أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-11-2016
2658
التاريخ: 8-11-2017
3847
التاريخ: 6-11-2017
4002
التاريخ: 8-11-2017
2527
|
زياد ابن أبيه أو ابن سمية، هو أحد دهاة العرب وساستها وخطباؤها وقادتها، استكتبه أبو موسى الأشعري يوم كان أميرًا على البصرة في عهد عمر بن الخطاب، ثم استخلفه عبد الله بن عباس على البصرة مدة في أيام الإمام علي. فلما اضطربت فارس ولاه الإمام علي عليها فتمكن بدهائه من إيقاع الشقاق بين الثائرين، وما زال يضرب بعضهم ببعض حتى سكنت الفتن، وزال الاضطراب، وبقي على عمله حتى قُتِلَ الإمام علي، وتولى الحسن وزياد على فارس، فلما تنازل الحسن لمعاوية عن الخلافة بعث معاوية إلى زياد يطالبه في المال، فكتب إليه: «صرفت بعضه في وجهه، واستودعت بعضه للحاجة إليه، وحملت ما فضل إلى أمير المؤمنين رحمه الله»، فكتب إليه معاوية بالقدوم لينظر في ذلك، فامتنع زياد. فما ولى معاوية بسرًا على البصرة أمره باستقدام زياد، فجمع بسر أولاد زياد في البصرة وحبسهم، وهم: عبد الرحمن، وعبد الله، وعباد، وكتب إلى زياد يقول: «لتقدمن أو لأقتلن بنيك»، فامتنع زياد، واعتزم بسر على قتلهم، فسار أبو بكرة — هو أخو زياد لأمه — إلى معاوية، فلما قدم عليه قال: «إن الناس لم يبايعوك على قتل الأطفال، وإن بسرًا يريد قتل بني زياد»، فكتب معاوية إلى بسر يأمره بالإفراج عنهم، فأطلق سراحهم.
وخاف معاوية من زياد فصالحه، واستقدمه إلى الشام، واستلحقه بنسب أبيه سفيان. ثم ولاه البصرة في سنة 45ﻫ/667م.
ولما قدم زياد البصرة دخل مسجدها وصعد منبره، فاجتمع الناس، فخطب خطبته البتراء (1).
الخطبة
أما بعد؛ فإن الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء والغي الموفي بأهله على النار؛ ما فيه سفهاؤكم ويشتمل عليه حلماؤكم، من الأمور التي ينبت فيها الصغير، ولا يتحاشى عنها الكبير، كأنكم لم تقرؤوا كتاب الله، ولم تسمعوا ما أعد الله من الثواب الكريم لأهل طاعته والعذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمدي الذي لا يزول، إنه ليس منكم إلا من طرفت عينه الدنيا، وسدت مسامعه الشهوات، واختار الفانية على الباقية، ولا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تُسْبَقُوا إليه، من تركِكم الضعيف يُقْهَر والضعيفة المسلوبة في النهار لا تُنْصَر، والعدد غير قليل، والجمع غير مفترق. ألم يكن منكم نهاة يمنعون الغواة عن دلج الليل وغارة النهار، قربتم القرابة، وباعدتم الدين، تعتذرون بغير العذر، وتغضون على النكر. كل امرئ منكم يرد عن سفيهه، صُنْعَ من لا يخاف عقابًا، ولا يرجو معادًا، فلم يَزَلْ بهم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرم الإسلام، ثم أطرقوا وراءكم كنوسًا في مكانس الريب. حرام عليَّ الطعام والشراب حتى أضع هذه المواخير بالأرض هدمًا وإحراقًا. إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما يصلح به أوله؛ لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، وإني أقسم بالله، لآخذن الولي بالمولى، والمقيم بالظاعن، والمطيع بالعاصي؛ حتى يلقى الرجل أخاه فيقول: «انج سعد فقد هلك سعيد»، أو تستقيم لي قناتكم.
إن كذبة الأمير بلقاء مشهورة، فإذا تعلقتم علي بكذبة فقد حلت لكم معصيتي، وقد كان بيني وبين قوم إحن فجعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي. إني لو علمت أن أحدكم قد قتله السل من بغضي لم أكشف له قناعًا، ولم أهتك له سترًا حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل ذلك لم أناظره، فاستأنفوا أموركم، وأعينوا على أنفسكم، فرب مبتئس بقدومنا سيُسَر، ومسرور بقدومنا سيبتئس. أيها الناس، إنا قد أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولينا. فاستوجبوا عدلنا وفيئنا بمناصحتكم لنا.
فلما فرغ من خطبته قال له عبد الله بن الأدهم: «أشهد أنك أُوتِيت الحكمة وفصل الخطاب»، فقال زياد: «كذبت، ذلك نبي الله داود«.
واستعمل زياد الشدة والعنف، وجرد السيف، وأخذ بالظنة، وعاقب على الشبهة، فخافه الناس وساد الأمن وهدأت الأحوال، واستعمل عند دخوله البصرة على شرطته عبد الله بن الحصين، وأمره أن يمنع الناس من الولوج بالليل، واستكثر من الشرطة والجند، فبلغ عدد الشرطة أربعة آلاف شرطي وعدد الجند ثمانين ألفًا في البصرة، واستعان زياد في تدبير شئون الإدارة بجماعة من كبار الرجال، منهم أنس بن مالك، وعبد الرحمن بن سمرة، وسمرة بن جندب، وعبد الله بن الحصين — رئيس شرطة البصرة؛ فساد الأمن، وسارت الأمور على أتم نظام، وزادت عمارة البصرة، وكثرت خيراتها، وتهافت إليها الناس من كل جانب، ويُرْوَى أنه ولى قضاء البصرة عمران بن الحصين فاستقال، فولى مكانه عبد الله بن فضالة، ثم أخاه عاصمًا، ثم زرارة بن أوفى.
ولما مات المغيرة بن شعبة أمير الكوفة في سنة 50ﻫ — ويُرْوَى في سنة 49ﻫ — ضم معاوية الكوفة إلى زياد، وجمع له المصرين — البصرة والكوفة — وهي أول مرة ضُمَّتَا معًا أو أول مرة ضُمَّت الولايتان لوالٍ واحد، ثم ضم إليه خراسان، وأضاف إليه سجستان، ثم جمع له البحرين وعمان. فثَبَّتَ زياد دعائم الملك لمعاوية، ومنذ ضُمَّت إليه الكوفة في سنة 50ﻫ أخذ يقيم في الكوفة ستة أشهر ومثلها في البصرة(2)، واستخلف على البصرة عند مسيره إلى الكوفة سمرة بن جندب، فظلم سمرة أهل البصرة حتى قيل إنه قتل ثمانية آلاف منهم في مدة قصيرة، فبلغ ذلك زياد، فأنكر عليه عمله، فعزله، وولى مكانه عبد الله بن عمر بن غيلان.
ولما مات زياد بالكوفة في رمضان في سنة 53ﻫ أقر معاوية على البصرة عبد الله بن عمر بن غيلان، ثم عزله في سنة 55ﻫ، وولى مكانه عبيد الله بن زياد(3)، ثم عزله في سنة 59ﻫ، وبعد أيام قليلة أعاده إليها.
ومات معاوية في سنة 60ﻫ/681م، وتولى بعده ولي عهده ابنه يزيد الأول؛ فأقر عبيد الله على البصرة.
كان ابن زياد مخلص النية لبني سفيان شديدًا على أعدائهم، بل إنه كان أشد من أبيه على الخوارج، حتى قيل: إنه قتل منهم يوم إمارته على البصرة عددًا عظيمًا عدا الذين قتلهم صبرًا في سنة 58ﻫ وفيهم عروة بن أدية أخو أبي بلال مرداس بن أدية، وكان سبب قتله أن ابن زياد خرج في رهان له، فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع الناس وفيهم عروة بن أدية، فقال: «خمس كن في الأمم قبلنا فقد صرن فينا: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ.» فلما سمع ذلك ابن زياد ظن أنه لم يجترئ عليه إلا ومعه جماعة من أصحابه، فقام وركب وترك رهانه، فلام الناس عروة وقالوا له: «والله ليقتلنك»، فاختفى عروة فطلبه ابن زياد، ثم قبض عليه فقتله، فخرج مرداس أخو عروة في أربعين رجلًا بالأهواز، واجتمع حوله جماعات، فأرسل إليهم ابن زياد ألفي مقاتل تحت قيادة ابن حصن التميمي فاندحر جيش ابن زياد.
وفي أيام إمارة ابن زياد على البصرة قدم الكوفةَ مسلم بن عقيل داعية للحسين بن علي، وكان على الكوفة يومئذ النعمان بن بشير، فبلغ ذلك يزيد الأول، فعزل النعمان عن الكوفة، وضمها إلى ابن زياد، وكتب إليه يأمره بالقبض على مسلم وقتله أو نفيه من الكوفة، وفي الوقت الذي ورد فيه كتاب يزيد إلى عبيد الله بن زياد وصل كتاب الحسين بن علي إلى شيعته من أهل البصرة مع مولى له اسمه سلمان، يقول لهم فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى مالك بن مسمع والأحنف بن قيس والمنذر بن الجارود ومسعود بن عمرو وقيس بن الهيثم، سلام عليكم. أما بعد؛ إني أدعوكم إلى إحياء معالم الحق وإماتة البدع، فإن تجيبوا تهتدوا سبيل الرشاد، والسلام» فكتموه جميعًا إلا المنذر بن الجارود فإنه فشاه لتزويجه ابنته هند من ابن زياد، فدخل عليه وأخبره بالكتاب، فطلب ابن زياد رسول الحسين، وقبض عليه وقتله.
وعلى إثر ذلك استخلف ابن زياد على البصرة أخاه عثمان بن زياد، وسار هو إلى الكوفة، فخرج لتشييعه جماعة من أشراف البصرة فيهم المنذر بن الجارود وشريك بن الأعور، فوصل ابن زياد الكوفة، وجرى ما جرى هناك من خيانة الكوفيين، وغدرهم، وقتل مسلم، ثم قتل الحسين بن علي في محرم سنة 61ﻫ، وسودت هذه الحادثة المؤلمة صحائف تاريخ بني أمية.
وعلى إثر حادثة كربلاء ظهرت الخوارج، وعظم أمرها، فوجه ابن زياد جيشًا لقتالهم بالأهواز، فاندحرت عساكره، فاغتاظ حتى كان لا يدع بالبصرة أحدًا ممن يُتَّهَم برأي الخوارج إلا قتله، حتى قيل: إنه قتل بالتهمة والظنة تسعمائة رجل من البصريين.
ولما مات يزيد الأول في سنة 64ﻫ/684م تفاقم أمر الخوارج، وزادوا بمن التحق بهم من البصريين وغيرهم ممن كانوا على رأيهم، فاضطربت البصرة، وصار أهلها فرقًا وأحزابًا، وكان ابن زياد يومئذ بالبصرة، فلما بلغه نعي يزيد نادى: «الصلاة جامعة»، فاجتمع الناس بالمسجد فصعد ابن زياد المنبر وقال: «يا أهل البصرة إن مهاجرنا إليكم، ودارنا فيكم، ومولدي فيكم، ولقد وليتكم وما يحصي ديوان مقاتلكم إلا سبعين ألفًا، ولقد أحصى اليوم مائة ألف، وما كان يحصي ديوان عمالكم إلا تسعين ألفًا، ولقد أحصى اليوم مائة وأربعين ألفًا، وما تركت لكم قاطبة من أخافه عليكم إلا وهو في سجنكم، وإن يزيد قد توفي، وقد اختلف الناس بالشام، وأنتم اليوم أكثر الناس عددًا وأعرضهم فناء وأغنى الناس وأوسعهم بلادًا، فاختاروا لأنفسكم رجلًا ترضونه لدينكم وجماعتكم، فأنا أول راضٍ من رضيتموه فإن اجتمع أهل الشام على رجل ترضونه لدينكم وجماعتكم دخلتم فيما دخل فيه المسلمون، وإن كرهتم ذلك كنتم على أحد يليكم حتى تقضوا حاجتكم، فما بكم إلى أحد من أهل البلدان حاجة، ولا يستغني الناس عنكم»، فقالوا له: «قد سمعنا مقالتك، وما نعلم أحدًا أقوى عليها منك، فهلم فلنبايعك»، فأبى عليهم ذلك ثلاثًا، ثم بسط يده فبايعوه بالإمارة، وانصرفوا عنه يمسحون أيديهم بحيطان المسجد، وعبد الله لا يشعر بهم، ويقولون: «أيظن ابن مرجانة أنا ننقاد له في الجماعة والفرقة«؟
وظن ابن زياد أنهم صَدَقُوه، وأنهم بايعوه بنية خالصة، فبعث إلى أهل الكوفة من يطلب بيعتهم له فأبوا ذلك، وأمروا عليهم عامر بن مسعود حتى يجتمع الناس، ثم كتبوا إلى ابن الزبير بمكة يبايعونه بالخلافة، فلما علم البصريون بما فعله الكوفيون خلعوا طاعة ابن زياد، وسخروا منه واحتقروه — ويُرْوَى أنهم هموا بقتله — فخاف على نفسه، فاستجار بالحرث بن قيس الأزدي، ثم بمسعود بن عمرو سيد الأزد، فأجاراه، ثم هرب بحاشيته من العراق إلى الشام بعد أن أخذ من بيت المال مليونًا وتسعمائة ألف درهم.
واجتمعت كلمة البصريين على توجيه الإمارة لعبد الله بن الحرث بن نوفل، فولوه عليهم إلى أن يجتمع الناس على إمام، وذلك في السنة نفسها 64ﻫ، وهم يومئذ لا إمام لهم، والخوارج قد صاروا على قاب قوسين أو أدنى منهم.
وخاف البصريون على أنفسهم من الخوارج، فاجتمعوا على توجيه مسلم بن عبيس القرشي لقتالهم، وجمعوا له خمسة آلاف فارس، وسيروه، فالتقى مسلم بالخوارج، فكسروا جيشه، ووقع هو قتيلًا في المعركة في محل يُسَمَّى الدولاب، فجهزوا جيشًا ثانيًا — زهاء عشرة آلاف راجل — وأودعوا القيادة إلى عثمان بن معمر القرشي، وسيروه لقتال الخوارج، فلحقهم بفارس، فدارت الدائرة على جيش البصريين، ووقع قائده عثمان قتيلًا.
........................................
1- سميت البتراء؛ لأنه لم يفتحها بالحمدلة والثناء.
2- وزياد هو أول أمير سيَّر بين يديه الرجال بالحراب والعمد في الإسلام، وأول من اتخذ الحرس خمسمائة لا يفارقون مكانه، وأول من جمع له العراقيين، وأول من شدد أمر السلطة، وأول من توخى الشدة والعنف، وأول من رتب المراتب في الدخول على الخليفة أو الأمير، وأول من قلد الفرس بلبس قباء الديباج، وأول من اتخذ الكراسي.
3- ويُرْوَى أن معاوية ولى على البصرة بعد موت زياد سمرة بن جندب في سنة 53ﻫ، ثم عزله في سنة 54ﻫ، وجعل مكانه عبد الله بن عمر بن غيلان، فعادت الفتن بالبصرة؛ فعزله في سنة 55ﻫ وولى عبد الله بن زياد فقمع الفتن وأعاد الأمن، وكان قبل ذلك على خراسان من قبل معاوية.
|
|
بكتيريا تعيش داخل الإنسان.. قد تقلل خطر الإصابة بالسرطان
|
|
|
|
|
دراسة تكشف أكثر سيارات موفرة في التكاليف بعد الشراء
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم مسابقة في إتقان الصلاة لطلبة إعدادية الشيخ الكليني في بابل
|
|
|