المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

Synchrotron radiation
2024-03-26
خطاب العقيلة زينب (عليها السّلام)
5-10-2017
ثورة المختار
3-04-2015
احتمال الالتفات في قاعدة « الفراغ والتجاوز »
6-3-2022
النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) يمارس القضاء
30-01-2015
قيمة العمل
2024-05-24


قصة ذي القرنين  
  
4765   02:06 صباحاً   التاريخ: 11-10-2014
المؤلف : محمد حسين الطباطبائي
الكتاب أو المصدر : تفسير الميزان
الجزء والصفحة : ج13 ، ص305-323 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة ذي القرنين وقصص أخرى /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-10-2014 1723
التاريخ: 11-10-2014 1723
التاريخ: 11-10-2014 1766
التاريخ: 11-10-2014 2055

1 - قصة ذي القرنين في القرآن :

لم يعترض لاسمه ولا لتاريخ زمان ولادته وحياته ولا لنسبه وسائر مشخصاته على ما هو دأبه في ذكر قصص الماضين بل اكتفى على ذكر ثلاث رحلات منه فرحلة أولى إلى المغرب حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة أو حامية ووجد عندها قوما ، ورحلة ثانية إلى المشرق حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم يجعل الله لهم من دونها سترا ، ورحلة ثالثة حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا فشكوا إليه إفساد يأجوج ومأجوج في الأرض وعرضوا عليه أن يجعلوا له خرجا على أن يجعل بين القوم وبين يأجوج ومأجوج سدا فأجابهم إلى بناء السد ووعدهم أن يبني لهم فوق ما يأملون وأبى أن يقبل خرجهم وإنما طلب منهم أن يعينوه بقوة وقد أشير منها في القصة إلى الرجال وزبر الحديد والمنافخ والقطر.

والخصوصيات والجهات الجوهرية التي تستفاد من القصة هي أولا أن صاحب القصة كان يسمى قبل نزول قصته في القرآن بل حتى في زمان حياته بذي القرنين كما يظهر في سياق القصة من قوله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} [الكهف : 83] {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ} [الكهف : 86] و{قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ} [الكهف : 94].

وثانيا : أنه كان مؤمنا بالله واليوم الآخر ومتدينا بدين الحق كما يظهر من قوله : {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف : 98] وقوله : { أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [الكهف : 87 ، 88] إلخ ويزيد في كرامته الدينية أن قوله تعالى : {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} [الكهف : 86] يدل على تأييده بوحي أو إلهام أو نبي من أنبياء الله كان عنده يسدده بتبليغ الوحي.

وثالثا : أنه كان ممن جمع الله له خير الدنيا والآخرة ، أما خير الدنيا فالملك العظيم الذي بلغ به مغرب الشمس ومطلعها فلم يقم له شيء وقد ذلت له الأسباب ، وأما خير الآخرة فبسط العدل وإقامة الحق والصفح والعفو والرفق وكرامة النفس وبث الخير ودفع الشر ، وهذا كله مما يدل عليه قوله تعالى : {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف : 84] مضافا إلى ما يستفاد من سياق القصة من سيطرته الجسمانية والروحانية.

ورابعا : أنه صادف قوما ظالمين بالمغرب فعذبهم.

وخامسا : أن الردم الذي بناه هو في غير مغرب الشمس ومطلعها فإنه بعد ما بلغ مطلع الشمس أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين.

ومن مشخصات ردمه مضافا إلى كونه واقعا في غير المغرب والمشرق أنه واقع بين جبلين كالحائطين ، وأنه ساوى بين صدفيهما وأنه استعمل في بنائه زبر الحديد والقطر ، ولا محالة هو في مضيق هو الرابط بين ناحيتين من نواحي الأرض المسكونة.

2 - ذكرى ذي القرنين والسد ويأجوج ومأجوج :

في أخبار الماضين ، لم يذكر القدماء من المؤرخين في أخبارهم ملكا يسمى في عهده بذي القرنين أو ما يؤدي معناه من غير اللفظ العربي ولا يأجوج ومأجوج بهذين اللفظين ولا سدا ينسب إليه باسمه نعم ينسب إلى بعض ملوك حمير من اليمنيين أشعار في المباهاة يذكر فيها ذا القرنين وأنه من أسلافه التبابعة وفيها ذكر سيره إلى المغرب والمشرق وسد يأجوج ومأجوج وسيوافيك نبذة منها في بعض الفصول الآتية.

وورد ذكر "مأجوج" و"جوج ومأجوج" في مواضع من كتب العهد العتيق ففي الإصلاح (1) العاشر من سفر التكوين من التوراة ، : "و هذه مواليد بني نوح : سام وحام ويافث وولد لهم بنون بعد الطوفان. بنو يافث جومر ومأجوج وماداي وباوان ونوبال وماشك ونبراس.

وفي كتاب حزقيال ، (2) الإصحاح الثامن والثلاثون : وكان إلى كلام الرب قائلا : يا بن آدم اجعل وجهك على جوج أرض مأجوج رئيس روش ماشك ونوبال ، وتنبأ عليه وقل : هكذا قال السيد الرب : ها أنا ذا عليك يأجوج رئيس روش وماشك ونوبال وأرجعك وأضع شكائم في فكيك وأخرجك أنت وكل جيشك خيلا وفرسانا كلهم لابسين أفخر لباس جماعة عظيمة مع أتراس ومجان كلهم ممسكين السيوف. فارس وكوش وفوط معهم كلهم بمجن وخوذة ، وجومر وكل جيوشه وبيت نوجرمه من أقاصي الشمال مع كل جيشه شعوبا كثيرين معك". قال : لذلك تنبأ يا بن آدم وقل لجوج : هكذا قال السيد الرب في ذلك اليوم عند سكنى شعب إسرائيل آمنين أ فلا تعلم وتأتي من موضعك من أقاصي الشمال" إلخ.

وقال في الإصحاح التاسع والثلاثين ماضيا في الحديث السابق : وأنت يا بن آدم تنبأ على جوج وقل هكذا قال السيد الرب ها أنا ذا عليك يأجوج رئيس روش ماشك ونوبال وأردك وأقودك وأصعدك من أقاصي الشمال. وآتي بك على جبال إسرائيل وأضرب قوسك من يدك اليسرى وأسقط سهامك من يدك اليمني فتسقط على جبال إسرائيل أنت وكل جيشك والشعوب الذين معك أ بذلك مأكلا للطيور الكاسرة من كل نوع ولوحوش الحفل ، على وجه الحفل تسقط لأني تكلمت بقول السيد الرب ، وأرسل نارا على مأجوج وعلى الساكنين في الجزائر آمنين فيعلمون أني أنا الرب" إلخ.

 

وفي رؤيا يوحنا في الإصحاح العشرين : "و رأيت ملاكا نازلا من السماء معه مفتاح الهاوية وسلسلة عظيمة على يده فقبض على التنين الحية القديمة الذي هو إبليس والشيطان ، وقيده ألف سنة ، وطرحه في الهاوية وأغلق عليه وختم عليه لكيلا يضل الأمم فيما بعد حتى تتم الألف سنة ، وبعد ذلك لا بد أن يحل زمانا يسيرا. قال : "ثم متى تمت الألف سنة لن يحل الشيطان من سجنه ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض جوج ومأجوج ليجمعهم للحرب الذين عددهم مثل رمل البحر فصعدوا على عرض الأرض ، وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم ، وإبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبي الكذاب وسيعذبون نهارا وليلا إلى أبد الآبدين".

ويستفاد منها أن "مأجوج" أو "جوج ومأجوج" أمة أو أمم عظيمة كانت قاطنة في أقاصي شمال آسيا من معمورة الأرض يومئذ وأنهم كانوا أمما حربية معروفة بالمغازي والغارات.

ويقرب حينئذ أن يحدس أن ذا القرنين هذا هو أحد الملوك العظام الذين سدوا الطريق على هذه الأمم المفسدة في الأرض ، وأن السد المنسوب إليه يجب أن يكون فاصلا بين منطقة شمالية من قارة آسيا وجنوبها كحائط الصين أو سد باب الأبواب أو سد "داريال" أو غير هذه.

وقد تسلمت تواريخ الأمم اليوم من أن ناحية الشمال الشرقي من آسيا وهي الأحداب والمرتفعات في شمال الصين كانت موطنا لأمة كبيرة بدوية همجية لم تزل تزداد عددا وتكثر سوادا فتكر على الأمم المجاورة لها كالصين وربما نسلت من أحدابها وهبطت إلى بلاد آسيا الوسطى والدنيا وبلغت إلى شمال أوربة فمنهم من قطن في أراض أغار عليها كأغلب سكنة أوربة الشمالية فتمدين بها واشتغل بالزراعة والصناعة ، ومنهم من رجع ثم عاد وعاد (3).

وهذا أيضا مما يؤيد ما استقربناه آنفا أن السد الذي نبحث عنه هو أحد الأسداد الموجودة في شمال آسيا الفاصلة بين الشمال وجنوبه.

3 - من هو ذو القرنين؟ وأين سده؟

للمؤرخين وأرباب التفسير في ذلك أقوال بحسب اختلاف أنظارهم في تطبيق القصة : .

أ - ينسب إلى بعضهم أن السد المذكور في القرآن هو حائط الصين ، وهو حائط طويل يحول بين الصين وبين منغوليا بناه "شينهوانكتى" أحد ملوك الصين لصد هجمات المغول عن الصين ، طوله ثلاثة آلاف كيلو متر في عرض تسعة أمتار وارتفاع خمسة عشر مترا وقد بنى بالأحجار شرع في بنائه سنة 264 ق م وقد تم بناؤه في عشر أو عشرين وعلى هذا فذو القرنين هو الملك المذكور.

ويدفعه أن الأوصاف والمشخصات المذكورة في القرآن لذي القرنين وسده لا تنطبق على هذا الملك وحائط الصين الكبير فلم يذكر من هذا الملك أنه سار من أرضه إلى المغرب الأقصى ، والسد الذي يذكره القرآن يصفه بأنه ردم بين جبلين وقد استعمل فيه زبر الحديد والقطر وهو النحاس المذاب والحائط الكبير يمتد ثلاثة آلاف كيلو متر يمر في طريقه على السهول والجبال ، وليس بين جبلين وهو مبني بالحجارة لم يستعمل فيه حديد ولا قطر.

ب - نسب إلى بعضهم أن الذي بنى السد هو أحد ملوك آشور (4) وقد كان يهجم في حوالي القرن السابع قبل الميلاد أقوام (5) سيت من مضيق جبال قفقاز إلى أرمينستان ثم غربي إيران وربما بلغوا بلاد آشور وعاصمتها نينوا فأحاطوا بهم قتلا وسبيا ونهبا فبنى ملك آشور السد لصدهم ، وكأن المراد به سد باب الأبواب المنسوب تعميره أو ترميمه إلى كسرى أنوشيروان من ملوك الفرس هذا.

ولكن الشأن في انطباق خصوصيات القصة عليه.

ج - قال في روح المعاني : ، وقيل : هو يعني ذا القرنين فريدون بن أثفيان بن جمشيد خامس ملوك الفرس الفيشدادية ، وكان ملكا عادلا مطيعا لله تعالى ، وفي كتاب صور الأقاليم ، لأبي زيد البلخي : أنه كان مؤيدا بالوحي وفي عامة التواريخ أنه ملك الأرض وقسمها بين بنيه الثلاثة : إيرج وسلم وتور فأعطى إيرج العراق والهند والحجاز وجعله صاحب التاج ، وأعطى سلم الروم وديار مصر والمغرب ، وأعطى تور الصين والترك والمشرق ، ووضع لكل قانونا يحكم به ، وسميت القوانين الثلاثة "سياسة" وهي معربة "سي أيسا" أي ثلاثة قوانين.

ووجه تسميته ذا القرنين أنه ملك طرفي الدنيا أو طول أيام سلطنته فإنها كانت على ما في روضة الصفا ، خمسمائة سنة ، أو عظم شجاعته وقهره الملوك انتهى.

وفيه أن التاريخ لا يعترف بذلك.

د - وقيل : إن ذا القرنين هو الإسكندر المقدوني وهو المشهور في الألسن وسد الإسكندر كالمثل السائر بينهم وقد ورد ذلك في بعض الروايات كما في رواية قرب الإسناد ، عن موسى بن جعفر (عليه السلام) ورواية عقبة بن عامر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورواية وهب بن منبه المرويتين في الدر المنثور ، .

وبه قال بعض قدماء المفسرين من الصحابة والتابعين كمعاذ بن جبل على ما في مجمع البيان ، وقتادة على ما رواه في الدر المنثور ، ووصفه الشيخ أبو علي بن سينا عند ما ذكره في كتاب الشفاء ، بذي القرنين ، وأصر على ذلك الإمام الرازي في تفسيره الكبير ، .

قال فيه ما ملخصه : إن القرآن دل على أن ملك الرجل بلغ إلى أقصى المغرب وأقصى المشرق وجهة الشمال ، وذلك تمام المعمورة من الأرض ومثل هذا الملك يجب أن يبقى اسمه مخلدا ، والملك الذي اشتهر في كتب التواريخ أن ملكه بلغ هذا المبلغ ليس إلا الإسكندر.

وذلك أنه بعد موت أبيه جمع ملوك الروم والمغرب وقهرهم وانتهى إلى البحر الأخضر ثم إلى مصر ، وبنى الإسكندرية ثم دخل الشام وقصد بني إسرائيل وورد بيت المقدس ، وذبح في مذبحه.
ثم انعطف إلى أرمينية وباب الأبواب ، ودان له العراقيون والقبط والبربر ، واستولى على إيران ، وقصد الهند والصين وغزا الأمم البعيدة ورجع إلى خراسان وبنى المدن الكثيرة ثم رجع إلى العراق ومات في شهرزور أو رومية المدائن وحمل إلى إسكندرية ودفن بها ، وعاش ثلاثا وثلاثين سنة ، ومدة ملكه اثنتا عشرة سنة.

فلما ثبت بالقرآن أن ذا القرنين ملك أكثر المعمورة ، وثبت بالتواريخ أن الذي هذا شأنه هو الإسكندر وجب القطع بأن المراد بذي القرنين هو الإسكندر.

انتهى.

وفيه أولا : أن الذي ذكره من انحصار ملك معظم المعمورة في الإسكندر المقدوني غير مسلم في التاريخ ففي الملوك من يماثله أو يزيد عليه ملكا.

وثانيا : أن الذي يذكره القرآن من أوصاف ذي القرنين لا يتسلمه التاريخ للإسكندر أو ينفيه عنه فقد ذكر القرآن أن ذا القرنين كان مؤمنا بالله واليوم الآخر وهو دين التوحيد وكان الإسكندر وثنيا من الصابئين كما يحكى أنه ذبح ذبيحته للمشتري ، وذكر القرآن أن ذا القرنين كان من صالحي عباد الله ذا عدل ورفق والتاريخ يقص للإسكندر خلاف ذلك.

وثالثا : أنه لم يرد في شيء من تواريخهم أن الإسكندر المقدوني بنى سد يأجوج ومأجوج على ما يذكره القرآن.

وقال في البداية ، والنهاية ، في خبر ذي القرنين : وقال إسحاق بن بشر عن سعيد بن بشير عن قتادة قال : إسكندر هو ذو القرنين وأبوه أول القياصرة ، وكان من ولد سام بن نوح.

فأما ذو القرنين الثاني فهو إسكندر بن فيلبس وساق نسبه إلى عيص بن إسحاق بن إبراهيم المقدوني اليوناني المصري باني إسكندرية الذي يؤرخ بأيامه الروم ، وكان متأخرا عن الأول بدهر طويل.

وكان هذا قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة ، وكان أرسطاطاليس الفيلسوف وزيره ، وهو الذي قتل دارا بن دارا ، وأذل ملوك الفرس وأوطأ أرضهم.

قال : وإنما نبهنا عليه لأن كثيرا من الناس يعتقد أنهما واحد وأن المذكور في القرآن هو الذي كان أرسطاطاليس وزيره فيقع بسبب ذلك خطأ كبير ، وفساد عريض طويل كثير فإن الأول كان عبدا مؤمنا صالحا ، وملكا عادلا ، وكان وزيره الخضر وقد كان نبيا على ما قررناه قبل هذا ، وأما الثاني فكان مشركا ، وقد كان وزيره فيلسوفا ، وقد كان بين زمانيهما ، أزيد من ألفي سنة فأين هذا من هذا لا يستويان ولا يشتبهان إلا على غبي لا يعرف حقائق الأمور انتهى.

وفيه تعريض بالإمام الرازي في مقاله السابق لكنك لو أمعنت فيما نقلنا من كلامه ثم راجعت كتابه فيما ذكره من قصة ذي القرنين وجدته لا يرتكب من الخطأ أقل مما ارتكبه الإمام الرازي فلا أثر في التاريخ عن ملك كان قبل المسيح بأكثر من ألفين وثلاثمائة سنة ملك الأرض من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق وجهة الشمال وبنى السد وكان مؤمنا صالحا بل نبيا ووزيره الخضر ودخل الظلمات في طلب ماء الحياة سواء كان اسمه الإسكندر أو غير ذلك.

هـ - ذكر جمع من المؤرخين أن ذا القرنين أحد التبابعة (6) الأذواء اليمنيين من ملوك حمير باليمن كالأصمعي في تاريخ العرب قبل الإسلام ، وابن هشام في السيرة ، والتيجان وأبي ريحان البيروني في الآثار الباقية ، ونشوان بن سعيد الحميري في شمس العلوم ، - على ما نقل عنهم - وغيرهم.

وقد اختلفوا في اسمه فقيل اسمه مصعب بن عبد الله ، وقيل : صعب بن ذي المرائد وهو أول التبابعة ، وهو الذي حكم لإبراهيم في بئر السبع ، وقيل : تبع الأقرن واسمه حسان ، وذكر الأصمعي أنه أسعد الكامل الرابع من التبابعة بن حسان الأقرن ملكي كرب تبع الثاني ابن الملك تبع الأول ، وقيل : اسمه "شمريرعش.

وقد ورد ذكر ذي القرنين والافتخار به في عدة من أشعار الحميريين وبعض شعراء الجاهلية ففي البداية ، والنهاية ، : أنشد ابن هشام للأعشى : والصعب ذو القرنين أصبح ثاويا.

بالجنو في جدث أشم مقيما.

وقد مر في البحث الروائي السابق أن عثمان بن أبي الحاضر أنشد لابن عباس قول بعض الحميريين :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما.          ملكا تدين له الملوك وتحشد.

بلغ المشارق والمغارب يبتغي.          أسباب أمر من حكيم مرشد.

فرأى مغيب الشمس عند غروبها.        في عين ذي خلب وثأط حرمد .
قال المقريزي في الخطط ، : اعلم أن التحقيق عند علماء الأخبار أن ذا القرنين الذي ذكره الله في كتابه العزيز فقال : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا } [الكهف : 84,83] الآيات عربي قد كثر ذكره في أشعار العرب.

وأن اسمه الصعب بن ذي مرائد بن الحارث الرائش بن الهمال ذي سدد بن عاد ذي منح بن عار الملطاط بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح (عليه السلام).

وأنه ملك من ملوك حمير وهم العرب (7) العاربة ، ويقال لهم أيضا العرب العرباء ، وكان ذو القرنين تبعا متوجا ، ولما ولي الملك تجبر ثم تواضع لله ، واجتمع بالخضر ، وقد غلط من ظن أن الإسكندر بن فيلبس هو ذو القرنين الذي بنى السد فإن لفظة ذو عربية ، وذو القرنين من ألقاب العرب ملوك اليمن ، وذاك رومي يوناني.

قال أبو جعفر الطبري : وكان الخضر في أيام أفريدون الملك بن الضحاك في قول عامة علماء أهل الكتاب الأول ، وقيل : موسى بن عمران (عليهما السلام) ، وقيل : إنه كان على مقدمة ذي القرنين الأكبر الذي كان على أيام إبراهيم الخليل (عليه السلام) وإن الخضر بلغ مع ذي القرنين أيام مسيره في البلاد نهر الحياة فشرب من مائه وهو لا يعلم به ذو القرنين ولا من معه فخلد وهو حي عندهم إلى الآن ، وقال آخرون إن ذا القرنين الذي كان على عهد إبراهيم الخليل (عليه السلام) هو أفريدون بن الضحاك وعلى مقدمته كان الخضر.

و قال أبو محمد عبد الملك بن هشام في كتاب التيجان ، في معرفة ملوك الزمان بعد ما ذكر نسب ذي القرنين الذي ذكرناه : وكان تبعا متوجا لما ولي الملك تجبر ثم تواضع واجتمع بالخضر ببيت المقدس ، وسار معه مشارق الأرض ومغاربها وأوتي من كل شيء سببا كما أخبر الله تعالى ، وبنى السد على يأجوج ومأجوج ومات بالعراق.

وأما الإسكندر فإنه يوناني ، ويعرف بالإسكندر المجدوني ويقال المقدوني : سئل ابن عباس عن ذي القرنين : ممن كان؟ فقال : من حمير وهو الصعب بن ذي مرائد الذي مكنه الله في الأرض وآتاه من كل شيء سببا فبلغ قرني الشمس ورأس الأرض وبنى السد على يأجوج ومأجوج. قيل له : فالإسكندر؟ قال : كان رجلا صالحا روميا حكيما بنى على البحر في إفريقية منارا ، وأخذ أرض رومة ، وأتى بحر العرب ، وأكثر عمل الآثار في العرب من المصانع والمدن.

: وسئل كعب الأحبار عن ذي القرنين فقال : الصحيح عندنا من أحبارنا وأسلافنا أنه من حمير وأنه الصعب بن ذي مرائد ، والإسكندر كان رجلا من يونان من ولد عيصو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل (عليه السلام) ، ورجال الإسكندر (8) أدركوا المسيح بن مريم منهم جالينوس وأرسطاطاليس.

وقال الهمداني في كتاب الأنساب ، : وولد كهلان بن سبإ زيدا ، فولد زيد عريبا ومالكا وغالبا وعميكرب ، وقال الهيثم : عميكرب بن سبإ أخو حمير وكهلان فولد عميكرب أبا مالك فدرحا ومهيليل ابني عميكرب ، وولد غالب جنادة بن غالب وقد ملك بعد مهيليل بن عميكرب بن سبإ ، وولد عريب عمرا ، فولد عمرو زيدا والهميسع ويكنى أبا الصعب وهو ذو القرنين الأول ، وهو المساح والبناء ، وفيه يقول النعمان بن بشير.

فمن ذا يعادونا من الناس معشرا.

كراما فذو القرنين منا وحاتم.

وفيه يقول الحارثي :

سموا لنا واحدا منكم فنعرفه.             في الجاهلية لاسم الملك محتملا.

كالتبعين وذي القرنين يقبله.              أهل الحجى فأحق القول ما قبلا.

وفيه يقول ابن أبي ذئب الخزائي :

ومنا الذي بالخافقين تغربا.               وأصعد في كل البلاد وصوبا.

فقد نال قرن الشمس شرقا ومغربا.      وفي ردم يأجوج بنى ثم نصبا.

وذلك ذو القرنين تفخر حمير.            بعسكر فيل ليس يحصى فيحسبا.

قال الهمداني : وعلماء همدان تقول : ذو القرنين الصعب بن مالك بن الحارث الأعلى بن ربيعة بن الحيار بن مالك ، وفي ذي القرنين أقاويل كثيرة.

انتهى كلام المقريزي.

وهو كلام جامع ، ويستفاد منه أولا أن لقب ذي القرنين تسمى به أكثر من واحد من ملوك حمير وأن هناك ذا القرنين الأول الكبير وغيره.

وثانيا : أن ذا القرنين الأول وهو الذي بنى سد يأجوج ومأجوج قبل الإسكندر المقدوني بقرون كثيرة سواء كان معاصرا للخليل (عليه السلام) أو بعده كما هو مقتضى ما نقله ابن هشام من ملاقاته الخضر ببيت المقدس المبني بعد إبراهيم بعدة قرون في زمن داود وسليمان (عليهما السلام) فهو على أي حال قبله مع ما في تاريخ ملوك حمير من الإبهام.

ويبقى الكلام على ما ذكره واختاره من جهتين : أحدهما : أنه أين موضع هذا السد الذي بناه تبع الحميري؟.

وثانيهما : أنه من هم هذه الأمة المفسدة في الأرض التي بنى السد لصدهم فهل هذا السد أحد الأسداد المبنية في اليمن أو ما والاها كسد مأرب وغيره فهي أسداد مبنية لادخار المياه للشرب والسقي لا للصد على أنها لم يعمل فيها زبر الحديد والقطر كما ذكره الله في كتابه ، أو غيره؟ وهل كان هناك أمة مفسدة مهاجمة ، وليس فيما يجاورهم إلا أمثال القبط والآشور وكلدان وغيرهم وهم أهل حضارة ومدنية؟.

وذكر بعض أجلة المحققين (9) من معاصرينا في تأييد هذا القول ما محصله : أن ذا القرنين المذكور في القرآن قبل الإسكندر المقدوني بمئات من السنين فليس هو هو بل هو أحد الملوك الصالحين من التبابعة الأذواء من ملوك اليمن ، وكان من شيمة طائفة منهم التسمي بذي كذي همدان وذي غمدان وذي المنار وذي الإذعار وذي يزن وغيرهم.

وكان مسلما موحدا وعادلا حسن السيرة وقويا ذا هيبة وشوكة سار في جيش كثيف نحو المغرب فاستولى على مصر وما وراءها ثم لم يزل يسير على سواحل البحر الأبيض حتى بلغ ساحل المحيط الغربي فوجد الشمس تغيب في عين حمئة أو حامية.

ثم رجع سائرا نحو المشرق وبنى في مسيره "إفريقية (10)" وكان شديد الولع وذا خبرة في البناء والعمارة ، ولم يزل يسير حتى مر بشبه جزيرة وبراري آسيا الوسطى وبلغ تركستان وحائط الصين ووجد هناك قوما لم يجعل الله لهم من دون الشمس سترا.

ثم مال إلى الجانب الشمالي حتى بلغ مدار السرطان ، ولعله الذي شاع في الألسن أنه دخل الظلمات ، فسأله أهل تلك البلاد أن يبني لهم سدا يصد عنهم يأجوج ومأجوج لما أن اليمنيين - وذو القرنين منهم - كانوا معروفين بعمل السد والخبرة فيه فبنى لهم السد.

فإن كان هذا السد هو الحائط الكبير الحائل بين الصين ومنغوليا فقد كان ذلك ترميما منه لمواضع تهدمت من الحائط بمرور الأيام وإلا فأصل الحائط إنما بناه بعض ملوك الصين قبل ذلك ، وإن كان سدا آخر غير الحائط فلا إشكال.

ومما بناه ذو القرنين واسمه الأصلي "شمريرعش" في تلك النواحي مدينة سمرقند (11) على ما قيل.

وأيد ذلك بأن كون ذي القرنين ملكا عربيا صالحا يسأل عنه الأعراب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويذكره القرآن الكريم للتذكر والاعتبار أقرب للقبول من أن يذكر قصة بعض ملوك الروم أو العجم أو الصين ، وهم من الأمم البعيدة التي لم يكن للأعراب هوى في أن يسمعوا أخبارهم أو يعتبروا بآثارهم ، ولذا لم يتعرض القرآن لشيء من أخبارهم.

انتهى ملخصا.

والذي يبقى عليه أن كون حائط الصين هو سد ذي القرنين لا سبيل إليه فإن ذا القرنين قبل الإسكندر بعدة قرون على ما ذكره وقد بنى حائط الصين بعد الإسكندر بما يقرب من نصف قرن وأما غير الحائط الكبير ففي ناحية الشمال الغربي من الصين بعض أسداد أخر لكنها مبنية من الحجارة على ما يذكر لا أثر فيها من زبر الحديد والقطر.

وقال في تفسير الجواهر بعد ذكر مقدمة ملخصها أن المعروف من دول اليمن بمعونة من النقوش المكشوفة في خرائب اليمن ثلاث دول : .

دولة معين وعاصمتها قرناء وقد قدر العلماء أن آثار دولة معين تبتدئ من القرن الرابع عشر قبل الميلاد إلى القرن السابع أو الثامن قبله ، وقد عثروا على بعض ملوك هذه الدولة وهم ستة وعشرون ملكا مثل "أب يدع" و"أب يدع ينيع" أي المنقد.

ودولة سبإ وهم من القحطانيين كانوا أولا أذواء فأقيالا ، والذي نبغ منهم "سبأ" صاحب قصر صرواح شرقي صنعاء فاستولى على الجميع ، ويبتدئ ملكهم من 850 ق م إلى 115 ق م والمعروف من ملوكهم سبعة وعشرون ملكا خمسة عشر منهم يسمى مكربا كالمكرب "يثعمر" والمكرب "ذمر على" ، واثنا عشرة منهم يسمى ملكا فقط كالملك "ذرح" والملك "يريم أيمن".
ودولة الحميريين وهم طبقتان الأولى ملوك سبإ وريدان من سنة 115 ق م إلى سنة 275 ق م وهؤلاء ملوك فقط ، والطبقة الثانية ملوك سبإ وريدان وحضرموت وغيرها ، وهؤلاء أربعة عشر ملكا أكثرهم تبابعة أولهم "شمريرعش" وثانيهم "ذو القرنين" وثالثهم "عمرو" زوج بلقيس (12) وينتهي إلى ذي جدن ويبتدئ ملكهم من سنة 275 م إلى سنة 525.

ثم قال : فقد ظهرت صلة الاتصاف بلقب "ذي" بملوك اليمن ولا نجد في غيرهم كملوك الروم مثلا من يلقب بذي ، فذو القرنين من ملوك اليمن ، وقد تقدم من ملوكهم من يسمى بذي القرنين ، ولكن هل هذا هو ذو القرنين المذكور في القرآن ؟ .

نحن نقول : كلا لأن هذا مذكور في ملوك قريبي العهد منا جدا ، ولم ينقل ذلك عنهم اللهم إلا في روايات ذكرها القصاصون في التاريخ مثل أن "شمريرعش" وصل إلى بلاد العراق وفارس وخراسان والصغد ، وبنى مدينة سمرقند وأصله شمركند ، وأن أسعد أبو كرب غزا أذربيجان ، وبعث حسانا ابنه إلى الصغد ، وابنه يعفر إلى الروم ، وابن أخيه إلى الفرس ، وأن من الحميريين من بقوا في الصين لهذا العهد بعد غزو ذلك الملك لها.

وكذب ابن خلدون وغيره هذه الأخبار ، ووسموها بأنها مبالغ فيها ، ونقضوها بأدلة جغرافية وأخرى تاريخية.

إذن يكون ذو القرنين من أمة العرب ولكنه في تاريخ قديم قبل التاريخ المعروف.

انتهى ملخصا.

و- وقيل : إن ذا القرنين هو كورش أحد ملوك الفرس الهخامنشيين 539 - 560 ق م وهو الذي أسس الإمبراطورية الإيرانية ، وجمع بين مملكتي الفارس وماد ، وسخر بابل وأذن في رجوع اليهود من بابل إلى أورشليم وساعد في بناء الهيكل وسخر مصر ثم اجتاز إلى يونان فغلبهم وبلغ المغرب ثم سار إلى أقاصي المعمورة في المشرق.

ذكره بعض من قارب (13) عصرنا ثم بذل الجهد في إيضاحه وتقريبه بعض محققي (14) الهند في هذه الأواخر بيان ذلك إجمالا أن الذي ذكره القرآن من وصف ذي القرنين منطبق على هذا الملك العظيم فقد كان مؤمنا بالله بدين التوحيد عادلا في رعيته سائرا بالرأفة والرفق والإحسان سائسا لأهل الظلم والعدوان ، وقد آتاه الله من كل شيء سببا فجمع بين الدين والعقل وفضائل الأخلاق والعدة والقوة والثروة والشوكة ومطاوعة الأسباب.

وقد سار كما ذكره الله في كتابه مرة نحو المغرب حتى استولى على ليديا وحواليها ثم سار ثانيا نحو المشرق حتى بلغ مطلع الشمس ووجد عنده قوما بدويين همجيين يسكنون في البراري ثم بنى السد وهو على ما يدل عليه الشواهد السد المعمول في مضيق داريال بين جبال قفقاز بقرب "مدينة تفليس" هذا إجمال الكلام ودونك التفصيل.

إيمانه بالله واليوم الآخر : يدل على ذلك ما في كتب العهد العتيق ككتاب عزرا ، (الإصحاح 1) وكتاب دانيال ، (الإصحاح 6) وكتاب أشعيا ، (الإصحاح 44 و45) من تجليله وتقديسه حتى سماه في كتاب الأشعياء "راعي الرب" وقال في الإصحاح الخامس والأربعين : "هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أمما وأحقاء ملوك أحل لأفتح أمامه المصراعين والأبواب لا تغلق.

أنا أسير قدامك والهضاب أمهد أكسر مصراعي النحاس ومغاليق الحديد أقصف.

وأعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابي . لكي تعرف أني أنا الرب الذي يدعوك باسمك.

لقبتك وأنت لست تعرفني".

ولو قطع النظر عن كونه وحيا فاليهود على ما بهم من العصبية المذهبية لا يعدون رجلا مشركا مجوسيا أو وثنيا - لو كان كورش كذلك - مسيحا إلهيا مهديا مؤيدا وراعيا للرب.

على أن النقوش والكتابات المخطوطة بالخط المسماري المأثور عن داريوش الكبير وبينهما من الفصل الزماني ثماني سنين ناطقة بكونه موحدا غير مشرك ، وليس من المعقول أن يتغير ما كان عليه كورش في هذا الزمن القصير.

وأما فضائله النفسانية فيكفي في ذلك الرجوع إلى المحفوظ من أخباره وسيرته وما قابل به الطغاة والجبابرة الذين خرجوا عليه أو حاربهم كملوك "ماد" و"ليديا" و"بابل" و"مصر" وطغاة البدو في أطراف "بكتريا" وهو البلخ وغيرهم ، وكان كلما ظهر على قوم عفا عن مجرميهم ، وأكرم كريمهم ورحم ضعيفهم وساس مفسدهم وخائنهم.

وقد أثنى عليه كتب العهد القديم ، واليهود يحترمه أعظم الاحترام لما نجاهم من إسارة بابل وأرجعهم إلى بلادهم وبذل لهم الأموال لتجديد بناء الهيكل ورد إليهم نفائس الهيكل المنهوبة المخزونة في خزائن ملوك بابل ، وهذا في نفسه مؤيد آخر لكون ذي القرنين هو كورش فإن السؤال عن ذي القرنين إنما كان بتلقين من اليهود على ما في الروايات.

وقد ذكره مؤرخو يونان القدماء كهرودت وغيره فلم يسعهم إلا أن يصفوه بالمروة والفتوة والسماحة والكرم والصفح وقلة الحرص والرحمة والرأفة ويثنوا عليه بأحسن الثناء.

وأما تسميته بذي القرنين

فالتواريخ وإن كانت خالية عما يدل على شيء في ذلك لكن اكتشاف تمثاله الحجري أخيرا في مشهد مرغاب في جنوب إيران يزيل الريب في اتصافه بذي القرنين فإنه مثل فيه ذا قرنين نابتين من أم رأسه من منبت واحد أحد القرنين مائل إلى قدام والآخر آخذ جهة الخلف.

وهذا قريب من قول من قال من القدماء في وجه تسمية ذي القرنين أنه كان له تاج أو خوذة فيه قرنان.

وقد ورد في كتاب دانيال ، ذكر رؤيا رأى كورش فيه في صورة كبش ذي قرنين قال فيه (15) : "في السنة الثالثة من ملك "بيلشاصر" الملك ظهرت لي أنا دانيال رؤيا بعد التي ظهرت لي في الابتداء.

فرأيت في الرؤيا وكأن في رؤياي وأنا في "شوشن" القصر الذي في ولاية عيلام.

ورأيت في الرؤيا وأنا عند نهر "أولاي" فرفعت عيني وإذا بكبش واقف عند النهر وله قرنان والقرنان عاليان والواحد أعلى من الآخر والأعلى طالع أخيرا.

رأيت الكبش ينطح غربا وشمالا وجنوبا فلم يقف حيوان قدامه ولا منفذ من يده وفعل كمرضاته وعظم.

وبينما كنت متأملا إذا بتيس من المعز جاء من المغرب على وجه كل الأرض ولم يمس الأرض وللتيس قرن معتبر بين عينيه.

وجاء إلى الكبش صاحب القرنين الذي رأيته واقفا عند النهر وركض إليه بشدة قوته ورأيته قد وصل جانب الكبش فاستشاط عليه وضرب الكبش وكسر قرنيه فلم تكن للكبش قوة على الوقوف أمامه وطرحه على الأرض وداسه ولم يكن للكبش منفذ من يده.

فتعظم تيس المعز جدا".

ثم ذكر بعد تمام الرؤيا أن جبرئيل تراءى له وعبر رؤياه بما ينطبق فيه الكبش ذو القرنين على كورش ، وقرناه مملكتا الفارس وماد ، والتيس ذو القرن الواحد على الإسكندر المقدوني.

وأما سيره نحو المغرب والمشرق فسيره نحو المغرب كان لدفع طاغية "ليديا" وقد سار بجيوشه نحو كورش ظلما وطغيانا من غير أي عذر يجوز له ذلك فسار إليه وحاربه وهزمه ثم عقبه حتى حاصره في عاصمة ملكه ثم فتحها وأسره ثم عفا عنه وعن سائر أعضاده وأكرمه وإياهم وأحسن إليهم وكان له أن يسوسهم ويبيدهم وانطباق القصة على قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ - ولعلها الساحل الغربي من آسيا الصغرى - وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} [الكهف : 86] وذلك لاستحقاقهم العذاب بطغيانهم وظلمهم وفسادهم.

ثم إنه سار نحو الصحراء الكبير بالمشرق حوالي بكتريا لإخماد غائلة قبائل بدوية همجية انتهضوا هناك للمهاجمة والفساد وانطباق قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} [الكهف : 90] عليه ظاهر.

وأما بناؤه السد :

فالسد الموجود في مضيق جبال قفقاز الممتدة من بحر الخزر إلى البحر الأسود ، ويسمى المضيق "داريال" وهو واقع بلدة "تفليس" وبين "ولادي كيوكز".

وهذا السد واقع في مضيق بين جبلين شاهقين يمتدان من جانبيه وهو وحدة الفتحة الرابطة بين جانبي الجبال الجنوبي والشمالي والجبال مع ما ينضم إليها من بحر الخزر والبحر الأسود حاجز طبيعي في طول ألوف من الكيلو مترات يحجز جنوب آسيا من شمالها.

وكان يهجم في تلك الأعصار أقوام شريرة من قاطني الشمال الشرقي من آسيا من مضيق جبال قفقاز إلى ما يواليها من الجنوب فيغيرون على ما دونها من أرمينستان ثم إيران حتى الآشور وكلدة ، وهجموا في حوالي المائة السابعة قبل الميلاد فعمموا البلاد قتلا وسبيا ونهبا حتى بلغوا نينوى عاصمة الآشور وكان ذلك في القرن السابق على عهد كورش تقريبا.
وقد ذكر المؤرخون من القدماء كهرودوت اليوناني سير كورش إلى شمال إيران لإخماد نوائر فتن اشتعلت هناك ، والظاهر أنه بنى السد في مضيق داريال في مسيره هذا لاستدعاء من أهل الشمال وتظلم منهم ، وقد بناه بالحجارة والحديد وهو الردم الوحيد الذي استعمل فيه الحديد ، وهو بين سدين جبلين ، وانطباق قوله تعالى : "فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما آتوني زبر الحديد" الآيات عليه ظاهر.

ومما أيد به هذا المدعى وجود نهر بالقرب منه يسمى "سايروس" وهو اسم كورش عند الغربيين ، ونهر آخر يمر بتفليس يسمى "كر" وقد ذكر هذا السد "يوسف" اليهودي المؤرخ عند ذكر رحلته إلى شمال قفقاز وليس هو الحائط الموجود في باب الأبواب على ساحل بحر الخزر فإن التاريخ ينسب بناءه إلى كسرى أنوشيروان وكان يوسف قبله(16).

على أن سد باب الأبواب غير سد ذي القرنين المذكور في القرآن قطعا إذ لم يستعمل فيه حديد قط.

وأما يأجوج ومأجوج

فالبحث عن التطورات الحاكمة على اللغات يهدينا إلى أنهم المغول فإن الكلمة بالتكلم الصيني "منكوك" أو "منجوك" ولفظتا يأجوج ومأجوج كأنهما نقل عبراني وهما في التراجم اليونانية وغيرها للعهد العتيق "كوك" و"مأكوك" والشبه الكامل بين "مأكوك" و"منكوك" يقضي بأن الكلمة متطورة من التلفظ الصيني "منكوك" كما اشتق منه "منغول" و"مغول" ولذلك في باب تطورات الألفاظ نظائر لا تحصى.

فيأجوج ومأجوج هما المغول وكانت هذه الأمة القاطنة بالشمال الشرقي من آسيا من أقدم الأعصار أمة كبيرة مهاجمة تهجم برهة إلى الصين وبرهة من طريق داريال قفقاز إلى أرمينستان وشمال إيران وغيرها وبرهة وهي بعد بناء السد إلى شمال أوربة وتسمى عندهم بسيت ومنهم الأمة الهاجمة على الروم وقد سقطت في هذه الكرة دولة رومان ، وقد تقدم أيضا أن المستفاد من كتب العهد العتيق أن هذه الأمة المفسدة من سكنة أقاصي الشمال.

هذه جملة ما لخصناه من كلامه ، وهو وإن لم يخل عن اعتراض ما في بعض أطرافه لكنه أوضح انطباقا على الآيات وأقرب إلى القبول من غيره.

ز - ومما قيل في ذي القرنين ما سمعته عن بعض مشايخي أنه من أهل بعض الأدوار السابقة على هذه الدورة الإنسانية وهو غريب ولعله لتصحيح ما ورد في الأخبار من عجائب حالات ذي القرنين وغرائب ما وقع منه من الوقائع كموته وحياته مرة بعد مرة ورفعه إلى السماء ونزوله إلى الأرض وقد سخر له السحاب يسير به إلى المغرب والمشرق ، وتسخير النور والظلمة والرعد والبرق له ، ومن المعلوم أن تاريخ هذه الدورة لا يحفظ شيئا من ذلك فلا بد أن يكون ذلك في بعض الأدوار السابقة هذا ، وقد بالغ في حسن الظن بتلك الأخبار.

4 - أمعن أهل التفسير والمؤرخون في البحث حول القصة ، وأشبعوا الكلام في أطرافها ، وأكثرهم على أن يأجوج ومأجوج أمة كبيرة في شمال آسيا ، وقد طبق جمع منهم ما أخبر به القرآن من خروجهم في آخر الزمان وإفسادهم في الأرض على هجوم التتر في النصف الأول من القرن السابع الهجري على غربي آسيا ، وإفراطهم في إهلاك الحرث والنسل بهدم البلاد وإبادة النفوس ونهب الأموال وفجائع لم يسبقهم إليها سابق.

وقد أخضعوا أولا الصين ثم زحفوا إلى تركستان وإيران والعراق والشام وقفقاز إلى آسيا الصغرى ، وأفنوا كل ما قاومهم من المدن والبلاد والحصون كسمرقند وبخارا وخوارزم ومرو ونيسابور والري وغيرها فكانت المدينة من المدن تصبح وفيها مات الألوف من النفوس ، وتمسي ولم يبق من عامة أهلها نافخ نار ، ولا من هامة أبنيتها حجر على حجر.

ثم رجعوا إلى بلادهم ثم عادوا وحملوا على الروس ودمروا أهل بولونيا وبلاد المجر وحملوا على الروم وألجئوهم على الجزية كل ذلك في فجائع يطول شرحها.

لكنهم أهملوا البحث عن أمر السد من جهة خروجهم منه وحل مشكلته فإن قوله تعالى : {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف : 97 ، 98 ، 99] الآيات ظاهره على ما فسروه أن هذه الأمة المفسدة محبوسون فيما وراءه لا مخرج لهم إلى سائر الأرض ما دام معمورا قائما على ساقه حتى إذا جاء وعد الله سبحانه جعله دكاء مثلما أو منهدما فخرجوا منه إلى الناس وساروا بالفساد والشر.

فكان عليهم - على هذا أن يقرروا للسد وصفه هذا فإن كانت هذه الأمة المذكورة هي التتر وقد ساروا من شمال الصين إلى إيران والعراق والشام وقفقاز إلى آسيا الصغرى فأين كان هذا السد الموصوف في القرآن الذي وطئوه ثم طلعوا منه إلى هذه البلاد وجعلوا عاليها سافلها؟.

وإن لم تكن هي التتر أو غيرها من الأمم المهاجمة في طول التاريخ فأين هذا السد المشيد بالحديد ومن صفته أنه يحبس أمة كبيرة منذ ألوف من السنين من أن تهجم على سائر أقطار الأرض ولا مخرج لهم إلى سائر الدنيا دون السد المضروب دونهم وقد ارتبطت اليوم بقاع الأرض بعضها ببعض بالخطوط البرية والبحرية والهوائية وليس يحجز حاجز طبيعي كجبل أو بحر أو صناعي كسد أو سور أو خندق أمة من أمة فأي معنى لانصداد قوم عن الدنيا بسد بين جبلين بأي وصف وصف وعلى أي نحو فرض؟.

والذي أرى في دفع هذا الإشكال - والله أعلم - أن قوله : "دكاء" من الدك بمعنى الذلة ، قال في لسان العرب : وجبل دك : ذليل.

انتهى.

والمراد بجعل السد دكاء جعله ذليلا لا يعبأ بأمره ولا ينتفع به من جهة اتساع طرق الارتباط وتنوع وسائل الحركة والانتقال برا وبحرا وجوا.

فحقيقة هذا الوعد هو الوعد برقي المجتمع البشري في مدنيته ، واقتراب شتى أممه إلى حيث لا يسده سد ولا يحوطه حائط عن الانتقال من أي صقع من أصقاع الأرض إلى غيره ولا يمنعه من الهجوم والزحف إلى أي قوم شاءوا.

ويؤيد هذا المعنى سياق قوله تعالى في موضع آخر يذكر فيه هجوم يأجوج ومأجوج "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون" حيث عبر بفتح يأجوج ومأجوج ولم يذكر السد.

وللدك معنى آخر وهو الدفن بالتراب ففي الصحاح : ، دككت الركي - وهو البئر - دفنته بالتراب انتهى ، ومعنى آخر وهو صيرورة الجبل رابية من طين ، قال في الصحاح ، وتدكدكت الجبال أي صارت روابي من طين واحدتها دكاء انتهى.

فمن الممكن أن يحتمل أن السد من جملة أبنية العهود القديمة التي ذهبت مدفونة تحت التراب عن رياح عاصفة أو غريقة بانتقال البحار أو اتساع بعضها على ما تثبتها الأبحاث الجيولوجية ، وبذلك يندفع الإشكال لكن الوجه السابق أوجه والله أعلم.

___________________
1- كتب العهدين مطبوعة بيروت 1870 ومنها سائر ما نقل في هذه الفصول.

2- وكان بين اليهود أيام أسارتهم ببابل.

3- وذكر بعضهم أن يأجوج ومأجوج هم الأمم الذين كانوا يشغلون الجزء الشمالي من آسيا تمتد بلادهم من التبت والصين إلى المحيط المنجد الشمالي وتنتهي غربا بما بلى بلاد تركستان ونقل ذلك عن فاكهة الخلفاء وتهذيب الأخلاق لابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

4- منقول عن كتاب كيهان شناخت " للحسن بن قطان المروزي الطبيب المنجم المتوفى سنة 548 ه‍ وذكر فيه أن اسمه " بلينس " وسماه أيضا إسكندر.

5- كانت هذه الأقوام يسمون - على ما ذكروا - عند الغربيين " سيت " ولهم ذكر في بعض النقوش الباقية من زمن " داريوش " ويسمون عند اليونانيين " ميكاك ".

6- كانت مملكة اليمن ينقسم إلى أربعة وثمانين مخلافا ، والمخلاف بمنزلة القضاء والمديرية في العرف الحاضر ، وكل مخلاف يشتمل على عدة قلاع يسمى كل قلعة قصرا أو محفدا يسكنه جماعة من الأمة يحكم فيهم كبير لهم ، وكان صاحب القصر الذي يتولى أمره يسمى بذي كذي غمدان وذي معين أي صاحب غمدان وصاحب معين والجمع أذواء وذوين ، والذي يتولى أمر المحلاف يسمى القيل والجمع أقيال ، والذي يتولى أمر مجموع المخاليف يسمى الملك : والملك الذي يضم حضر موت والشحر إلى اليمين ويحكم في الثلاث يسمى تبع أما إذا ملك اليمن فقط فملك وليس بتبع.
وقد عثر على أسماء خمس وخمسين من الأذواء لكن الملوك منهم ثمانية اذواء هم من ملوك حمير وهم من ملوك الدولة الأخيرة من الدول الحاكمة في قبل ، وقد عد منهم أربعة عشر ملكا ، والذي يتحصل من تاريخ ملوك اليمن من طريق والرواية مبهم جدا لا اعتماد على تفاصيله.

7- العرب العارية هم العرب قبل إسماعيل وأما إسماعيل وبنوه فهم العرب المستعربة.

8- وهذا لا يوافق ما قطع به التاريخ انه ملك 356 - 324 ق م.

9- وهو العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني.

10- بناها التبع أفريقس الملك ويقال إنه ذو القرنين ، وقيل إنه أبو ذي القرنين أو أخوه وبه سميت القارة إفريقيا.

11- يقال انه مر بناحية تركستان فخرب " سند " وبنى " سمرقند " فقيل " شمركند " أي شمر قلع وخرب سند فبقي شمر

سما له كند ثم عربت الكلمة فصارت سمرقند.

12- بلقيس هذه غير ملكة سبأ التي يقال إن سليمان بن داود عليه السلام تزوج بها بعدما أحضرها من سبأ وهو سابق على الميلاد بما يقرب من الف سنة.

13- سر احمد خان الهندي.

14- الباحث المحقق مولانا أبو الكلام آزاد .

15- كتاب دانيال الإصحاح الثامن 1 - 9.

16- فهو على ما يقال كان يعيش في القرن الأول الميلادي.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .