أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-14
1205
التاريخ: 31-1-2023
1225
التاريخ: 1-2-2022
1502
التاريخ: 7-2-2022
1479
|
كيف اكتشفنا أن كل شيء مكون من ذرات معظمها فضاء فارغ. لم نبد أي اهتمام باستخدام السلاح، ولكن كان ذلك أشبه بسباق مزعج وعسير. فلقد كانوا مصرين على رؤيتنا "كأعداء"، بالرغم من جهودنا لإعادة الأمن. فعندما أطلقت النار على مخزونهم النووي في سفينتنا، حلقوا بمدار أعلى فوق كوكبهم الازرق، فبدأ صبرنا ينفذ.
السلاح كان بسيطاً لكن فعالاً. وقد أفرغت المادة من محتواها الفارغ. تفحص آمر حملتنا السرياني المكعب المعدني المضيء، بطول 1 سم، ثم هز رأسه يائساً. كان من الصعب أن نصدق ان ذلك يوافق "البشرية قاطبة"!
ان كانت فكرة أن البشرية قاطبة توافق حجم مكعب من السكر أشبه بــروايات الخيال العلمي، فلتفكر ثانية. فالجدير بالملاحظة ان 99.9999999999999 بالمائة من حجم المادة الاعتيادية هو فضاء فارغ. وإذا كانت هناك طريقة لإخراج الفراغ من ذرات اجسامنا، فالبشرية قاطبة ستتوافق مع الفراغ الموجود في مكعب السكر.
إن الفراغ المروع في الذرات هو من السمات المميزة للاحجار المكونة للمادة. وعلى الجانب الآخر، فهناك 10 ملايين ذرة موضوعة بعضها قرب البعض الآخر على اتساع هذه الصفحة، وهنا يبرز السؤال التالي، كيف اكتشفنا ان كل شيء مكون من ذرات في المقام الاول؟ فكرة ان كل شيء مكون من ذرات كانت للفيلسوف الاغريقي ديموقريطيس حوالي 440 ق. م.(1) ولرفع صخرة – أو جزء منها أو قِدر طينية – سأل ديموقريطيس نفسه السؤال التالي: "إذا استطعت تقطيع صخرة إلى نصفين، ثم إلى نصفين آخرين، هل أستطيع الاستمرار بالتقطيع إلى انصاف إلى الابد؟" جوابه كان بالتأكيد لا. فلم يكن مقتنعاً ان المادة يمكن أن تنصف إلى الأبد. عاجلاً أم آجلاً، أدرك ديموقريطيس ان ذرة صغيرة من المادة يمكن أن تصل إلى حالة من الصغر بحيث لا يمكن تقطيعها. فالاغريق سموا الشيء غير القابل انه a-tomos، وديموقريطيس سمى أحجار المبنى الافتراضي للتقطيع للمادة بأنها ذرات.
فالذرات تبدو صغيرة جداً بالنسبة للحواس، والدليل على رؤيتها يبدو صعباً. ومع ذلك، فالرياضي السويسري دانيال برنولي، أوجد في القرن الثامن عشر طريقة لذلك، فبالرغم من ان الذرات تستحيل مشاهدتها مباشرة، لكن ذلك ممكن بصورة غير مباشرة، وعلل ذلك بأنه إذا كان هناك عدد كبير من الذرات المجتمعة، فهناك تأثير كبير وكاف لتكون واضحة في عالم اليوم. وكل ما احتاجه دانيال برنولي هو مكان في الطبيعة لحدوث ذلك، فوجد ضالته في الغاز.
تخيل برنولي ان الغاز عبارة عن هواء أو بخار يحتوي على مليارات المليارات من الذرات في حركة مجنونة ومتواصلة تشبه سرباً من النحل الغاضب هذه الرؤية المفعمة بالحيوية تشبه ضغط الغاز الذي ابقى البالون منتفخاً، أو الضغط المندفع نتيجة كبس محرك البخار. وبوضع هذه الذرات في حاوية، فالذرات ستضرب بقوة الجدران الداخلية للحاوية كضرب حبات البرد على سقف قصديري، مولّدة قوة شديدة حسب أحاسيسنا الخشنة؛ أشبه بقوة ثابتة تدفع الجدران للخلف. لكن تفسير برنولي الدقيق للضغط أعطى توضيحا أكثر من الصورة الموجودة في عقلنا عن استمرار الحركة في الغاز. وبشكل حاسم، قاد ذلك إلى توقع محدد. فعند ضغط الغاز ليصبح بنصف حجمه الاصلي تطير ذرات الغاز إلى نصف المسافة بين التصادمات مع جدران الحاوية، فتتضاعف التصادمات مع الجدران، وبالتالي يتضاعف الضغط. وإذا استمر ضغط الغاز ليصبح بثلث حجمه، فالذرات ستتصادم ثلاث مرات والضغط سيزداد إلى ثلاثة اضعاف، وهكذا تتواصل العملية.
العالم الانكليزي روبرت بويل لاحظ عام 1660 السلوكيات الذرية للغاز، مؤكدا رؤية برنولي للغاز. هذه الرؤية تشبه الذرات لحبات صغيرة تطير هنا وهناك في فضاء فارغ، ما أيد وجود الذرات. ورغم هذا النجاح، فالدليل على وجود هذه الذرات لم يتوصل إليه لغاية القرن العشرين. فقد كان مطموراً في ظاهرة سميت الحركة البراونية.
سميت هذه الحركة بالحركة البراونية نسبة إلى روبرت براون عالم الاحياء الذي ابحر إلى استراليا في بعثة صغيرة عام 1801. وخلال إقامته هناك صنف براون 4,000 عينة من النباتات المتناقضة، مكتشفاً نوى خلايا الحياة، بالإضافة إلى ملاحظته عام 1827 لحبوب اللقاح المعلقة بالماء. وبالنسبة لبراون – من خلال النظر عبر عدسات التكبير – تبدو حبوب اللقاح وكأنها خاضعة لحركة عاصفة غريبة، ما يجعل طريقها عبر السائل متعرجاً. ان براون لم يحل مطلقاً لغز حبات اللقاح المستعصية. فلقد كان هذا الاكتشاف منتظراً مجيء البرت اينشتاين الذي كان يبلغ من العمر 26 سنة. ففي السنة الاعجوبية عام 1905 لم يكن اينشتاين قد هزم نيوتن باستبدال أفكار نيوتن في الحركة بنظريته النسبية الخاصة، بل اخترق 80 عاماً من لغز الحركة البراونية.
ان سبب الرقص الجنوني لحبات اللقاح – كما فسر اينشتاين – هو أن الحبات كانت تحت تأثير قذف مستمر لجزيئات الماء الصغيرة. تصور كرة مطاطية عملاقة قابلة للنفخ، واطول من قامة الإنسان، دفعت إلى عدد كبير من الناس. فإذا كان اتجاه الكرة نحو اشخاص محددين دون آخرين معهم، فسيكون هناك تجاهل لأشخاص في جهة، أكثر من غيرهم في الجهة الأخرى. هذا اللاتوازن كاف لجعل الكرة تتحرك بشكل غريب وغير معتاد عليه. وبنفس الطريقة، فالحركة الغريبة لحبوب اللقاح تتجاهل جزيئات الماء المقذوفة من جانب أكثر من الجانب الآخر.
استنبط اینشتاین نظرية رياضية لوصف الحركة البراونية، والتي تتوقع ببعد وسرعة حبة اللقاح في انتقالها نسبة للانحدار القاسي لجزيئات الماء حول الحبات فكل شيء متوقف على حجم جزيئات الماء، ونظراً لحجم تلك الجزيئات الكبير يؤدي ذلك إلى اختلال توازن القوى على حبة اللقاح ونتيجته على الحركة البراونية. اما الفيزيائي الفرنسي جان بابتست بيرن فقد قارن ملاحظاته حول جزيئات الماء المعلقة وهي المادة الصمغية المأخوذة من شجرة كمبودية، وتوقعات نظرية اينشتاين واستدل على أن حجم جزيئات الماء وحجم الذرات المكونة لتلك الذرات هو ما يعادل حوالي عشر مليار من المتر، ولصغرها الشديد توضع 10 ملايين ذرة على امتداد المسافة. ولصغر حجم الذرات عند وضع مليارات فوق المليارات من الذرات في مكان واحد منتشرة في الغلاف الجوي المحيط بالأرض، فكل نفس من الغلاف الجوي ينتهي باحتوائه على العديد من الذرات. وبطريقة أخرى، كل نَفَس تستنشقه يحتوي على الأقل على ذرة استنشقها البرت اينشتاين أو يوليوس قيصر أو مارلين مونرو أو حتى تیرانوسورس ريكس خلال مشيهم على الأرض.
وماذا بعد، فالذرات في المحيط الحيوي الأرضي تدور بثبات. وبموت الكائن الحي فإنه يتحلل، وذرات جسمه تعود للتربة والغلاف الجوي لتندمج مع النباتات التي يأكلها الإنسان والحيوان. وكتب الروائي النرويجي جوستن غاردر في عالم صوفي: "إن ذرة كربون في عضلة قلبي كانت في ذيل أحد الديناصورات".
والحركة البراونية كانت أكثر الادلة قوة على وجود الذرات. فما من أحد حدق في المجهر ليرى الرقص الجنوني لحبات اللقاح تحت الضرب القاسي وشك ان العالم جوهرياً مكون من جسيمات صغيرة تشبه الرصاصات ولكن مشاهدة حبات اللقاح الشديدة الحركة، والشبيهة بالذرات، ليست هي نفسها مشاهدة الذرات فعلياً. ولذلك كان لا بد من الانتظار حتى عام 1980 حيث اكتشف جهاز يسمى الجهاز المجهري نفقي الفحص STM.
ان فكرة الجهاز STM أصبحت معروفة وبسيطة جداً. فالرجل الاعمى يستطيع أن يرى وجه أي شخص آخر بعد تحريك اصبعه على وجه ذلك الشخص ليرسم صورة عنه في عقله. وجهاز STM يعمل بنفس الطريقة. الفرق هو ان ذلك الاصبع هو اصبع معدني، أي أنه عبارة عن إبرة معدنية تذكرنا بإبرة الحاكي أو الفونوغراف القديم.
وبسحب تلك الإبرة على سلاح الاسطوانة وتغذيتها بحركة علوية – سفلية من خلال جهاز الحاسوب فمن الممكن رسم صورة مفصلة عن الموجة في الحقل الذري (2). وبالتأكيد هناك ما هو أكثر بقليل. فعلاوة على ان مبدأ الاختراع بسيط، الا ان هناك صعوبات هائلة لاخراج الاختراعات إلى حيز الوجود. وحتى هذه اللحظة، فالإبرة التي اخترعت تكفي لتحسس الذرات. وأدركت لجنة جائزة نوبل للفيزياء هذه الصعوبات عندما منحت جيرد بيننغ وهاينرش روهرر الباحثين في شركة IBM والمخترعين لجهاز STM جائزة نوبل للفيزياء عام 1986. وكان بيننغ وهاينرش من الأوائل الذين شاهدوا الذرة. فصور الأكثر تحسساً STM هي في تاريخ العلوم على امتداد بزوغ الأرض فوق ليل اسود للقمر أو المسح الحلزوني لـ DNA. والذرات الشبيهة بذرات صغيرة، تبدو كالبرتقال، فهي مرتبة في صندوق الصف تلو الآخر. ولكنها تشبه أكثر حبات صلبة صغيرة، ما جعل ديموقريطيس يراها بعين عقله قبل 2400 سنة. ولا شيء آخر ممكن توقعه مثل التقدم في التأكيدات التجريبية. ولكن ليس هناك سوى جانب واحد من الذرة يمكن إظهاره بجهاز STM. وكما أدرك ديموقريطيس بنفسه، إن الذرات أكثر من مفهوم حبات صغيرة وبسيطة في حركة متواصلة.
______________________________________________________
هوامش
(1) بعض هذه الافكار ذكرتها في كتابي السابق الزمن السحري (مطبعة جامعة أكسفورد، نيويورك، 2001)، ومعذرة لمن قرأه. فمن الضروري معرفة بعض الأشياء الأساسية عن الذرة لتقييم الفصول التي تلي النظرية الكمية؛ أساس نظرية العالم الذري.
(2) من المؤكد أن الإبرة لا تتحسس سطح الاسطوانة مثل اصبع الإنسان. فإذا كانت الإبرة مشحونة كهربائياً ووضعت بالقرب من سطح الاسطوانة الموصلة للكهرباء، فإن تياراً كهربائياً يجري بين رأس الإبرة وسطح الاسطوانة، ويعرف بتيار النفق، وهو يتمتع بصفة من الممكن استغلالها: حجم التيار حساس جداً لعرض الفجوة. فعند تحريك الإبرة، بحيث يصبح ظلها أقرب إلى سطح الاسطوانة، يتنامى التيار بسرعة؛ إذا لم يكن هناك احتكاك، وهبوط عمودي للتيار. وهو ما يعطي للإبرة حساسية لمس اصطناعية.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|