أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-2-2017
2414
التاريخ: 6-11-2016
2321
التاريخ: 2-2-2017
1945
التاريخ: 8-11-2016
8636
|
هي الحرب التي قُتل فيها كليب زعيم بني تغلب، وقبل أن نتكلم على سبب هذه الحرب وأدوارها، نرى لزامًا علينا أن نذكر كلمة صغيرة، عن مكانة قبيلة تغلب وبكر، في أواخر القرن الخامس الميلادي. في القرن الخامس الميلادي تجمعت عدة قبائل عدنانية تحت راية واحدة واحتكرت المقام في المنطقة التي تمتد من الخليج الفارسي إلى بادية الشام، تحت رعاية إحدى الدول الكبرى، فتدخل في حوزة الفرس على يد المناذرة، أو الروم على يد الغساسنة، أو حمير على يد كندة، وكان أكثر خضوعها لدولة حمير باليمن — يؤدون لها الإتاوة كل عام، وتولي عليها حمير أميرًا من أمراء القبائل، وأشهر من تولى على بدو الشمال — تحت رعاية دولة اليمن — زهير بن جناب الكلبي، في أواسط القرن الخامس للميلاد، وكان شجاعًا ذا عقل وسداد، وبسط نفوذه على بكر وتغلب من ربيعة، فكان يحكم فيهم، ويتقاضى الإتاوة أو الخراج منهم، في مقابل النعجة والكلأ والمرعى. وحدث ذات عام أن أمحلت الأرض، فتأخروا عن الدفع، فأغلظ عليهم، فشقوا عصا الطاعة، وشجعهم على ذلك ما أصاب اليمن في حروبها مع الحبشة، وقاد حركة انفصالهم هذه واحد من فرسانهم المشهورين — يُسمى كليبًا، من قبيلة تغلب التي كان مقامها في المنطقة الممتدة من المرتفعات الوسطى إلى بادية الشام، في شمال بلاد العرب، ونجح كليب في تكوين حلف من قبيلة تغلب وبكر وغيرها من القبائل، انتصر بهم نهائيًّا على اليمن — وهزموهم، ولم يدفعوا إليهم إتاوة أو خراجًا، وارتفع بذلك صيت كليب؛ فملكته قبائل معد عليها، وأصبح نفوذه مضرب الأمثال، فكان لا تُوقد نار مع ناره، ولا يرد أحد مع إبله، وكان يحمي مواقع السحاب، ويقول: وحش أرض كذا في جواري فلا يُصاد، وكان كليب بن ربيعة هذا متزوجًا من بكرية، تُسمى جليلة بنت مرة، أخت جساس بن مرة — الذي يُسمى الحامي الجار، وكان لجساس خالة تُسمى البسوس، ونزل بالبسوس رجل يسمى سعد الجرمي، له ناقة اسمها سراب، وكانت ترعى مع نوق جساس، وحدث أن كليبًا خرج يومًا يتعهد الإبل. وكانت إبله وإبل جساس مختلطة، فنظر إلى سراب فأنكرها، فقال جساس — وهو معه: هذه ناقة جارنا الجرمي. فقال كليب: لا تعد هذه الناقة إلى هذا الحي، فقال جساس: لا ترعى إبلي إلا وهذه معها، فقال كليب: لئن عادت لأضعن سهمي في ضرعها، فقال جساس: لئن وضعت سهمك في ضرعها، لأضعن سنان رمحي في لبتك، ثم تفرقا، وقال كليب لامرأته: أترين في العرب رجلًا مانعا مني جاره؟ فقالت: لا إلا أخي جساسًا، ثم إن كليبًا خرج إلى الحمى وجعل يتصفح الإبل، فرأى ناقة الجرمي، فرمى ضرعها، فولت — ولها رغاء — حتى بركت بفناء صاحبها، فلما رأى ما بها صرخ بالذل، وسمعت البسوس صراخ جارها، فخرجت إليه فلما رأت ما بناقته وضعت يدها على رأسها وصاحت، فسمعها جساس، فخرج إليها وقال لها: اسكتي إني سأقتل غلالًا أفحل إبل كليب، وكان لكليب عين يسمع ما يقولون، فقال: لقد اقتصر من يمينه على غلال، ولم يزل جساس يطلب غرة كليب، حتى إذا خرج يومًا آمنًا ركب جساس فرسه وأخذ رمحه وأدرك كليبًا فوقف كليب، فقال له جساس: يا كليب الرمح وراءك، فقال: إن كنت صادقًا أقبل إلى أمامي، ولم يلتفت إليه، فطعنه فأرداه عن فرسه، وطلب كليب شربة ماء فلم يغثه، ولكنه أمر رجلًا كان معه فجعل عليه أحجارًا لئلا تأكله السباع، وانصرف جساس حتى أتى أباه مرة، وقال له: طعنت طعنة يجتمع بنو وائل غدًا لها رقصًا؛ لقد قتلت كليبًا، فجعل مرة يتهيأ للحرب مع قومه، فشحذوا السيوف وقوموا الرماح. ولما علم قوم كليب بمقتله دفنوه — وقد شقوا الجيوب وخمشوا الخدود وخرجت الأبكار وذوات الخدور والعواتك وقمن للمأتم، وقلن لأخت كليب: أخرجي جليلة امرأة كليب عنا فإنها أخت قاتلنا، فخرجت تجر أعطافها وأتت مرة، وكان لكليب أخ اسمه مهلهل، وهو الفارس الشاعر المشهور، وكان وقت مقتل كليب يشرب مع همام بن مرة أخي جساس، فلما أفاق مهلهل وعرف بمقتل أخيه، جز شعره وقصر ثوبه، وهجر النساء وترك الغزل، وحرم القمار والشراب، وجمع إليه قومه، وأرسل رجالًا منهم إلى مرة والد جساس، وهو في نادي قومه، فقالوا له: إنكم أتيتم عظيمًا بقتلكم كليبًا بناقة وقطعتم الرحم وانتهكتم الحرمة، وإنا نعرض عليكم خلالًا أربعًا لكم فيها مخرج، ولنا فيها مقنع، إما أن تحيي كليبًا، أو تدفع إلينا قاتله جساسًا نقتله به، أو أخاه همامًا فإنه كفؤ له، أو تمكننا من نفسك فإن فيك وفاء لدمه، فقال لهم مرة: «أما إحيائي كليبًا فلست قادرًا عليه، وأما جساس فإنه غلام طعن طعنة على عجل وركب فرسه ولا أدري أي بلاد قصد، وأما همام فإنه أبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة كلهم فرسان قومهم فلن يسلموه بجريرة غيره، وأما أنا فما هو إلا أن تجول الخيل جولة فأكون أول قتيل، فما أتعجل الموت؛ ولكن لكم عندي خصلتان: أما إحداهما، فهؤلاء أبنائي الباقون فخذوا أيهم شئتم بصاحبكم، وأما الأخرى فإني أدفع إليكم ألف ناقة سود الحدق حمر الوبر، فغضيوفقنا إلى خير ما نرجو، وأن ب القوم وقالوا: لقد أسأت، تبذل لنا صغار ولدك وتسومنا اللبن من دم كليب، ثم نشبت الحرب بينهم ودامت أربعين سنة، وقال مهلهل عدة قصائد يرثي كليبًا فيها ويطلب ثأره. وكانت أول واقعة فيهم دارت الدائرة فيها لبني تغلب، ثم التقوا يوم واردات فاقتتلوا قتالًا شديدًا فظفرت تغلب أيضًا، وكثر القتل في بكر؛ فقُتل همام أخو جساس فمر به مهلهل، فلما رآه مقتولًا قال: والله ما قُتل بعد كليب أعز عليَّ منك، وتالله لا تجتمع بكر بعدكما على خير أبدًا، ووقعت بينهما وقعات أخرى كان الظفر فيها لتغلب، وكانت تغلب تطلب جساسًا أشد الطلب، فقال له أبوه، الحق بأخوالك بالشام، فامتنع، فألح عليه أبوه فسيره سيرًا في خمسة نفر، وبلغ الخبر إلى مهلهل، فندب أبا نويرة ومعه ثلاثون رجلًا من شجعان أصحابه فساروا مجدين فأدركوا جساسًا فقاتلهم، فقُتل أبو نويرة وأصحابه، ولم يبق منهم غير رجلين، وجرح جساس جرحًا شديدًا مات منه، وقُتل أصحابه فلم يسلم غير رجلين أيضًا، فعاد كل واحد إلى أهله، فلما سمع مرة قتل ابنه جساس قال لمهلهل: إنك قد أدركت ثأرك وقتلت جساسًا، فأكف عن الحرب ودع اللجاج والإسراف، وأصلح ذات البين فهو أصلح للحيين وأنكى لعدوهم؛ فلم يجب إلى ذلك، وكان الحارث بن عباد قد اعتزل الحرب فلم يشهدها، فلما قُتل جساس وهمام ابنا مرة أرسل بجيرًا ابنه وكتب معه إلى مهلهل: أرسلت ابني إليك، فإما قتلته بأخيك وأصلحت بين الحيين، وإما أطلقته وأصلحت ذات البين، فقد مضى من الحيين في الحروب من كان بقاؤه خير لنا ولكم، فلم يكن من المهلهل إلا أن أخذ بجيرًا فقتله، وقال: «بل بشسع نعل كليب»، وعرف الحارث الخبر، فأقسم لا يُصالح تغلبًا حتى تأكله الأرض، وأتوه بفرسه النعامة، وكان ولي أمر بكر، وكان أول يوم شهده هو يوم تحلاق اللمم «سمي بذلك لأنه أمر بكرًا بحلق رءوسهم حتى يميزهم النساء الذين حملوهم معهم ليقتلوا جرحى تغلب ويعنوا بجرحى بكر»، وقد انتصر البكريون في هذا اليوم، وأسر الحارث مهلهلًا وهو لا يعرفه ثم خلى عنه. ثم كان بين القومين أيام أخرى أهمها يوم النقبة ويوم الفصيل لا داعي إلى شرحها، ويكفي أن نذكر أنه في تمام السنة الأربعين لبدء الحرب تدخل المنذر الثالث ملك الحيرة لإنهاء ذلك الصراع. وهكذا انتهت تلك الحرب التي استمرت أربعين سنة مات في أثنائها الشيوخ، وشاخ الشبان وشب الولدان، وولدت طبقة من الناس لم تكن في الحسبان، وكان سببها حادثة تافهة، هي قتل الناقة سراب، التي ضرب العرب بها المثل، فقالوا: «أشأم من سراب» كما قالوا: «أشأم من البسوس»، ولا تزال أسماء الزعماء من التغلبيين والبكريين تجرى على ألسنة الناس في البلاد المتكلمة بالعربية. هذا؛ وإذا صح التقدير فإن هذه الحرب تكون قد استمرت من سنة 490 إلى 530 ميلادية.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|