أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-11
944
التاريخ: 2024-05-01
610
التاريخ: 2024-01-15
846
التاريخ: 2024-05-06
680
|
وقال بعضهم في حق لسان الدين:
هو الوزير العلامة المتحلي بأجمل الشمائل وأفضل المناقب، المتميز في الأندلس بأرفع المراقي وأعلى المراتب، علم الأعلام، ورئيس أرباب السيوف والأقلام، جامع أشتات الفضائل، والمربي بحسن سياسته وعظيم رياسته على الأواخر والأوائل، حائز رتبة رياسة (1) السيف والقلم، والقائم بتدبير الملك على أرسخ قدم، صاحب القلم الأعلى، الوارد من البراعة المنهل الأحلى، صاحب الأحاديث التي لا تمل على كثرة ما تتلى، والمحاسن التي صورها على منصة التنويه تجلى؛ انتهى.
وقال لسان الدين في " الإحاطة " بعد ذكر سلفه رحمهم الله تعالى، ما ملخصه (2) : وخلفني يعني أباه عبد الله عالي الدرجة، شهير الخطة، مشمولاً بالقبول، مكنوفاً بالعناية، فقلدني السلطان سره، ولما يستكمل الشباب ويجتمع السن (3) ، معززة بالقيادة ورسوم الوزارة، واستعملني في السفارة إلى الملوك، واستنابني بدار ملكه ورمى إلى يدي بخاتمه وسيفه، وائتمنني على صوان حضرته (4) ، وبيت ماله، وسجوف حرمه، ومعقل امتناعه، ولما هلك السلطان ضاعف ولده حظوتي، وأعلى مجلسي، وقصر المشورة على نصحي، إلى أ، كانت عليه الكائنة، فاقتدى في أخوه المتغلب على الأمر به، فسجل الاختصاص، وعقد القلادة، ثم حمله أهل الشحناء من أهل أعوان ثورته على القبض علي، فكان ذلك، وتقبض علي، ونكث ما أبرم من أماني، واعتقلت بحال ترفيه، وبعد أن كسبت المنازل والدور، واستكثر من الحرس، وختم على الأعلاق، وأبرد إلى ما ناء (5) ، واستؤصلت نعمة لم تكن بالأندلس من ذوات النظائر ولا ربات
76
الأمثال، في تبحر الغلة، وفراهة الحيوان، وغبطة العقار، ونظافة الآلات، ورفعة الثياب، واستجادة العدة، ووفور الكتب إلى الآنية والفرش والماعون والزجاج والطيب والذخيرة والمضارب والأبنية، واكتسحت السائمة وثيران الحرث وظهر الحمولة وقوام الفلاحة والخيل، فأخذ ذلك البيع، وتناهبتها الأسواق، وصاحبها البخس، ورزأتها الخونة، وشمل الخاصة والأقارب الطلب، واستخلصت القرى، وأعملت الحيل، وطوقت الذنوب، وأمد الله تعالى بالعون، وأنزل السكينة، وانصرف اللسان إلى ذكر الله تعالى، وتعلقت الآمال به وطبقت نكبة مصحفية مطلوبها الذات وسببها المال حسبما قلت عند إقالة العثرة والخلاص من الهفوة:
تخلصت منها نكبة مصحفية ... لفقداني المنصور من آل عامر ووصلت الشفاعة في مكتتبة بخط ملك المغرب، وجعل خلاصي شرطاً في العقدة ومسالمة الدولة، فانتقلت صحبة سلطاني المكفور الحق إلى المغرب، وبالغ ملكه في بري منزلاً رحباً (6) ، وعيشاً خفضاً، وإقطاعاً جماً، وجراية ما وراءها مرمى، وجعلني بمجلسه صدراً، ثم أسعف قصدي في تهيؤ الخلوة في مدينة سلا منوه الصكوك، مهنأ القرار، متفقداً باللها والخلع، مخول العقار، موفور الحاشية، مخلى بيني وبين إصلاح معادي، إلى أ، رد الله تعالى على السلطان أمير المسلمين أبي عبد الله ابن أمير المسلمين أبي الحجاج ملكه، وصير إليه حقه (7) ، فطالبني بوعد ضربته، وعمل في القدوم عليه بولده أحكمته، ولم يوسعني عذراً، ولا فسح في الترك مجالاً، فقدمت عليه بولده، وقد ساءه بإمساكه رهينة ضده، ونغص مسرة الفتح بعده، على كل حال من التقشف
77
والزهد فيما بيده، وعزف عن الطمع في ملكه وزهد في رفده، حسبما قلت من بعض المقطوعات:
قالوا لخدمته دعاك محمد ... فأنفتها وزهدت في التنويه
فأحببته أنا والمهيمن كاره ... في خدمة المولى محب فيه
عاهدت الله تعالى على ذلك، وشرحت صدري للوفاء به، وجنحت إلى الانفصال لبيت الله الحرام نشيدة أملي، ومرمى نيتي وعملي، فعلق بي، وخرج لي عن الضرورة، وأراني أن موازرته أبر القرب، وراكنني إلى عهد بخطه فسح لعامين أمد الثواء، واقتدى بشعيب صلوات الله عليه في طلب الزيادة على تلك النسبة، وأشهد من حضر من العلية، ثم رمى إلي بعد ذلك بمقاليد رأيه، وحكم عقلي في اختيارات عقله، وغطى من جفائي بحلمه، وحثا في وجوه شهواته تراب زجري، ووقف القبول على وعظي، وصرف هواي في التحول فانياً وقصدي، واعترف بقبول نصحي، فاستعنت الله تعالى، وعاملت وجهه فيه، من غير تلبس بجراية، ولا تشبث بولاية، مقتصراً على الكفاية، حذراً من النقد، خامل المركب، معتمداً على المنسأة، مستمشياً (8) بخلق النعل، راضياً بغير النبيه من الثوب، مشفقاً من موافقة الغرور، هاجراً للزخرف، صادعاً بالحق في أسواق الباطل، كافاً عن السخال براثن السباع. ثم صرفت الفكرة إلى بناء الزاوية والمدرسة والتربة بكر الحسنات بهذه الخطة، بل بالجزيرة، فيما سلف من المدة، فتأتى بمنة الله تعالى من صلاح السلطان وعفاف الحاشية والأمن ورم الثغور وتثمير الجباية وإنصاف الحمات والمقاتلة ومقارعة الملوك المجاورة في إيثار المصلحة الدينية والصدع فوق المنابر ضماناً من السلطان بترياق سم الثورة وإصلاح بواطن الخاصة والعامة ما الله تعالى المجازي عليه، والمعوض
78
من سهر خلعته على أعطافه، وخطر اقتحمته من أجله، لا للثريد الأعفر، ولا للجرد تمرح في الأرسان، ولا للبدر تثقل للأكتاد، فهو الذي لا يضيع عمل من عمل ذكر أو أنثى سبحانه وتعالى. ومع ذلك فلم أعدم الاستهداف (9) للشرور، والاستغراض للمحذور، والنظر الشزر المنبعث من خرز العيون، شيمة من ابتلاه الله تعالى بسياسة الدهماء، ورعاية سخطة أرزاق السماء، وقتلة الأنبياء، وعبدة الأهواء، ممن لا يجعل لله تعالى إرادة نافذة، ولا مشيئة سابقة، ولا يقبل معذرة، ولا يجمل في الطلب، ولا يتلبس مع الله في الأدب، ربنا لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا، والحال إلى هذا العهد - وهو منتصف عام خمسة وستين وسبعمائة (10) - على ما ذكرته، أداله الله بحال السلامة، وبفيأة العافية، والتمتع بالعبادة، وربك يخلق ما يشاء ويختار:
وعلي أن أسعى ولي ... س علي إدراك النجاح
ولله سبحانه فينا علم غيب (11) نحن صائرون إليه، ألحفنا الله لباس التقوى، وختم لنا بالسعادة، وجعلنا في الآخرة من الفائزين، نفثت عن بث، وتأوهت عن حمى، ليظهر بعد المنقلب قصدي، ويدل مكتتبي على عقدي، انتهى، وجله بلفظه.
وكان - رحمه الله تعالى - عارفاً بأحوال الملوك، سريع الجواب، حاضر الذهن، حاد النادرة. ومن حكاياته في حضور الجواب ما حكاه عن نفسه قال (12) : حضرت يوماً بين يدي السلطان أبي عنان في بعض وفاداتي عليه لغرض الرسالة، وجرى ذكر بعض أعدائه، فقلت ما أعتقده في إطراء ذلك العدو، وما عرفته
79
من فضله، فأنكر علي بعض الحاضرين ممن لا يحطب إلا في حبل السلطان، فصرفت وجهي وقلت: أيدكم الله، تحقير عدو السلطان بين يديه ليس من السياسة في شيء، بل غير ذلك أحق وأولى، فإن كان السلطان غالب عدوه كان قد غلب غير حقير، وهو الأولى بفخره، وجلال قدره، وإن غلبه العدو لم يغير حقير، فيكون أشد للحسرة، وآكد للفضيحة، فوافق - رحمه الله تعالى - على ذلك واستحسنه، وشكر عليه، وخجل المعترض، انتهى.
وكان - رحمه الله تعالى - مبتلى بداء الأرق، لا ينام من الليل إلا النزر اليسير جداً، وقد قال في كتابه " الوصول لحفظ الصحة في الفصول ": العجب مني - مع تأليفي لهذا الكتاب الذي لم يؤلف مثله في الطب، وعملي ذلك - لا أقدر على مداواة داء الأرق الذي بي، أو كما قال، ولذا يقال له " ذو العمرين " لأن الناس ينامون في الليل وهو ساهر فيه، ومؤلفاته ما كان يصنف غالبها إلا بالليل، وقد سمعت بالمغرب بعض الرؤساء يقول: لسان الدين ذو الوزارتين، وذو العمرين، وذو الميتين، وذو القبرين، انتهى. وسيأتي ما يعلم منه معنى الأخيرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رياسة: سقطت من ق.
(2) الإحاطة: الورقة: 400.
(3) الإحاطة: ولما يجتمع الشباب ويستكمل السن.
(4) الإحاطة: خزانته وذخيرته.
(5) الإحاطة: وبادر وأبرد إلى ما نأى.
(6) الإحاطة: خصبا.
(7) الإحاطة: وهيأ إليه حقه وصرف إليه كرسيه.
(8) ق ص: مستمتعا.
(9) الإحاطة: ومع ذلك فقد هيف إلى أديانها من الاستهداف ... إلخ.
(10) الإحاطة: وهو عام أحد وسبعين وسبعمائة.
(11) الإحاطة: سر عجيب.
(12) أزهار الرياض 1: 287.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|