعل المدعى عليه مدعياً عند الدفع – أي أثر يذكر في الإثبات الجنائي، وذلك في حالة ما إذا دفع المتهم، بتوافر سبب من أسباب الإباحة كالدفاع الشرعي، أو مانع من موانع المسؤولية كالإكراه، إذ تفرض قرينة براءة المتهم على الادعاء تحمل اثبات ذلك الدفع(7).ومن ثم ننتهي إلى أن مبدأ "الأصل في الإنسان البراءة" هو وحده الذي يحكم توزيع عبء الإثبات في المواد الجنائية، وأن مبدأ "البينة على من ادعى" ليس إلا واحداً من نتائجه.
____________________
1- انظر في هذا المعنى: احمد ضياء الدين محمد خليل، "قواعد الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص235-236.
2- هلالي عبداللاه احمد، "النظرية العامة للاثبات الجنائي"، المرجع السابق، ص729 - 730.
3- حسن صادق المرصفاوي، "أصول الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص21.
4- انظر في هذا المعنى: محمد زكي ابو عامر، "الاثبات في المواد الجنائية"، المرجع السابق، ص36.
5- انظر في ذلك: احمد ضياء الدين خليل، المرجع السابق، ص238.
6- انظر في هذا المعنى: محمد زكي ابو عامر، "الاثبات في المواد الجنائية"، المرجع السابق، ص38.
7- سيأتي تفصيل ذلك في المبحث الثالث " أثر البراءة في إثبات طرائق الدفاع".
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|