نعرف الكون، وفقاً لمصطلحات الثرموديناميك، بأنه يتألف من منظومة (system) ومحيطها (surroundings) . والمنظومة هي جزء الكون الخاضع للاستقصاء المباشر، في حين أن المحيط يضم كل شيء خارج المنظومة. يمكننا استعمال هذا المفهوم مثلاً حين تحري سيرورة كيميائية من قبيل سيرورة إنتاج فينول خماسي الكلور pentachlorophenol _ PCP الحافظ للخشب. إن المنظومة المتمثلة من حيث المبدأ بما يحصل في مفاعل المعمل، تخضع لاستقصاء الكيميائيين الذين يطورون ويستمثلون تفاعلات التركيب الملائمة والمهندسين الذين يصممون ويبنون مرفق التصنيع. تاريخياً، ومع تزايد القلق على المحيط، بُذلت جهود كثيرة لتحري خواص المنظومات. وفي مثالنا، حينما يتحرك العلماء خارج المعمل ويوجهون انتباههم إلى تأثير السيرورة الصناعية في المحيط من حيث توليد الـ PCP أو إطلاق منتجات ثانوية من قبيل الدايوكسين dioxin، يُصبح الموضوع عندئذ واحداً من مواضيع كيمياء البيئة.

يمكننا متابعة مثالنا بالانتقال من التصنيع إلى الطرف الآخر من الطيف العلمي حيث نتحرى الآليات التي تدخل بها كيماويات من قبيل الدايوكسين في كائن حي، والتحولات الكيميائية الحيوية التي تتعرض لها، ونمط سلوكها الجزيئي، وطرائق إزالتها. حينئذ، يصبح ذلك الكائن منظومة تمثل موضوعاً يدرسه علماء الأحياء والكيمياء الحيوية وخبراء السموم، وما يحصل في محيط المنظومة، من قبيل انتقال الدايوكسين وتفاعله مع التربة والماء وتفككه .. إلخ، يكون موضوعاً من مواضيع كيمياء البيئة.

بعبارة أبسط ، كيمياء البيئة هي كيمياء المحيط المتمثل بالكون دون المنظومة.

تحت ضوء هذا المفهوم الواسع جداً لكيمياء البيئة، يجب أن يكون المدى الفيزيائي لذلك المحيط واضحاً لنا. فانطلاقاً من المكان الذي يعيش الإنسان فيه، يمكننا الانتقال إلى الداخل باتجاه مركز الأرض. هنا سوف نجد تحت طبقة رقيقة نسبياً من قشرة الأرض بضع سيرورات كيميائية تؤثر في البيئة، على مدى زمني يساوي على الأقل سنوات أو حتى ألوف السنوات. ويمكن لسماكة هذه الطبقة أن تساوي متراً واحداً حين الاهتمام بسيرورات التربة الكثيرة، أو أن تصل حتى عشرات الأمتار في حالة البحيرات، أو بضعة كيلو مترات في حالة المحيطات أو حالات التخلُّص من النفايات النووية. لكن سماكة هذه الطبقة، حتى عند أكبر قيمة لها، لا تساوي إلا جزءاً صغيراً من نصف قطر الأرض البالغ 6380 كيلو مترا (الشكل 1.1).

وبالتحرك نحو الخارج إلى الجو الغلاف الجوي atmosphere) فوق سطح الأرض، تحصل سيرورات معقدة تدعم وتدعمها تفاعلات مقترنة بالأرض. ويحصل كثير من هذه السيرورات  عند ارتفاعات منخفضة، إلا أننا نعلم أن التفاعلات الكيميائية التي تحصل عند ارتفاعات تزيد على 30 كيلو متراً شديدة الأهمية أيضاً للحفاظ على الأرض.

لذا، ومن بين المحيط الكلي الهائل للكون، فإن الطبقة الرقيقة التي لا تتجاوز سماكتها 50 كيلومتراً، والتي تمتد من تحت سطح الأرض بقليل حتى ارتفاعات عالية من الجو، تمثل موضوع معظم ما نتحدث عنه في سياق كيمياء البيئة. وهذا المحيط الجزئي، برغم كونه محدوداً ، كبير جداً وشديد التعقيد مقارنة بالمنظومات الصغيرة المسيطر عليها التي يهتم بها الكيميائيون عادة في مخابرهم. وبناء على ذلك سوف نقصر اهتمامنا في كثير من الأحيان على أجزاء محدودة معينة منه، من قبيل جو بناء أو بحيرة صغيرة أو طبقة معينة من التربة، وعندما نفعل ذلك نكون قد حولنا عملياً ذلك الجزء من المحيط إلى منظومة جديدة. إلا أننا يجب ألا نغفل عن حقيقة أن كل جزء صغير من البيئة مرتبط بالأجزاء الأخرى، وهي جميعا تمثل معاً كياناً مترابطاً.