أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2020
2008
التاريخ: 7-1-2016
2393
التاريخ: 7-12-2016
1975
التاريخ: 13-9-2019
1914
|
«إن من مسؤوليات المربين العمل على جعل الفتيان أكثر خبرة في تشغيل عقولهم ، وهذا الأمر عسير إلى حد ما ، لأن ما هو مفقود في استدلالات الفتيان هو التجربة الكافية في القيادة والتوجيه ، حتى ان الشبان أنفسهم لا يعلمون كيف يستفيدون من تجاربهم ، فهم لا يحبذون تقليد الآخرين ولا نصائحهم، ولكن عندما يختلط الاستدلال بالتجربة يبدأ عهد الكمال والنضوج»(1) .
يشكل المحيط المدرسي ومحيط المجتمع للفتى العاقل المتفكر قاعدتين تعليميتين تربويتين تساهمان في تنمية العقل، ففي محيط المدرسة يتعلم الفتى مختلف المسائل العلمية والطبيعية والرياضية وغيرها ، وفي محيط المجتمع يتعلم كيف يميز بين المساوئ والمحاسن وكيف يحتك بالآخرين وكيف يتعامل معهم.
والفتى لا يمكن أن تتوفر فيه شروط الشخصية العلمية ولا يمكن أن يحقق النمو المكتسب للعقل إلا إذا ما كرس قواه الفكرية برغبة خالصة منه لإدراك دروس هاتين المدرستين.
يعتمد نظام التربية والتعليم الجديد على أن تتجهز كل مدرسة بمختبر ووسائل مخبرية وذلك ليقف الطالب أو التلميذ على عمق المسائل العلمية ويدرك أسباب الطبيعة ومسبباتها. ويتم نقل الطالب من مرحلة البحث العلمي داخل الصف إلى مرحلة التطبيق النظري في المختبرات وذلك زيادة في فهمه وإدراكه لهذه المسائل.
وللوقوف على مدى أهمية هذه المختبرات نرى العلماء والمخترعين يجرون اليوم تجاربهم داخل المختبرات وذلك لكشف المزيد من المجهولات والمسائل العلمية الجديدة، علّهم يستطيعون بجهودهم ومثابراتهم إضافة فصل جديد على فصول كتاب العلم الذي شارك في تأليفه الكثير من العلماء والمخترعين.
«إن العلم الجديد الذي انطلق في القرن السابع عشر ليحدث انقلاباً في معرفة البشر، هو في الحقيقة قائم على التجارب التي تجرى في المختبرات العلمية، والتجارب التي تُجرى بمعرفة وبصيرة تكون تجارب مفيدة تؤدي إلى زيادة في العلم والمعرفة» .
تطابق ما هو مرئي وما هو ملموس:
«إن التجربة الناجحة والمفيدة هي تلك التي يتطابق فيها ما هو مرئي وما هو ملموس، وتجتمع فيها الإدراكات الحسية المتبعثرة بواسطة دقة ذهنية فائقة لتكون علاقات جديدة».
«وينجح العلماء في كشف مزيد من العلاقات والحقائق الجديدة عن طريق ضبط موضوع التجربة بواسطة أجهزة ووسائل دقيقة كالمنظار والمجهر».
«إن التجربة في معناها العلمي الدقيق لا تختلف عن العلم والمعرفة، فمنذ أن وجدت المختبرات وبدأت التجارب تخضع لتحليل دقيق فيها، حصل تطور عظيم في مجال التربية والتعليم، وأخذ المربون يطبقون المفهوم الجديد للتجربة في حقل التربية والتعليم))(2).
مختبر العقل:
كما هو حال العلماء الذين يخضعون شتى المسائل لتحليلات واختبارات داخل المختبرات ليحققوا في النهاية كشفاً علمياً جديداً ، ينبغي على الفتيان أيضاً أن يخضعوا أحداث الماضي والحاضر والتي هي بمثابة المواد الأولية للتعقل والتدبر لتحليلات واختبارات دقيقة في مختبرات العقل ليقفوا عند أسباها ومسبباتها، عندها ستشكل كل منها تجربة جديدة عليهم أن يحفظوها في ذاكرتهم.
ومردود هكذا عمل للفتيان نتيجتان، الأولى تعزيز قواهم العقلية والفكرية نتيجة تشغيل الفكر في تحليل الوقائع وعللها ، وبذلك يكونون قد حققوا الخطوة الأولى على طريق النمو المكتسب ، والثانية هي أن برنامج حياتهم سيكون قائماً على التجارب التي اكتسبوها والتي ستحميهم إن استفادوا منها من الوقوع في الخطأ أو الإنحراف.
العلم المفيد :
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : التجارب علم مستفاد(3).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: لا يلسع العاقل من جحر مرتين(4).
«إن التجربة الفكرية هي تلك التجربة التي يتغلب فيها عنصر المفعول به الداخلي على عنصر الفاعل الخارجي، وهي التي تستلزم دقة وتحليلاً وبصيرة» .
«ويمكن تسمية هذه التجربة التي تؤدي إلى كشف العلاقات والروابط وكيفيتها بالتفكر».
للفكر هدف:
«ومن هذا المنطلق فإن التفكر أو الفكر هو محاولة متعمدة لكشف العلاقات الخاصة بين ما نستطيع القيام به وبين النتائج التي تنجم عن أعمالنا».
«وبعبارة أخرى نقول: إن للفكر والعمل هدفاً واحداً على الدوام. إن التفكر يبدأ عند الطفل عندما يحاول بلوغ هدف ما ، فهو يسعى عن طريق أشياء ما إلى معرفة أشياء اخرى، ويحاول ربط أمور ما بأمور اخرى» .
«وكل حالات التفكر قائمة وثابتة على هذا الأساس. وأعظم متفكر لا يقدم على أمر قبل التدقيق فيه وفي نتائجه المستقبلية، فهو يقيم المستقبل من خلال الواقع المعاش، وهو يتكهن بنتائج ومكمّلات كل خطوة يقدم عليها» .
«وعلى هذا لا يمكننا أن نكون متفكرين إذا ما لحظنا ما يدور حولنا من وقائع وأحداث دون التفكر بعواقبها، ولسنا من المتنكرين إذا ما حصرنا اهتمامنا بما دار حولنا من أحداث متغافلين عما أسفرت عنه وما نجم عنها»(5) .
إن التجارب لا تأتي إلا بتحليل الأحداث ومعرفة أسبابها ، وهذه الأحداث تنتج عن احتكاك شخص بشخص آخر أو شيء آخر. وحياة البشر هي بمنزلة وعاء تتجمع فيه مختلف الوقائع والأحداث، ومن الطبيعي أن يشهد الإنسان الذي يعيش أكثر من غيره ويكون عمره أطول من عمر غيره من البشر مزيداً من الأحداث ، وهذا معناه أنه سيكون أكثر تجربة من غيره إذا ما حلل كل الأحداث التي واجهته في حياته وعرف أسبابها.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الأيام تفيد التجارب(6).
إن الفتيان رغم قصر أعمارهم وقلة الأحداث التي قد يواجهونها وعدم تذوقهم مر الحياة وحلاوتها، بمقدورهم أن يستفيدوا من تجارب الآخرين، ويحللوها ويضموها إلى تجاربهم، ويتفكروا في كل منها وفي نتائجها، وما يصلون إليه سيكون تجارب مفيدة عليهم حفظها في ذاكرتهم.
وهنا لا بد من البحث حول استفادة الفتيان من الوقائع التاريخية التي مر بها الآخرون ومن الأحداث التي يواجهونها. وسنحاول لفت انتباههم إلى طريقة الاستفادة الصحيحة من هذين المصدرين الحياتيين المفيدين.
إن الإنسان بفطرته تتكون لديه منذ مرحلة الطفولة حتى مرحلة الشيخوخة رغبة في الاستماع إلى القصص والروايات. وهذه الرغبة الطبيعية التي ولدت في ذات الإنسان بأمر من الله سبحانه وتعالى تعد قاعدة أساسية من قواعد التربية والتعليم. ويمكن للمربين الأكفاء استغلال هذه الرغبة مع الأخذ بنظر الاعتبار مختلف مراحل الطفولة والشباب لدى الإنسان، وزرع بذور التربية الصحيحة في نفوس الناس عن طريق القصص المفيدة والروايات التاريخية ، وهذا ما يساعدهم في تنمية عقولهم وتعزيز أخلاقهم.
«إن الفترة ما بين سن الـ 12 والـ 15 عاماً تعتبر فترة تشهد تغييرات أساسية ، ففيها ينتقل الطفل من عهد الصبا إلى عهد الشباب، وخلالها تتبلور شخصيته وتتوضح لكنها تكون مصحوبة بكثير من العقد. ويعتبر العلماء هذه الدورة الجديدة بأنها أساس الاضطراب وفي نفس الوقت هي ذات معان جمة. ففي هذه الدورة يستطيع الفتيان تسخير التاريخ لأنفسهم وإعداد عقولهم لإدراك فوائده.
«إن القصص التي استأثرت باهتمامهم في عهد صباهم يصبح لها خلال الدورة المذكورة معنى جديد ، ويمكن أن تشكل لهم اساس نمو فكري مهماً. وبالنسبة لمجتمع الطفل، فإن لهذه الدورة وخاصة المرحلة التي يبدأ فيها الطفل دراسة التاريخ أهمية خاصة في تربية الطفل وإعداد فرد صالح ومفيد للمجتمع»(7) .
«إن مدرسة التاريخ ينبغي اعتبارها من أهم المدارس للفتيان الذين تتراوح اعمارهم بين 15 - 18 عاماً في شتى بقاع الأرض. كما ينبغي على المعلم أن يجهد في تنمية وتوعية عقول الطلبة وذلك لتعزيز قوة النقد في نفوسهم ، وان يجبرهم على اعتماد أسلوب التدقيق والتمحيص في الامور والقضايا العامة، ليتكون لديهم رأي مستقل بمجمل الأمور الحياتية، وهذ ما يؤدي إلى نمو روح التمييز والتحكيم عند الطلبة بشكل منطقي ومدروس، ويجعلهم يغربلون الشواهد والدلائل لاختيار الحقائق وربطها بالحقائق الاخرى».
«ومن هذا المنطلق يصبح الطالب قادراً على تحليل وتفسير الحقائق إضافة إلى استيعابها بشكل جيد»(8).
______________________________
(1) نفس المصدر، ص108.
(2) مقدمة على فلسفة التربية والتعليم ، ص 188 .
(3) غرر الحكم، ص 35 .
(4) بحار الأنوار ج1 ، ص43.
(5) مقدمة على فلسفة التربية والتعليم، ص108.
(6) غرر الحكم، ص 17.
(7) تعلم التاريخ (صادر عن اليونسكو) ،ص 102.
(8) نفس المصدر ، ص 110.
|
|
لمكافحة الاكتئاب.. عليك بالمشي يوميا هذه المسافة
|
|
|
|
|
تحذيرات من ثوران بركاني هائل قد يفاجئ العالم قريبا
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تشارك في معرض النجف الأشرف الدولي للتسوق الشامل
|
|
|