أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-5-2017
3123
التاريخ: 17-5-2017
2904
التاريخ: 4-5-2017
3253
التاريخ: 28-5-2017
2931
|
1 - محافظة خيبر
خيبر الآن محافظة مركزها مدينة خيبر ، وتقع شمال شرق المدينة المنورة ، وتبعد عنها 179 كيلومتراً ، وتشمل 189 قرية ، ومساحتها 260 كيلومتراً .
http : / / www . oman 0 . net / forum / showthread . php ? t = 17962
وفى معجم البلدان : 2 / 409 : « خيبر : الموضع المذكور في غزاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهى ناحية على ثمانية بُرُد من المدينة لمن يريد الشام . يطلق هذا الاسم على الولاية وتشتمل هذه الولاية على سبعة حصون ومزارع ونخل كثير ، وأسماء حصونها : حصن ناعم وعنده قتل مسعود بن مسلمة ألقيت عليه رحي ، والقموص حصن أبى الحقيق ، وحصن الشق ، وحصن النطاة ، وحصن السلالم ، وحصن الوطيح ، وحصن الكتيبة . وأما لفظ خيبر فهو بلسان اليهود : الحصن ، ولكون هذه البقعة تشتمل على هذه الحصون سميت خيابر » .
أقول : هاجر اليهود بعد المسيح ( عليه السلام ) إلى الجزيرة ينتظرون النبي الموعود ( صلى الله عليه وآله ) ، ونزلوا في مواضع منها تيماء ووادى القرى وخيبر وحول المدينة ، وكان في خيبر أودية فيها بعض العيون ، وبقربها قبيلة عبس وبعض قبائل غطفان النجدية ، لكنهم كانوا أهل إبل وشاء ولم يكونوا أهل زراعة ، فسكن فيها اليهود وزرعوها ونجحت فيها زراعة النخيل واشتهر تمرها بعد هجر . ولعل كلمة خيبر التي سموها بها نفس كلمة كيبوتس ، بمعنى مستوطنة أو قرية .
وكان يهود خيبر عندما بعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) نحو عشرة آلاف نسمة ، ومقاتلوهم نحو ثلاثة آلاف ، وقد انضم إليهم عدد أجلاهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) من جور المدينة من يهود قينقاع والنضير وقريظة ، وفيهم حاخامات وزعماء كبار رأَّسَهم أهل خيبر عليهم ، مثل حي بن أخطب الذي كان يتجول ويحث قريشاً وقبائل العرب على حرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويعد قبائل نجد بموسم تمر خيبر !
2 - بعد عودته من الحديبية بعشرين يوماً توجه « صلى الله عليه وآله » إلى خيبر
بعد عودته من الحديبية بنحو عشرين يوماً ، توجه النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى خيبر بجيشه البالغ نحو ألف وخمس مئة ، وكان ذلك في شهر صفر أواخر السنة السابعة للهجرة . وجاءه المتخلفون عن الحديبية فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد ، فأما الغنيمة فلا . ثم أمر منادياً ينادى بذلك . الصحيح من السيرة : 17 / 72 .
وفى سيرة ابن هشام : 3 / 791 : « ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر . ودفع الراية إلى علي بن أبي طالب وكانت بيضاء » . ثم روى ابن هشام أن الأكوع كان يرتجز بهم :
والله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا * وثبِّت الأقدامَ إن لاقينا
إنا إذا قوم بغوا علينا * وإن أرادوا فتنة أبينا
وهو شعر عبد الله بن رواحة ، وكان ( صلى الله عليه وآله ) يردده في حفر الخندق » . الغدير : 2 / 6 .
ثم نقل عن ابن إسحاق : « أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج إلى خيبر فسلك على عَصْر بفتح العين وإسكان الصاد المهملة ، وفى بعض النسخ عَصَر بفتح الصاد . قال : فبنى له فيها مسجد قال : ثم سلك على الصهباء ، ثم أقبل حتى نزل بواد يقال له الرجيع ، فنزل بين أهل خيبر وبين غطفان ، ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر ، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فكان أول حصن افتتحه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حصن ناعم » . « فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لحُسَيل : يا حُسَيل : إمض أمامنا حتى تأخذ بنا صدور الأودية ، حتى تأتى خيبر من بينها وبين الشام ، فأحول بينهم وبين الشام ، وبين حلفائهم من غطفان . فقال حُسَيل : أنا أسلك بك ، فانتهى به إلى موضع له طُرق فقال : يا رسول الله ، إن لها طرقاً تؤتى منها كلها ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : سمها لي . وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحب الفأل الحسن والاسم الحسن ويكره الطيرة والاسم القبيح ، فقال : لها طريق يقال لها : حزن وطريق يقال لها : شاش وطريق يقال لها : حاطب ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا تسلكها . قال : لم يبق إلا طريق واحد يقال له : مرحب ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أسلكها » . الصحيح من السيرة : 17 / 89 .
3 - سبب حرب النبي « صلى الله عليه وآله » يهودَ خيبر
قال في المواجهة مع رسول الله / 283 : « كانت خيبر من أعظم وأكبر التجمعات اليهودية في الجزيرة ، حتى أنها أصبحت قلعة حقيقية ففيها المال وفيها الرجال ، وقد تابع يهود خيبر بقلق بالغ أنباء مواجهات الرسول مع يهود بنى قينقاع وبنى النضير وبنى قريظة ، وتأثروا بما أصابهم ، وتعاطفوا معهم حتى صارت خيبر ملجأ للكثير من اليهود ، واستقطبت بخيراتها وأموالها عواطف الكثير من أبناء القبائل العربية المحتاجة الطامعة بأي شئ ، مما حوَّلها مع الأيام إلى قاعدة لمن يتربصون الدوائر بالنبي وآله ومن والاه ، وصارت أعظم خطر يهدد الإسلام .
وقد أدرك يهود خيبر ومن لجأ إليهم وتحالف معهم ، أن المواجهة مع محمد ومن والاه قدر محتوم لا مفر منه ، وقد أرعبتهم مواجهات محمد السابقة مع خصومه ، لذلك فهم يخشون فكرة شن هجوم عليه ، مما فرض عليهم فرضاً أن يبقوا بحالة ترقب وقلق حتى يأتي محمد ومن والاه لحربهم ، فيحاربونه حرباً دفاعية وهم في حصونهم .
واستعداداً لتلك المواجهة الحاسمة رمموا حصونهم وأصلحوها ، واستوردوا السلاح وصنعوه ، ووسعوا دائرة تحالفاتهم مع القبائل ، خاصة مع قبيلة غطفان وزعيمها عيينة بن حصن ، ويقال إنهم جندوا عشرة آلاف مقاتل يتم استعراضهم يومياً ، وقدروا أنهم بهذه العدة والعدد سيكونون أول من يلحق هزيمة ساحقة بمحمد وآله ومن والاه ، ومن هنا فقد أيقنوا بأن محمداً قادم إليهم لا محالة ، وترقبوا كل يوم قدومه ليواجهوه بما لا قبل له به !
وبعد أن فتح الله على نبيه في صلح الحديبية ذلك الفتح المبين ، وحقق انتصاره السياسي ، وخلَّت بطون قريش بينه وبين العرب ، واعترفت به وهى عدوته اللدودة ، واعترفت بحقه باستقطاب العرب حوله . عندئذ قدر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن الفرصة ملائمة لمواجهة أخطر وأقوى ما تبقى من خصومه وهم يهود خيبر . . . وبعد إتمام الاستعدادات وفى شهر صفر من السنة السابعة للهجرة ، زحف النبي نحو خيبر ودخلها عن طريق مرحب ، وفى الطريق علم أن قبائل غطفان الكبيرة قد تحالفت مع اليهود على حرب محمد مقابل تمر خيبر لسنة . ولما استقر الرسول في معسكره قرب خيبر ، أمر أتباعه أن لا يقاتلوا حتى يأذن لهم بالقتال » .
4 - وصول النبي « صلى الله عليه وآله » إلى خيبر
في خيبر سمع النبي ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه يرفعون أصواتهم بالتكبير ، فأمرهم أن يلتزموا الهدوء والسكينة والتواضع ، وقال لهم : إربعوا على أنفسكم ، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً ، إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم . . وقال لهم : قفوا فوقفوا ، فقال : « اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما أذرين ، فإنَّا نسألك من خير هذه القرية وخير أهلها ، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها . أقدموا باسم الله » . المناقب : 1 / 176 والصحيح من السيرة : 17 / 101 .
وكان أهل خيبر يتوقعون وصول النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لكنه فاجأهم من جهة لا يتوقعون مجيئه منها ، فرآه بعض المزارعين فقالوا : محمد والخميس وأدبروا هرباً ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) ورفع يديه : الله أكبر ، خربت خيبر ! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين . كما قالها عند محاصرة بني قريظة . الإرشاد : 1 / 110 وتفسير القمي : 2 / 189 .
وعسكر ( صلى الله عليه وآله ) بأصحابه قرب حصن ناعم ، وكان فيه قوات غطفان النجدية ، بزعامة شيخ فزارة عيينة بن حصن ، جاؤوا لنصرة اليهود قبل قدوم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بثلاثة أيام ، وروى أنهم كانوا أربعة آلاف ، ونزلوا في حصن ناعم في النطاة ، فأرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) سعد بن عبادة لينصح عيينة بالإنسحاب بقبيلته : « فلما انتهى سعد إلى الحصن ناداهم : إني أريد أكلِّم عيينة بن حصن ، فأراد عيينة أن يدخله الحصن فقال مرحب : لاتُدخله فيرى خلل حصننا ويعرف نواحيه التي يؤتى منها ، ولكن تخرج إليه . فقال عيينة : لقد أحببت أن يدخل فيرى حصانته ويرى عدداً كثيراً ، فأبى مرحب أن يدخله فخرج عيينة إلى باب الحصن ، فقال سعد : إن رسول الله أرسلني إليك يقول : إن الله قد وعدني خيبر فارجعوا وكفوا ، فإن ظهرنا عليها فلكم تمر خيبر سنة . فقال عيينة : إنَّا والله ما كنا لنسلم حلفاءنا لشئ وإنَّا لنعلم ما لك وما معك مما هاهنا طاقة ، هؤلاء قوم أهل حصون منيعة ، ورجال عددهم كثير وسلاح ! إن أقمت هلكت ومن معك ، وإن أردت القتال عجلوا عليك بالرجال والسلاح . ولا والله ما هؤلاء كقريش وقومٍ ساروا إليك إن أصابوا غِرَّة منك فذاك الذي أرادوا ، وإلا انصرفوا ، وهؤلاء يماكرونك الحرب ويطاولونك حتى تملهم . فقال سعد بن عبادة : أشهد ليحصرنك في حصنك هذا حتى تطلب الذي كنا عرضنا عليك فلا نعطيك إلا السيف ! وقد رأيت يا عيينة من قد حللنا بساحته من يهود يثرب ،
كيف مُزقوا كل ممزق !
فرجع سعد إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره بما قال . وقال سعد : يا رسول الله ، لئن أخذه السيف ليسلمنهم وليهربن إلى بلاده كما فعل ذلك قبل اليوم في الخندق . فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه أن يتوجهوا إلى حصنهم الذي في غطفان وذلك عشيةً وهم في حصن ناعم ، فنادى منادى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن أصبحوا على راياتكم عند حصن ناعم ، الذي فيه غطفان . قال : فرعبوا من ذلك يومهم وليلتهم ، فلما كان بعد هذه من تلك الليلة سمعوا صائحاً يصيح لا يدرون من السماء أو الأرض : يا معشر غطفان أهلكم أهلكم ! الغوث الغوث بحيفاء ، صِيح ثلاثة ، لا تربة ولا مال ! قال : فخرجت غطفان على الصعب والذلول ، وكان أمراً صنعه الله لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) . فلما أصبحوا أُخبر كِنانة بن أبي الحُقيق وهو في الكتيبة منطقة من خيبر بانصرافهم فسقط في يديه » .
الصحيح من السيرة : 17 / 110 .
5 - نداء النبي « صلى الله عليه وآله » بالأمان لأهل خيبر
روت مصادرهم : « عن الضحاك الأنصاري قال : لما سار النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى خيبر جعل علياً على مقدمته فقال ( صلى الله عليه وآله ) : من دخل النخل فهو آمن ، فلما تكلم النبي ( صلى الله عليه وآله ) نادى بها على فنظر النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى جبرائيل يضحك فقال : مايضحكك ؟ ! قال :
إني أحبه ! فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلى ( عليه السلام ) : إن جبرائيل يقول إنه يحبك ! قال ( عليه السلام ) : بَلَغْتُ أن يحبني جبرائيل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : نعم ومن هو خير من جبرائيل : الله عزَّ وجل » .
الطبراني الكبير : 8 / 301 ، مجمع الزوائد : 9 / 126 وأسد الغابة : 3 / 34 .
6 - فتح علي « عليه السلام » كل حصون خيبر ؟
كانت خيبر ثلاث مناطق : النَّطَاهْ بفتح النون المشددة وسكون الهاء ، وفيها ثلاثة حصون : حصن ناعم ، وحصن الصعب ، وحصن قلة . وتتصل بها منطقة الشق وفيها حصن أبي ، وحصن البرئ .
وعلى بعد كيلو مترات منها منطقة الكتيبة ، وفيها واد فيه أربعون ألف نخلة وعلى جبلها ثلاثة حصون : حصن القموص ، والسلالم ، والوطيح .
وقد استغرق فتح خيبر كلها وترتيب أمرها نحو شهرين . وبدأ النبي ( صلى الله عليه وآله ) بحصن ناعم في النطاة ، ففتحه بعد بضعة أيام . ثم حاصر حصن الصعب أياماً ، ثم فتح بقية الحصون في مدة قليلة .
ثم ترك علياً ( عليه السلام ) في منطقة النطاة والشق يرتب أمرها ، واتجه إلى الكتيبة فحاصر حصنها الأكبر « القموص » ، وطالت محاصرته له بضعة وعشرين يوماً !
وكان يرسل جيشه كل يوم بقيادة صحابي ، فيصلون إلى خندق الحصن فيرميهم اليهود من أبراجه بالسهام والأحجار ، فيرمونهم هم ، ويرجعون !
ثم تجرأ مرحب وفرسانه فأخذوا يخرجون من الحصن ويطلبوا من المسلمين أن يعبروا إليهم فلا يجرؤون ، بل يرجعون منهزمين حتى أحضر النبي ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) !
وروت مصادرنا أن فتح حصون خيبركلها كان بيد على ( عليه السلام ) ، وروى نحو ذلك في السيرة الحلبية : 2 / 737 ، عون المعبود : 8 / 172 ، قال : « وقصة فتح هذه الحصون : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ألبس علياً رضي الله عنه درعه الحديد وأعطاه الراية ، ووجهه إلى الحصن ، فلما انتهى على رضي الله عنه إلى باب الحصن ، اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالأرض ، ففتح الله ذلك الحصن الذي هو حصن ناعم ، وهو أول حصن فتح من حصون النطاة على يده رضي الله عنه .
وكان من سلم من يهود حصن ناعم انتقل إلى حصن الصعب من حصون النطاة ففتح الله حصن الصعب قبلما غابت الشمس من ذلك اليوم . ولما فتح ذلك الحصن تحول من سلم من أهله إلى حصن قلة ، وهو حصن بقلة جبل ، ويعبر عن هذا بقلعة الزبير ، وهو الذي صار في سهم الزبير بعد ذلك ، وهو آخر حصون النطاة . فحصون النطاة ثلاثة ، حصن ناعم ، وحصن الصعب ، وحصن قلة . ثم صار المسلمون إلى حصار حصون الشق ، فكان أول حصن بدأ به من حصني الشق حصن أبي ، فقاتل أهله قتالاً شديداً وهرب من كان فيه ، ولحق بحصن يقال له حصن البرئ ، وهو الحصن الثاني من حصني الشق .
ثم إن المسلمين لما أخذوا حصون النطاة وحصون الشق ، انهزم من سلم من يهود تلك الحصون إلى حصون الكتيبة ، وهى ثلاثة حصون القموص والوطيح وسلالم ، وكان أعظمها القموص ، وانتهى المسلمون إلى حصار الوطيح وحصن سلالم ويقال له السلاليم ، وهو حصن بنى الحقيق آخر حصون خيبر ، ومكثوا على حصارهما أربعة عشر يوماً ، فلم يخرج أحد منهما ، وسألوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الصلح على حقن دماء المقاتلة وترك الذرية لهم ، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم ، فصالحهم على ذلك » .
أقول : ستعرف أن محاصرة القموص طالت بضعاً وعشرين يوماً ، وذلك قبل محاصرة حصن السلالم والوطيح ، التي ذكر العيني أنها كانت أربعة عشر يوماً .
كما تدل روايته على أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قلع باب حصن ناعم ، ولم يذكر حجم ذلك الباب ، وسيأتي قلعه ( عليه السلام ) لباب حصن القموص ، وهو أكبر حصون خيبر .
7 - طريقة القتال في فتح النبي « صلى الله عليه وآله » حصون خيبر
« صفَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه ووعظهم ، ونهاهم عن القتال حتى يأذن لهم ، فعمد رجل من قبيلة أشجع فحمل على يهودي فقتله اليهودي ، فقال الناس : استشهد فلان . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أبعدَ ما نهيتُ عن القتال ؟ قالوا : نعم . فأمر رسول الله منادياً فنادى في الناس : لا تحل الجنة لعاص . . وقالوا إن مرحباً هو الذي قتل ذلك الرجل الأشجعي . . وأذن رسول الله في القتال وحثهم على الصبر ، وأول حصن حاصره حصن ناعم . . وقاتل ( صلى الله عليه وآله ) يومه ذاك أشد القتال ، وقاتله أهل النطاة أشد القتال ، وترَّس جماعة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليه يومئذٍ ، وعليه كما قال محمد بن عمر درعان وبيضة ومغفر ، وهو على فرس يقال له الظرب ، وفى يده قناة وترس » . الصحيح من السيرة : 17 / 152 .
أقول : كان اليهود مستميتين في الدفاع عن خيبر ، ومن الطبيعي أنهم كانوا يخططون لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! فقد روى الواقدي : 2 / 670 والصحيح من السيرة : 17 / 219 « أن كنانة ابن أبي الحقيق كان رامياً يرمى بثلاثة أسهم في ثلاث مائة ذراع ، فيدخلها في هدف شبراً في شبر ! فما هو إلا أن قيل له : هذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد أقبل من الشق في أصحابه ، وقد تهيأ أهل القموص ، وقاموا على باب الحصن بالنبل . . فنهض كنانة إلى قوسه فلم يستطع أن يوترها لشدة الرعدة التي انتابته » !
والوضع الطبيعي أن يتحصن اليهود في قلاعهم ، ويردوا هجمات المسلمين بواسطة الرماة من أبراج القلعة وسطوحها . لكن أحاديث خيبر ذكرت أن فرسان اليهود خرجوا من بعض حصونهم واشتبكوا مع المسلمين أمام مداخلها ، وفتحوا أبواب الحصن للتواصل مع مقاتليهم ، فلم يمكنهم رمى المسلمين القريبين بالسهام . فكان على المسلمين أن يكتسحوا المقاتلين أمام باب الحصن ، ثم يدخلوه قبل أن يسدوا بابه ، ويقاوموا المقاتلين داخله . وكان اليهود عند سقوط الحصن ينسحبون إلى غيره ، وينقلون معهم ما أمكنهم من سلاح ومؤن أو يتلفونها ، فقد ورد ذكر بطلهم مرحب في معركة حصن ناعم وهو أول حصن فتحه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم كان بطل حصن القموص ، وهو آخر حصونهم وأهمها .
وهذه بعض نصوص القتال في فتح الحصون قبل حصن القموص من كتاب : الصحيح من السيرة : 17 / 171 : « لم يكن بخيبر حصن أكثر طعاماً وودكاً وماشية ومتاعاً من حصن الصعب بن معاذ ، ووجدوا فيه ما لم يكونوا يظنون ، من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك ، وكان فيه خمس مائة مقاتل ، وكان المسلمون قد أقاموا أياماً يقاتلون ليس عندهم طعام إلا العلف !
وروى ابن إسحاق عن بعض قبيلة أسلم ومحمد بن عمر ، عن معتب الأسلمي واللفظ له قال : أصابتنا معشر أسلم مجاعة حين قدمنا خيبر ، وأقمنا عشرة أيام على حصن النطاة لا نفتح شيئاً فيه طعام ، فأجمعت أسلم أن أرسلوا أسماء بن حارثة فقالوا : إئت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقل له : إن أسلم يقرؤونك السلام ويقولون : إنَّا قد جُهدنا من الجوع والضعف . . وحسب نص الحلبي : إن اليهود حملت حملة منكرة فانكشف المسلمون حتى انتهوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو واقف قد نزل عن فرسه . . ثم إن المسلمين اقتحموا الحصن يقتلون ويأسرون ، فوجدوا في ذلك الحصن من الشعير . . . ونادى منادى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كلوا واعلفوا ولا تحملوا أي لا تخرجوا به إلى بلادكم .
وحسب نص الواقدي : وقد أقمنا عليه يومين نقاتلهم أشد القتال ، فلما كان اليوم الثالث بكَّر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليهم ، فخرج رجل من اليهود كأنه الدقل في حربة له وخرج وعاديته معه ، فرموا بالنبل ساعة سراعاً وترِّسنا عن رسول الله وأمطروا علينا بالنبل فكان نبلهم مثل الجراد ، حتى ظننت ألا يقلعوا ، ثم حملوا علينا حملة رجل واحد فانكشف المسلمون حتى انتهوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو واقف قد نزل عن فرسه ، ومِدْعَم يمسك فرسه . . .
وندب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المسلمين وحضهم على الجهاد ورغبهم فيه ، وأخبرهم أن الله قد وعده خيبر يغنمه إياها . قال فأقبل الناس جميعاً حتى عادوا إلى صاحب رايتهم ، ثم زحف بهم الحباب فلم يزل يدنو قليلاً قليلاً وترجع اليهود على أدبارها حتى لحمها الشر ، فانكشفوا سراعاً ودخلوا الحصن وغلَّقوا عليهم ، ووافوا على جدره وله جدر دون جدر ، فجعلوا يرموننا بالجندل رمياً كثيراً ، ونحَّوْنا عن حصنهم بوقع الحجارة ، حتى رجعنا إلى موضع الحباب الأول .
ثم إن اليهود تلاومت بينها وقالت : ما نستبقى لأنفسنا ؟ قد قتل أهل الجد والجلد في حصن ناعم ! فخرجوا مستميتين ورجعنا إليهم فاقتتلنا على باب الحصن أشد القتال ، وقتل يومئذٍ على الباب ثلاثة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أبو صياح ، وقد شهد بدراً ، ضربه رجل منهم بالسيف فأطن قحف رأسه ، وعدى بن مرة بن سراقة طعنه أحدهم بالحربة بين ثدييه فمات ، والثالث الحارث بن حاطب وقد شهد بدراً ، رماه رجل من فوق الحصن فدمغه .
وقد قتلنا منهم على الحصن عدة كلما قتلنا منهم رجلاً حملوه حتى يدخلوه الحصن ، ثم حمل صاحب رايتنا وحملنا معه ، وأدخلنا اليهود الحصن وتبعناهم في جوفه ، فلما دخلنا عليهم الحصن فكأنهم غنم ! فقتلنا من أشرف لنا وأسرنا منهم وهربوا في كل وجه يركبون الحرة ، يريدون حصن قلعة الزبير ، وجعلنا ندعهم يهربون . وصعد المسلمون على جدره فكبروا عليه تكبيراً كثيراً . . ووجدوا فيه من البز والآنية ، ووجدوا خوابى السّكَر فأمروا فكسروها ، فكانوا يكسرونها حتى سال السكر في الحصن ، والخوابى كبار لا يطاق حملها . . وأخرجنا منه غنماً كثيراً وبقراً وحمراً ، وأخرجنا منه آلة كثيرة للحرب ومنجنيقاً ودبابات وعُدَّة ، فنعلم أنهم قد كانوا يظنون أن الحصار يكون دهراً ، فعجل الله خزيهم . . .
أخرج من أطم من حصن الصعب ابن معاذ من البز عشرون عكماً « ربطة » محزومة من غليظ متاع اليمن ، وألف وخمس مائة قطيفة ، ويقال : قدم كل رجل بقطيفة على أهله » .
وفى سبل الهدي : 5 / 125 : « ذكر قتل على رضي الله عنه الحارث وأخاه مرحباً وعامراً وياسراً ، فرسان يهود وسبعانها . روى محمد بن عمر عن جابر قال : أول من خرج من حصون خيبر مبارزاً الحارث أخو مرحب في عاديته فقتله علي ، ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن وبرز عامر ، وكان رجلاً جسيماً طويلاً ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين برز وطلع عامر أترونه خمسة أذرع وهو يدعو إلى البراز ؟ فخرج إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فضربه ضربات ، كل ذلك لا يصنع شيئاً ، حتى ضرب ساقيه فبرك ، ثم ذفف عليه وأخذ سلاحه » .
أقول : كان قتل هؤلاء في حصن ناعم وليس في حصن القموص مع مرحب كما رووا . وقد كان مرحب معهم ، لكنه لم يبرز إلا في حصن القموص . ويؤيده أن منزل ياسر أخ مرحب في النطاة لا في القموص . « معجم البكري : 2 / 523 » ، وأن الحارث كان يحوس الناس بحربته ، أما في مبارزة على ( عليه السلام ) لمرحب فلم يكن مع علي أحد ليحو
سهم الحارث .
8 - طالت محاصرة حصن خيبر وظهرت هزيمة المسلمين !
« يقع حصن القموص في الجهة المقابلة للمسجد الفعلي الذي كان مركز قيادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ويقع على مسافة قليلة إلى يمينه حصن السلالم وحصن الوطيح ، ويفصل هذه الحصون عن مركز قيادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) تلالٌ ووادٍ ، وقد رأيته قبل خمس وثلاثين سنة ، وادياً صغيراً فيه بعض نخيل وعين ماء جارية ، بقربها محراب ومكان للصلاة ، وقد سألت البدو عنها فقالوا هذه عين سيدنا علي .
وبعد الوادي جبل على قمته الحصون ، وخلفه وادى الكتيبة المشهورة بالنخيل .
وعندما فتح النبي ( صلى الله عليه وآله ) حصون النطاة والشق : « انهزم من سلم من يهود تلك الحصون إلى حصون الكتيبة ، وهى ثلاثة حصون : القموص والوطيح وسلالم ، وكان أعظم حصون خيبر القموص » . عون المعبود : 8 / 172 .
« فتحصنوا معهم في القموص أشد التحصين ، مغلقين عليهم لايبرزون ، حتى همَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يرميهم بالمنجنيق » . الواقدي : 2 / 670 .
وحاصرهم بضعاً وعشرين يوماً « تاريخ خليفة / 49 » وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يصلى بالمسلمين كل يوم صلاة الفجر ، ثم يصطفُّون ثم يذهبون لمهاجمة الحصن ، فيقطعون التلال حتى يصلوا إلى قرب الخندق في مواجهة الحصن .
وكان اليهود يتخذون مواقعهم في أبراج الحصن وعلى سطوحه ، ويرمون المسلمين بالسهام والأحجار ، فيحمى المسلمون أنفسهم منها ، أو يرمونهم بالسهام ، ويحاولون أن يتقدموا فلا يستطيعون ، فيرجعون بدون نتيجة !
ومع الأيام ضعفت معنويات المسلمين وقويت معنويات اليهود ، فصار بطلهم مرحب وفرسانه يخرجون من الحصن ، ويتحدون المسلمين أن يعبروا إليهم ! فينهزم المسلمون عنهم ، ويرجع اليهود منتصرين !
وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبقى علياً ( عليه السلام ) في المنطقة التي فتحها « النطاة والشق » أو بعثه في مهمة ، وكان يعطى الراية لوجهاء أصحابه ، فيوماً لسعد بن عبادة ، ويوماً للزبير ، ويوماً لطلحة ، ويوماً لسعد بن أبي وقاص ، ويوماً لأبى بكر ، ويوماً لعمر بن الخطاب . . وقد جرب بعضهم قيادة المسلمين لأكثر من يوم كما روى في عمر ، وكان الجميع يرجعون منهزمين ! ولم يجرؤوا على العبور إلى مرحب لمبارزته ! ولذا قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلى ( عليه السلام ) : « يا علي إكفنى مرحباً » . أمالي الطوسي / 4 والخرائج : 1 / 217 .
وقد ورد أن سعد بن عبادة رجع مجروحاً ، « الواقدي 2 / 653 » وفى رواية رجع محمولاً « الإحتجاج : 1 / 406 » . وروى أن عمر بن الخطاب رجع مجروحاً في رجله ، وهو يجبن المسلمين وهم يجبنونه ! رسائل المرتضي : 4 / 103 .
وفى رواية مجمع الزوائد : 6 / 151 ، أن هزيمة عمر كانت سريعة عندما أصابه حجر في رجله قال : « بعث عمر ومعه الناس ، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه » !
ويرد هنا سؤالان مهمان :
الأول : لماذا لم يذهب النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الحملات على القموص ؟ فقد شارك في القتال في حصن ناعم وحصن الصعب ورمى بسهام ، وترَّسه المسلمون من سهام اليهود ، لكنه لم يشارك في الحملات اليومية على حصن القموص !
والجواب : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما قال الله تعالى : وَمَا ينْطِقُ عَنِ الْهَوَي ، فهو لا يفعل عن الهوى بل بالوحي . والحكمة من فعله ( صلى الله عليه وآله ) أن يعرف الصحابة أنهم بدونه ( صلى الله عليه وآله ) وبدون على ( عليه السلام ) لا يستطيعون تحقيق النصر ، فعليهم أن يعرفوا حدودهم !
أما مرضه ( صلى الله عليه وآله ) فلم يكن مانعاً من مشاركته ، لأنه كان ليومين في أواخر حصاره للحصن ، فكان بإمكانه قيادة الحملة قبله أو بعده .
والسؤال الثاني : لماذا أبقى ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) في المنطقة المفتوحة ، أو بعثه بمهمة ؟
وجوابه : أن الحكمة من ذلك أن يثبت للمسلمين أن علياً ( عليه السلام ) صاحب الفتح ، وأنهم بدونه لا يستطيعون تحقيق النصر ولا مواجهة مرحب وفرسانه !
والحكمة لمستقبل الأمة : أن اليهود لا يكسر غطرستهم إلا علي ، وشيعة على ( عليه السلام ) .
9 - مَرِضَ علي « عليه السلام » بالرَّمَد والنبي « صلى الله عليه وآله » بالصداع !
يظهر أن علياً ( عليه السلام ) أصابه الرمد عندما ذهب النبي ( صلى الله عليه وآله ) من منطقة النطاة والشق إلى الكتيبة ، وأبقاه هناك ، لأن أحاديث خيبر نصت على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أرسل في إحضاره فجاء راكباً على بعير له ، وكان معصوب العينين بشق برد قطري ، ولما سأله عن حاله قال له : « رمدت بعدك » أي بعد فراقي لك !
كما ذكرت الرواية أن سبب وجع عينيه دخان أصابه من الحصون التي فتحها ففي مجمع الزوائد : 9 / 123 : « عن جميع بن عمير قال : قلت لعبد الله بن عمر حدثني عن علي ؟ قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فكأني أنظر إليها مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يحتضنها وكان علي بن أبي طالب أرمد من دخان الحصن فدفعها إليه ، فلا والله ما تتامت الخيل حتى فتحها الله عليه » !
وعن علي ( عليه السلام ) قال : « كنت أرمد من دخان الحصن » . كنز العمال : 10 / 92 .
وقد يكون اليهود استعملوا ذلك الدخان سلاحاً ليمنعوا تقدم على ( عليه السلام ) ، فاضطر إلى الدخول فيه لتعقب فرسانهم !
كما يظهر أن مرض النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالصداع كان في آخر محاصرة حصن القموص لأنهم رووا عن بريدة وغيره ، « الطبري : 2 / 300 » قال : « كان رسول الله ربما أخذته الشقيقة فيلبث اليوم واليومين لا يخرج ، فلما نزل رسول الله خيبر أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس ، وإن أبا بكر أخذ راية رسول الله ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً ثم رجع ، فأخذها عمر فقاتل قتالاً شديداً هو أشد من القتال الأول ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أما والله لأعطينها غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة . قال وليس ثَمَّ علي ، فتطاولت لها قريش ورجا كل واحد منهم أن يكون صاحب ذلك ، فأصبح فجاء على على بعير له حتى أناخ قريباً من خباء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو أرمد ، وقد عصب عينيه بشقة برد قطري ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « عليهم السلام » مالك ؟ قال : رمدت بعدك ! فقال رسول الله : أدن مني . . . » .
فيفهم منه أنهم دخلوا على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مرضه وأخبروه بهزيمة عمر ، فوعد الناس بالفتح في اليوم التالي واستدعى علياً ( عليه السلام ) . ويدل ذلك على أن عمر قاد الحملة على الحصن يومين ، ومعنى قتاله في المرة الثانية بأشد من الأولى أنه لم ينهزم بسرعة من سهام اليهود ، بل تأخر قليلاً حتى انهزم !
10 - غَضِبَ النبي « صلى الله عليه وآله » من فرار الصحابة وبشرهم بالفتح غداً !
غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما رأى هزيمة المسلمين شبه يومية ، ورأى أن غطرسة مرحب وفرسانه زادت ، ولم يجرؤ أحد من المسلمين على اقتحام الخندق فضلاً عن الحصن ، فطلب بعض المسلمين أن يرسل لإحضار على ( عليه السلام ) !
وفى رسائل المرتضي : 4 / 103 : « روى أبو سعيد الخدري « رحمه الله » أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أرسل عمر إلى خيبر فانهزم هو ومن معه ، حتى جاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يجبن أصحابه ويجبنونه ، فبلغ ذلك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كل مبلغ ، فبات ليلته مهموماً فلما أصبح خرج إلى الناس ومعه الراية فقال : لأعطين الراية اليوم رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار ! فتعرض لها المهاجرون والأنصار ، ثم قال : أين علي ؟ فقالوا : يا رسول الله هو أرمد ، فبعث إليه سلمان وأبا ذر ، فجاءا به وهو يقاد لا يقدر على فتح عينيه ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم أذهب عنه الرمد والحر والبرد وانصره على عدوه ، فإنه عبدك يحبك ويحب رسولك ، ثم دفع إليه الراية ، فقال حسان بن ثابت : يا رسول الله أتأذن لي أن أقول فيه شعراً ؟ فأذن له فقال :
وكان على أرمد العين يبتغى * دواء فلما لم يحس مداويا
شفاه رسول الله منه بتفلة * فبورك مرقيا وبورك راقيا
وقال سأعطى الراية اليوم ماضيا * كميا محبا للرسول مواليا
يحب إلهي والرسول يحبه * به يفتح الله الحصون الأوابيا
فأصفى بها دون البرية كلها * علياً وسماه الوزير المؤاخيا
فقال : إن علياً لم يجد بعد ذلك أذى في عينيه ، ولا أذى حر ولا برد » .
وفى سيرة ابن هشام : 3 / 797 : « بعث أبا بكر الصديق برايته وكانت بيضاء فيما قال ابن هشام إلى بعض حصون خيبر ، فقاتل فرجع ولم يك فتح ، وقد جَهِد ! ثم بعث الغد عمر بن الخطاب ، فقاتل ثم رجع ولم يك فتح ، وقد جَهِد ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « عليهم السلام » لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ليس بفرار ! قال : يقول سلمة : فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً رضوان الله عليه وهو أرمد فتفل في عينه ثم قال : خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك .
قال : يقول سلمة : فخرج والله بها يأنج ، يهرول هرولة ، وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن ، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال : من أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب . قال : يقول اليهودي : علوتم وما أنزل على موسي ! أو كما قال . قال : فما رجع حتى فتح الله على يديه » .
11 - قال النبي « صلى الله عليه وآله » لأصحابه الفارين : أميطوا عني !
في اليوم التالي لوعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالفتح ، تطاولت أعناق الصحابة لأخذ الراية ، لاعتقادهم بأن الذي يعطيه الراية سيفتح حصن القموص المستعصي ، حتى لو كان منهزماً ! فردهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! فقد روى أحمد ، الزوائد : 6 / 151 و 9 / 124 ووثقه « عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله أخذ الراية فهزها ثم قال : من يأخذها بحقها ؟ فجاء فلان فقال : أمِطْ « إذهب عني ! » ثم جاء رجل آخر فقال : أمط ! ثم قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : والذي كرم وجه محمد لأعطينها رجلاً لا يفر ، هاك يا علي ! فانطلق حتى فتح الله عليه » . وشرح الأخبار : 1 / 321 والعمدة / 139 ، وأبو يعلي : 2 / 499 ، أحمد : 3 / 16 ، تاريخ دمشق : 1 / 194 ونهاية ابن الأثير : 4 / 381 .
وفى تاريخ دمشق : 42 / 104 وغيره : « قال من يأخذها بحقها ؟ فجاء الزبير فقال : أنا . فقال : أمط ! ثم قام آخر . . . » . وهو يدل على فرار الزبير أيضاً .
وفى الروضة لشاذان بن جبرئيل / 139 : « انهزم جيش أبى بكر وعمر ، فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : ما بال أقوام يلقون المشركين ثم يفرون ؟ ! لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحب الله ويحب رسوله ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار ، يفتح الله على يديه بالنصر ، فلما كان من الغد قال ( صلى الله عليه وآله ) : أين ابن عمى علي ؟ فجاءه وهو أرمد » .
12 - أعطى النبي « صلى الله عليه وآله » الراية لعلي « عليه السلام » ودعا له
في إعلام الوري : 1 / 207 : « حاصرهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بضعاً وعشرين ليلة ، وبخيبر أربعة عشر ألف يهودي في حصونهم . . . فقال : لأعطين الراية غداً رجلاً كراراً غير فرار ، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، لا يرجع حتى يفتح الله على يده . فغدت قريش يقول بعضهم لبعض : أما على فقد كفيتموه فإنه أرمد لا يبصر موضع قدمه . . . قال سعد : جلست نصب عينيه ، ثم جثوت على ركبتي ، ثم قمت على رجلي قائماً ، رجاء أن يدعوني ، فقال : أدعو لي علياً ، فصاح الناس من كل جانب : إنه أرمد رمداً لا يبصر موضع قدمه ! فقال : أرسلوا إليه وادعوه . فأتى به يقاد فوضع رأسه على فخذه ثم تفل في عينيه فقام وكأن عينيه جزعتان « عقيقتان » ثم أعطاه الراية ودعا له ، فخرج يهرول هرولة ، فوالله ما بلغت أخراهم حتى دخل الحصن . قال جابر : فأعجلنا أن نلبس أسلحتنا ، وصاح سعد : يا أبا الحسن إربع يلحق بك الناس ، فأقبل حتى ركزها قريباً من الحصن ، فخرج إليه مرحب في عادية اليهود . . » .
وفى الكافي : 5 / 47 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « شعارنا : يا محمد يا محمد وشعارنا يوم بدر : يانصر الله اقترب اقترب . . ويوم خيبر يوم القموص : يا علي آتهم من عل » .
وفى الخصال / 554 ، أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) احتجَّ على أهل الشورى بوصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبجهاده بين يديه ، ومما قال لهم : « استخلف الناس أبا بكر وأنا والله أحق بالأمر وأولى به منه ، واستخلف أبو بكر عمر وأنا والله أحق بالأمر وأولى به منه ، إلا أن عمر جعلني مع خمسة نفر أنا سادسهم ، لا يعرف لهم على فضل ! . . . نشدتكم بالله أيها النفر هل فيكم أحد وحَّدَ الله قبلي ؟ قالوا : اللهم لا . . . قال : نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين رجع عمر يجبن أصحابه ويجبنونه قد رد راية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منهزماً ، فقال له رسول الله : لأعطين الراية غداً رجلاً ليس بفرار ، يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ، لا يرجع حتى يفتح الله عليه ، فلما أصبح قال : ادعوا لي علياً فقالوا : يا رسول الله هو رمدٌ ما يطرف ! فقال : جيئونى به ، فلما قمت بين يديه تفل في عيني وقال : اللهم أذهب عنه الحر والبرد ، فأذهب الله عنى الحر والبرد إلى ساعتي هذه ، وأخذت الراية فهزم الله المشركين وأظفرنى بهم ، غيري ؟ قالوا : اللهم لا » .
وفى الصحيح من السيرة : 17 / 243 : « فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم . ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى وحق رسوله . فوالله لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم . وقال أبو هريرة : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي : إذهب فقاتلهم حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت . . فخرج بها والله يأنج ، يهرول هرولة ، وإنَّا لخلفه نتبع أثره حتى ركزها تحت الحصن . فاطلع يهودي من رأس الحصن فقال : من أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب . فقال اليهودي : علوتم والذي أنزل التوراة على موسي . فما رجع حتى فتح الله تعالى على يديه ! وشرح الأخبار : 1 / 302 .
وعن حذيفة : لما تهيأ على ( عليه السلام ) للحملة قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي ، والذي نفسي بيده إن معك من لايخذلك ، هذا جبريل ( عليه السلام ) عن يمينك ، بيده سيف لو ضرب الجبال لقطعها ، فاستبشر بالرضوان والجنة . يا علي : إنك سيد العرب وأنا سيد ولد آدم » ! وفى رواية : أنه ( صلى الله عليه وآله ) ألبسه درعه الحديد وشد ذا الفقار في وسطه وأعطاه الراية ووجّهه إلى الحصن ، فقال على ( عليه السلام ) : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ الخ . . فخرج على بها وهو يهرول .
وفى نص آخر : أركبه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم خيبر وعممه بيده وألبسه ثيابه ، وأركبه بغلته ثم قال له : إمض يا علي وجبرئيل عن يمينك ، وميكائيل عن يسارك ، وعزرائيل أمامك ، وإسرافيل وراءك ، ونصر الله فوقك ، ودعائي خلفك » !
وفى صحيح مسلم : 7 / 121 : « قال عمر بن الخطاب : ما أحببت الإمارة إلا يومئذ ! قال فتساورت لها رجاء أن أدعى لها ! قال : فدعا رسول الله علي بن أبي طالب فأعطاه إياها ، فقال : إمش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ! قال : فسار على شيئاً ثم وقف ولم يلتفت فصرخ ، قال : يا رسول الله على ماذا أقاتل ؟ قال : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله » .
13 - وصل علي « عليه السلام » إلى الحصن قبل الجيش !
في مناقب آل أبي طالب : 2 / 320 : « الواقدي : فوالله ما بلغ عسكر النبي أُخَيرَاه حتى دخل على حصون اليهود كلها ، وهى قموص ، وناعم ، وسلالم ، ووطيح ، وحصن المصعب بن معاد ، وغنم . وكانت الغنيمة نصفها لعلى ونصفها
لسائر الصحابة .
شعبة وقتادة والحسن وابن عباس : أنه نزل جبرئيل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال له : إن الله تبارك وتعالى يأمرك يا محمد ويقول لك : إني بعثت جبرئيل إلى علي لينصره ، وعزتي وجلالي ما رمى على حجراً إلى أهل خيبر إلا رمى جبرئيل حجراً ، فادفع يا محمد إلى علي سهمين من غنائم خيبر ، سهماً له وسهم جبرئيل معه » .
14 - اليهود يعرفون أن نهايتهم على يد حيدرة
روى في الإحتجاج : 1 / 307 ، أن راهباً جاء إلى المدينة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) فجرى بينه وبين أبى بكر كلام فدخل على ( عليه السلام ) فقال له أبو بكر : « أيها الراهب سله فإنه صاحبك وبغيتك ، فأقبل الراهب بوجهه إلى علي ( عليه السلام ) ثم قال : يا فتى ما اسمك ؟ قال : إسمى عند اليهود إليا ، وعند النصارى إيليا ، وعند والدي علي ، وعند أمي حيدرة ، قال : ما محلك من نبيكم ؟ قال : أخي وصهري وابن عمى لِحّاً . قال : الراهب : أنت صاحبي ورب عيسى » .
وفى مدينة المعاجز : 1 / 173 : « إن اليهود من خيبر يجدون في كتابهم أن الذي يدمرهم إليا » وروى في الإرشاد : 1 / 126 ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أعطى الراية لعلى ( عليه السلام ) وقال له : « خذ الراية وامض بها ، فجبرئيل معك ، والنصر أمامك ، والرعب مبثوث في صدور القوم ، واعلم يا علي أنهم يجدون في كتابهم أن الذي يدمر عليهم اسمه إيليا . فإذا لقيتهم فقل أنا علي ، فإنهم يخذلون إن شاء الله » .
15 - عَبَر الخندق وقصد مرحباً وفرسانه !
في الخرائج : 1 / 217 : « روى مكحول أن مرحباً اليهودي قدمته اليهود لشجاعته ويساره ، وكان طويل القامة عظيم الهامة ، وما وافقه قرن لعظم خلقه ! وكانت له ظئر « مرضعة » قرأت الكتب وكانت تقول له : قاتل كل من قاتلك إلا من يسمى بحيدرة ، فإنك إن وقفت له هلكت ! فلما كثرت مناوشته « غطرسته » وبَعُلَ الناس بمكانه « تحيرهم فيه » شكوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسألوه أن يخرج إليه علياً ( عليه السلام ) وكان أرمد ، فتفل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في عينه فصحت ، ثم قال له : يا علي إكفنى مرحباً ! فخرج إليه فلما بصر به مرحب أسرع إليه فلم يره يعبأ به فتحير ، ثم قال : أنا الذي سمتني أمي مرحبا . فقال علي : أنا الذي سمتني أمي حيدرة . فلما سمعها هرب ولم يقف مما حذرته ظئره ، فتمثل له إبليس وقال : إلى أين ؟ قال : حذرت ممن اسمه حيدرة . قال : أولم يكن حيدرة إلا هذا ؟ حيدرة في الدنيا كثير ، فارجع فلعلك تقتله ، فإن قتلته سدت قومك وأنا في ظهرك . فما كان إلا كفواق ناقة حتى قتله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) » !
وفى مسند أحمد : 4 / 52 : « فخرج مرحب يخطر بسيفه فقال :
قد علمت خيبر أنى مرحبُ * شاكي السلاح بطلٌ مجربُ
إذا الحروب أقبلت تلهَّب
فقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :
أنا الذي سمتني أمي حيدره * كليث غابات كريه المنظره
أوفيهمُ بالصاع كَيلَ السنَّدرة
ففلق رأس مرحب بالسيف وكان الفتح على يديه » .
« فضربه على على هامته حتى عض السيف منها بأضراسه ! وسمع أهل العسكر صوت ضربته ! فما تتام آخر الناس مع علي حتى فتح الله له ولهم » . الطبري : 2 / 300 .
وعن أم سلمة : « سمعت وقْع السيف في أسنان مرحب » ! مجمع الزوائد : 6 / 152 ووثقه .
وفى بعض المصادر : شق رأسه وجسده نصفين حتى بلغ السرج !
معارج النبوة / 323 .
16 - بعد قتله مرحباً هاجم الحصن وقلع بابه !
تدل أحاديث خيبر على أن حملات المسلمين على حصن القموص كانت تتوقف عند الخندق الذي قبل الحصن ، ولا تتجاوزه !
ولذلك كان مرحب يخرج من الحصن هو وعاديته أي نخبة فرسانه ، ويتبختر أمام المسلمين ويتحداهم أن يعبروا ، فلا يجرأ منهم أحد على العبور !
إلى أن كان يومٌ رأى مرحب وفرسانه شخصاً وصل بمفرده قبل جيش المسلمين وعبر الخندق ، ووقف في مواجهتهم ، فكان ذلك علياً ( عليه السلام ) !
وأجاب على ( عليه السلام ) على شعر مرحب ثم كلمه ودعاه إلى الإسلام ، فاستشاط غضباً وحمل عليه وضربه ، فتلقى على ( عليه السلام ) الضربة ووجه اليه ضربته التاريخية فقدَّت خوذته الصخرية ، ومغفره ، ورأسه ، وقد تكون وصلت إلى فرسه !
وقال في تاريخ الخميس : 2 / 51 : « وقتل على يومئذٍ ثمانية من رؤسائهم ، وفر الباقون إلى الحصن » . ومن المؤكد أنه ( عليه السلام ) قتل أخ مرحب ويدعى ياسر ، لكن ذلك كان في فتحه حصن ناعم ، ولم أستطع التحقق من أنه ( عليه السلام ) قتل أحداً غير مرحب قبل دخول حصن القموص ، فقد اندهشوا بمصرع مرحب ، ففروا إلى داخل الحصن وأغلقوا بابه فلحقهم على ( عليه السلام ) ! وفى صعوده انهالت عليه سهام اليهود وأحجارهم من أبراج الحصن وسطوحه ، وكان يتجنبها أو يردها بترسه حتى تكسر ، فوجد باب حديد صغير ملقى فاتخذه ترساً ، حتى وصل إلى باب الحصن فأمسك بحلقته وهزه ثم دحاه بقدرة الله تعالى واقتلعه من أساسه فانذعر اليهود ! ودخل ( عليه السلام ) الحصن وحده ، فواجهه بعض فرسانهم فقتله ، ودوى صوته بالتكبير » !
في ذلك الوقت تمكن بعض المسلمين من عبور الخندق ، وقد يكون وصل بعضهم إلى علي ( عليه السلام ) لكن أكثرهم ما زالوا وراء الخندق يحاولون العبور ، فأخذ على ( عليه السلام ) باب الحصن وجعله لهم جسراً حتى عبروا !
ثم دخل أمامهم إلى الحصن ، وقد يكون وقع فيه قتال ، لكن خوف اليهود كان شديداً من مصرع مرحب ، فأعلنوا الاستسلام !
وقد عدَّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) جهاده في خيبر أحد الإمتحانات السبع التي امتحنها الله بها في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال في جواب أحد أحبار اليهود ، كما في الخصال / 369 .
« وأما السادسة يا أخا اليهود ، فإنا وردنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مدينة أصحابك خيبر على رجال من اليهود وفرسانها من قريش وغيرها ، فتلقونا بأمثال الجبال من الخيل والرجال والسلاح ، وهم في أمنع دار وأكثر عدد ، كل ينادى ويدعو ويبادر إلى القتال ، فلم يبرز إليهم من أصحابي أحد إلا قتلوه حتى إذا احمرت الحدق ، ودعيت إلى النزال وأهمت كل امرئ نفسه ، والتفت بعض أصحابي إلى بعض وكل يقول : يا أبا الحسن إنهض ، فأنهضنى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى دارهم فلم يبرز إلى منهم أحد إلا قتلته ، ولا ثبت لي فارس إلا طحنته ، ثم شددت عليهم شدة الليث على فريسته ، حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسدداً عليهم ، فاقتلعت باب حصنهم بيدي حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي ، أقتل من يظهر فيها من رجالها ، وأسبى من أجد من نسائها ، حتى افتتحتها وحدي ، ولم يكن لي فيها معاون إلا الله وحده ! ثم التفت ( عليه السلام ) إلى أصحابه فقال : أليس كذلك ؟ قالوا :
بلى يا أمير المؤمنين » !
أقول : يدل على أن رجالاً من فرسان قريش كانوا في خيبر لنصرة اليهود ، فلا بد أن تكون قريش بعثت بهم سراً ، أو يكونون أفراداً لهم علاقات مع اليهود .
قال المفيد في الإرشاد : 1 / 127 : « ولما قتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مرحباً رجع من كان معه وأغلقوا باب الحصن عليهم دونه ، فصار أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إليه فعالجه حتى فتحه وأكثر الناس من جانب الخندق لم يعبروا معه ، فأخذ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) باب الحصن فجعله على الخندق جسراً لهم حتى عبروا وظفروا بالحصن ونالوا الغنائم فلما انصرفوا من الحصن أخذه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بيمناه ، فدحا به أذرعاً من الأرض ، وكان الباب يغلقه عشرون رجلاً منهم » !
وأضاف العلامة في كشف اليقين / 141 : « وقال ( عليه السلام ) : ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية ولكن بقوة ربانية » .
وفى إعلام الوري : 1 / 207 : « قال أبان : حدثني زرارة قال : قال الباقر ( عليه السلام ) : انتهى إلى باب الحصن وقد أغلق في وجهه فاجتذبه اجتذاباً وتترس به ، ثم حمله على ظهره واقتحم الحصن اقتحاماً . واقتحم المسلمون والباب على ظهره ، قال : فوالله ما لقى على ( عليه السلام ) من الناس تحت الباب أشد مما لقى من الباب ثم رمى بالباب رمياً » .
وفى مناقب آل أبي طالب : 2 / 125 : « روى أحمد بن حنبل عن مشيخته عن جابر الأنصاري أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دفع الراية إلى علي ( عليه السلام ) في يوم خيبر بعد أن دعا له فجعل يسرع السير وأصحابه يقولون له إرفق ، حتى انتهى إلى الحصن فاجتذب بابه فألقاه على الأرض ، ثم اجتمع منا سبعون رجلاً وكان جهدهم أن أعادوا الباب » .
قال الحميري : وألقى باب حصنهم بعيداً ولم يك يستقل بأربعينا
وفى مجمع الزوائد : 6 / 151 ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « فانطلقت حتى أتيتهم ، فإذا فيهم مرحب يرتجز ، حتى التقينا فهزمه الله وانهزم أصحابه وتحصنوا ، وأغلقوا الباب فأتيت الباب فلم أزل أعالجه حتى فتحه الله » .
وقد روت عامة المصادر حديث عبد الله بن عمر ، كما في أمالي الصدوق / 604 ، وروضة الواعظين / 126 ، قال : « إن رسول الله دفع الراية يوم خيبر إلى رجل من أصحابه فرجع منهزماً ، فدفعها إلى آخر فرجع يجبن أصحابه ويجبنوه . . فلما أصبح قال : ادعوا لي علياً . . . قال : لما دنا من القموص ، أقبل أعداء الله من اليهود يرمونه بالنبل والحجارة ، فحمل عليهم على ( عليه السلام ) حتى دنا من الباب فثنى رجله ، ثم نزل مغضباً إلى أصل عتبة الباب فاقتلعه ثم رمى به خلف ظهره أربعين ذراعاً .
قال ابن عمر : وما عجبنا من فتح الله خيبر على يدي علي ، ولكنا عجبنا من قلعه الباب ورميه خلفه أربعين ذراعاً ، ولقد تكلف حمله أربعون رجلاً فما أطاقوه ، فأخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بذلك فقال : والذي نفسي بيده لقد أعانه عليه أربعون ملكاً !
وروى أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال في رسالته إلى سهل بن حنيف : والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدية ، ولا بحركة غذائية ، لكني أيدت بقوة ملكوتية ، ونفس بنور ربها مضية ، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء ! والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت ، ولو أمكنتنى الفرصة من رقابها لما بغيت » .
وقال ابن حجر المتعصب ، في الإصابة : 4 / 466 : « ومن خصائص على قوله ( صلى الله عليه وآله ) يوم خيبر : لأدفعن الراية غداً إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ، فلما أصبح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غدوا كلهم يرجو أن يعطاها . .
وروى في آخره قصة مرحب قال : « فضربه على هامته ضربة حتى عض السيف منه بيضة رأسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته ، فما قام آخر الناس حتى فتح الله
لهم . وفى المسند لعبد الله بن أحمد بن حنبل من حديث جابر : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما دفع الراية لعلى يوم خيبر أسرع ، فجعلوا يقولون له : إرفق ! حتى انتهى إلى الحصن ، فاجتذب بابه فألقاه على الأرض ، ثم اجتمع عليه سبعون رجلاً حتى أعادوه . . » .
17 - الباب الذي تترس به « عليه السلام » غير الباب الذي قلعه
قال المقريزي في الإمتاع : 1 / 310 : « وزعم بعضهم أن حمل على باب خيبر لا أصل له وإنما يروى عن رعاع الناس ، وليس كذلك فقد أخرجه ابن إسحاق في سيرته عن أبي رافع ، وأن سبعة لم يقلبوه ، وأخرجه الحاكم من طرق منها عن أبي على الحافظ ، حدثنا الهيثم بن خلف الدوري . . . عن جابر : أن علياً حمل الباب يوم خيبر وأنه جُرِّب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلاً »
وفى سيرة ابن هشام : 3 / 798 : « عن أبي رافع ، مولى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله برايته ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود فطاح ترسه من يده ، فتناول على باباً كان عند الحصن فترَّس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتني في نفر سبعة معي أنا ثامنهم ، نجهد على أن نقلب ذلك الباب ، فما نقلبه » ! وتاريخ الطبري : 2 / 301 .
وفى أعيان الشيعة : 1 / 405 : « وهذا الباب غير باب الحصن ، بل هو باب أصغر منه كان ملقى عند الحصن ، أخذه على فتترس به » .
وقال اليعقوبي : 2 / 56 : « فقتل مرحباً اليهودي واقتلع باب الحصن ، وكان حجارة طوله أربعة أذرع في عرض ذراعين في سمك ذراع ، فرمى به علي بن أبي طالب خلفه ودخل الحصن ودخله المسلمون » .
وقد تفرد اليعقوبي في أن باب خيبر كان من حجر ، والمعروف أنه من حديد ، ولعل باب حصن ناعم من حجر ، فقد قلعه على ( عليه السلام ) أيضاً !
18 - وكان أمير المؤمنين « عليه السلام » قلع باب حصن ناعم أيضاً !
روت بعض مصادر السنة كالسيرة الحلبية والعيني في عون المعبود : 8 / 172 ، أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قلع أيضاً باب حصن ناعم ، وهو أول حصن فتحه ( عليه السلام ) ، ولم تذكر الرواية حجم الباب ، ولا بد أنه كان أصغر من باب حصن القموص ، وتقدم أنه ( عليه السلام ) قتل هناك ياسر أخ مرحب ، ويفهم منها أن فتح الحصون كلها كان على يده ( عليه السلام ) ، ولكن رواة السلطة تفننوا في إخفاء مناقبه ونسبتها إلى آخرين !
19 - وتلقاه النبي « صلى الله عليه وآله » وبشره بنزول الوحي فيه !
في إعلام الوري : 1 / 207 : « وخرج البشير إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن علياً دخل الحصن ، فأقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فخرج على ( عليه السلام ) يتلقاه ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : قد بلغني نبؤك المشكور وصنيعك المذكور ، قد رضى الله عنك ورضيت أنا عنك . فبكى على ( عليه السلام ) فقال له : ما يبكيك يا علي ؟ فقال : فرحاً بأن الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله )
عنى راضيان » .
أقول : معناه أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) جاء إلى حصن خيبر لأول مرة فخرج على ( عليه السلام ) يتلقاه ! وما إن أخبره برضا الله ورضاه عليه حتى بكي !
فاعجب لهذه الرقة الإنسانية والعبودية المرهفة لله تعالي ، من شخص دوَّى صوت ضربته قبل ساعتين ، وقدَّ خوذة بطل اليهود وهامته نصفين ، ثم انقضَّ على الحصن كأنه كاسحة ألغام ، فقلع بابه ورفعه وأردى أبطال اليهود وأخضع اليهود ! وإذا به أمام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يبكى بكاء الطفل ، فرحاً برضا الله ورسوله عليه ! هذا ، ويبدو أن هذا المشهد تكرر من على ( عليه السلام ) عندما نزل جبرئيل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مرات عديدة برضا الله تبارك وتعالى عليه ومديحه .
ففي أحُد قال للنبي ( صلى الله عليه وآله ) « المناقب : 1 / 385 » : « أصابني ست عشرة ضربة سقطت إلى الأرض في أربع منهن فأتاني رجل حسن الوجه حسن اللمة طيب الريح فأخذ بضبعى فأقامني ، ثم قال : أقبل عليهم فإنك في طاعة الله وطاعة رسول الله وهما عنك راضيان ، فقال : يا علي أقر الله عينك ، ذاك جبرئيل » .
وعندما أرسله النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مهمة إلى وادى الرمل « الإرشاد : 1 / 116 » وكانت مجموعة من فاتكى العرب جاؤوا ليقتلوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأجاد وأحسن ، فنزلت سورة العاديات ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأصحابه : « هذا جبرئيل يخبرني أن علياً قادم ، ثم خرج إلى الناس فأمرهم أن يستقبلوا علياً ( عليه السلام ) ، وقام المسلمون له صفين مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلما بصر بالنبي ترجل عن فرسه وأهوى إلى قدميه يقبلهما ، فقال له : إركب فإن الله تعالى ورسوله عنك راضيان . فبكى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فرحاً » .
20 - ثم فتح النبي « صلى الله عليه وآله » حصني السلالم والوطيح
في معجم البلدان : 5 / 379 : « سمى بالوطيح بن مازن رجل من ثمود ، وكان الوطيح أعظمها ، وآخر حصون خيبر فتحاً هو والسلالم ، وفى كتاب الأموال لأبى عبيد الوطيحة بالهاء » .
وفى الصحيح من السيرة : 18 / 170 : « قال ابن إسحاق : وتدنَّى رسول الله الأموال يأخذها مالاً مالاً ويفتحها حصناً حصناً ، حتى انتهوا إلى ذينك الحصنين ، أعنى الوطيح وسلالم الذي هو حصن بنى الحقيق وهو آخر حصون خيبر ، وجعلوا لا يطلعون من حصنهم حتى همَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن ينصب عليهم المنجنيق لما رأى من تغليقهم وأنه لا يبرز منهم أحد . فلما أيقنوا بالهلكة وقد حصرهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أربعة عشر يوماً سألوا رسول الله الصلح ، فأرسل كنانة بن أبي الحقيق إلى رسول الله رجلاً من اليهود يقال له شماخ ، يقول : إِنزل فأكلمك ؟ فقال رسول الله : نعم ، فنزل كنانة بن أبي الحقيق ، فصالح رسول الله على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة وترك الذرية لهم ، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم ويخلون بين رسول الله وبين ما كان لهم من مال وأرض ، وعلى الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة ، وعلى البز إلا ثوباً على ظهر إنسان . . ووجد في ذينك الحصنين مائة درع وأربع مائة سيف وألف رمح ، وخمس مائة قوس عربية بجعابها . ووجدوا صحائف متعددة من التوراة فجاءت يهود تطلبها فأمر ( صلى الله عليه وآله ) بدفعها إليهم . وبذلك يكون الوطيح وسلالم فيئاً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ لم يحصل قتال في هذين الحصنين » . ونحوه تاريخ الطبري : 2 / 302 وتاريخ خليفة / 49 .
21 - أوسمة النبي « صلى الله عليه وآله » لعلي « عليه السلام » في خيبر
أ . روى الجميع قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه . وهو حديث متواتر ، وفى رواية : « ليس بفرار » . وفى رواية الحاكم : « لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله أبداً » . وفى رواية الخصال : « ويحبه الله ورسوله ، في ثناء كثير » . وفى رواية سُليم : « ليس بجبان ولا فرار » . وفى رواية شرح الأخبار : « يفتح خيبر عنوة » . وفى رواية الإرشاد : « أرونيه تروني رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها بحقها ليس بفرار » . وفى رواية مجمع الزوائد : « يقاتلهم حتى يفتح الله له » . وفى سنن النسائي : 5 / 112 : « يقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله » . وكررها النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الغد وقال اليوم .
ب . تقدم عن حذيفة « رحمه الله » قال : « لما تهيأ على ( عليه السلام ) للحملة قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي والذي نفسي بيده إن معك من لايخذلك ، هذا جبريل عن يمينك ، بيده سيف لو ضرب الجبال لقطعها ، فاستبشر بالرضوان والجنة . يا علي ، إنك سيد العرب ، وأنا سيد ولد آدم » ! السيرة الحلبية : 2 / 736 .
وقال في الصحيح من السيرة : 18 / 36 ، ملخصاً : « ثم إنه ( صلى الله عليه وآله ) شرَّف علياً ( عليه السلام ) بوسام كان هو الأصعب على حاسديه ومناوئيه ، الذين لم يكن يهمهم أن يقول فيه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما شاء مما يرتبط بالآخرة أو في عالم السماء والملائكة ، بشرط أن لا يؤثر على مشاريعهم الدنيوية التي يرون علياً ( عليه السلام ) هو المانع الأكبر من وصولهم إليها كهذا التصريح النبوي الذي يوجه المؤمنين أن لا يرضوا بغيره قائداً وسيداً » .
أقول : تعمد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يعلن هذا الوسام لعلى ( عليه السلام ) في خيبر ، وقد أعلنه قبلها وبعدها ، كما روته مصادر الطرفين ، ففي أمالي الطوسي / 608 ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة « عليها السلام » : « ثم إن الله تعالى اختارني من أهل بيتي ، واختار علياً والحسن والحسين ، واختارك . فأنا سيد ولد آدم ، وعلى سيد العرب ، وأنت سيدة النساء ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ومن ذريتكما المهدى يملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت من قبله جوراً » .
ورواه الحاكم : 3 / 124 ، عن عائشة قالت : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أُدعوا لي سيد العرب ، فقلت : يا رسول الله ألست سيد العرب ؟ فقال : أنا سيد ولد آدم وعلى سيد العرب » . « وابن أبي شيبة : 7 / 474 ، بغية الباحث / 283 ، أوسط الطبراني : 2 / 127 ، الرازي في تفسيره : 6 / 212 ، تاريخ بغداد : 11 / 90 » وفيه : إذا سرك أن تنظري إلى سيد العرب فانظري إلى علي .
ج . في المناقب للخوارزمي / 129 ، بسنده عن علي ( عليه السلام ) قال : « قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم فتحت خيبر : لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم ، لقلت فيك اليوم مقالاً ، لا تمرُّ على ملأ من المسلمين إلا أخذوا من تراب رجليك وفضل طهورك يستشفون به ! ولكن حسبك أن تكون منى وأنا منك ترثني وأرثك ، وأنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، أنت تؤدى ديني وتقاتل على سنتي ، وأنت في الآخرة أقرب الناس مني ، وأنت غداً على الحوض خليفتي تذود عنه المنافقين ، وأنت أول من يرد على الحوض ، وأنت أول داخل الجنة من أمتي ، وإن شيعتك على منابر من نور رواء مرويين ، مبيضة وجوههم حولي ، أشفع لهم فيكونون غداً في الجنة جيراني . وإن عدوك غداً ظماء مظمئين ، مسودة وجوههم مقمحين . حربك حربي وسلمك سلمي ، وسرك سرى وعلانيتك علانيتي ، وسريرة صدرك كسريرة صدري ، وأنت باب علمي ، وإن ولدك ولدي ، ولحمك لحمي ودمك دمي ، وإن الحق معك والحق على لسانك وفى قلبك وبين عينيك ، والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ، وأن الله عز وجل أمرني أن أبشرك أنك وعترتك في الجنة ، وأن عدوك في النار . يا علي ، لا يرد على الحوض مبغض لك ، ولا يغيب عنه محب لك ، قال قال علي : فخررت له سبحانه وتعالى ساجداً وحمدته على ما أنعم به على من الإسلام والقرآن ، وحببني إلى خاتم النبيين وسيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) » . ومناقب محمد بن سليمان : 1 / 249 ، شرح الأخبار : 2 / 381 ، كنز الفوائد / 281 وفى آخره في ثلاثتها : « فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي لولا أنت لم يعرف المؤمنون بعدي » . والصحيح من السيرة : 18 / 38 . وروته مصادر السنة ولعله صحيح على مبانيهم ، كالطبرانى في الكبير : 1 / 320 والزوائد : 9 / 131 .
22 - أفٍّ وتُفّ لمن ينكر فضائل علي « عليه السلام » !
روينا وروى السنة هذا الموقف لابن عباس ، كالنسائى في خصائص على ( عليه السلام ) / 62 ، عن عمرو بن ميمونة قال : « إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا : يا ابن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو بنا بين هؤلاء . فقال ابن عباس : بل أنا أقوم معكم . قال : وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمي ، قال : فابتدؤوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا ، قال : فجاء وهو ينفض ثوبه وهو يقول : أفٍّ وتُفّ ، وقعوا في رجل له بضع عشر ! وقعوا في رجل قال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « عليهم السلام » لأبعثن رجلاً يحب الله ورسوله لا يخزيه الله أبداً ، قال : فاستشرف لها من استشرف فقال : أين ابن أبي طالب ؟ قيل : هو في الرحى يطحن ، قال : وما كان أحدكم ليطحن ، قال : فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر فتفل في عينيه ثم هز الراية ثلاثاً فدفعها إليه . . الخ . ثم ذكر ابن عباس عدة مناقب لعلى ( عليه السلام ) منها أن الله أمر نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يأخذ سورة براءة من أبى بكر ويدفعها اليه ، لأنه لا يبلغ عنه إلا هو أو رجل منه ، وأن علياً أول من أسلم ، ونزول آية التطهير فيه وفى زوجته وولديه « عليهم السلام » ، ومبيته على فراش النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليلة الهجرة ، وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبى بعدي . . الخ » . ورواه النسائي في سننه : 5 / 113 ، أحمد : 1 / 330 ، الحاكم : 3 / 132 ، السنة لابن أبي عاصم / 588 ، تاريخ دمشق : 42 / 101 ، نهاية ابن كثير : 7 / 374 ، الخوارزمي / 125 ، فرات / 341 ، كشف اليقين / 27 ، ينابيع المودة : 1 / 110 ، شرح الأخبار : 2 / 299 ، المراجعات / 195
وقال صححه الذهبي .
23 - قريش تفرح لساعات بخبر انتصار اليهود على النبي « صلى الله عليه وآله »
روى ذلك ابن إسحاق وتلقاه الحميع بالقبول ، قال كما في سيرة ابن هشام : 3 / 806 ، عن الحجاج السلمي ، وكان تاجراً ثرياً وهو والد نصر بن الحجاج المعروف بجماله ، قال : « ولما فتحت خيبر كلم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الحجاج بن علاط السلمى ثم البهزي فقال : يا رسول الله إن لي بمكة مالاً عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة وكانت عنده ، له منها معرض بن الحجاج ومال متفرق في تجار أهل مكة فأذنْ لي يا رسول الله فأذن له ، قال : إنه لابد لي يا رسول الله من أن أقول ! قال : قل . قال الحجاج : فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثنية البيضاء رجالاً من قريش يتسمعون الأخبار ، ويسألون عن أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد بلغهم أنه قد سار إلى خيبر ، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز ريفاً ومنعةً ورجالاً ، فهم يتحسسون الأخبار ويسألون الركبان فلما رأوني قالوا : الحجاج بن علاط - قال : ولم يكونوا علموا بإسلامي - عنده والله الخبر ، أخبرنا فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر وهى بلد يهود وريف الحجاز ، قال : قلت : قد بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسركم ، قال : فالتبطوا بجنبى ناقتي يقولون : إيه يا حجاج ! قال : قلت : هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ، وقتل أصحابه قتلاً لم تسمعوا بمثله قط ، وأسر محمد أسراً ، وقالوا : لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم ! قال : فقاموا وصاحوا بمكة ، وقالوا : قد جاءكم الخبر ، وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم ،
فيقتل بين أظهركم !
قال قلت : أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي ، فإني أريد أن أقدم خيبر فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك . . . ثم ذكر أنه جمع ديونه ، وهرب من مكة » .
24 - كنوز آل أبي الحقيق
قال في الصحيح من السيرة : 18 / 46 ، ملخصاً : « أخذ المسلمون في جملة غنائم خيبر حلى آل أبي الحقيق ، وكانت أول الأمر في مسك حمل ، فلما كثرت جعلوها في مسك ثور ، ثم في مسك جمل عند الأكابر من آل أبي الحقيق ، وكانوا يعيرونها العرب . السيرة الحلبية : 3 / 42 . والمسك الجلد .
وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صالحهم على أن يخرجوا بأنفسهم وأهليهم وللنبي ( صلى الله عليه وآله ) الصفراء والبيضاء والحلقة والسلاح ، وشرطوا للنبي ( صلى الله عليه وآله ) أن لا يكتموه شيئاً فإن فعلوا فلا ذمة لهم . سنن البيهقي : 4 / 229 .
وفى السيرة الحلبية : 3 / 42 : أن جبرئيل ( عليه السلام ) أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمكانه فأخذه . ووجدوا فيه أساور ودمالج وخلاخل وأقرطة وخواتيم الذهب وعقود الجواهر والزّمرّد ، وعقود أظفار مجزع بالذهب .
25 - زواج النبي « صلى الله عليه وآله » بصفية بنت حُيى بن أخطب
في إعلام الوري : 1 / 208 : « وأخذ على فيمن أخذ صفية بنت حيي ، فدعا بلالاً فدفعها إليه وقال له : لاتضعها إلا في يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى يرى فيها رأيه ، فأخرجها بلال ومر بها إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على القتلى وقد كادت تذهب روحها ! فقال لبلال : أنزعت منك الرحمة يا بلال ! ثم اصطفاها ثم أعتقها وتزوجها » .
وفى كتاب سُليم / 409 : « فأعتقها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها » .
وفى سيرة ابن إسحاق : 5 / 246 : « كانت صفية رأت قبل ذلك أن قمراً وقع في حجرها فذكرت ذلك لأبيها فضرب وجهها ضربة أثرت فيه ، وقال : إنك لتمدين عنقك أن تكوني عند ملك العرب ! فلم يزل الأثر في وجهها حتى أتى بها إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فسألها عنه فأخبرته خبره . . لما تزوج رسول الله صفية ابنة حيي ، دعا الناس على مأدبتة وهى يومئذ بالحيس والتمر » .
« قالوا : إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين ، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه . فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومد الحجاب » . صحيح بخاري : 5 / 77 .
26 - ما أدرى بأيها أنا أسَرّ : بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ؟
أبقى النبي ( صلى الله عليه وآله ) جعفر بن أبي طالب رضى الله في الحبشة خمس عشرة سنة ، من الخامسة للبعثة إلى السابعة للهجرة ، حتى أمره بالعودة بمن بقي من المهاجرين وكان عددهم ستة عشر ، « ابن هشام : 3 / 818 » فوصلوا والنبي ( صلى الله عليه وآله ) في خيبرفقام النبي لجعفر ومشى اليه والتزمه وقبله بين عينيه ، وقال كلمته المشهورة : « ما أدرى بأيهما أنا أسر بقدوم جعفر أو بفتح خيبر » ! الطبقات : 2 / 108 ، ابن هشام : 3 / 818 ، الخصال / 77 ، مقاتل الطالبيين / 6 والحدائق : 10 / 498 .
وهى كلمة بليغة تعنى أن ما أنجزه جعفر رضي الله عنه من إزالة عقبة المسيحية الرومية من طريق الإسلام نعمة عظيمة ، يوازى إزالة عقبة اليهود من طريق الإسلام بفتح خيبر على يد أخيه على ( عليه السلام ) !
ففي الخصال / 484 : « قام إليه واستقبله اثنتي عشرة خطوة وعانقه وقبَّل ما بين عينيه وبكي ، وقال : لا أدرى بأيهما أنا أشد سروراً : بقدومك يا جعفر ، أم بفتح الله على أخيك خيبر ؟ ! وبكى فرحاً برؤيته » .
وفى تهذيب الأحكام : 3 / 186 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « قال له : يا جعفر ألا أعطيك ؟ ألا أمنحك ؟ ألا أحبوك ؟ قال فتشوف الناس ورأوا أنه يعطيه ذهباً أو فضة ! قال : بلى يا رسول الله . قال : صل أربع ركعات متى ما صليتهن غفر لك ما بينهن ، إن استطعت كل يوم وإلا فكل يومين أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة ، فإنه يغفر لك ما بينهما ! قال : كيف أصليها ؟ قال : تفتتح الصلاة ، ثم تقرأ ثم تقول خمس عشرة مرة وأنت قائم : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر . فإذا ركعت قلت ذلك عشراً ، وإذا رفعت رأسك فعشراً ، وإذا سجدت فعشراً ، فإذا رفعت رأسك فعشراً ، وإذا سجدت الثانية عشراً ، وإذا رفعت رأسك عشراً . فذلك خمس وسبعون ، تكون ثلاثمائة في أربع ركعات فهن ألف ومئتان . وتقرأ في كل ركعة بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون » .
27 - أسلم أبو موسى الأشعري أيام فتح خيبر
صادف وصول سفينة فيها أبو موسى الأشعري من اليمن ، مع وصول سفينة جعفر والمهاجرين ، فحشر نفسه معهم وجعل نفسه من المهاجرين ! قال إنه كان : « في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً فوافقنا النبي ( صلى الله عليه وآله ) حين افتتح خيبر » . صحيح بخاري : 5 / 79 .
وأبو موسى الأشعري غير مرضى عند أهل البيت « عليهم السلام » فقد وصفوه بأنه : « سامرى هذه الأمة » ! « الخصال / 457 » . وشهد عمار بن ياسر بأنه كان من الملثمين الذين أرادوا اغتيال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليلة العقبة !
« عن أبي نجاء حكيم قال : كنت جالساً مع عمار فجاء أبو موسى فقال : ما لي ولك ألست أخاك ؟ قال : ما أدرى إلا أنى سمعت رسول الله يلعنك ليلة الجبل ! قال : إنه قد استغفر لي ! قال عمار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار » !
تاريخ دمشق : 32 / 93 .
28 - أسلم أبو هريرة أيام فتح خيبر
جاء أبو هريرة مع وفد من قبيلته دوس إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان في خيبر فقصدوه إليها وأسلموا ، ويقال جعل لهم سهماً من الغنيمة . وكان أبو هريرة في الثلاثينات من عمره ، وكان فقيراً معدماً ، فسكن في الصفة وهى ملحق بمسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) يسكن فيه المساكين ، ويتصدق عليهم المسلمون .
وهذه صورة لشخصية أبي هريرة من كتاب « شيخ المضيرة أبو هريرة الدوسي » للعالم الأزهري : محمود أبو رية « رحمه الله » :
أ . قال ابن سعد في طبقاته وهو يتكلم عن غزوة خيبر : وقدم الدوسيون فيهم أبو هريرة وقدم الطفيل بن عمرو ، وقدم الأشعريون ورسول الله بخيبر ، فلحقوه بها فكلم رسول الله أصحابه فيهم أن يشركوهم في الغنيمة من غير سهم المقاتلين ففعلوا . وكان عددهم أكثر من خمسين شخصاً .
ب . وبعد رجوعه من خيبر تنكب أبو هريرة طريق العمل للعيش الكريم ، وسكن في صفة المسجد يتلقى ما تجود به نفوس المحسنين من صدقاتهم ، شأن سكنة التكايا والخوانق ، قال أبو هريرة كما رواه أحمد والشيخان : إني كنت امرأ مسكيناً أصحب رسول الله على ملء بطني !
لكنه زعم من ناحية أخرى أنه كان له مزود فيه بقية من تمر فمسها النبي ( صلى الله عليه وآله ) بيده الكريمة وقال له : كل من هذا المزود ما شئت في أي وقت ، وكان المزود معلقاً في حقوه فظل يأكل منه حياة النبي وحياة أبى بكر وحياة عمر وحياة عثمان إلى أن أغارت جيوش الشام على المدينة بعد قتل عثمان فانتهبته . وقد حسب أبو هريرة ما أكله من مزوده في هذه الفترة فوجده مئتى وسق !
وقال أبو هريرة مرة لعائشة كما روى البخاري وابن سعد وابن كثير وغيرهم : شغلك عن رسول الله المرآة والمكحلة ! فقالت له : إنما أنت الذي شغلك بطنك ، وألهاك نهمك عن رسول الله ، حتى كنت تعدو وراء الناس في الطرقات تلتمس منهم أن يطعموك من جوعك ، فينفرون منك ويهربون ، ثم ينتهى بك الأمر إلى أن تصرع مغشياً عليك من الجوع أمام حجرتي ، فيحسب الناس أنك مجنون فيطأون عنقك بأرجلهم .
ج . وكان أبو هريرة نهماً للطعام وجباناً ، وقد جاءت الرواية الصحيحة أنه لما نشب القتال في صفين بين على وبين معاوية ، كان يأكل على مائدة معاوية الفاخرة ، ويصلى وراء علي ، وإذا احتدم القتال لزم الجبل ! وكان يلقب « بشيخ المضيرة » وهو صنف من الطعام كان مشهوراً بين أطعمة معاوية الفاخرة . قال الزمخشري في ربيع الأبرار : وكان أبو هريرة يعجبه المضيرة فيأكلها مع معاوية ، وإذا حضرت الصلاة صلى خلف علي ، فإذا قيل له في ذلك قال : مضيرة معاوية أدسم ، والصلاة خلف على أفضل ، وكان يقال له : شيخ المضيرة .
وعقد بديع الزمان الهمذاني مقامة خاصة بين مقاماته سماها « المقامة المضيرية » غمز فيها أبا هريرة غمزة أليمة فقال : « وحضرنا معه دعوة بعض التجار ، فقدمت إلينا مضيرة ، تثنى على الحضارة ، وتترجرج في الغضارة ، وتؤذن بالسلامة ، وتشهد لمعاوية بالإمامة » ! والمضيرة تعرف في بلاد الشام باللبنية .
د . وقد عاش أبو هريرة في صُفَّة مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) سنة وتسعة أشهر ، ثم بعث النبي العلاء بن الحضرمي إلى البحرين وبعث معه نفراً منهم أبو هريرة ، فبقى في البحرين ، ثم ولى عمر على البحرين قدامة بن مظعون ثم عزله في سنة 20 ، وولى أبا هريرة مكانه ، ثم بلغه عنه خيانة لأمانته فعزله وولى مكانه عثمان بن أبي العاص الثقفي وحاسبه فقال له : أسرقت مال الله ؟ فقال لا . قال : فما جئت لنفسك ؟ قال : عشرين ألفاً . قال : من أين أصبتها ؟ قال كنت أتجر . قال : انظر رأس مالك ورزقك فخذه ، ثم أمر عمر بأن يقبض منه عشرة آلاف ، ثم قام اليه بالدرة فضربه حتى أدماه ، وقال له : يا عدو الله وعدو المسلمين !
ه - . وما كاد أبو هريرة يرجع إلى المدينة معزولاً عن ولايته بالبحرين حتى تلقفه الحبر الأكبر كعب الأحبار اليهودي ، وأخذ يلقنه من إسرائيلياته ، ويدس له من خرافاته ، وكان المسلمون يرجعون إليه ، فسال سيل روايتهما !
وقد أثبت علماء الحديث أمر أخذ أبي هريرة وغيره عن كعب الأحبار وذلك في باب « رواية الأكابر عن الأصاغر أو الصحابة عن التابعين » .
ومما يدلك على أن هذا الكاهن الداهية ، قد طوى أبا هريرة تحت جناحه حتى جعله يردد كلامه بالنص ويجعله حديثاً مرفوعاً إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
و . أبو هريرة يدلس : كانت طريقة أبي هريرة في روايته للحديث أن يرفع كل ما يرويه إلى النبي ، سواء أكان قد سمعه منه مشافهة ، أم أخذه من غيره من الصحابة ، أو من التابعين عنعنة ، وكان لا يميز بين هذا وذاك عند الرواية ، ولا يذكر اسم من أخذ عنه من غير النبي ، وهذا يعد عند المحدثين تدليساً ، ويكون ما يرويه من هذا الباب في حكم « المرسل » وقد أثبت العلماء أن أبا هريرة كان مدلساً لأن أكثر ما رواه بل غالبه لم يأخذه « سماعاً » من النبي ، بسبب تأخر إسلامه وإنما رواه عنعنة عن غيره من الصحابة أو التابعين .
قال يزيد بن إبراهيم : سمعت شعبة يقول : كان أبو هريرة يدلس . وعلق الذهبي على هذا الخبر بقوله : تدليس الصحابة كثير ولا عيب فيه ! وقال الحاكم : قوم يدلسون الحديث . . وأبو هريرة ولا ريب من هذا الجنس ، لأنه كان يروى عن غيره من الصحابة ، دون أن يذكر اسم من روى عنه ، ثم يرفعه إلى النبي !
ز . وقد ثبت أن عمر وعلياً وعثمان وعائشة وغيرهم من كبار الصحابة ، قد كذبوه في وجهه ، وبلغ من أمر عمر معه أن نهاه عن الرواية ثم ضربه عليها ، وبعد ذلك أنذره إذا هو روى أن ينفيه إلى بلاده ! وكان على رضي الله عنه سئ الرأي فيه ، فقد قال : ألا إن أكذب الناس أو قال : أكذب الأحياء على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأبو هريرة الدوسي ! وقال مرة : لا أحد أكذب من هذا الدوسي على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) !
ح . ويضرب المثل للكذب بكيس أبي هريرة أو جرابه ! وقد جعل معاوية أبا هريرة والياً على المدينة ، وأمره أن يضع أحاديث على علي !
قال أبو جعفر الإسكافي : إن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي تقتضى الطعن فيه ، والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ! منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير . . إلخ .
ط . توفى أبو هريرة سنة 59 ، عن ثمانين سنة بقصره بالعقيق ، وحمل إلى المدينة وصلى عليه أمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان .
وقال الشيخ محمود أبو رية « رحمه الله » : « قد سقنا تاريخ أبي هريرة مكشوفاً بعد أن نزعنا عنه ثوب « الراوية » الملفق الذي يظهره في غير صورته وأظهرنا شخصيته على حقيقتها ، من يوم أن كان يرعى الغنم في بلاده ، ثم يخدم ابن عفان وابنة غزوان بطعامه ، وكان يومئذ حافى القدمين لا يستر جسمه إلا إزار بال لا يبلغ نصف الساقين ، كان يجمعه كراهية أن ترى عورته ، إلى أن أصبح من ذوى الثراء العريض ، يتأثل الأراضي الواسعة بالعقيق وبذى الحليفة ، ويبتنى قصراً منيفا بالعقيق ، ويلبس الخز والكتان الممشق ، والساج المزرور بالديباج ، وغير ذلك مما لم يكن يحلم به أو يخطر بباله . ففي مرآته الصافية حقيقة مروياته الكثيرة المنبثة في كتب السنة كلها ، والتي تحمل غرائب وأساطير وخرافات وأوهاما ، وتعزى كلها وا أسفاً إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتنشر بين المسلمين على أنها من حقائق الدين الإسلامي ! تفتح أبواب الطعن على ديننا من أعدائه بأنه دين خرافات وأوهام يعادى العقل ، ويصادم المنطق !
فالأحرى بنا أن ندرأ عن أنفسنا وديننا هذه التهم ولا يأخذنا في ذلك أي اعتبار !
على أن أبا هريرة قد دفن بالعقيق بالمدينة فإنك تجد له ضريحاً عالياً فيه قبة مكسوة بالجوخ ، تعلوها عمامة كبيرة خضراء وهذه القبة داخل مسجد يسمى باسمه ، ويقع هذا المسجد في شارع يشق مدينة الجيزة « بالديار المصرية » من شرقها إلى غربها يسمى « شارع سيدي أبي هريرة » !
وقد رأينا هذا الضريح في يوم السبت الموافق 23 يونيه سنة 1962 وليس بعجيب أن يكون لأبى هريرة قبر في الجيزة غير قبره الذي بالمدينة ، فإن له من شيخه الكبير كعب الأحبار أسوة ! فهذا اليهودي كما هو معلوم مدفون بمدينة حمص بالشام ، ولكن له قبرا آخر فوقه قبة كبيرة تقع بأحد المساجد الكبيرة بحي الناصرية المشهور بالقاهرة . ويعمل لأبى هريرة مولد كل عام !
ومن العجيب أن وزارة الأوقاف بالجمهورية العربية المتحدة تنفق على قبرى أبي هريرة وشيخه من مال المسلمين ، على عين جميع رجال الدين » !
|
|
"علاج بالدماغ" قد يخلص مرضى الشلل من الكرسي المتحرك
|
|
|
|
|
تقنية يابانية مبتكرة لإنتاج الهيدروجين
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يطلق مشروع (حفظة الذكر) في قضاء الهندية
|
|
|