أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-4-2022
1834
التاريخ: 2023-04-30
1909
التاريخ: 2023-03-28
19409
التاريخ: 2024-07-30
393
|
قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}:
الكوثر على وزن "فَوْعَل"، وهو الشيء الذي من شأنه الكثرة[1].
وقد اختلف المفسِّرون في المراد من "الكوثر"، على أقوال، هي:
• الخير الكثير.
• نهر في الجنّة، روي عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه قال: "نهر في الجنّة أعطاه الله نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، عوضاً من ابنه".
• حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنّة أو في المحشر، روى أنس بن مالك: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، ثمّ رفع رأسه مبتسماً. فقلت: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: "أُنزلت عليّ آنفاً سورة"، فقرأ سورة الكوثر، ثمّ قال: "أتدرون ما الكوثر؟" قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنّه نهر، وعدنيه عليه ربّي خيراً كثيراً، هو حوضي، ترد عليه أمّتي يوم القيامة، آنيته عدد نجوم السماء، فيختلج القرن منهم، فأقول: يا ربّ إنّهم من أمّتي! فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك". وهذه الرواية تصلح شاهداً على القول الأوّل أيضاً بقرينة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "وعدنيه عليه ربّي خيراً كثيراً".
• أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ما يؤيّده روايات أسباب النزول الواردة في أنّ السورة إنّما نزلت في مَنْ عابَه صلى الله عليه وآله وسلم بالبتر، بعد ما مات ابناه القاسم وعبد الله.
• وغيرها من الأقوال التي أنهاها بعض المفسِّرين إلى ستّة وعشرين قولاً، منها: أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأشياعه إلى يوم القيامة، وعلماء أمّة النبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، والقرآن الكريم وفضائله كثيرة، والنبوة، وتيسير القرآن وتخفيف الشرائع، والإسلام، والتوحيد، والعلم والحكمة، وفضائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمقام المحمود للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.، ونور قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم...[2] وقد استند أصحاب الأقوال الأربع الأوائل إلى بعض الروايات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، وباقي الأقوال لا تخلو من تحكّم نظر لا يساعد عليه ظاهر السياق.
ويستظهر من قوله تعالى في آخر السورة: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}، ولا سيما بظهور لفظ "الأبتر" في المنقطع، أنّ المراد بالكوثر، كثرة ذرّيّته صلى الله عليه وآله وسلم، وهي من مصاديق الخير الكثير. ولولا ذلك لكان تحقيق الكلام بقوله: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} خالياً عن الفائدة.
وقوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ} في مقام الامتنان على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث جيء بلفظ المتكلّم مع الغير، الدالّ على تعظيم الإعطاء ومتعلّقه. وفي الآية تطييب لنفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشريفة، حيث أُكِّدت الجملة بـ "إنّ"، وعُبِّرَ بلفظ الإعطاء، الظاهر في التمليك، وجيء بالفعل الماضي، ليُفيد الوقوع والتحقّق الحتميّ للإعطاء.
والآية لا تخلو من دلالة على أنّ ولدَ فاطمة عليها السلام هم ذرّيّته صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا في نفسه من إخبارات القرآن الكريم الغيبيّة، حيث كثَّر الله تعالى نسل نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم من بعده، كثرة لا يُعادلهم فيها أيّ نسل آخر، مع ما نزل عليهم من النوائب وأفنى جموعهم من المقاتل الذريعة[3].
الآية (2): {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}:
ظاهر السياق، تفريع الأمر بالصلاة والنحر على الامتنان الوارد في قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، وهما من باب شكر النعمة. فمعنى الآية: إذا مننّا عليك بإعطاء الكوثر، فاشكر لهذه النعمة.
وقد وردت في المراد بـ "النحر" أقوال عدّة، هي:
• رفع اليدين في تكبير الصلاة إلى النحر.
• صلّ لربّك صلاة العيد وانحر البدن.
• صلّ لربّك، واستوِ قائماً عند رفع رأسك من الركوع.
وغيرها من الأقوال[4]. والقول الأوّل هو الصحيح، لأنّه الأوفق بظاهر السياق، وبما ورد في الروايات التفسيريّة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، ومنها[5]:
• ما رواه عمر بن يزيد، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}: "هو رفع يديك حذاء وجهك".
• ما رواه جميل بن درّاج، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، فقال: بيده هكذا - يعني استقبل بيديه حذو وجهه القبلة في افتتاح الصلاة -.
• ما رواه حمّاد بن عثمان، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام ما النحر؟ فرفع يده إلى صدره، فقال: "هكذا"، ثمّ رفعها فوق ذلك، فقال: "هكذا"، يعني استقبَل بيديه القبلة في استفتاح الصلاة.
• ما رواه مقاتل بن حيان، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: "لمّا نزلت هذه السورة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجبريل عليه السلام: ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربّي؟ قال: ليست بنحيرة، ولكنّه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة، أنْ ترفع يديك إذا كبّرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنّه صلاتنا، وصلاة الملائكة في السماوات السبع، فإنّ لكلّ شيء زينة، وإنّ زينة الصلاة رفع الأيدي عند كلّ تكبيرة".
الآية (3): {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}:
المراد بـ "الشانئ"، المبغض. وقد ورد في سبب النزول أنّ هذا الشانئ، هو: العاص بن وائل السهميّ.
وقد وردت في المراد بـ "الأبتر" أقوال عدّة:
• مَنْ لا عقب له.
• المنقطع عن الخير.
• المنقطع عن قومه.
والصحيح من الأقوال المذكورة، هو القول الأوّل، لمناسبته ظاهر السياق، وكون الأوفق بما ورد في الروايات التفسيريّة، وسبب النزول[6].
[1] انظر: الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص458.
[2] انظر: الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص459-460.
[3] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص370-371.
[4] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص371.
[5] انظر: الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص460-461.
[6] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص371.