الغاية من وجود القواعد الجزائية الإجرائية في القوانين الجزائية الخاصة |
163
12:43 صباحاً
التاريخ: 2024-12-06
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-1-2016
4036
التاريخ: 2024-12-22
123
التاريخ: 9-5-2017
7568
التاريخ: 23-3-2022
2725
|
يعبر عن الغاية التي يهدف المشرع الى تحقيقها من خلال وجود القواعد الجزائية الإجرائية في القوانين الخاصة هي تحقيق الموازنة بين غايتين أساسيتين لا يمكن استغناء احدهما عن الآخر، وتتمثل الأولى: بـ (الغاية النفعية) ويقصد به ما يعود للمجتمع من منفعة في تحقيق مصلحته عند توقيع العقاب بحق مرتكب الجريمة، اما الثانية فهي (الغاية المعنوية)، ويقصد بها حماية حقوق وحريات الأفراد مما قد يلحق بها من حيف من السلطة المختصة بتطبيق القانون ولا يمكن الوصول الى الغرض الأخير الا من خلال إقرار العديد من الضمانات التي تكفل عدم المساس بحقوق الافراد وحرياتهم (1). فالقواعد الإجرائية هي التي تحدد الأشخاص المختصين بالقيام بإجراء معين اثناء سير الخصومة الجنائية وتحديد المدد التي يمكن القيام بإجراء معين من خلالها كما في إجراءات الطعن او طرق انقضاء الدعوى الجزائية، وفي ذلك تحقيقاً لمصلحة المجتمع في الامن والاستقرار القانوني هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن القواعد الإجرائية تهدف الى تحقيق مصلحة هي الأخرى جديرة بالحماية الا وهي مصلحة الاشخاص من خلال حماية الحرية الشخصية للمتهم بافتراض براءته حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات (2)، ومن خلال ذلك يتبين أن القواعد الجزائية الإجرائية هدفها اولاً عدم افلات مجرم من العقاب على أن لا يحول ذلك الى ادانة بـريء لذلك ، يمكن القول بأن المصلحة في القواعد الجزائية الإجرائية تكون على صورتين الأولى هي مصلحة المجتمع من خلال تثبيت حق الدولة في العقاب اما المصلحة الثانية فهي الحق في الحرية الشخصية وافتراض براءة المتهم (3).
ويترتب على من وجود القواعد الجزائية الإجرائية في القوانين الخاصة تأسيس قضاء خاص بطائفة معينة من الاشخاص او بنوع محدد من الجرائم تعود الى مصالح معتبرة نظراً لطبيعة الجريمة المرتكبة والمصلحة المعتدى عليها ، ونظراً لهذه الظروف يتحتم على المشرع أن يسن قوانين خاصة لتنظيم القواعد الإجرائية التي تنظم مسألة الخصومة الجزائية الغاية منها إنزال حكمة القانون على الأشخاص الذين يرتكبون الجريمة لتحقيق مصلحة المجتمع في العقاب على الجريمة. فالقانون الجزائي الاجرائي الخاص لا يعني بالضرورة تحقيق هذه المصلحة فقط انما هناك مصلحة أخرى جديرة بالحماية الى جانب مصلحة المجتمع وهي مصلحة المتهم والذي اشرنا اليه سابقاً، والذي تتخذ ضده الإجراءات القانونية عندما يخالف القانون وبذلك حفاضاً عليه من التعسف او الاضرار به وضرورة حمايته من التجاوز الحاصل عليه وضد كرامته حتى لا تطغى المصلحة الأولى عن المصلحة الثانية، وبذلك تكون وظيفة المشرع في القانون الجزائي الخاص هو اجراء التوازن الدقيق بين كلا المصلحتين للمصلحة العامة وهي مصلحة المتهم ومصلحة الصفة الممنوحة للأشخاص المحددين بطائفة معينة ومصلحة الوظيفة المراد حمايتها، والحيلولة دون طغيان احدهما على الآخر، وبذلك لا يمكن التجاوز على حريات الافراد ومصادرتها من اجل تحقق المصلحة العامة، ووسيلة المشرع في كل ذلك يكون عن طريق الضمانات التي يطلق عليها بشروط صحة الإجراءات بحيث يكون هذا الاجراء باطلاً وغير محقق للأثر الذي ينبغي أن يرتبه فيما اذا جاء مخالفاً لشروطه القانونية، فمثلاً يجب أن يكون توقيف المتهم او القبض عليه وفق الشروط التي نص عليه قانون أصول المحاكمات الجزائية (4)، فكل اجراء يجب أن يتم وفقاً للقانون فخلاف ذلك يترتب عليه بطلاناً للإجراء ات وكذلك أن يتم الاجراء وفق قاعدة إجرائية منصوص عليها بالقانون لأن هذا الأخير هو الحامي للحقوق والحريات الفردية من التجاوز الحاصل عليها من السلطات القائمة على تطبيقه (5).
وبطبيعة الحال فقد يقتضي وجود قضاء خاص في القوانين الجزائية الخاصة منها العسكري والامن الداخلي كأنموذج وغيرها يتفق مع طبيعة مهام هذه القوانين والأشخاص العاملين بها لأن العاملين في هذه القوانين تكون لهم خصوصية تختلف عن المواطن العادي لأن الأول يخضع تحت أوامر ومراجع وقيادات تعمل وفق النظام والالتزام والضبط العسكري اما الأخير فهو يعمل ضمن أساس الحريات التي يتمتع بها، مما يقتضي أن تكون لأفراد المؤسسات الأمنية احكام خاصة إجرائية وموضوعية ، وبهذا الاتجاه فقد أراد المشرع تخصيصاً للقضاء الذي يتخصص بالمكان والزمان والأشخاص والموضوع فالعمل في قوى الامن الداخلي او الجيش والقوات المسلحة يقوم على الطاعة والاحترام والضبط وسرعة تنفيذ الأوامر التي تصدر من المراجع والحفاظ على الاسرار والمعلومات الخاصة بالوظيفة وكذلك المحافظة على الأجهزة والمعدات العسكرية والأسلحة واستخدامها للغرض الذي خصصت من اجله فالقوانين الجزائية الإجرائية الخاصة تحمي مصالح خاصة أي انها تحمي مصالح معينة ومحددة سواء كانت هذه المصالح عسكرية او اقتصادية او غيرها وبالتالي فهي تخصص جهاز قضائي تنظم فيه إجراءات سير الدعوى الخاضعة له والتي ترتكب من قبل الشخص المعني الذي يخضع الى احكامه الموضوعية والاجرائية في هذا القانون (6).
لذلك فعندما يضع المشرع بعض القواعد والقوانين التي يبنى بها نظام المجتمع فهو يهتدي بالغاية التي من اجلها وضعت تلك القواعد والقوانين. فاذا اختلفت تلك الغايات والثوابت والاهداف تتعدد القوانين وتختلف على مر السنين حسب حاجة المجتمع لسن هذه القوانين تماشياً مع المصالح المعتبرة وحاجات المجتمع لحماية افرادها وعلى هذا الاساس جاءت تعدد القوانين التي ينظم كل منها حاجة معينة من حاجات المجتمع المختلفة والمتنوعة (7) . فالقوانين تختلف فيما بينها من حيث ادائها وبالصورة التي يعمل الفرد بها، فالقانون المدني يعد من القوانين التي تهتم بتنظيم العلاقات بين الافراد بالمجتمع او الافراد والدولة من جهة أخرى، ومن ثم يهتم بحل أي نزاعات تنشأ فيما بينهم (8)، والقانون الجنائي ينظم علاقة المجتمع بالأشخاص ويحدد الجرائم ويضع لها قواعد قانونية تقتضي بأنه لا جريمة ولا عقوبة الا بنص في القانون فألى جانب قانون العقوبات العام الذي يطبق على الأشخاص كافة يوجد بجانبه قانون عقوبات خاص بأفراد منتسبي القوات المسلحة من الجيش او الشرطة، وايضاً بجانب قانون أصول المحاكمات الجزائية العام هناك قانون اجرائي خاص مكمل له يخضع له جميع منتسبي القوات المسلحة لذلك فأن هدف المشرع من سن هذه القوانين هو الغاية التي من اجلها خصصت تلك الفئة بأحكام معينة سواء كانت موضوعية أو إجرائية، ومن ثم يترتب على ذلك استقلال كبير عن تلك القواعد والإجراءات التي تتضمنها القوانين الجنائية الخاصة المتمثلة بالقوانين العسكرية (9).
اما عن القوانين الجزائية الخاصة المتمثلة بقانوني قوى الامن الداخلي والعسكري تترابط وتتماسك فيما بينها وتتشابه الى حد كبير من حيث ادائها لواجباتها وتحقيق أهدافها، فهي تختلف عن غيرها من القوانين الخاصة الأخرى بأن لها نظام معين وطابع مختلف تماماً عن بقية القوانين فكل مجموعة من الأشخاص تتميز بطابع خاص ونظام متميز عن غيره، ومن ثم يجب أن يوضع لهم قانون خاص مستقل، يكون بمنزلة نظام قانوني خاص بها، لأن بطبيعة الحال يمر مجتمعنا جواً من التغيير في كافة المجالات ولا سيما العسكرية منها ويعيش في عصر متطور يمكن أن نسميه عصر المعلومات أو بعصر التخصص، لأن الغاية من هذه القوانين الجزائية الخاصة هو تحديد نظام كامل للحياة الاجتماعية والعسكرية، وهوتعبير عن ضمير الجماعة، نشأ ليحقق المصالح والاهداف التي يتطلبها الافراد والمجتمع، ومن ثم اصبح متعيناً على المشرع أن يساير هذا التطور الحاصل في التخصص او التفريع في كافة المجالات، بأن يضع القوانين المتخصصة لكل طائفة من الأشخاص او كل مجموعة من المصالح والغايات التي تتميز بطابع مشترك ونظام معين لذلك فأن المقصود بالاستقلال في القضاء الاجرائي العسكري هو انطباق هذا القضاء على طائفة معينة من الأشخاص وهم : ( افراد القوات المسلحة من الجيش والشرطة) (10).
وقد بدأ واضحاً على المشرع عندما أنظم الى فكرة تأييد استقلال القضاء العسكري سواء كان في قانون أصول محاكمات الجزائية لقوى الامن الداخلي او العسكري (11) ، وكذلك بين دستور جمهورية العراق لعام 2005 أهمية استقلال القضاء في المادة (19/ اولاً) حيث نصت على أن: (القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون) (12).
_____________
1- وللتفصيل في القواعد الجزائية الإجرائية ينظر : د. شاكر نوري إسماعيل، النموذج القانوني للقاعدة الجزائية الإجرائية، أطروحة دكتوراه كلية القانون جامعة بغداد، 2017، ص 140.
2- ينظر : د. شاكر نوري إسماعيل النموذج القانوني للقاعدة الجزائية ،الإجرائية، مرجع سابق، ص137.
3- ينظر: د. أحمد فتحي سرور الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2016، ص 344.
4- تنظر : المواد (92-120) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي.
5- ينظر: سلام عبد شعيبث، الذاتية الإجرائية للجريمة العسكرية، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق / جامعة النهرين، 2022، ص 32.
6- ينظر: د. عبد الرحيم صدقي، مشروعية القانون والقضاء العسكري، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، (بدون سنة)، ص38.
7- ينظر: د. احمد عوض بلال، علم العقاب (النظرية العامة والتطبيقات)، ط1، دار الثقافة العربية، القاهرة، 1984، ص 102 وما بعدها.
8- ينظر : د. احمد عبد الظاهر القوانين الجنائية الخاصة، ط1 ، دار النهضة العربية ، القاهرة 2011 ، ص 215 وما بعدها.
9- ينظر : د. عاطف فؤاد صحصاح قانون العقوبات العسكري، ط 1، دار الكتب القانونية، القاهرة، 2004، ص1
10- للتفصيل ينظر : د. عزت الدسوقي، شرح قانون الاحكام العسكرية والمشكلات العملية الهامة، الهيأة المصرية العامة للكتاب القاهرة، 1982، ص 97 وما بعدها والمراجع التي أشار اليها.
11- لقد نصت المادة (116) من قانون أصول المحاكمات الجزائية لقوى الامن الداخلي العراقي على انه: (لا سلطان لغير القانون على محاكم قوى الأمن الداخلي وهي مستقلة في إصدار قراراتها واحكامها ، وترتبط ادارياً بوزير الداخلية). كما نصت المادة (5) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري العراقي على انه المحاكم العسكرية مستقلة ولا سلطان عليها لغير القانون).
12- وكذلك فقد نصت المادة (87) من دستور جمهورية العراق النافذ على ان السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر احكامها وفقاً للقانون)، وايضاً فأن المادة (88) قد نصت على ان القضاء مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء او في شؤون العدالة).
|
|
لمكافحة الاكتئاب.. عليك بالمشي يوميا هذه المسافة
|
|
|
|
|
تحذيرات من ثوران بركاني هائل قد يفاجئ العالم قريبا
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تشارك في معرض النجف الأشرف الدولي للتسوق الشامل
|
|
|