أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-05-2015
4498
التاريخ: 10-8-2016
3725
التاريخ: 14-1-2023
3347
التاريخ: 10-8-2016
3068
|
هذه الليلة ليلة شهادة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، ونحن في جوار قبر ابنته الطاهرة ، فمن المناسب أن ننتقل من الفقه الأصغر ونلقي نظرة مختصرة على موضوع من الفقه الأكبر ، بما يتسع له الوقت لا بما يستحق الموضوع .
نظرة نسأل بها أنفسنا : ما هو مستوى معرفتنا للإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، نحن ، والأكبر منا ، والأصغر منا ؟
قال الله تعالى : ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ ) . ( سورة البقرة : 269 ) وهي آية عجيبة ، تدل على أن الحكمة إعطاءٌ من الله تعال لأناس مخصوصين ( مَنْ يَشَاءُ ) ، فمن هو هذا الذي يكون مورد مشيئة الله تعالى ؟
إن فهم القرآن والسنة والبحث فيهما والوصول إلى غورهما ، ليس أمراً سهلاً كما يتصور البعض ، بل أمر في نهاية الصعوبة . والله تعالى ليس بحاجة إلى أن يبحث الناس كلامه ويحققوه ، فكلامه تعالى هو الحق المطلق ، لكن الذين يبحثون فيه ويصلون إلى عمقه ، هم الذين أعطاهم الحكمة والخير الكثير ، الخير الذي يصفه رب العالمين بأنه كثير !
هذه الحكمة التي يعطيها الله لمن يشاء أين توجد ؟
هل توجد في شفاء أبي علي سينا ؟ كلا .
هل توجد في شرح العرشية للملا صدرا ؟ كلا .
في قبسات ميرداماد . . أبداً .
هذه الحكمة التي تعطى لمن يشاء ، والتي هي الخير الكثير ، لابد أن نسأل عنها مفسر القرآن الذي هو لسان الله الناطق والإمام المعصوم ، فهو يقول عنها إنها : ( طاعة الله ومعرفة الإمام ) .[1]
لهذا فإن معرفة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ليست مسألة بسيطة ، فقد شاء الله تعالى أن يكون الحق في هذه الدنيا صعب المنال : جل جناب الحق أن يكون شريعة لكل وارد .
يروي الشيخ الجليل محمد بن علي بن بابويه الصدوق ، عن شيخه محمد بن الحسن الوليد ، وهو معتمد الصدوق ، فضلاً عن وثاقته الخاصة ، عن الثقتين الجليلين محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبد الله ، كلاهما عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن أبيه علي بن يقطين ، أحد وزراء عند هارون الرشيد المقربين ، والثقة المعتمد عند الكل . .
فعلوُّ سند الرواية واضح للخبير الرجالي مع مراعاة دقائق علم الرجال .
قال علي بن يقطين : استدعى الرشيد رجلاً يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر صلى الله عليه وآله ويقطعه ويخجله في المجلس ، فانتدب له رجل مُعزِّم ، فلما أحضرت المائدة عمل ناموساً على الخبز ، فكان كلما رام خادم أبي الحسن عليه السلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه ، واستفزَّ هارون الفرح والضحك لذلك ، فلم يلبث أبو الحسن عليه السلام أن رفع رأسه إلى أسد مصور على بعض الستور ، فقال له : يا أسد الله ، خذ عدو الله !
قال : فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع ، فافترست ذلك المعزم ، فخر هارون وندماؤه على وجوههم مغشياً عليهم ، وطارت عقولهم خوفاً من هول ما رأوه ، فلما أفاقوا من ذلك بعد حين ، قال هارون لأبي الحسن عليه السلام : أسألك بحقي عليك ، لما سألت الصورة أن ترد الرجل . فقال : إن كانت عصى موسى عليه السلام ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم ، فإن هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل ، فكان ذلك أعمل الأشياء في إفاقة نفسه ) . ( أمالي الصدوق ص 212 ) .
أراد هارون أن يبطل أمر موسى بن جعفر ، هارون هذا الذي يروون عنه أنه كان يخاطب السحابة ويقول لها : أمطري أينما شئت فإن خراجك يصل اليَّ ! والذي كان العلماء والسحرة تحت يده ، فاستدعى رجلاً ( يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر صلى الله عليه وآله ) !
وأمْرُ الإمام الكاظم عليه السلام هو قوله وقول شيعته بأنه إمام من الله تعالى .
أراد هارون أن يُبطل أمر الإمام الذي حبسه أربع سنوات أو سبع سنوات في ظُلَم المطامير وقيود الزناجير ، فلم يخضع لطغيانه ، ولم يلفظ فمه الشريف بكلمة استعطاف له ! !
فاستدعى أقدر ساحر في طول أمبراطوريته وعرضها ، فعمل له ناموساً ، والناموس في اصطلاح أرباب السحر والعلوم الخفية اسم لنوع متطور من القدرة على السحر . . عمل ناموساً على الخبز ، فكان كلما رام خادم أبي الحسن عليه السلام تناول رغيفاً من الخبز طار من بين يديه !
وفرح الإمبراطور هارون بذلك ، واستفزه الفرح وأخذه الضحك والقهقهة هو ووزراؤه وندماؤه ، يسخرون من هذا الذي يدعي أنه إمام من الله تعالى ، ويعتقد هو وشيعته أن هاروناً غاصب لمنصبه !
وتصور هارون أنه حقق هدفه ، فالذي يدعون له أنه ( حجة الله على العباد ) غلبه ساحر موظف عند هارون ، فلم يستطع خادمه أن يتناول له رغيف خبز ! لكن فرح هارون لم يطل ، فقد استعمل الإمام عليه السلام بعض ما أعطاه الله من قدرة وهو أعرف متى يستعملها ومتى لا يستعملها ، ونظر إلى صورة أسد في ستائر قاعة هارون وأمره أن يبتلع الساحر المعزم ففعل ، وغشي على هارون وملإه ! !
رأيتم سند الحديث ومتنه ، أما فقهه فلا يمكن استيفاؤه في عدة دروس ومجالس . .
عندما تقرؤون الرواية عن أهل البيت عليهم السلام . . إفهموها أولاً ، ثم عرفوا الناس بمقامات أهل البيت الطاهرين عليهم السلام .
لابد أن نفهم أولاً السحر الذي استعمله ساحر هارون ( المعزِّم ) ؟ لكي نفهم عمل الإمام في مقابله .
قال الله تعالى عن سحرة فرعون : ( فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ) . ( لأعراف : 116 ) ففي هذه الآية ثلاث جمل : سحروا عيونهم . . واسترهبوهم . . بسحر عظيم .
حسرةً علينا أنا لم نعرف القرآن ، فلو فهمنا أعماقه لعرفنا أي كتاب هو ؟ ولم نعرف مفسر القرآن ، فلو عرفناهم صلوات الله عليهم لعرفنا أن الحكمة العليا لا تؤخذ إلا منهم .
العمر تمضي أيامه ، وينقضي ، ولم يبق لنا منه إلا القصور والتقصير . .
إن للسحر ثلاث مراتب : الأولى سحر أعين الناس لا أكثر . وهو السحر غير الحقيقي الذي يعتمد على التصرف في أعين الناس .
والمرتبة الثانية : واسترهبوهم . . وهو تصرف في أنفس الناس بالتخويف
والمرتبة الثالثة : السحر الذي توصل اليه كبار علماء الهند ومصر القدماء ، الذي يعتمد على استخراج قدرات النفس البشرية ، هذه القدرات التي تبعث على الذهول ، وقد كان أولئك السحرة الكبار أفراداً قليلين ، لا يمكن لكل أحد أن يجدهم ويستخدمهم ، إلا إن كان مثل فرعون وهارون الرشيد .
والشعبة الثانية من هذا النوع من السحر عمل النواميس ، الذي يقوم على المزج والتركيب بين القوى العلوية والمواد السفلية ، ويسمونها الطلسمات . .
فالسحر الذي عمله هذا الساحر في قصر الرشيد ليس من نوع سحر الأعين ، ولا من نوع الإسترهاب ، بل من نوع استخراج قدرات نفس الساحر وجعلها بشكل ناموس أو طلسم يؤثر في المادة ، فيخرج الرغيف الذي تمسه يد الخادم عن قوة الجاذبية الطبيعية وعن قوة إمساك يده ، ويطيره !
( فكان كلما رام خادم أبي الحسن عليه السلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه ) ! !
كان مجلس هارون مجلس العلماء والحكماء ، ونخبة أفراد مجتمعات العالم يومذاك ، وكذلك كان مجلس ولده المأمون .
وكان هارون حريصاً في مثل ذلك اليوم على حضورهم لأن القضية أنه يريد أن يقابل حجة الله تعالى ، وهذه الوسائل ضرورية !
وأراد الله تعالى أن يكون ذلك المجلس واستعراض هارون لقدرته وتحديه لوليه صلى الله عليه وآله سبباً لفتح نافذة من معرفة الإمام المعصوم ، والإمام موسى بن جعفر عليه السلام !
والأمر الذي يحير العلماء والعقلاء أن الإمام الكاظم عليه السلام استخدم أسلوب النداء مع شئ غير قابل للنداء ! فمن شروط المنادى أن تكون فيه قابلية النداء ، أن يكون أسداً مثلاً حتى يمكن نداؤه ، بينما لم يكن أسداً ولا جسداً ، بل عرضاً على جوهر ، ولوناً بصورة أسد على ستارة ، وقد صدر نداء الإمام عليه السلام إلى الأسد لا إلى صورته . .
قبل حرف النداء ( يا ) لم يكن الأسد موجوداً ، وبحرف نداء فقط ( يا ) وجد وصار ( أسد الله ) ، فسمع النداء وتلقى الأمر : ( يا أسد الله خذ عدو الله ) !
إن امتياز عمل موسى بن جعفر عن عمل موسى بن عمران أن ذات الحق القدوس عز وجل أمر موسى بإلقاء عصاه فقال له : ( وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) . ( طه : 69 ) ، وعندما يقول الحق ( ألقِ ) ، فمعلومٌ ماذا سيحدث .
والملقى هناك كانت العصا ، وهي جسم ذو أبعاد ثلاثة ، فظهرت بها تلك القدرة وأحدثت ذلك الحدث العظيم ، وكان من تأثيرها كما روي أن فرعون وهامان لم يكن في رأسهما شعرة واحدة بيضاء ، فما أن أخذ موسى عصاه حتى ابيض شعر رأسيهما فلم يبق فيهما شعرة سوداء ! ( راجع تفسير نور الثقلين : 4 / 52 )
أما القدرة هنا ، فلا يمكن قياس صورة الستارة بالعصا ، ولا إلقاء العصا بالنداء والأمر ! فهناك كان القول قول الله تعالى جلت عظمته ، وعندما يكون قوله تكون قدرته ، وقد أجرى منها ما شاء على يد وليه موسى بن عمران !
أما هنا فكانت كلمة ( يا ) التي خلق الله بها بإذنه على يد وليه موسى بن جعفر جوهراً من عرض ، فكان أسداً وقطع مراحل وجوده في لحظة ، من نطفة الأسد إلى أشده وأقوى قوته !
هذه قدرة موسى بن جعفر بإذن الله تعالى ، ومعنى ذلك أن كلمة ( يا ) قد انطلقت من لسان تحرك من عقل متصل بدون حاجب بإرادة من يقول للشئ كن فيكون : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ( يس : 82 )
فأي إرادة هذه التي صارت محلاً لأن يجري الله فيها إرادته ؟ !
وهذا معنى قول الصادق عليه السلام ( الحكمة طاعة الله ومعرفة الإمام ) !
هؤلاء هم أولياء الحق تعالى ! فكلمة أولياء الله عندما يطلقها الإنسان العادي لها معنى ، وعندما يطلقها الله على أناس ويخصهم بأنهم أولياؤه ، لها معنى آخر أعلى وأعمق . .
هذه الليلة ليلة شهادة الإمام موسى بن جعفر أحد هؤلاء الأولياء العظماء صلوات الله عليهم .[2]
هذا الولي الذي استطاع بإذن الله بحرف واحد لا بكلمة ، أن يصنع هذه المعجزة .
حرف لم يكن في نطقه دافع ولا هدف إلا الله تعالى .
نعم ، بحرف واحد ، وليس بمعنى اسمي - حسرة أننا لم نستوعب بعد - فالإمام تارة يعمل بالاسم فهذا موضوع آخر ، أما هنا فقد عمل الإمام موسى بن جعفر بالحرف ! وبالحرف حول الصورة على الستارة إلى أسد حقيقي مطيع ، وليس بالاسم الأعظم !
والحرف كان حرف نداء ، والمنادى كان صورة وألواناً على ستائر . . بهذا الحرف عمل الإمام ما عمله موسى بن عمر بارتباطه بأمر الله تعالى !
اللهم صل على وليك موسى بن جعفر . عدد ما في علمك صلاة دائمة بدوام ملكك .
إن من أوجب الواجبات على كل فرد منكم ، أن يكون فقيهاً في أبواب معارف ولاية الأئمة المعصومين عليهم السلام ، ليستطيع أن يزيح تلك الغيوم والظلمات التي جعلت مقاماتهم عليهم السلام مغطاة بحجاب الأوهام والأعمال ، ويفتح باب هذه الحكمة على أيتام آل محمد صلى الله عليه وآله
[1] في الكافي : 1 / 185 : عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أيوب بن الحر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام في قول الله عز وجل : وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ؟ فقال عليه السلام : طاعة الله ومعرفة الإمام ) . انتهى . فالرواية صحيحة السند ، وتأتي في الفصل الخاص بالإمام المهدي عليه السلام تحت عنوان : الحكمة طاعة الله ومعرفة الإمام عليه السلام .
[2] في شرح الأسماء الحسنى للسبزواري : 1 / 228 : ( وأعلى مراتب عدم البعد أن يكون العارف بعد أن صار عالماً عقلياً مضاهياً للعالم العيني يعرض عما سوى الله تعالى ويقبل بشراشر وجوده عليه تعالى ، بحيث يتلاشى وجوده تحت نور وجوده ، ويفنى فيه بالكلية ، بل يفنى عن فنائه ! وهذا مقام الفناء في الله والفناء عن الفناء ، وهو قرة عين العارفين ، وغاية منى المحبين ، فإنه عين الحياة الأبدية والديمومة السرمدية . وهناك يظهر أن الله تبارك وتعالى هو الأول والآخر والمبدأ والمعاد ).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|