أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-14
584
التاريخ: 2024-05-29
725
التاريخ: 10-1-2017
1775
التاريخ: 2024-04-04
969
|
فقد تولى عرش الملك بعد «خاتوسيل» الملك «توداخليا «(1) الرابع حوالي عام 1255 ق.م، وفي عهده وعهد خلفه ظل السلام مخيمًا على دولتي «مصر» و«خيتا»، وقد حدَّثتنا وثائق «بوغازكوى» (عاصمة الملك) عن نشاط بلاد «خيتا» في تلك الفترة، فعلمنا أن والدة الملك «توداخليا» قد أمضت المعاهدة مع مصر في صدر حكمه، وقاسمته السلطان في البلاد بوصفها وصية عليه، وكذلك علمنا أن ابن «توادخليا» المسمى «أرنواندا» قد أدار سكان البلاد بمساعدة والدته «تاواسي« Tawasi. والمعتقد أنه في أواخر عهد دولة «خيتا» العظيمة كان ملوكها قد نهجوا نهج ملوك مصر بأن يتزوج الملك من أخته (راجع H. R. Hall. The Ancient History of the Near East (London and 3rd Edit 1916) P. 374).
وتدل شواهد الأحوال على أن الحروب الطويلة التي شنتها مصر على هذه البلاد قد استنفدت مواردها؛ ففي عهد الملك «توداخليا» نشاهد أن «توكولتي-أنورتا» (1260–1232ق.م) ابن ملك «آشور» المسمى «سلمانزار salamansar « قد أغار على بلاد «سوريا» العليا حليفة «بوغازكوى» وفصلها عنها، وقد انتهز هذا الملك فرصة نضوب معين بلاد «خيتا» وأخضع بلاد «بابل» حوالي عام 1241ق.م، وقد خلف «أرنواندا» الرابع ملك آخر يُدعى «توداخليا» الخامس على عرش «خيتا»، الذي انتهى عهده الخامل حوالي 1200ق.م، وقد انقطعت عنا فجأة سجلات «بوغازكوى» وتمزقت إمبراطورية «خيتا»، دون أن نعرف على وجه التأكيد الأحداث التي أدَّت إلى تدهورها وسقوطها من بين دول الشرق العظيمة في تلك الفترة، وإن كان في استطاعتنا أن نصل عن طريق الظن إلى الأسباب التي أدَّت إلى ذلك السقوط، فقد كانت دولة «خيتا» — في «بوغازكوى» عاصمتها — يدير شئونها طائفة اسمها «النيزيون»، ولم تصل إلى درجة هامَّة بين دول الشرق القديم إلا في عهد الملك «شوبيليوليوما»، وقد كانت عملية توحيد البلاد حتى عهد هذا الملك، ومنذ وصول أهل «خيتا» الآريي الجنس إلى آسيا الصغرى حوالي عام 1250ق.م سائرة على قدم وساق، وتدل الوثائق التي وصلت إلينا من سجلات «بوغازكوى» على أنه كان لا بد من صراع عظيم لتأليف هذه الدولة وتوسيع ممتلكاتها، وهذه الفترة الطويلة التي استغرقت عدَّة قرون للوصول إلى مثل هذه النتيجة العظيمة يمكن تفسيرها بالأحوال التي كانت تجري في هذا العهد، فقد كان «النيزيون» قليلي العدد؛ ولذلك لم يكن في استطاعتهم الاستيطان في البلاد التي فتحوها، كما لم يكن في مقدورهم أن يتركوا فيها حاميات كافية للمحافظة عليها، هذا بالإضافة إلى أنه لم تكن لديهم طرق معبدة تسمح لهم بالقيام بحركات حربية سريعة، ويمكن الإنسان أن يفهم أهمية طرق المواصلات إذا اخترنا مثلًا من الأمثلة القريبة منا مثل حروب «فندي Vendee» إذ إن أعداءها تعبوا على قوَّتهم؛ لجهلهم بطرقها التي يسلكونها في الفرار ونقل القوَّات والأمتعة.
على أن هذه القرون الطويلة التي سلخت في سبيل توحيد آسيا الصغرى تحت سلطان ملوك «خيتا» ليست من الأمور الشاذة؛ إذ نجد أن أول دولة عظيمة قامت في «مسوبوتاميا» — ما بين النهرين — وهي دولة «سرجون آجادا»؛ لم تمكث فترة طويلة وقد قطعت قرونًا عديدة قبل تكوينها في الاستعداد وفي محاولات عنيفة لتكوينها. وتدل قوائم الأسر التي وصلت إلينا — على الرغم من الخرافات التي تتخللها — على جهود طويلة مستمرة بُذلت في تكوينها.
ولنا أن نتساءل هل كان هذا الاتحاد وثيقًا ثابتًا؟
والجواب على ذلك بالنفي؛ لأن كل هذه القبائل التي تتألف منها الوحدة الخيتية كانت قد اتحدت — على كره منها — بضغط من الحكومة المركزية التي كانت تقبض على أجزاء الاتحاد بيد من حديد، ولم تندمج — يومًا ما — في وحدة قوية، بل كانت كل ولاية تحافظ على مطامعها وشخصيتها، وهذا هو السبب في أن دول الشرق العظيمة كانت — ولا تزال — تتفكك عراها وتتلاشى وحدتها أمام المغير القوي كما حدث «لآشور» و«بابل» ودولة «أخميدة«(2) وهذا هو بعينه ما أصاب بلاد «خيتا» التي كانت في ظاهرها دولة قوية مترامية الأطراف وفي داخلها متفككة العرا لا يربط أجزاءها صلة قوية؛ فقد أخذت كل القبائل التي أخضعت بالقوة تستعيد استقلالها عند سنوح الفرصة، هذا إلى أن أقوام البحار قد أتوا معهم في هجرتهم بجيوش جرارة جديدة للهجوم على آسيا الصغرى.
وقد رأينا كيف أن ملك «خيتا» «مواتالي» قد استعمل الأقوام الهمج في محاربة مصر، وكيف أنه — بتوجيههم لفائدته — قد أمكنه المحافظة على كيان إمبراطوريته، بيد أن الموقف في هذه المرة كان أشد خطورة، فقد كان هجوم «الإيليريين» الذين استوطنوا الشمال الغربي من شبه جزيرة البلقان سببًا في هجرة الدوريين الذين يؤلفون جزءًا من سكان بلاد «البلوبونيز» واستيطانهم جزر «سيكليد» وجزيرة «كريت»، وقد طغت مدنيتهم على المدنية المسينية التي حلت بذورها محل الثقافة المنوانية (كريت)، وقد كانت قبائل «تراقيا» قد وصلت إلى آسيا الصغرى عن طريق البسفور (هلسبونت)، وأخذت أقوام «ماسا» و«دردانيا» وغيرها تنضم إلى حركة هذه الهجرة، وكانت قد بدأت موجة جديدة من «الآخيين» تشق طريقها، فقضت على كل هذه الفيالق التي كانت تؤلف جزءًا من أقوام البحر بزحفهم على مملكة «النيزيين» (خيتا) في «بوغازكوى» عاصمة ملكهم، وهي التي كانت قد تألفت فيما مضى بفضل حركة هجرة مماثلة وإن لم تكن في ضخامتها تشبه التي نحن بصددها الآن.
وقد كانت بلاد «آشور» حتى هذا الوقت تعيش في سلام وأمان مع «خيتا» القوية، ولكن عندما تولى زمام الأمور فيها الملك «توكولتي إنورتا» (1260–1232 ق.م) ورأى أن الانحلال قد أخذ يدب في أرجاء بلاد «خيتا» بسبب الثورات الداخلية التي قامت فيها؛ أخذ في الحال يعمل على مدِّ حدود بلاده على حساب جارته، وقد أنجز ذلك بمهارة وحذق، فتحاشى مهاجمة البلاد التي كانت تحت سلطان ملك «خيتا» مباشرة، كما أنه لم يمس البلاد التي كانت تدين لمصر بالطاعة والولاء، بل هاجم بلاد «سوبار« (3) التي كانت تمتد على الشاطئ الأيسر لنهر «الفرات» وجنوب بلاد «المتنى»، وقد أوغل في هجومه حتى «بابل» وأفلح في الاستيلاء عليها زمنًا. ويدل ما لدينا من معلومات على أن «خيتا» ومصر لم تتدخلا في وقف بلاد «آشور» عند حدها؛ لأن الهجوم كما يظهر لم يكن موجَّهًا لواحدة منهما بالذات، ولا شك في أن ذلك من الأخطاء السياسية العظيمة التي ارتكبها كل من الدولتين. والواقع أن الخطر الأكبر الذي يهدد كيان «مصر» و«خيتا» هو الغزوات التي قامت بها أقوام الهند الأوروبية، وترجع بدايتها إلى الحملات التي شنَّها اللوبيون بمساعدة قبائل الهند الأوروبية في عهد كل من «سيتي الأوَّل» وابنه «رعمسيس الثاني» كما ذكرنا ذلك من قبل (راجع مصر القديمة ج6).
غير أن هذه الحملات لم تكن حتى نهاية عهد «رعمسيس الثاني» تُعدُّ خطرًا مباشرًا يهدِّد كيان الدولة المصرية أو ممتلكات بلاد «خيتا»، والواقع أن ملك «مصر» كان أحيانًا يستعمل أولئك الأقوام الوافدين جنودًا مرتزقة كما حدث في موقعة «قادش»، فقد رأينا جنود «شردانا» يؤلفون جزءًا مختارًا من جيش «رعمسيس الثاني» عند هجومه على «خيتا»، وكذلك استعان ملك «خيتا» هؤلاء الأقوام في حروبه مع مصر، وقد كان من السهل على كل من الدولتين القضاء على أية قبيلة من هؤلاء الأجانب إذا قامت بعصيان أو ظهر منها أنها خطر يهدِّد كيان البلاد.
ويدل ما لدينا من وثائق تاريخية على أنه — في المدة الأخيرة من عهد «رعمسيس الثاني» — ظهرت حركة هجرة في إقليم بلاد «البلقان» والبحر الأسود قام بها عدَّة أقوام وكان لها أثر سيء في الشرق الأدنى (4).
وكانت هذه الهجرة كالسيل الجارف، فانتشرت في «آسيا الصغرى» وفي جزر «بحر إيجا» وفي بلاد «الإغريق» كما أسلفنا، حتى وصلت إلى بلاد «لوبيا»، ولم تكن هناك قوة في العالم تستطيع وقف هذا الزحف الجبار، فقد كان المهاجمون يصلون إلى تلك الجهات جماعات عن طريق البر والبحر كلما هيأت لهم الظروف، جالبين معهم نساءهم وأطفالهم وأمتعتهم. ومن ثم نعلم أن غرضهم الأول كان استيطان تلك البقاع الخصبة الغنية، ولم تستقر فئة منهم في جهة حتى تدهمها أخرى من المهاجرين وتضطرها إلى النزوح نحو الجنوب. وقد كانت «خيتا» أول بلد أغار عليه هؤلاء الهنود الأوروبيون، وقد ذكرنا من قبل احتمال أن يكون هذا الغزو السبب المباشر في الأزمة التي حدثت في داخل بلاد «خيتا» وأدَّت إلى الانهيار السريع الذي حاق بهذه الدولة القوية بعد موت عاهلها «خاتوسيل»، ومن المحتمل أن قوم «خيتا» قد حاولوا بادئ الأمر صدَّ تيار هؤلاء الغزاة الذين أتوا عن طريق البحر ونجحوا فعلًا بعض الشيء في استيطان بلادها، وإذا كان بعض أهل هذه القبائل الهندية الأوروبية قد تمكن من خرق الحصار الذي ضربه أهل «خيتا» في طريقهم إلى الجنوب والوصول إلى إقليم «سوريا» و«فلسطين»، فإلى «خيتا» يرجع الفضل العظيم في تأخير الهجوم العنيف الذي قام به هؤلاء الأقوام على هذه الجهات.
ومما يؤسف له أن «رعمسيس الثاني» في تلك الفترة كان في أواخر أيام حياته كما كانت بلاده على غير استعداد للقيام بأية حروب على هؤلاء الغزاة.
ولو كان في استطاعة «رعمسيس الثاني» أن يتدخل في صد هؤلاء المهاجرين من أقوام البحر لقضى على الخطر الذي هدَّد كيان الشرق الأدنى كله، ومن ذلك نرى أن الفرعون المسنَّ قد ترك لابنه وخليفته «مرنبتاح» إرثًا مثقلًا بالمصاعب والمشاكل داخل البلاد وخارجها.
وقبل أن نتحدث عن هؤلاء المهاجرين وأصلهم يجدر بنا أن نتحدث بإيجاز عن نشأة الفرعون «مرنبتاح» الذي كان من نصيبه منازلة هؤلاء الأقوام الذين اجتاحوا الشرق من البر والبحر، فضلًا عن خطر اللوبيين الذي كان يلوح من جهة الغرب.
..............................................
1- راجع: G. Contenau, La Civilisation Des Hittites et Des Hurrites Du Mitanni P. 107 ff (Paris 1948).
2- راجع: Maspero, The passing of the Empires p. 455 ff.
3- راجع: (سوبار) و(سوبارتو). وهذه التسمية قد أُطلقت فيما بعد على «سوريا» الشمالية ومنها اشتُق على ما يظهر اسم «سوار» و«سوارا» وأخيرًا «سوريا «(راجع Hrozny, Histoire De L’Asie Anterieure p. 12).
4- راجع: Ed. Méyer Gesch II, 1 pp. 544 ff.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|