أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-3-2022
2329
التاريخ: 2024-09-21
436
التاريخ: 17-3-2021
2737
التاريخ: 27-8-2022
2144
|
لا شك أنّه يوجد ارتباط وعلاقةٌ وثيقةٌ، بين الاعتقاد بحريّة الإرادة للإنسان، و«المسائل الأخلاقيّة»، وكما أشرنا سابقاً، أنّ نفي حريّة الإنسان، هو نفيٌ وتعطيلٌ لجميع المفاهيم الأخلاقيّة.
وبناءً على هذا نجد أنّ الأديان الإلهيّة المتعهّدة بتربية وتهذيب النفوس والأخلاق، من أقوى المدافعين عن حرّية الإنسان!
وبناءً على هذا أيضاً، نجد في القرآن الكريم آياتٌ عديدةٌ وكثيرةٌ تبلغ المئات، تثبّت الاختيار وحريّة الإرادة للإنسان، وتنفي الجَبر عنه، وقد ذُكرت في مباحث الجَبر والاختيار (1).
فالأمر والنّهي والتّكاليف الأخرى، والدّعوة إلى الثّواب والعقاب، والحساب والمحاكم والقوانين والعقوبات، كلها أمور تؤكّد على مسألة الاختيار، وحريّة الإرادة عند الإنسان.
وإذا ما شاهدنا بعض الآيات تُوافق مذهب الجَبر، فهي ناشئةٌ من عدم الانتباه والتّوجه الصحيح لتفسير تلك الآيات، فتلك الآيات ناظرةٌ إلى نفي التّفويض، ولا تثبت الجبر، والشّاهد عليها هو القرآن الكريم نفسه، وقد أشرنا إليها سابقاً، وليس هنا محلّ للبحث فيها.
فالاعتقاد بالجَبر، وسلب حريّة الإنسان، يمكن أن يكون عاملاً مهمّاً، لكلّ تحلّل أخلاقي، فالمجرم ولتبرير أفعاله المشينة يتذرّع بالجَبر، وأنّه لا يستطيع أن يُغيّر مصيره المحتوم عليه، ولذلك يتحرّك في خطّ الانحراف، وينحدر في مُنزلقات المعاصي أكثر، فالتّاريخ يُحدثنا، عن مجرمين خاضوا غمار الجريمة، استناداً إلى مُبّررات مذهب الجَبر، وكانوا يعذرون أنفسهم، في ارتكابهم لتلك الأعمال والذّنوب، ويقولون: (إذا كنّا صالحين أو طالحين، فليس لنا من الأمر شيء، فالُمبدع الأزلي هو الذي زرع فينا ذلك، وجعل مصيرنا أن نكون من أهل الشّقاء!، فلا المحسنين لهم الحق بالافتخار بإحسانهم، ولا على المسيئين ملامة!).
وبناءً على ذلك، فقد تحرّك الأنبياء (عليهم السلام)، قبل كلّ شيء لتوكيد الإرادة الإنسانيّة، وخصوصاً نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله)، ولأجل تحكيم الاسس الأخلاقيّة وتهذيب النّفوس.
وعلى كلّ حال، فبحث الجَبر والاختيار، والمسائل الاخرى مثل القضاء والقدر، والهداية والضّلالة، والسّعادة والشّقاء، من وجهة نظر القرآن الكريم، هو بحثٌ مستقلٌ وسيعٌ، سنتطرق لتفسيره الموضوعي في المستقبل إن شاء الله، والهدف هنا هو الإشارة لهذه المسألة، وتأثيرها في المسائل الأخلاقية، وليس الدخول في تفاصيلها فعلاً.
أمّا الذين يتحركون من موقع اللّذة، ويعتبرونها من أهمّ القيم، فهؤلاء لا يعتبرون الأخلاق من المُثل النّبيلة والسّلوكيات الحسنة، لأنّها لا تُوافق اصولهم، وكما قال «آريس تيب»، الذي وُلد قبل الميلاد: الخير هو اللّذة، ولا شرّ سوى الألم، والهدف النّهائي للإنسان في الحياة: هو الّتمتع بلذائذ الدنيا، ولا يجب التّفكير بنتائجها الصّالحة أو السيّئة(2).
هذا وقد غاب عن اولئك، أنّنا وعلى فرض حصرنا اللذائذ في الماديّات فقط، وتركنا اللّذائذ المعنويّة الّتي هي أعلى وأسمى لذّةٍ للرّوح، فلا يمكن الوصول للذائذ الماديّة إلّا برعاية الأخلاق، وذلك لأنّ الّتمتع والالتذاذ بالشّيء، من دون قيد أو شرطٍ، يعقبه ألم شديد على مستوى النّفس والبدن، ولأجله يجب أن نصرف النّظرً عن تلك اللذّة التي يعقبها ألم أقوى وأشد.
وهذا الكلام وإن كان قد صدر، ممّن يُعتبرون في عداد الفلاسفة، ولكنّه في الحقيقة يشبه كلام المعتاد على الأفيون، الّذي إذا نصحوه قالوا له: إنّ لذّتك هذه ستسبب لك المتاعب والآلام العظام، فيجيب: إنّ اللّذة الحاضرة هي الأصل، ولا يعلم ما ذا سيكون في الغد، ولكن الذي ينتظره في الغد، ليس سوى المرض العصبي، والإرهاق والقلق، وما إلى ذلك من إفرازات الإدمان على تلك المواد المخدّرة، وسيعيش النّدم الشّديد في تلك الحال، ويتأسف على ما اقترفته يداه، ولكن أنىّ للتأسّف أن يحلّ المشكلة، وقد اغلق عليه سبيل العودة، إلى الحريّة والكرامة كما هو الغالب.
فالوصايا الأخلاقية، للحثّ على العفّة والأمانة والصّدق والرجولة، كلّها من هذا القبيل، والمجتمع الذي تتفشى فيه الخطيئة والخيانة، كيف يعيش أفراده حالة اللّذّة المعنويّة والسّعادة، في حركة الحياة والواقع الإجتماعي؟
فالناس الّذين ملأ البخل وجودهم، ويطلبون كلّ شيءٍ لنفعهم ولذّتهم الشّخصية، لا تكون لديهم حصانةٌ أمام المشكلات، وسيكونون عرضةً للتّمزق والتشرذم، لأدنى أزمةٍ على مستوى الحياة الدنيويّة، لأنّ الفرد في ذلك المجتمع يكون وحيداً فريداً، والصّمود أمام المشكلات، لمن يعيش الوحدة والانفراد، أمرٌ في غاية الصّعوبة، ولكن إذا تفشّت روح التّعاون والسّخاء والرجولة في المجتمع، فسينطلق الناس من موقع مساعدة بعضهم البعض، وعند ما يقع أحد الناس في مأزقٍ، فسيعينه الآخرون، فلا يشعر الفرد بالوحدة هناك، بل سيجد في نفسه عنصر المقاومة والصّمود أمام المشكلات والأزمات.
وهذا ما أشرنا إليه سابقاً بالتّفصيل، وبالاعتماد على الآيات القرآنيّة الكريمة، بأنّ الاصول الأخلاقيّة عند تطبيقها، لها بُعدان وفائدتان: معنويّة وماديّة، ومع غضّ النّظر عن البُعد المعنوي، فالبُعد المادي فيها له شموليّةٌ واسعةٌ، ويستحق معها التمسّك بكلّ الاصول الأخلاقيّة، كي نعمّر دنيانا ونجعل منها جنّةً مليئةً باللّذة، ونتجنّب النّار المحرقة، المتولدة من الوقوع في وَحِل المفاسد الأخلاقيّة.
والآن نبحث في المذهب القائل: بأنّ الأخلاق الدينيّة على مستوى الممارسة والتّطبيق، والّتي تنشأ في الحقيقة من طاعة الله تعالى خوفاً أو طمعاً. وهذه الامور تُعتبر مضادّةً للأخلاق؟ (3).
ويمكن أن يُنتقَد هذا الكلام من جهتين:
1 ـ التّعبير بالخوف والطّمع، تعبيرٌ غير صحيح، والصّحيح أن يُقال، بأنّ بعض أتباع الأديان، ولأجل نَيل السّعادة الأخرويّة، والنّجاة من العقوبات الناشئة من العدل الإلهي، يتخلّقون بالأخلاق الحسنة، لكنّه ليس أمراً يخالف الأخلاق، لأنّه يُبدّل لذّة الحياة الفانية بلذّة الآخرة الباقية، ويُفدي المصادر الصغيرة بالمواهب الكبيرة.
2 ـ هل يرتكب الشخص أمراً مخالفاً للأخلاق، لأنّه لا يكذب ولا يخون، بدافع من خشيته من فضيحة الكذب والخيانة؟، أو ذاك الذي يمتنع من الشّراب، ويتجنب المادة المخدّرة، ليحافظ على صحته وسلامته، هل يكون عمله هذا منافياً للقيم الأخلاقية؟
وكذلك الشّخص الذي يُداري النّاس ويتواضع لهمُ ويعاملهم بأدبٍ واحترام، لئلّا يفقدهم ولا يبقى وحيداً فريداً في هذه الدنيا، فهل يرتكب بذلك عملاً مُخالفاً للأخلاق؟
والخلاصة: إنّ كلّ عملٍ أخلاقي، له آثار ومنافع ماديّة في حركة الإنسان والحياة، ولا يمكن تسميّة تلك الآثار بالطّمع، وكذلك الحال في الامتناع، عن بعض السّلوكيات المشينة والأفعال القبيحة، لا يمكن أن يعبّر عنه، بالخوف والجُبن في دائرة الصّفات الأخلاقيّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الرجاء الرجوع إلى تفسير الأمثل : (الفهرس الموضوعيّ ص 99)، وإلى أنوار الأصول، ج1، بحث الجبر والاختيار.
(2) علم الأخلاق أو الحكمة العمليّة، ص 243.
(3) يرجى الرجوع لكتاب: (تجديد حياة معنوي جامعة)، ص 169.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|