المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9120 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
مـحددات الطبقـة الاجتـماعيـة للمستهلك وقـياسهـا
2024-12-04
الطبقة الاجتماعية والمنزلة الاجتماعية وخصائص الطبقة الاجتماعية
2024-12-04
معطيات الإخلاص
2024-12-04
موانع الإخلاص
2024-12-04
حقيقة الإخلاص
2024-12-04
الإخلاص في الروايات الشريفة
2024-12-04

ولادة الامام الكاظم (عليه السلام)
15-05-2015
سرية عكاشة بن محصن
20-7-2019
How do genes direct the production of proteins
14-10-2020
العجل منفيس.
2024-10-21
مُعامِل "أينشتاين" للانبعاث التلقائي Einstein coefficient of spontaneous emission
23-10-2018
Ideal gas law
27-6-2017


غزوة مؤتة وما بعدها إلى فتح مكة  
  
763   08:15 مساءً   التاريخ: 2024-11-02
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج2، ص364-388
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / حاله بعد الهجرة /

1 - موقع مؤتة والكرك والمزار

تقع مؤتة قرب مدينة الكرَك جنوبي عَمَّان عاصمة الأردن وتبعد عنها 120 كم وتبعد عن القدس نحو 70 كم ، وعن المدينة المنورة أكثر من 1100 كم . وتسمى المزار ، لأن فيها قبر جعفر الطيار « رحمه الله » ورفاقه الشهداء .

في معجم البلدان : 5 / 220 : « قرية من قرى البلقاء في حدود الشام ، بها قبر جعفر بن أبي طالب ، بعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) إليها جيشاً في سنة ثمان ، وأمَّر عليهم زيد بن حارثة مولاه وقال : إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب الأمير ، وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة ، فساروا حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ، ثم دنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها ، فلقيتهم الروم في جمع عظيم فقاتل زيد حتى قتل ، فأخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل ، فأخذ الراية عبد الله بن رواحة فكانت تلك حاله ، فاجتمع المسلمون إلى خالد بن الوليد فانحاز بهم حتى قدم المدينة ، فجعل الصبيان يحثون عليهم التراب ويقولون : يا فُرَّار فررتم في سبيل الله !

فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ليسوا بالفرار لكنهم الكُرَّار إن شاء الله » . وقال حسان :

فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا * بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

وزيد وعبد الله هم خير عصبة * تواصوا وأسباب المنية تنظر » .

2 - انحسر خطر الفُرس عن النبي « صلى الله عليه وآله » وتعاظم خطر الروم

في أواخر السنة السادسة للهجرة أرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) كتبه إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام ، فأهان كسرى مبعوث النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومزق كتابه ، وطلب من حاكم اليمن أن يرسله اليه ! فأرسل حاكم اليمن وزيره إلى المدينة وأبلغ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر كسري ، فقال له غداً الجواب ، وفى الغد أخبره أن الله تعالى قتل كسرى في ليلة 13 جمادى الأولى لسبع للهجرة ، فدهش الوزير ورجع !

ومعناه أن الله تعالى تولى إزالة نظام كسري ، حيث دخل الفرس بقتله في صراع داخلي ، أدى إلى تمزق الدولة ، وانتهى بفتح المسلمين لكل فارس .

أما هرقل فكتب له النبي ( صلى الله عليه وآله ) في السنة السادسة : « بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدي ، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين ، و : يا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَبَينَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيئًا وَلا يتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .

مكاتيب الرسول للأحمدي : 2 / 290 و 397 .

والأريسيون أهل الزراعة ، مقابل البدو . « البكري : 1 / 21 » فأجاب هرقل بدهائه على كتاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) بجواب لين ، جاء فيه : « إلى أحمد رسول الله الذي بشر به عيسى ، من قيصر ملك الروم : إنه جاءني كتابك مع رسولك ، وإني أشهد أنك رسول الله نجدك عندنا في الإنجيل ، بشرنا بك عيسى بن مريم ، وإني دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا ولو أطاعوني لكان خيراً لهم ، ولوددت أنى عندك فأخدمك وأغسل قدميك ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يبقى ملكهم ما بقي كتابي عندهم » . اليعقوبي : 2 / 77 .

أقول : هذه العبارة من إضافة الرواة ، فلا علاقة لبقاء ملكهم بنسخة كتاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد فقدت نسخته وبقى ملكهم ، بل بقي ملكهم لأن الله تعالى سمح بذلك ، لحكمٍ وأسباب يعلمها ، ومنها لينهم ولو كان عن دهاء !

أما الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام فأجاب جواباً سيئاً فيه شبهٌ من جواب كسري ، فقد حجب رسول النبي ( صلى الله عليه وآله ) شجاع بن وهب مدة ثم أمر بإدخاله عليه وقد لبس تاجه ، فدفع اليه الكتاب فقرأه ثم رمى به وقال : من ينزع منى ملكي ! أنا سائر إليه ولو كان في باليمن جئته ، على بالناس ! فلم يزل جالساً يعرض عليه حتى الليل ، وأمر بالخيل أن تُنعل ثم قال لي : أخبر صاحبك بما تري ! وكتب الحارث إلى قيصر يخبره الخبر ، فكتب إليه أن لا تسر إليه ، واشتغل بايلياء أي هيئ الطريق لاستقبالي ، لأن هرقل نذر أن يمشى من حمص إلى بيت المقدس شكراً لله تعالى لنصره على فارس ، ففرشوا له بسطاً ونثروا الرياحين ، وهو يمشى عليها حتى بلغ بيت المقدس !

قال شجاع : فدعاني الحارث وقال : متى تريد أن تخرج إلى صاحبك ؟ قلت : غداً ، فأمر لي بمائة مثقال ذهباً ووصلني حاجبه بنفقة وكسوة ، فقدمتُ على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأخبرته بما كان من الحارث فقال : بادَ ملكه . السيرة الحلبية : 3 / 304 .

أما فروة بن عمرو الجذامي حاكم الأردن من قبل هرقل ، فأسلم بدون أن يرسل اليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) كتاباً وكتب اليه : « لمحمد رسول الله ، إني مقرٌّ بالإسلام مصدق به ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، أنت الذي بشر بك عيسى بن مريم . والسلام » . مكاتيب الرسول : 2 / 465 .

فأجابه النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « من محمد رسول الله إلى فروة بن عمرو ، أما بعد ، فقد قدم علينا رسولك وبلغ ما أرسلت به وخبَّر عما قِبلكم وأتانا بإسلامك ، وإن الله هداك بهداه . إن أصلحت وأطعت الله ورسوله وأقمت الصلاة وآتيت الزكاة » . فلما سمع قيصر بذلك أمر الحارث بن أبي شمر فسجنه ، فقال :

طرقتُ سليمى موهناً أصحابي * والروم بين الباب والقروان

فلئن هلكت لتفقُدنَّ أخاكم * ولئن بقيتُ لتعرفنَّ مكاني

ولقد جمعت أجلَّ ما جمع الفتى * من جودة وشجاعة وبيان

ثم أحضره وقال له : إرجع من دين محمد ونحن نعيدك إلى ملكك . قال : لا أفارق دين محمد ، فإنك تعلم أن عيسى بشر به ، ولكنك تظن بملكك !

فلما يئسوا منه وعلموا أنه لا يرجع إلى النصرانية أجمعوا على قتله ، فقتله وصلبه على ماء لهم يقال له عِفرَا بفلسطين ، فقال :

ألا هل أتى سلمى بأن حليلها * على ماء عفرى فوق إحدى الرواحل

على ناقة لم يضرب الفحل أمها * مشذبة أطرافها بالمناجل

فلما قدموه ليقتلوه قال :

بلغ سراة المسلمين بأنني * سلمٌ لربى أعظمى وبناني

فضربوا عنقه ثم صلبوه « رحمه الله » ! مكاتيب الرسول : 2 / 467 .

أقول : أمر هرقل حاكم الشام باللين بسبب دهائه ، لأنه ساذج لا يقدر قوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا يعرف أن حربه تحتاج إلى خطة شبيهة بخطة القضاء على كسرى في السنة الماضية ! وكانت خطة هرقل ضد النبي ( صلى الله عليه وآله ) تقوم على انتخاب كتائب خاصة من جيش الروم ، وإعداد جيش من بلاد الشام بزعامة الحارث ، وجيش من القبائل بزعامة الأكيدر ملك دومة الجندل ورئيس قبائل كندة ، ومساندة مجموعة أبى عامر الراهب أصحاب مسجد الضرار ، ثم بمساندة مجموعات اليهود ومنافقى قريش . . الخ . !

3 - غزوة مؤتة رسالة من النبي « صلى الله عليه وآله » إلى هرقل

كانت غزوة مؤتة لإفهام هرقل أن ميزان القوة ليس كما يتخيل ، وأنهم قادرون على تحدى الجيش الرومي المحترف عند أبواب القدس ، على بعد أكثر من ألف كيلو متر عن المدينة ! فقد كانت غزوة مؤتة عملية استشهادية لإثبات القوة النوعية للمسلمين ، ليتراجع هرقل عن خطته ، ولذا كانت تحتاج إلى قائد نوعي خبير بالروم هو جعفر بن أبي طالب « رحمه الله » . وكان هرقل يعرف جعفر جيداً ، فقد عمل في مقاومة الروم في الحبشة قاعدة الروم في إفريقيا ، وثبَّت عرش النجاشي ودولته ! ونشط سنين مع علماء الروم وقساوستهم ، وجاء بوفود منهم من الحبشة ونجران والشام إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مكة فأسلموا ، ثم أبقاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الحبشة يتابع مهمته حتى أحضره ، فوصل في أيام فتح خيبر .

وبعد عودة النبي ( صلى الله عليه وآله ) من عمرة القضاء ، حان الوقت لأن يرسل إلى هرقل الرسالة القوية ، وهرقل جادٌّ في التحضير لغزو المدينة ، فأرسل جعفراً « رحمه الله » إلى مؤتة . وكانت حمص أو الشام أو عمان أقرب وأولى بالمهاجمة بالنظرة الأولى فهي مهمة وفيها قوات رومية وعربية ، لكن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أراد أن يقصد معسكر هرقل في مؤتة ولو كان أبعد ، لأنه معسكر رومى صرف ، وأقرب إلى بيت المقدس !

وذكر المسعودي في التنبيه والإشراف / 230 ، أن سبب غزوة مؤتة كان قتل شرحبيل بن عمرو الغساني الحارث بن عمير الأزدي رسول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى صاحب بصري ، ولم يقتل للنبي رسول غيره . لكن لو كان الهدف الإقتصاص لقتل رسول النبي ( صلى الله عليه وآله ) من حاكم بصري ، لأرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) بضعة أشخاص إلى بصرى الشام ليقتلوا حاكمها قصاصاً ، ولم يحتج إلى إرسال ثلاثة آلاف إلى منطقة فيها معسكر لهرقل ، أبعد من بصرى بكثير !

4 - جعفر بن أبي طالب « عليه السلام » قائد جيش مؤتة

ذكرت مصادر السلطة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أعطى قيادة جيش مؤتة إلى زيد ، فإن قتل فجعفر ، فإن قتل فعبد الله بن رواحة . فجعلوا زيداً القائد الأول ، مع أنهم يعترفون بأن بنى عبد المطلب لا نظير لهم في الشجاعة وصفات القيادة ، فكيف يؤمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليهم غيرهم ، وقد أرسل حمزة وعلياً وجعفراً مراراً فكانوا هم الأمراء . لكن رواة السلطة يتنقصون من جعفر لبغضهم أخاه علياً ( عليه السلام ) !

كتب في الصحيح من السيرة : 19 / 309 ملخصاً : « إن الأمير الأول كان جعفر بن أبي طالب كما ذهب إليه الشيعة ، قال ابن أبي الحديد : اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول ، وأنكرت الشيعة ذلك وقالوا : كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول ، فإن قتل فزيد بن حارثة ، فإن قتل فعبد الله بن رواحة ، ورووا في ذلك روايات ، وقد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم . ويدل على ذلك عدة أمور :

1 - من روايات أهل البيت « عليهم السلام » عن الصادق ( عليه السلام ) قال : إنه استعمل عليهم جعفراً ، فإن قتل فزيد ، فإن قتل فابن رواحة ، المناقب : 1 / 205 وإعلام الوري / 110 .

2 - احتج الإمام الحسن ( عليه السلام ) على معاوية فقال : وقد بعث رسول الله جيشاً يوم مؤتة فقال : عليكم جعفر ، فإن هلك فزيد ، فإن هلك فعبد الله بن رواحة .

3 - روى ابن سعد : 2 / 129 عن أبي عامر ، قال : بعثني النبي إلى الشام فلما رجعت مررت على أصحابي وهم يقاتلون المشركين بمؤتة . قلت : والله لا أبرح اليوم حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمرهم . فأخذ اللواء جعفر بن أبي طالب ولبس السلاح وكان رأس القوم ثم حمل جعفر ، حتى إذا همَّ أن يخالط العدو رجع فوحَّش « خفف » بالسلاح ، ثم حمل على العدو ، فطاعن حتى قتل . ثم أخذ اللواء زيد بن حارثة ، فطاعن حتى قتل . ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة ، فطاعن حتى قتل . ثم انهزم المسلمون أسوأ هزيمة » .

5 - وصية النبي « صلى الله عليه وآله » لجيش مؤتة

في البحار : 21 / 60 ، عن الواقدي : « خرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) مشيعاً لأهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع فوقف ووقفوا حوله فقال : أغزوا بسم الله ، فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام ، وستجدون فيها رجالاً في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضوا لهم ، وستجدون آخرين للشيطان في رؤوسهم مفاحص فاقلعوها بالسيوف ، ولا تقتلن امرأة ولا صغيراً ضرعاً ولا كبيراً فانياً ، ولا تقطعن نخلاً ولا شجراً ، ولا تهدمن بناء .

وقال عبد الله بن رواحة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : مرني بشئ أحفظه عنك ، قال : إنك قادم غداً بلداً السجود فيه قليل فأكثروا السجود . فقال عبد الله : زدني يا رسول الله ، قال : أذكر الله ، فإنه عون لك على ما تطلب » .

أقول : يدل ذلك على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن يقطع الأشجار ، ويردُّ زعمهم أنه قطع نخيل بنى النضير ، وأن أبا بكر أول من أوصى الغزاة بهذه الوصايا !

كما يدل على أن للسجود لله تعالى تأثيراً على الأرض وما عليها ، وأنه ينبغي لمن سافر إلى أرض لا يسجد فيها لله تعالى أن يكثر من السجود والذكر .

6 - واجهتهم سرية رومية في وادى القري

روى ابن عساكر في تاريخه : 2 / 13 عن الواقدي قال : « سمع العدو بمسيرهم فجمعوا الجموع ، وقام فيهم رجل من الأزد يقال له شرحبيل بالناس وقدم الطلائع أمامه ، وقد نزل المسلمون وادى القرى وأقاموا أياماً ، وبعث أخاه سدوس بن عمرو في خمسين من المشركين ، فالتقوا وانكشف أصحابه وقتل سدوس ، وخاف شرحبيل بن عمرو فتحصن وبعث أخاً له يقال له وبر بن عمرو . فسار المسلمون حتى نزلوا معان من أرض الشام ، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل « مآب » من أرض البلقاء في بهراء ووائل وبكر ولخم وجذام في مائة ألف ، عليهم رجل من بلى يقال له مالك فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا ليلتين لينظروا في أمرهم ، وقالوا نكتب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فنخبره الخبر ، فإما يردنا وإما يزيدنا رجالاً ! فبينا الناس على ذلك من أمرهم جاءهم ابن رواحة فشجعهم ثم قال : والله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد ولا بكثرة سلاح ولا بكثرة خيول ، إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به . إنطلقوا ، والله لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا إلا فرسان ويوم أحد فرس واحدة ، فإنما هي إحدى الحسنيين ، إما ظهور عليهم فذلك ما وعدنا الله ووعد نبينا وليس لوعده خلف ، وإما الشهادة فنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان . فتشجع الناس على قول ابن رواحة » .

أقول : تدل الرواية على أن سرية سدوس بن عمرو كانت من سرايا حراسة الروم للحدود الشامية . وكان أخوه شرحبيل القائد العام لجيش هرقل في بلاد الشام ، وهو الذي قتل رسول النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى ملك بصرى الشام . لكن المسلمين لم يشتبكوا مع السرية ولم يثأروا لقتل ابن عمير رسول النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لأن هدف الغزوة ومقصدها جيش الروم ، وليس الجيش العربي ، أو حراس الحدود !

راجع أيضاً : مكاتيب الرسول : 1 / 204 ، الطبقات : 2 / 128 والتنبيه والإشراف / 230 .

7 - ثم فاجأهم الروم فانحازوا إلى مؤتة

تفاجأ المسلمون بأول كتائب الروم في قرية مشارف ، فلم يشتبكوا معهم وانسحبوا إلى قرية مؤتة ، فلحقت بهم قوات الروم وكانت المعركة .

قال ابن هشام : 3 / 832 : « حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ، ثم دنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة ، فالتقى الناس عندها فتعبأ لهم المسلمون ، فجعلوا على ميمنتهم رجلاً من بنى عذرة يقال له قطبة بن قتادة ، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار يقال له عباية بن مالك . . والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها ، ثم قاتل حتى قتل وهو يقول :

يا حبذا الجنة واقترابها * طيبة وبارداً شرابها

والروم روم قد دنا عذابها * كافرة بعيدة أنسابها

على إذ لاقيتها ضرابها

وحدثني من أثق به من أهل العلم أن جعفر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه فقطعت ، فأخذه بشماله فقطعت ، فاحتضنه بعضديه حتى قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء » .

وقد وصف أبو هريرة خوف المسلمين من جيش الروم بقوله : « شهدت مؤتة فلما رأينا المشركين رأينا ما لا قبل لنا به من العدد والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب ، فبرق بصرى فقال لي ثابت بن أرقم : ما لك يا أبا هريرة ، كأنك ترى جموعاً كثيرة ! قلت : نعم » ! تاريخ دمشق : 2 / 13 .

أي خافوا من الروم فانهزموا ، وثبت القادة الثلاثة وقليل معهم .

8 - سبب تحريف السلطة معركة مؤتة

تعمد رواة السلطة تحريف معركة مؤتة ليخفوا دور جعفر بن أبي طالب في قيادتها ، وليغطوا هزيمة المسلمين فيها ، خاصة هزيمة خالد بن الوليد !

لذلك عندما تقرأ نصوصها يغيب عنك دور جعفر عندما تحير المسلمون في وادى القرى أو في معان هل يواصلون السير أم يكتبون إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليمدهم برجال أو يأمرهم بالرجوع ؟ وأين كان عبد الله بن رواحة حتى وصل إليهم في معان متأخراً ، وشجعهم على السير ؟ ولماذا انسحبوا عندما واجهوا الروم في قرية مشارف قبل مؤتة ؟ وكيف برز القادة الثلاثة وحدهم ولم يبرز أحد من المسلمين ؟ ولم يستشهد من المسلمين إلا خمسة أو ثمانية ؟ وهم كما رواه ابن هشام : 3 / 840 : مسعود بن الأسود ، ووهب بن سعد ، وعباد بن قيس ، والحارث بن النعمان ، وسراقة بن عمرو بن عطية ، ويقال استشهد آخرون !

وهل برز هؤلاء أم قتلوا في حملة ؟ وأين كان خالد فلم يبرز ولم يأخذ الراية بعد شهادة القادة الثلاثة ، بل أخذها شخص ثم أخذها ثابت بن أقرم ، ثم أخذها منه خالد ؟ ومتى كانت معركة السبعة أيام المزعومة ، وما هي أخبارها ؟

وأين الروايات عن قتال خالد والثلاثة آلاف مقاتل ، حتى كسر خالد تسعة سيوف كما زعم ! وكيف حول الهزيمة إلى نصر فسماه النبي ( صلى الله عليه وآله ) سيف الله !

ولماذا لا نجد وصفاً لقتال خالد ولاغيره ، مع أي رومى قائد أو جندي ، اللهم إلا قتل رجل يمنى مددى لجندى رومى غيلةً والمسلمون منسحبون ، فغنم منه شيئاً ، فناصفه فيه خالد !

وزعموا أن المسلمين انتصروا بقيادة خالد فأين الغنائم ، ولماذا لم يأخذوا حصن الكرك قرب مؤتة ، وهو مركز قيادة مهم للروم ؟

وإذا كانوا انتصروا ، فلماذا استقبلهم أهل المدينة يحثون في وجوههم التراب ويصيحون عليهم يا فرارين ! حتى استتر المعروفون منهم في بيوتهم فلم يخرجوا مدة خوفاً من توبيخ المسلمين ! حتى رفع عنهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) غضب المسلمين وقال إنهم كرارون إن شاء الله ، فتجرؤوا على الخروج !

فالصورة الصحيحة لمعركة مؤتة : أنها كان فيها هزيمة ، لكنها مع ذلك كانت رسالة قوية إلى هرقل وهو يحضر لغزو النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويستعد للسفر ماشياً إلى بيت المقدس ، فكانت منطقة الشام والأردن وفلسطين في حالة استنفار .

كان جيش المسلمين إلى مؤتة خليطاً من مسلمين قدامي وجدد ، ومنهم خالد الذي أسلم قبل شهرين ، لكن قادته الثلاثة الذين عينهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) كانوا شجعاناً وقد أراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يرى هرقل هذه النماذج المميزة ، فأراه إياها !

أما الباقون فلم يكونوا بمستواهم ولذلك ترددوا عندما وصلوا إلى أم القرى على بعد 380 كلم من المدينة ، أي أقل من نصف الطريق إلى مركز جيش هرقل في الكرك ! وطلبوا من قائدهم أن يراسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليأمرهم بالرجوع إلى المدينة أو يمدهم بجيش آخر ، لأنه لا طاقة لهم بجيش هرقل ! فشجعهم جعفر وزيد وابن رواحة ، فواصلوا السير إلى معان واستراحوا فيها يومين ليعرفوا الجو ، فسمعوا بأخبار جيش الروم ، وأعادوا الكلام مع قائدهم ليراسل النبي فشجعهم على السير فساروا ، حتى تفاجؤوا بمهاجمة الروم لهم قرب مؤتة ، فانحازوا إلى مؤتة القريبة فتبعهم الروم ، فثبت القادة الثلاثة وقاتلوا قتال الأبطال حتى الشهادة ، وفتكوا بجيش الروم فتكاً لم يعرفوه من قبل ، وإن لم يذكر التاريخ عدد قتلاهم من الروم .

وقتل من المسلمين خمسة كانوا حول القادة ، أو لحق بهم الروم وقتلوهم ، وفر الباقون بقيادة خالد حتى قال أحدهم إنه لم يرَ في عمره أسوأ من تلك الهزيمة !

كما بالغ الرواة في عدد جيش الروم الذي واجه المسلمين فجعلوه مئة ألف من الروم ومئة ألف من عرب الشام ، مع أن جيشه الذي غزا به عاصمة الفرس قبل سنة ،

كان سبعين ألفاً !

9 - القتال سبعة أيام في مؤتة كذبة من أجل خالد !

تؤكد مصادر الحديث الصحيح عند الدولة على كذبة مفضوحة بأن المعركة استمرت سبعة أيام ، مع أنها كانت يوماً واحداً ، وكان أبطالها بضعة عشر نفراً هم جعفر « عليها السلام » وزملاؤه القادة ونخبة معهم ! وبعد استشهادهم انهزم المسلمون فأخذ الراية قطبة بن عامر وحاول أن يواصل المعركة فلم يطيعوه ، وأطاعوا خالد بن الوليد الذي انهزم بهم ! « وانهزم المسلمون أسوأ هزيمة ، وأتبعهم المشركون فجعل قطبة بن عامر يصيح : يا قوم يقتل الرجل مقبلاً أحسن من أن يقتل مدبراً فما يثوب إليه أحد » . الإمتاع : 1 / 340 .

« قال أبو عامر : أسوأ هزيمة رأيتها قط حتى لم أر اثنين جميعاً » ! سبل الهدي : 6 / 150 .

ومع ذلك رووا بعين يابسة ، سبل الهدي : 6 / 150 : « عن برذع بن زيد قال : اقتتل المسلمون مع المشركين سبعة أيام . وروى الحاكم عن أبي هريرة وأبى سعيد الخدري ، وأبو عامر والزهري ، وعروة ، وابن عقبة ، وعطاف بن خالد ، وابن عائذ وغيرهم ، وهو ظاهر قوله ( صلى الله عليه وآله ) في حديث أنس : ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه » ! « وفى حديث أبي قتادة مرفوعاً : ثم أخذ خالد بن الوليد اللواء ولم يكن من الأمراء ، هو أمَّرَ نفسه ، ثم رفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إصبعه ثم قال : اللهم إنه سيف من سيوفك فانصره . فمن يومئذ سمى خالد بن الوليد سيف الله ! رواه الإمام أحمد برجال ثقات . ويشهد له بالصحة ما رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والبرقاني » !

كذبٌ ما بعده كذب ! جعلوا بطولات خالد فيها على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وكانت كل غنائمها غنيمة اليمنى المددى من جندي رومى قتله غيلةً ، وقد أخذ خالد نصف سلبه ، لأنه استكثره على المددي !

إن أصل كذبة القتال من خالد ! فقد قال كما رواه بخاري : 5 / 87 : « لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية » !

10 - وصفَ النبي « صلى الله عليه وآله » المعركة للمسلمين وصفاً حياً

كشف الله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) مؤتة وهو في المدينة فوصفها لأصحابه وصفاً حياً :

روى في الخرائج : 1 / 166 : « قال جابر : فلما كان اليوم الذي وقعت فيه حربهم صلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بنا الغداة ، ثم صعد المنبر فقال : قد التقى إخوانكم مع المشركين للمحاربة ، فأقبل يحدثنا بكرات بعضهم على بعض ، إلى أن قال : أخذها جعفر بن أبي طالب وتقدم للحرب بها . ثم قال : قد قطعت يده ، وقد أخذ الراية بيده الأخري ، ثم قال : وقطعت يده الأخرى وقد احتضن الراية في صدره . ثم قال : قتل جعفر وسقطت الراية ، ثم أخذها عبد الله بن رواحة ، وقد قتل من المشركين كذا ، وقتل من المسلمين فلانٌ وفلانٌ ، إلى أن ذكر جميع من قتل من المسلمين بأسمائهم . ثم قال : قتل عبد الله بن رواحة ، وأخذ الراية خالد بن الوليد وانصرف المسلمون .

ثم نزل عن المنبر وصار إلى دار جعفر ، فدعا عبد الله بن جعفر فأقعده في حجره وجعل يمسح على رأسه . فقالت والدته أسماء بنت عميس : يا رسول الله إنك لتمسح على رأسه كأنه يتيم . قال : قد استشهد جعفر في هذا اليوم ! ودمعت عينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : قطعت يداه قبل أن يستشهد ، وقد أبدله الله من يديه جناحين من زمرد أخضر ، فهو الآن يطير بهما في الجنة مع الملائكة كيف يشاء » . ونحوه في الثاقب في المناقب / 101 ، وفيه : « ثم ورد عليه ابن مُنْية فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إن شئت أخبرتك وإن شئت أخبرني . فقال : بل أخبرني يا رسول الله فأخبره خبره كله قال : وإنك والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفاً لم تذكره . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معركتهم » .

وفى الكافي : 8 / 376 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « بينما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المسجد إذ خفض له كل رفيع ورفع له كل خفيض ، حتى نظر إلى جعفر يقاتل الكفار قال : فقتل ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قتل جعفر ! وأخذه المغص في بطنه » .

فلم يمدح النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا جعفراً وزيداً وابن رواحة ، لكنهم زادوا ذكر خالد ! وسرقوا له من على ( عليه السلام ) لقب سيف الله ! والحقيقة أنه انهزم بالمسلمين !

وروى الواقدي : 2 / 763 وابن عساكر : 49 / 337 : « لما أخذ خالد اللواء انكشف بالناس فكانت الهزيمة ، وقتل المسلمون واتبعهم المشركون ، فجعل قطبة بن عامر يصيح : يا قوم ، يقتل الرجل مقبلاً أحسن من أن يقتل مدبراً ، يصيح بأصحابه فما يثوب إليه أحد ، ويتبعون صاحب الراية منهزماً » .

11 - توبيخ المسلمين لخالد وجيش مؤتة

وصف الواقدي : 2 / 760 وغيره ، رجوع جيش مؤتة إلى المدينة ، وفيه قول أبي هريرة : « شهدت مؤتة فلما رأينا المشركين رأينا ما لا قبل لنا به من العدد والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب ، فبرق بصري !

عن عاصم بن عمر قال : وجد في بدن جعفر أكثر من ستين جرحاً ووجد به طعنةٌ قد أنفذته . لما قتل ابن رواحة انهزم المسلمون أسوأ هزيمةٍ رأيتها قط في كل وجهٍ . ثم إن المسلمين تراجعوا . فأقبل رجلٌ من الأنصار يقال له ثابت بن أرقم فأخذ اللواء وجعل يصيح بالأنصار فجعل الناس يثوبون إليه من كل وجهٍ وهم قليل وهو يقول : إلى أيها الناس ! فاجتمعوا إليه ، قال : فنظر ثابت إلى خالد بن الوليد فقال : خذ اللواء يا أبا سليمان ! فقال : لا آخذه أنت أحق به . أنت رجلٌ لك سنٌّ وقد شهدت بدراً . ولما أخذ اللواء انكشف بالناس فكانت الهزيمة ، فجعل قطبة بن عامر يصيح : يا قوم ، يقتل الرجل مقبلاً أحسن أن يقتل مدبراً ! يصيح بأصحابه فما يثوب إليه أحد هي الهزيمة ! ويتبعون صاحب الراية منهزماً » !

سمعت ثعلبة بن أبي مالك يقول : انكشف خالد بن الوليد يومئذٍ حتى عيروا بالفرار وتشاءم الناس به . لقيهم أهل المدينة بالشر حتى إن الرجل لينصرف إلى بيته وأهله ، فيدق عليهم الباب فيأبون أن يفتحوا له يقولون : ألا تقدمت مع أصحابك ! وكان في ذلك البعث سلمة بن هشام بن المغيرة فدخلت امرأته على أم سلمة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقالت أم سلمة : ما لي لا أرى سلمة بن هشام آشتكى شيئاً قالت امرأته : لا والله ولكنه لا يستطيع الخروج إذا خرج صاحوا به وبأصحابه يا فرار أفررتم في سبيل الله ، حتى قعد في البيت ، فذكرت ذلك أم سلمة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : بل هم الكرار في سبيل الله فليخرج ! فخرج .

عن أبي هريرة قال : كنا نخرج ونسمع ما نكره من الناس لقد كان بيني وبين ابن عمٍّ لي كلام فقال : إلا فرارك يوم مؤتة ! فما دريت أي شيء أقول له .

« لقيهم الصبيان يشتدون . وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون : يا فُرَّار ، فررتم في سبيل الله ! وقال عبد الله بن عمر : فحاص الناس وكنت فيمن حاص . فقلنا : كيف نصنع وقد فررنا من الزحف ؟ ثم قلنا : لو دخلنا المدينة قُتلنا ، فقدمنا المدينة في نفر ليلاً فاختفينا ، ثم قلنا : لو عرضنا أنفسنا على رسول الله فاعتذرنا إليه ، فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا ، فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال : من القوم ؟ قلنا : نحن الفَرارون . قال : بل أنتم الكرارون وأنا فئتكم . فقبلنا يده » .

وقد أراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يرفع معنوياتهم لأن المهم وصول رسالته إلى هرقل بالمقاتلين النوعيين جعفر ورفقائه .

« عن الزهري : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما أخبر الناس بقتل القادة الثلاثة بكى أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهم حوله فقال لهم : وما يبكيكم ؟ فقالوا : وما لنا لا نبكي ، وقد ذهب خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا ؟ ! فقال لهم ( صلى الله عليه وآله ) : لا تبكوا فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها فأصلح رواكبها وبنى مساكنها وحلق سعفها ، فأطعمت عاماً فوجاً ثم عاماً فوجاً ثم عاماً فوجاً . فلعل آخرها طعماً أن يكون أجودها قنواناً ، وأقومها شمراخاً ! والذي بعثني بالحق نبياً ، ليجدن عيسى بن مريم في أمتي خلفاً من حوارييه » . أمالي الطوسي / 88 .

12 - رغم الهزيمة وصلت رسالة النبي « صلى الله عليه وآله » إلى هرقل !

فهمَ هرقل غزوة مؤتة على أنها غارة نوعية من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ومع أن المسلمين انهزموا ولم يثبت إلا قادتهم ، لكنه أخذ بحسابه نوعيات المقاتلين المسلمين وهو يواصل الإعداد لحملته على المدينة . وبينما كان هرقل يواصل إعداده للحملة ، فتح الله تعالى على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) مكة ، ومات الحارث بن أبي شمر الذي هو ركن في حملة هرقل ، ولم يجدوا شخصاً بكفاءته يحكم الشام ، فنصب هرقل الأيهم شيخ غسان ملكاً وكان كبير السن ، ثم ملك ابنه جبلة ، « اليعقوبي : 1 / 207 » ولم يكن لهما شجاعة الحارث ولا رغبته في غزو المدينة ، لذلك ركز هرقل على الأكيدر ملك دومة الجندل وشيخ قبائل كندة ، وواصل العمل .

وكانت دعاية هرقل قوية في المدينة ، فعندما تحدث عمر بن الخطاب عن غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) على نسائه واعتزاله لهن ، قال إن ذلك كان أيام توقع وصول حملة الروم على المدينة ! قال عمر كما في البخاري : 3 / 104 : « وكنا تحدثنا أن غسان تنعل النعال لغزونا ، فنزل صاحبي يوم نوبته فرجع عشاء فضرب بابى ضرباً شديداً وقال : أنائم هو ؟ ففزعت فخرجت إليه وقال : حدث أمر عظيم ! قلت : ما هو أجاءت غسان ؟ قال : لا بل أعظم منه وأطول طلق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نساءه ! قال : قد خابت حفصة وخسرت ، كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون » !

وغزو غسان للمدينة أي غزو هرقل ، وأشاعوا أنه أعد مئة ألف من مقاتلى عرب الشام ومن أطاع الأكيدر من كندة ، مقدمة للجيش الرومي المحترف بقيادة هرقل ، كما فعل في غزو فارس .

وقال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : « إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان تأتيه الأخبار عن صاحب دومة الجندل ، وكانت تلك النواحي مملكة عظيمة مما يلي الشام ، وكان يهدد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأن يقصده ويقتل أصحابه ويبيد خضراءهم ! وكان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خائفين وجلين من قِبَله حتى كانوا يتناوبون على رسول الله كل يوم عشرون منهم ، كلما صاح صائح ظنوا أن قد طلع أوائل رجاله !

وأكثرَ المنافقون الأراجيف والأكاذيب وجعلوا يتخللون أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) ويقولون : إن أكيدر قد أعد لكم من الرجال كذا ومن الكراع كذا ومن المال كذا ، وقد نادى فيما يليه من ولايته : ألا قد أبحتكم النهب والغارة في المدينة ! ثم يوسوسون إلى ضعفاء المسلمين يقولون لهم : وأين يقع أصحاب محمد من أصحاب أكيدر ؟ يوشك أن يقصد المدينة فيقتل رجالها ويسبى ذراريها ! حتى آذى ذلك قلوب المؤمنين فشكوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما هم عليه من الجزع .

ثم إن المنافقين اتفقوا وبايعوا لأبى عامر الراهب الذي سماه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الفاسق وجعلوه أميراً عليهم وبخعوا له بالطاعة » . تفسير الإمام العسكري « عليه السلام » / 481 .

وستأتي غزوة تبوك التي قادها النبي ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه في السنة التالية ، ومراسلته لهرقل !

13 . من مناقب جعفر بن أبى طالب « عليه السلام »

1 . يدلنا على مقام جعفر بن أبي طالب سلام الله عليه : جناحاه اللذان خصه الله بهما دون أهل الجنة . واحترام النبي ( صلى الله عليه وآله ) له وشهاداته بحقه . ونشأته الملائكية التي أوحى الله إلى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أنه يشكرها له !

ففي علل الشرائع : 2 / 558 عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « أوحى الله تعالى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إني شكرت لجعفر بن أبي طالب أربع خصال ، فدعاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره فقال : لولا أن الله تبارك وتعالى أخبرك ما أخبرتك : ما شربت خمراً قط لأنى علمت أنى إن شربتها زال عقلي . وماكذبت قط لأن الكذب ينقص المروءة . وما زنيت قط لأنى خفت أنى إذا عملت عُمل بي . وما عبدت صنماً قط لأنى علمت أنه لا يضر ولا ينفع ! قال : فضرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) على عاتقه وقال : حقَّ لله تعالى أن يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة في الجنة » !

2 . وفى الكافي : 1 / 49 عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « لما كان يوم مؤتة كان جعفر على فرسه فلما التقوا نزل عن فرسه فعرقبها بالسيف ، وكان أول من عرقب في الإسلام » .

3 . في المناقب : 1 / 176 : « سنة ثمان في جمادى الأولى وقعة مؤتة وهم ثلاثة آلاف .

في كتاب أبان قال الصادق ( صلى الله عليه وآله ) : إنه استعمل عليهم جعفراً فإن قتل فزيد ، فإن قتل فابن رواحة ، ثم خرجوا حتى نزلوا معان ، فبلغهم أن هرقل قد نزل بمأرب في مائة الف من الروم ومائة ألف من المستعربة ، فانحازوا إلى أرض يقال لها المشارف ، ونسبت السيوف المشرفية إليها لأنها طبعت لسليمان بن داود « عليهما السلام » ، فاختلفوا في القتال أو في إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) بكثرتهم فقال ابن رواحة : ما نقاتل الناس بكثرة ، وإنما نقاتلهم بهذا الدين ! فلقوا جموعهم بقرى البلقاء ، ثم انحازوا إلى مؤتة .

وفى البخاري : نعى النبي جعفراً وزيداً وابن رواحة قبل أن يجئ خبرهم وعيناه تذرفان . زيد بن أرقم : حارب جعفر على أشقره حتى عقر ، وهو أول من عقر فرسه في الإسلام ، فحارب راجلاً حتى قتل .

فضيل بن يسار عن الباقر ( عليه السلام ) قال : أصيب يومئذ جعفر وبه خمسون جراحة ، خمس وعشرون منها في وجهه » .

في المنمق لابن حبيب / 417 : « لما قدم جعفر بن أبي طالب على النجاشي أعطاه سيفاً يقال له الغمام فقاتل به يوم مؤتة وهو يقول :

قد علمت فهر وفهر حاكمه * أنى منها في الذرى والغلصمه

كم قط من شاكلة وجمجمه » .

وفى التنبيه والإشراف / 230 ، أن هرقل : « يومئذ مقيم بأنطاكية وعلى الروم تيادوقس البطريق ، وعلى متنصرة العرب من غسان وقضاعة وغيرهم شرحبيل بن عمرو الغساني ، فقتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب بعد أن عرقب فرسه ، وهو أول فرس عرقبت في الإسلام ، وجرح نيفاً وتسعين جراحة كلها في مقادمه وقتل عبد الله بن رواحة ، ورجع خالد بن الوليد بالناس » .

4 . وفى الكافي : 1 / 450 ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : « ألا وإن أفضل الخلق بعد الأوصياء الشهداء ، ألا وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، وجعفر بن أبي طالب له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة ، لم ينْحَل أحد من هذه الأمة جناحان غيره شئ كرم الله به محمداً ( صلى الله عليه وآله ) وشرفه . والسبطان الحسن والحسين والمهدى يجعله الله من شاء منا أهل البيت ، ثم تلا هذه الآية : وَمَنْ يطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيهِمْ مِنَ النَّبِيينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا . ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيما » .

وفى أمالي الطوسي / 723 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : رقدت بالأبطح على ساعدي ، وعلى عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة عند رجلي ، قال : فنزل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ففزعت لخفق أجنحتهم . قال : فرفعت رأسي فإذا إسرافيل يقول لجبرئيل : إلى أي الأربعة بعثت وبعثنا معك ؟ قال : فركض برجله فقال : إلى هذا وهو محمد سيد النبيين ، ثم قال : من هذا الآخر ؟ قال : هذا أخوه ووصيه وابن عمه وهو سيد الوصيين . ثم قال : فمن الآخر ؟ قال : جعفر بن أبي طالب ، له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة . قال : ثم قال : فمن الآخر ؟ قال : عمه حمزة ، وهو سيد الشهداء يوم القيامة » .

5 . وفى المحاسن : 2 / 420 ، عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : « سألت أبى ( عليه السلام ) عن المأتم فقال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) انتهى إليه قتل جعفر بن أبي طالب دخل على أسماء بنت عميس امرأة جعفر فقال : أين بني ؟ فدعت بهم وهم ثلاثة : عبد الله وعون ومحمد ، فمسح رسول الله رؤوسهم فقالت : إنك تمسح رؤوسهم كأنهم أيتام ؟ فتعجب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من عقلها فقال : يا أسماء ألم تعلمي أن جعفراً استشهد فبكت ، فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا تبكى فإن جبرئيل ( عليه السلام ) أخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر ، فقالت : يا رسول الله لو جمعت الناس وأخبرتهم بفضل جعفر ، لا ينسى فضله . فعجب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من عقلها ، ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : إبعثوا إلى أهل جعفر طعاماً ، فجرت السنة » .

وفى الفقيه : 1 / 177 ، أنه ( صلى الله عليه وآله ) قال في جعفر وزيد : « كثر بكاؤه عليهما جداً وقال : كانا يحدثانى ويؤانسانى فذهبا جميعاً » .

6 . قال السيد شرف الدين « رحمه الله » في النص والاجتهاد / 279 ، ملخصاً : « حزن الإنسان عند موت أحبته وبكاؤه عليهم من لوازم العاطفة البشرية ، وهما من مقتضيات الرحمة ، ما لم يصحبهما شئ من منكرات الأقوال أو الأفعال . وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حديث عنه صحيح : مهما يكن من القلب والعين فمن الله والرحمة ومهما يكن من اليد واللسان فمن الشيطان ! والسيرة القطعية بين المسلمين وغيرهم مستمرة على ذلك من غير نكير وأصالة الإباحة تقتضيه .

على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نفسه بكى في مقامات عديدة وأقر غيره على البكاء في موارد واستحسنه في موارد أخر ، وربما دعا إليه : بكى على عمه الحمزة أسد الله وأسد رسوله . . لما رأى حمزة قتيلاً بكي . كان يومئذ إذا بكت صفية يبكى وإذا نشجت ينشج ! وجعلت فاطمة تبكى فلما بكت بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . ولما رجع من أحُد جعلت نساء الأنصار يبكين على من قتل من أزواجهن فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ولكن حمزة لا بواكى له ! قال : ثم نام فانتبه وهن يبكين ، قال فهن اليوم إذا يبكين يندبن حمزة . وبكى على جعفر وزيد وقال : أخواى ومؤنساى ومحدثاي . ولما جاءه نعى جعفر ، أتى امرأته أسماء بنت عميس فعزاها قال : ودخلت فاطمة وهى تبكى وتقول : واعماه ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : على مثل جعفر فلتبكِ البواكي » .

7 . قال البلاذري في أنساب الأشراف : 2 / 42 : « أتى النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع أخيه على ( عليه السلام ) وقد كان يسمع علياً يذم عبادة الأوثان فوقع في نفسه ذمها ، فلما دعاه رسول الله قبل دعاءه وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن المبعث حق . وهاجر إلى الحبشة ومعه امرأته أسماء ابنة عميس الخثعمية ، وهى أخت أم الفضل لبابة بنت الحرث بن حزن الهلالية ، لأمها هند بنت عوف الحميرية ، فلم يزل مقيماً بالحبشة في جماعة تخلفوا معه من المسلمين . ثم قدم على رسول الله في سنة سبع من الهجرة بعد فتح خيبر فاعتنقه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : لست أدرى أي الأمرين أسرّ إلى أفتح خيبر أم قدوم جعفر . وقدم معه المدينة ثم وجهه في جيش إلى مؤتة من بلاد الشام فاستشهد وقطعت يداه في الحرب فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لقد أبدله الله بهما جناحين يطير بهما في الجنة ، فسمى ذا الجناحين وسمى الطيار في الجنة . ودخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين أتاه نعى جعفر على أسماء بنت عميس فعزاها به ، ودخلت فاطمة « عليها السلام » تبكى وهى تقول : وا عماه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : على مثل جعفر فلتبك البواكى ثم انصرف إلى أهله وقال : اتخذوا لآل جعفر طعاماً فقد شغلوا عن أنفسهم ، وضم عبد الله بن جعفر إليه ومسح رأسه وعيناه تدمعان وقال : اللهم أخلف جعفراً في ذريته بأحسن ما خلفت به أحداً من عبادك الصالحين . واستشهد جعفر ، وهو ابن نحو من أربعين سنة ، وذلك في سنة ثمان من الهجرة . وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أشبهنى جعفر في خلقي وخلقي » . وفى رواية ابن هشام : 3 / 832 : ثلاثاً وثلاثين سنة .

8 . وتدلنا قصائد شاعرى النبي ( صلى الله عليه وآله ) حسان بن ثابت وكعب بن مالك ، على أن جعفراً ، كان قائد مؤتة وبطلها ، وأن الحكومات انتقصته بغضاً بأخيه « عليهما السلام » ! وهذا مختار من شعر حسان من رواية ابن هشام : 3 / 837 .

ولقد بكيت وعز مهلك جعفرٍ * حِبُّ النبي على البرية كلها

ولقد جزعت وقلت حين نعيت لي * من للجلاد لدى العقاب وظلها

بالبيض حين تسل من أغمادها * ضرباً وإنهال الرماح وعلها

بعد ابن فاطمة المبارك جعفر * خير البرية كلها وأجلها

رزءاً وأكرمها جميعاً محتداً * وأعزها متظلماً وأذلها

للحق حين ينوب غير تنحل * كذباً وأنداها يداً وأقلها

فحشا وأكثرها إذا ما يجتدي * فضلاً وأبذلها ندى وأبلها

بالعرف ، غير محمد لا مثله * حي من احياء البرية كلها

وقال حسان :

تأوبنى ليل بيثرب أعسرُ * وَهَمٌّ إذا ما نوم الناس مسهر

لذكرى حبيب هيجت لي عبرة * سفوحاً وأسباب البكاء التذكر

بلى إن فقدان الحبيب بلية * وكم من كريم يبتلى ثم يصبر

رأيت خيار المؤمنين تواردوا * شعوباً وخلفاً بعدهم يتأخر

فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا * بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

وزيد وعبد الله حين تتابعوا * جميعاً وأسباب المنية تخطر

غداة مضوا بالمؤمنين يقودهم * إلى الموت ميمون النقيبة أزهر

أغر كضوء البدر من آل هاشم * أبى إذا سيم الظلامة مجسر

فطاعن حتى مال غير موسد * لمعترك فيه قنا متكسر

فصار مع المستشهدين ثوابه * جنان وملتف الحدائق أخضر

وكنا نرى في جعفر من محمد * وفاء وأمراً حازماً حين يأمر

فما زال في الاسلام من آل هاشم * دعائم عز لا يزلن ومفخر

هم جبل الإسلام والناس حولهم * رضامٌ إلى طود يروق ويقهر

بها ليل منهم جعفر وابن أمه * على ومنهم أحمد المتخير

همو أولياء الله أنزل حكمه * عليهم وفيهم ذو الكتاب المطهر

وقال كعب بن مالك :

وكأنما بين الجوانح والحشي * مما تأوبنى شهاب مدخل

وجدا على النفر الذين تتابعوا * يوماً بمؤتة أسندوا لم ينقلوا

صلى الاله عليهم من فتية * وسقى عظامهم الغمام المسبل

صبروا بمؤتة للإله نفوسهم * حذر الردى ومخافة أن ينكلوا

فمضوا أمام المسلمين كأنهم * فنق عليهن الحديد المرفل

إذ يهتدون بجعفر ولوائه * قدام أولهم فنعم الأول

حتى تفرجت الصفوف وجعفر * حيث التقى وعث الصفوف مجدل

فتغير القمر المنير لفقده * والشمس قد كسفت وكادت تأفل

قرم علا بنيانه من هاشم * فرعاً أشم وسؤدداً ما ينقل

قوم بهم عصم الإله عباده * وعليهم نزل الكتاب المنزل

فضلوا المعاشر عزة وتكرماً * وتغمدت أحلامهم من يجهل

لا يطلقون إلى السفاه حباهم * ويرى خطيبهم بحق يفصل

بيض الوجوه ترى بطون أكفهم * تندى إذا اعتذر الزمان الممحل

وبهديهم رَضِى الإله لخلقه * وبجدهم نصر النبي المرسل

14 . حول جناحي جعفر الطيار « عليه السلام »

1 . أجمع المسلمون على قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إن الله تعالى أعطى جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) جناحين يطير بهما في الجنة . وروى أن ذلك ثواب قطع يديه في سبيل الله ، « الخصال / 68 وفيض القدير : 4 / 12 » . وروى أنه تكريمٌ من الله لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) « الوافي : 3 / 713 » ، ولا منافاة بينهما .

2 . يصعب علينا فهم فائدة الجناحين في الجنة ، وقد ورد أنه يطير بهما في الجنة حيث يشاء ، ويطير بهما مع الملائكة . لكن يظهر من بعض أحاديثه أنه بذلك صار بإمكانه تحويل طبيعته البشرية إلى طبيعة ملائكية ، وأنه يسمح له بالنزول مع الملائكة إلى الأرض . وهو أمر عجيب .

في سمط النجوم : 2 / 245 : قال ( صلى الله عليه وآله ) : « رأيت جعفر بن أبي طالب يطير مع الملائكة . . وفى رواية وصححها ، قال : مر بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة » .

وفى عمدة القاري : 17 / 270 : قال ( صلى الله عليه وآله ) : « رأيت جعفراً يطير في الجنة مع الملائكة »

وفى مجمع الزوائد : 9 / 271 من رواية الطبراني وحسنه : « بينما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جالس وأسماء بنت عميس قريبة منه ، قال : يا أسماء هذا جعفر بن أبي طالب مع جبريل وميكائيل صلى الله عليهما مروا فسلموا علينا فرددت عليهم السلام وأخبرني أنه لَقِى المشركين يوم كذا وكذا فأصبت في جسدي من مقاديمى ثلاثاً وسبعين طعنة وضربة ، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت ، ثم أخذته باليسار فقطعت ، فعوضنى الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل في الجنة ، أنزل بهما حيث شئت ، وآكل من ثمارها ما شئت ! فقالت أسماء : هنيئاً لجعفر ما رزقه الله من الخير ، ولكني أخاف أن لا يصدقني الناس فاصعد المنبر فأخبر الناس يا رسول الله .

فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إن جعفر بن أبي طالب مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله من يديه يطير بهما في الجنة حيث شاء ، فسلم على فأخبر كيف كان أمرهم حين لَقِى المشركين » .

3 . وروى الترمذي والحاكم وغيرهما أن جناحي جعفر مخضبان بدمه ، وفى رواية الخرائج : جناحين من زمرد أخضر ، وفى رواية عقد الدرر : جناحان أخضران ، وفى رواية البيهقي في الدلائل وابن مندة أنهما من ياقوت . وفى رواية ربيع الأبرار : جناحين أبيضين قادمتاهما مضرجان بالدم مكللتان باللؤلؤ والجوهر ، وفى رواية كنز العمال موشيان بالجوهر .

فإن أمكن الجمع بين هذه الروايات ، فبه ، وإلا فالمرجح رواية المحاسن الصحيحة السند : 2 / 419 : « وجعل له جناحين من ياقوت » .

4 . ورد أن جناحين جعفر ( عليه السلام ) في الجنة كرامة خاصة بجعفر ( عليه السلام ) : « لم ينحل أحد من هذه الأمة جناحان غيره ، شئ كرم الله به محمداً ( صلى الله عليه وآله ) وشرفه » « الكافي : 1 / 450 » . لكن روينا أن الله تعالى أعطى العباس بن علي ( عليه السلام ) جناحين يطير بهما في الجنة لنصرته الحسين ( عليه السلام ) ولأن يداه قطعتا مثل عمه جعفر « عليهما السلام » .

ففي الصحيح في الأمالي ، الصدوق / 547 : « نظر سيد العابدين علي بن الحسين إلى عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب « عليهم السلام » فاستعبر ، ثم قال : ما من يوم أشد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من يوم أحد ، قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب .

ثم قال ( عليه السلام ) : ولا يوم كيوم الحسين ( عليه السلام ) ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل ، يزعمون أنهم من هذه الأمة ، كل يتقرب إلى الله عز وجل بدمه ، وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون ، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً . ثم قال ( عليه السلام ) : رحم الله العباس ، فلقد آثر وأبلي ، وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه ، فأبدله الله عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب ، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة » .

ولا منافاة بين الروايتين ، لأن الله لم ينحل أحداً من الأمة من قبل جعفر ( عليه السلام ) ، ثم نحل بعده العباس « عليهما السلام » ، وذلك كقوله تعالى عن يحيى ( عليه السلام ) : إسْمُهُ يحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِياً ، أي لم نجعل قبله ، وجعلنا من بعده الحسين ( عليه السلام ) وكان مثله في الحيوية وفى الشهادة الفجيعة ، وفى إهداء رأسه على طبق من ذهب إلى عدوه ! والمعنى هنا : لم ينحل أحد قبل جعفر جناحين ، ونُحل بعده العباس « عليهما السلام » .

5 . روى الصدوق ، الأمالي / 629 : « ومن صام من رجب عشرة أيام جعل الله عز وجل له جناحين أخضرين منظومين بالدر والياقوت ، يطير بهما على الصراط كالبرق الخاطف إلى الجنان » . وهذان جناحان لطيرانٍ خاص عن الصراط فقط .

لكن غير المعقول منامات غلاة الحنابلة كخزيمة الإسكندراني ، قال : « نمت فرأيت أحمد بن حنبل عليه أثواب خضر ، وعلى رأسه تاج من ذهب ، وفى رجليه نعلان وهو يمشى مشية يختال فيها . فإذا سفيان الثوري له جناحان أخضران ، وهو يطير بهما من نخلة إلى نخلة » . تاريخ دمشق : 5 / 335

15 . حنين الجذع الذي كان يتكئ عليه النبي « صلى الله عليه وآله » ويخطب

في الكافي لأبى الصلاح الحلبي / 76 : « وأما دلالة المعجزات الخارجة عن القرآن على نبوته ( صلى الله عليه وآله ) فهي انشقاق القمر ، ورجوع الشمس ، ونبوع الماء من أصابعه ، وحنين الجذع ، وتسبيح الحصي . . . فطريق العلم بها المشاهدة لمن حضره ، والنقل المتواتر لمن نأى عن داره ، وتأخر وجوده عن وجوده » .

ونحوه الإقتصاد للشيخ الطوسي / 181 ، وفيه : « وليس يمكن أن يقال : هذه الأخبار آحاد لايعَوَّل على مثلها ، لأن المسلمين تواتروها وأجمعوا على صحتها . . . وحنين الجذع لا يمكن أن يدعى أنه كان لتجويف فيه دخله الريح ، لأن مثل ذلك لا يخفي ، وكان لا يستكن بمجئ النبي إليه ويحن إذا فارقه » .

وفى النكت الاعتقادية للمفيد / 36 : « أما ظهور المعجز على يده ( صلى الله عليه وآله ) فأكثر من أن يحصى حتى ضبط المسلمون له ألف معجزة من جملتها : القرآن ، وانشقاق القمر وحنين الجذع ، ونبوع الماء من بين أصابعه . . » .

وفى المسلك في أصول الدين للمحقق الحلي / 304 : « ومن معجزاته ( صلى الله عليه وآله ) ما اشتهر نقله واستفاض مثل حنين الجذع ، وانشقاق القمر ، وكلام الذراع ، وإنباع الماء من أنامله ، وإطعام الخلق الكثير من الزاد القليل ، وغير ذلك من المعجزات ، التي يقوم من مجموعها الجزم بظهور المعجز » .

وفى إعلام الوري : 1 / 76 : « كان في مسجده بالمدينة يستند إلى جذع فيخطب الناس فلما كثر الناس اتخذوا له منبراً ، فلما صعده حن الجذع حنين الناقة فقدت ولدها ، فنزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فضمه إليه فكان يئن أنين الصبى الذي يسَكَّت » .

وفى مستدرك سفينة البحار : 2 / 42 : « حنين الجذع لفراق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفيه قوله ( صلى الله عليه وآله ) : أسكن ، أسكن ، إن تشأ غرستك في الجنة فيأكل منك الصالحون ، وإن تشأ أعيدك كما كنت رطباً ، فاختار الآخرة على الدنيا . وذكر أن بنى أمية قلعوه حين جددوا بناء المسجد ، فأخذه أبي بن كعب وكان عنده حتى بَلِى فأكلته الأرضة وعاد رفاتاً » .

وفى بحار الأنوار : 17 / 326 : « فلما استوى عليه حنَّ ذلك الجذع حنين الثكلي ، فارتفع بكاء الناس وحنينهم وأنينهم ، وارتفع حنين الجذع وأنينه في حنين الناس وأنينهم ارتفاعاً بيناً ، فلما رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذلك نزل عن المنبر وأتى الجذع فاحتضنه ومسح عليه يده وقال : أُسكن فما تجاوزك رسول الله تهاوناً بك ولا استخفافاً بحرمتك » .

وفى تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) / 188 ، حديث مفصل عن حنين الجذع والمؤمنين للنبي وأهل بيته الطاهرين ( صلى الله عليه وآله ) ، وقسوة قلوب الظالمين . وقد روت أصله مصادر غيرنا وذكرت أن ذلك كان في السنة الثامنة مثل : أسد الغابة : 1 / 23 ، الإمتاع : 5 / 51 ، الشفا : 1 / 303 ، صحيح ابن حبان : 14 / 436 وكنز العمال : 11 / 371 .

وفى تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) / 188 ، حديث مفصل عن حنين الجذع والمؤمنين للنبي وأهل بيته الطاهرين ( صلى الله عليه وآله ) ، وقسوة قلوب الظالمين . وقد روت أصله مصادر غيرنا وذكرت أن ذلك كان في السنة الثامنة مثل : أسد الغابة : 1 / 23 ، الإمتاع : 5 / 51 ، الشفا : 1 / 303 ، صحيح ابن حبان : 14 / 436 وكنز العمال : 11 / 371 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.