أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-04
1118
التاريخ: 27-11-2014
5212
التاريخ: 27-11-2014
1912
التاريخ: 11-10-2014
3678
|
قال سبحانه : { أَوْ كَصَيّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلّ شَيءٍ قَدِير }[ البقرة : 19ـ20] .
تفسير الآيات
الصيّب : المطر ، وكلّ نازل من علوّ إلى أسفل ، يقال فيه : صاب يصوب ، وهو عطف على قوله : { كَمَثَلِ الّذي استوقَدَ ناراً } ، ولمّا كان المثل الثاني أيضاً مثلاً للمنافقين ، فمقتضى القاعدة أن يقول : ( وكصيّب ) مكان { أَوْ كَصَيّبٍ } ولكن ربّما يُستعمل ( أو ) بمعنى ( و ) قال الشاعر :
نالَ الخلافة أو كانت له قدراً كما أتى ربّه موسى على قَدر
ويُحتمل أن يكون ( أو ) للتخيير ، بأن مَثّل المنافقين بموقد النار ، أو بِمن وقعَ في المطر .
والرعد : هو الصوت الذي يُسمَع في السحاب أحياناً عند تجمّعه .
والبرق : هو الضوء الذي يلمع في السحاب غالباً ، وربّما لمعَ في الأفق حيث لا سحاب ، وأسباب هذه الظواهر : اتحاد شحنات السحاب الموجبة بالسالبة كما تقرّر ذلك في علم الطبيعيات .
والصاعقة : نار عظيمة تنزل أحياناً أثناء المطر والبرق ، وسببها : تفريغ الشحنات التي في السحاب بجاذب يجذبها إلى الأرض .
والإحاطة بالشيء : الإحداق به من جميع الجهات .
والخطف : السلب والأخذ بسرعة ، ومنه النهي عن الخطفة بمعنى النهبة .
قوله : { وَإِذا أَظلَم } بمعنى إذا خفتَ ضوء البرق .
إلى هنا تمّ تفسير مفردات الآيات ، فلنرجع إلى بيان حقيقة التمثيل الوارد في الآية ، ليتضح من خلالها حال المنافقين ؛ فإنّ حال المشبّه يُعرف من حال المشبّه به ، فالمهمّ هو التعرّف على المشبّه به .
والإمعان في الآيات يُثبت بأنّ التمثيل يبتدأ من قوله : { أَوْ كَصَيّبٍ مِنَ السَّمَاءِ } وينتهي بقوله : { وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا } .
وأمّا قوله : { وَاللهُ محيطٌ بِالكافرين } جملة معترضة جيءَ بها في أثناء التمثيل ، وقوله بعد انتهاء التمثيل : { وَلَو شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ } يرجع إلى المشبّه .
هذا ما يرجع إلى مفردات الآيات وكيفية انسجامها ، والمهمّ هو : ترسيم ذلك المشهد الرهيب .
فلنفترض أنّ قوماً كانوا يسيرون في الفلوات وسط أجواء سادها الظلام الدامس ، فإذا بصيّب من السماء يتساقط عليهم بغزارة ، فيه رعود قاصفة وبروق لامعة تكاد تخطف الأبصار من شدّتها وصواعق مخيفة ، فتولاّهم الرعب والفزع والهلع ممّا حَدا بهم إلى أن يجعلوا أصابعهم في آذانهم خشية الموت ؛ للحيلولة دون سماع ذلك الصوت المخيف ، فعندئذٍ وقفوا حَيارى لا يدرون أين يولّون وجوهم ، فإذا ببصيصٍ من البرق أضاءَ لهم الطريق فمشوا فيه هنيئة ، فلمّا استتر ضوء البرق أحاطت بهم الظُلمة مرّة أُخرى وسكنوا عن المشي .
ونستخلص من هذا المشهد : أنّ الهول والرعب والفزع والحيرة قد استولى على هؤلاء القوم لا يدرون ماذا يفعلون ، وهذه الحالة برمَّتها تصدق على المنافقين ، ويمكن تقريب ذلك ببيانين :
البيان الأول : التطبيق المفرِّق لكلّ ما جاء من المفردات في المشبّه به : كالصيّب ، والظلمات ، والرعد ، والبرق ، على المشبَّه ، وقد ذكر المفسّرون في ذلك وجوهاً أفضلها ما ذكره الطبرسي تحت عنوان الوجه الثالث .
وقال : إنّه مثّل للإسلام ؛ لأَنّ فيه الحياة كما في الغيث الحياة ، وشبّه ما فيه من الظلمات بما في إسلامهم من إبطان الكفر ، وما فيه من الرعد بما في الإسلام من فرض الجهاد وخوف القتل ، وبما يخافونه من وعيد الآخرة لشكّهم في دينهم ، وما فيه من البرق بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم ومناكحتهم وموارثتهم ، وما فيه من الصواعق كما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل ، ويقوى ذلك ما روي عن الحسن ( عليه السلام ) أنّه قال : ( مُثّل إسلام المنافق كصيّب هذا وصفه ) (1) .
وربّما يُقرَّر هذا الوجه بشكل آخر ، وهو ما أفاده المحقّق محمد جواد البلاغي (المتوفّى1352هـ ) فقال : الإسلام للناس ونظام اجتماعهم كالمطر الصيّب فيه حياتهم وسعادتهم في الدارين ، وزهرة الأرض بالعدل والصلاح والأمن وحسن الاجتماع ، ولكنّ معاندة المعاندين للحقّ وأهله جَعلت الإسلام كالمطر ، لا يخلو من ظلمات شدائد وحروب ومعاداة من المشركين ، ورعود قتل وقتال وتهديدات مزعجات لغير الصابرين من ذوي البصائر ، والذين أرخصوا نفوسهم في سبيل الله ونيل السعادة ، وفيه بروق من النصر وآمال الظفر واغتنام الغنائم وعزّ الانتصار والمنعة والهيبة .
فهم إذا سَمعوا صواعق الحرب أخذَهم الهلع والحذر من القتل وشُبّهت حالهم في ذلك بأنّهم { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ } أجل { الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوت } وخوفاً من أن تُخلع قلوبهم من هول أصواتها ، وسَفهاً لعقولهم أين يفرّون عن الموت وماذا يُجديهم حَذرهم { وَاللهُ مُحِيطٌ بِالكَافِرِينَ } (2) .
وهذان التقريران يرجعان إلى التطبيق المفرّق كما عرفت .
البيان الثاني : التطبيق المركّب ، وهو إنّ الغاية من وراء هذا التمثيل أُمور ثلاثة ترجع إلى بيان حالة المنافقين .
وقبل أن نستوعب البحث عنها نذكر نص كلام الزمخشري في هذا الصدد .
قال الزمخشري : والصحيح الذي عليه علماء البيان لا يتخطّونه : أنّ التمثيلين جميعاً من جملة التمثيلات المركّبة دون المفرّقة ، لا يتكلّف لواحد واحد شيء يُقدّر شبهه به ، وهو القول الفصل والمذهب الجزل (3) .
إذا عرفتَ ذلك ، فإليك البحث في الأمور الثلاثة :
الأول : إحاطة الرعب والهلع بالمنافقين إثر انتشار الإسلام في الجزيرة العربية ، ودخول القبائل فيه وتنامي شوكته ، ممّا أوجدَ رعباً في قلوبهم وفزعاً في نفوسهم المضطربة ، ويجدون ذلك بلاءً أحاط بهم ، كالقوم الذين يصيبهم الصيّب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ، وإليه أشار قوله سبحانه : { أَوْ كَصَيّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } .
الثاني : إنّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لمّا كان يخبرهم عن المستقبل المظلم للكافرين والمُدبِرين عن الإسلام والإيمان ـ خصوصاً بعد الموت ـ صار ذلك كالصاعقة النازلة على رؤوسهم ، فكانوا يهربون من سماع آيات الله ويحذرون من صواعق براهينه الساطعة ، مع أنّ هذا هو منتهى الحماقة ؛ لأَنّ صُمّ الآذان ليس من أسباب الوقاية من أخذ الصاعقة ونزول الموت ، وإلى ذلك يشير قوله سبحانه : { يَجْعَلُون أَصابعهُمْ في آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَر المَوت وَالله مُحيطٌ بِالكافِرين } .
الثالث : كان النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يدعوهم إلى أصل الدين ، ويتلوا عليهم الآيات البيّنة ويقيم لهم الحجج القيّمة ، فعنئذٍ يظهر لهم الحقّ ، فربّما كانوا يعزمون على اتّباعه والسير وراء أفكاره ، ولكنّ هذه الحالة لم تدُم طويلاً ، إذ سرعان ما يعودون إلى تقليد الآباء ، وظلمة الشهوات والشبهات ، وإلى ذلك يشير قوله سبحانه : { يَكادُ الْبَرقُ يَخْطَفُ أَبْصارهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشوا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا } .
إلى هنا تمّ التطبيق المركّب ، لكن في مقاطع ثلاثة .
ثمّ إنّه سبحانه أعقبَ التمثيل بقوله : { وَلَو شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأَبْصارِهِم إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءِ قَدير } أي أنّه سبحانه قادر أن يجعلهم صُمّاً وعُمياً ، حتى لا ينجع فيهم وعظ واعظ ولا تُجدي هداية هادٍ .
وذهاب سمعهم وأبصارهم نتيجة أعمالهم الطالحة التي توصد باب التوفيق أمامهم ، فيصيرون صُمّاً وبُكماً وعُمياً .
ثمّ إنّ الآيات القرآنية تفسّر تلك الحالة النفسانية التي كانت تسود المنافقين في مهجر النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، حيث كانوا في حيطة وحذر من أن تنزل عليهم سورة تكشف نواياهم ، كما يشير إليه قوله سبحانه : { يَحْذَرُ المُنافِقُونَ أَن تُنَزَّل عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِءُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُون }[ التوبة : 64] .
ومن جانب آخر يشاهدون تنامي قدرة الإسلام وتزايد شوكته ، على وجه يستطيع أن يقطع دابرهم من أديم الأرض ، يقول سبحانه : { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالمُرجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاّ قَلِيلاً * مَلْعُونينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتّلُوا تَقْتِيلاً }[ الأحزاب : 60ـ61] .
هذا بعض ما يمكن أن يقال حول التمثيل الوارد في حق المنافقين ، ولكنّ المهمَّ تطبيق هذا التمثيل على منافقي عصرنا ، فدراسة حال المنافقين في عصرنا هذا من أهم وظيفة المفسّر ؛ فإنّ حقيقة النفاق واحدة ، ترجع إلى إظهار الإيمان وإبطان الكفر لغاية الإضرار بالإسلام والمسلمين ، وهم يقيمون في خوف ورعب ، وفي الوقت نفسه صُم بُكم عُمي فهم لا يرجعون .
_________________
1 ـ مجمع البيان : 1/57 .
2 ـ آلاء الرحمان : 1/74 .
3 ـ الكشّاف : 1/162ـ 163 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|