أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-8-2021
2008
التاريخ: 2024-10-16
441
التاريخ: 2024-09-10
323
التاريخ: 2023-04-16
3071
|
يقول تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 58]
إن لعنوان "المحسن" و"المحسنين" محتوى يتجاوز معنى إنجاز العمل على نحو حسن بل إن التقوى الخاصة متضمنة فيه أيضاً. "المحسن" حسب الثقافة القرآنية يعود إلى مقولة الإحسان التي بينت خصوصياتها في الأحاديث النبوية الشريفة وقد مر ذكرها فيما سلف من بحث تفسيري: "أن تعبد الله تعالى كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (1).
والآيات التي تفسر عنوان "المحسن" فهي تصور شجرة طيبة تمتد جذورها من حيث العقيدة - في أعماق أرض العقائد ومزرعة الإيمان وتشمخ أغصانها وأوراقها وفروعها - من ناحية العمل إلى عنان السماء صدر الملكوت مؤتيةً ثماراً يانعة وأعمالاً صالحة مشرقة ناصعة: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:25،24]
ونستعرض هنا بعض الصفات التي ذكرتها الآيات القرآنية للمحسنين:
1 إلى 3. إنهم لا ينامون في الليل إلا قليلاً وفي الأسحار تراهم يستغفرون الله ويتصدقون بمقدار من أموالهم (غير الحقوق المالية الواجبة عليهم) ويقدمونها إلى الفقراء {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 16 - 19]
بالطبع إن مكارم الأخلاق هذه هي من لوازم التقوى الخاصة التي يتمتع بها المحسنون.
4. إنهم يغضون أبصارهم عن زينة الدنيا وزخرفها ويرمون بطرفهم نحو الآخرة؛ ينأون بأنفسهم عن دار الغرور ويحثون الخطى نحو دار الخلود حيث يحطون رحالهم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28، 29]
5. إنهم منادون بالدين عاملون ومعتقدون به؛ فكما أنهم يعتقدون بالحق ويعملون به فإنّهم يقولون الحق وينشرونه أيضاً: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر: 33، 34]
6 إلى 8. إنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويوقنون بالآخرة: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [لقمان: 2 - 4]
9. إنهم مجاهدون مخلصون وفدائيون يبذلون أرواحهم في سبيل الله ويتمتعون بالمعية الإلهية الخاصة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] فهم لا يبخلون بأي إيثار وتضحية من أجل إحياء المآثر الدينية وينالون لذلك الأجر الإلهي الخاص: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120]
10. إنهم صبورون وثابتون ومستقيمون في سبيل الله: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } [يوسف: 90]
11. إنهم أهل كرامة وصفح: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 78] {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 13] ، {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236]
12. إنّهم يعيشون في حالة من الخوف والرجاء ويدعون الله خوفاً وطمعاً وإن رحمة الله الخاصة قريبة منهم: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]
13 إلى 16. إنهم لا يستكبرون عن قبول الحق فهم قد فهموا الحقيقة، الأمر الذي جعلهم يبدون عشقاً وشوقاً نحو الآيات الإلهية وهم يسألون الله على الدوام أن يلحقهم بالصالحين {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 82 - 85].
17. مع كل مساعيهم وصمودهم واستقامتهم في سبيل الله وجل فهم دائماً يُظهرون العجز والحياء جراء ذنوبهم ويطلبون من الله تعالى غفران الذنوب وثبات الأقدام والنصرة على الكافرين: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 146-148].
18 و 19. إنهم ينفقون حتى في ظروف العوز ويكظمون غيظهم. من أجل ذلك فهم من خواص المحبوبين عند الله: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]
يُستشف - إجمالاً من مجموع الصفات المذكورة أن معنى "المحسن" لا ينحصر في الذي يأتي بالعمل على نحو حسن، بل إن الإحسان هو مقام يتطلب تدبّراً أكثر من أجل تحديد حدوده ولوازمه وآثاره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. مجمع البيان، ج3-4، ص 178.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|