المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16661 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


عوامل نشوء الاختلاف في المصاحف  
  
2160   01:22 صباحاً   التاريخ: 10-10-2014
المؤلف : محمد هادي معرفة
الكتاب أو المصدر : تلخيص التمهيد
الجزء والصفحة : ج1 ، ص234-246 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / القراء والقراءات / رأي المفسرين في القراءات /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014 1410
التاريخ: 10-10-2014 1334
التاريخ: 30-04-2015 1252
التاريخ: 10-10-2014 1413

لا شكَّ أنَّ اختلاف مصاحف الأمصار كان أهمَّ عوامل نشوء الاختلاف القرائي ، كان أهل كلِّ مِصر ملتزمين بالقراءة وفْق مصحفهم ، وعلى إقراء مُقريهم الخاصّ ، وهكذا قرأ ابن عامر ـ وهو مقرئ الشام ـ : {جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وبالزبر } (1) ـ بالباء ـ ؛ لأنَّ مصحف الشام كان كذلك ، وقرأ الباقون بغير باء (2) .

وقرأ نافع وابن عامر : {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران : 133] ـ بلا واو ـ ؛ لأنَّ مصحف المدينة ومصحف الشام كانا خلواً عنها ، ونافع مدَني ، وابن عامر شامي ، وقرأ الباقون بالواو ؛ لأنَّ مصاحفهم كانت مشتملة عليها (3) .

وهناك أيضاً عوامل أخرى ساعدت على هذا الاختلاف ، نذكر منها ما يلي :

1 ـ بداءة الخطّ :

كان الخطّ عند العرب آنذاك في مرحلة بدائية ، ومن ثمَّ لم تستحكم أُصوله ، ولم تتعرَّف العرب إلى فنونه والإتقان من رسْمه وكتابته الصحيحة ، وكثيراً ما كانت الكلمة تُكتب على غير قياس النُطق بها ، ولا زال بقي شيء من ذلك في رسم الخطّ الراهن ، كانوا يكتبون الكلمة وفيها تشابه واحتمال وجوه : فالنون الأخيرة كانت تُكتب بشكل لا يفترق عن الراء ، وكذا الواو عن الياء ، وربّما كتبوا الميم الأخيرة على شكل الواو ، والدال على صورة الكاف الكوفية ، والعين الوسط كالهاء .

كما ربّما كانوا يفكِّكون بين حروف كلمة واحدة ، فيكتبون الياء منفصلة عنها ، كما في ( يستحي ي ) و( نُحي ي ) و ( اُحي ي ) ، أو يحذفونها رأساً كما في ( إيلافهم ) كتبوها ( إلا فِهم ) بلا ياء ، الأمر الَّذي أُشكل على بعض القرّاء فقرأها وفْق الرسم بلا ياء ، قرأ ذلك أبو جعفر (4) فقد قرأ ( ليلاف قريش ) بحذف الهمزة وإثبات الياء ، و ( إلافهم رحلة الشتاء والصيف ) بإثبات الهمزة وحذف الياء .

وقرأ ابن فليح ( إلْفهم ) بالهمز وسكون اللاّم ، وهكذا اختلف القرّاء في هذه الكلمة اختلافاً غريباً من جرّاء عدم ضبط الكلمة في مرسوم الخطِّ تماماً .

وربَّما رسموا التنوين نوناً في الكلمة (5) ، كما كتبوا النون ألفاً في كثير من المواضع ، منها : {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق : 15] و {وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف : 32] ، وهاتان النونان نون تأكيد خفيفة كتبوها بألف التنوين ، و {وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء : 67] كتبوا ( إذاً ) بدل ( إذن ) تشبيهاً بالتنوين المنصوب (6) .

وهكذا حذفوا واوات أو ياءات بلا سبب معقول ، فكان من أهمّ عوامل الإبهام ، والإشكال في القراءة بل في التفسير أيضاً ، كما في قوله تعالى : ( وصالحوا المؤمنين ) فلم يكتبوا الواو هكذا : {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم : 4] ، ومن ثمَّ وقع الاشتباه أنَّه مفرد أُريد به الجِنس أو جمْع مضاف (7) .

وحذفوا الألف من ( عَاداً الأُولَى ) هكذا : ( عاد الأولى ) ، فربَّما اشتبه مشتبه أنَّه فِعل أو اسم (8) ، وزادوا ألفاً في (جاءنا) [ الزخرف : 38] هكذا ( جاءانا ) ، والكلمة مفردة فربّما ظنَّها الجاهل مثنّى (9) .

كما رسموا ألفاً بعد كثير من واوات زعموهنَّ واوات جمع ، وعلى العكس حذفوا كثيراً من ألفات واو الجمع ، فمن الأوَّل قوله : ( إنَّما أشكوا بثّي )[ يوسف : 86] ، و { فلا يربوا }[ الروم : 39] ، و{ نبلوا أخباركم }[ محمّد : 31] ، و { ما تتلوا الشياطين }[ البقرة : 102] ، ومن الثاني قوله : { فاؤ }[ البقرة : 226] ، و{ جاؤ } (10) ، و{ فباؤ } (11) ، و{ تبوَّؤ الدار }[ الحشر : 9] ، { سعو }[ الحجّ : 51]و[ سبأ : 5] ، و{ عتو } (12) ، وغير ذلك كثير .

ومن ثمَّ ربَّما كان الأوائل يتّهمون كَتَبة المصاحف فيرون الصحيح غير ما كتبوه ، كما روي عن ابن عبّاس أنَّه قرأ { ووصّى ربُّك أن لا تعبدوا إلاّ إيّاه } فقيل له : إنَّه في المصحف { وقَضَى رَبُّكَ }[ الإسراء : 23] فقال : التصقت أحد الواوين فقرأ الناس ( وقضى ) ، ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد .

وفي لفظ ابن أشتة : استمدّ الكاتب مداداً كثيراً فالتصقت الواو بالصاد (13) .

وروي أيضاً عنه أنَّه قرأ ( أفلم يتبيَّن الَّذين آمنوا ) فقيل له : في المصحف { أفلَم يَيأس} [ الرعد : 31] فقال : أظنّ الكاتب كتبها وهو ناعس (14) .

وقد صحَّح ابن حجر إسناد هذه الروايات (15) ، لكنَّ الصحيح عندنا ـ على فرْض صحَّة الإسناد ـ أنَّها مؤوَّلة إلى غير ما يبدو من ظاهرها .

2 ـ الخلوُّ عن النُقط :

كان الحرف المعجم يُكتب كالحرف المهمل بلا نُقَط مائزة بين الإعجام والإهمام ، فلا يُفرّق بين السين والشين في الكتابة ، ولا بين العين والغين ، أو الراء والزاي والباء والتاء والثاء والياء ، أو الفاء عن القاف ، أو الجيم والحاء والخاء ، والدال عن الذال ، أو الصاد عن الضاد ، أو الطاء عن الظاء ، فكان على القارئ نفسه أن يميِّز بحسب القرائن الموجودة أنَّها باء أو ياء ، جيم أو حاء ، وهكذا .

من ذلك قراءة الكسائي : ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبّتوا ) وقرأ الباقون : ( فتبيَّنوا ) (16) .

وقرأ ابن عامر والكوفيون : ( ننشرها ) ، وقرأ الباقون : ( ننشزها ) (17) .

وقرأ ابن عامر وحفص : ( ويكفّر عنكم ) ، وقرأ الباقون : ( نكفّر ) (18) .

وقرأ ابن السميقع ( فاليوم ننحّيك ببدنك ) ، والباقون : ( ننجّيك ) (19) .

وقرأ الكوفيّون غير عاصم ( لنثويَّنهم من الجنة غرفاً ) ، والباقون : ( لنبوّئنَّهم ) (20) .

وأمثلة هذا النوع كثيرة جدّاً .

3 ـ التجريد عن الشكل :

كانت الكلمة تُكتب عارية عن علائم الحركات القياسية في وزنها وفي إعرابها ، وربَّما يحتار القارئ في وزن الكلمة وفي حركتها فيما إذا كانت الكلمة محتلمة لوجوه ، مثلاً لم يكن يدري ( اعلم ) أمرٌ أمْ فِعل مضارع متكلّم ، فقد قرأ حمزة والكسائي ( قال اعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير )  بصيغة الأمر ، وقرأ الباقون بصيغة المتكلّم (21) ، كما قرأ نافع قوله تعالى : ( وَلاَ تسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ) بصيغة النَّهي ، وقرأ الباقون بصيغة المضارع المجهول (22) ، وقرأ حمزة والكسائي : ( مَن يطّوع ) بالياء وتشديد الطاء مضارعاً مجزوماً ، وقرأ الباقون بالتاء وفتح الطاء ماضياً (23) ، إلى غير ذلك من الشواهد المتوفّرة في المصحف الأوَّل .

قال ابن أبي هاشم : إنَّ السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها : أنَّ الجهات الَّتي وجِّهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة مَن حمَل عنه أهل تلك الجهة ، وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل ... قال : فمِن ثمَّ نشأ الاختلاف بين قرّاء الأمصار (24) .

وقال سيّدنا الأستاذ الإمام الخوئي ( دام ظلّه ) : إنَّ القراءات لم يتَّضح كونها رواية ، فلعلَّها اجتهادات من القرّاء ، وتؤيِّد هذا الاحتمال بعض الأعلام بذلك ، بل إذا لاحظنا السبب الَّذي من أجله اختلف القرّاء في قراءاتهم ، وهو خلوّ المصاحف المرسلة إلى الجهات من النقَط والشكل ، فإنَّه يقوى هذا الاحتمال (25) .

4 ـ إسقاط الألِفات :

كان الخطّ العربي الكوفي منحدراً عن خطِّ السريان ، وكانوا لا يكتبون الألِفات الممدودة في ثنايا الكلِم  ، وقد كتبوا القرآن بالخطِّ الكوفي على نفس المنهج ، الأمر الَّذي أوقع الاشتباه في كثير من الكلمات ، فقد قرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير : { وما يخادعون إلاّ أنفسهم } بدل ( وما يخدعون ) ؛ نظراً لأنّ [البقرة : 9] ( يخادعون الله ) في صدر الآية قد كُتبت بلا ألف فزعموهما من باب واحد (26) .

وهكذا كتبوا { وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }[ الأنبياء : 95] ـ وحَرَم ـ بلا ألف ، ومن ثمَّ قرأ حمزة والكسائي وشعبة ( وحِرْم ) بكسر الحاء وسكون الراء (27) .

وقرأ الكوفيّون { ألم نجعل الأرض مهداً } بدل ( مهاداً ) [ النبأ : 6] ؛ لأنَّها كُتبت في المصحف بلا ألف (28) .

وقرأ أبو جعفر والبصريّون : { وَإِذْ وَعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } [ البقرة : 51] بلا ألف ، وكذا في سورتي الأعراف وطه (29) ؛ لأنَّها هكذا كُتبت ، وقرأ الباقون ( وإذ واعدنا ) (30) .

وقرأ أبو عمرو وابن كثير ( بل أدرك ) ، وقرأ الباقون { بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ } [ النمل : 66] ؛ وسبب الاختلاف أنّها كُتِبت في المصحف بلا ألف ، فقرأ كلّ حسب نظره فيما رآه مناسباً (31) .

وقرأ نافع ( في غيابات الجبّ ) ، وقرأ الباقون { فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ } [يوسف : 10] (32) ؛ نظراً لأنَّ المصحف كان مجرَّداً عن الألف هكذا : ( غيبت ) ، فاجتهد نافع فزعمه جمْعاً ، واجتهد الآخرون فرأوه مفرداً ، والمفروض أنَّ رسم المصحف كان خلواً من الألف مع مدِّ التاء مطلقاً غالبياً ، ومن ثمَّ هذا الاشتباه والاختلاف .

* * *

تلك وأشباهها عوامل أوَّلية لاشتباه قراءة النصّ ، وكان فاقداً لأيِّ علامة مائزة ، وخالياً من النقَط والشكل ، ومشوَّشاً في رسم خطِّه بحذف أو زيادة ، فكان ذلك لا محالة موجباً للتشويش على القارئ ، فلم يكن يدري ـ مثلاً ـ أنَّ قوله تعالى { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً }[ يونس : 92] أنَّها بالفاء أو بالقاف ، أو أنَّ قوله : { تَبْلُو }[ يونس : 30] أنَّها ( تتلو ) بتائين ، أو ( نتلو ) بنون ثمَّ تاء ، أو ( يتلو ) بياء ثمَّ تاء ، أو أنَّ قوله : ( يعلمه ) أنَّها ( نعلمه ) ، أو ( تعلمه ) ، أو ( بعلمه ) .

أضف إلى ذلك : بعض الزيادات المخلّة بالمقصود ، إذا لم يكن القارئ عارفاً بأصل النصّ من سماعٍ خارج ، كما في قوله :  { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ }[ النمل : 21] فزادوا ألفاً أثناء كلمة واحدة (33) ( لأاذبحنَّه ) ، فربَّما يحسب القارئ الجاهل بالواقع أنَّها ( لا النافية ) ، في حين أنَّها لام تأكيد ، والهمزة حرف المتكلّم والألف زائدة .

وكذلك كلمة ( لشائ ) (34) في قوله : { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً }[ الكهف : 23] زادوا بين الشين والياء ألفاً لا عن سبب معقول ، وكلمة ( تايئسوا ) في قوله : { وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }[ يوسف : 87] زادوا ألفاً بعد حرف المضارع ، والفعل في الموضعين ( تايئسوا ) و( يايئس ) بلا موجب (8) .

* * *

وعلى أيّ تقدير ، فإنَّ عدم انتظام خطِّ المصحف الأوَّل كان أوَّل عامل في نشوء اختلاف قراءة القرّاء .

كان على القارئ نفسه أن يختار نوع الحرف والشكل وتمييز الكلمة في حركتها القياسية ونوعيَّة إعرابها ، فضلاً عن إعجامها وتشكيلها ، حسب ما يبدو له من قرائن وأحوال وشواهد ونظائر ، ومناسبة المعنى واللفظ ، فكان عليه ـ لا محالة ـ أن يلاحظ جميع هذه الملاحظات ، ثمَّ يختار القراءة الَّتي يراها وفْق الاعتبار الصحيح في نظرِه .

ولا شكَّ أنَّ المذاويق والسلايق وكذلك الأنظار والدلائل ، تختلف حسب عقليّات الأشخاص وسابقة إلمامهم بالأمر ، ومبلغ ممارستهم للموضوع ، ومن ثمَّ وقع الاختلاف في قراءة القرآن حسب تفاوت الاجتهادات النظرية ، فقد استند كلُّ قارئٍ إلى عِلل وحُجج ربَّما تختلف عن حُجج الآخرين .

وقد صنَّف كثير من العلماء في مستندات القراءات المختلفة وذكروا عِللها وحُججها ، منهم : أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي في كتابه ( الحجَّة في عِلل القراءات السبْع ) ، ومنهم أبو محمَّد مكّي بن أبي طالب القيسي في كتابه ( الكشف عن وجوه القراءات السبْع وعِللها وحُججها ) وسنذكر نماذج من كلامهما . والتصنيف في تعليل القراءات كثير .

هذا ، وأمّا الرواية أو السماع من الشيخ فلم يكن ينضبط تماماً إذا كانت تعتمد على مجرَّد الحِفظ ، ومن غير أن تتقيَّد بالثبْت في سجِلاّت خاصَّة ، أو في نفس المصحف الشريف برسم علائم مثلاً ، فلا محالة كان يقع فيها خلط أو اشتباه كثير ، لاسيَّما إذا طالت الفترة بين الشيخ الأوَّل والقارئ الأخير .

تلك أهمّ أسباب الاختلاف في القراءات ، مضافة إلى اجتهادات نظرية واعتبارات كان القارئ يلاحظها ويستند إليها في قراءته ، وسنفصّل هذا الجانب في الفصل التالي .

5 ـ تأثير اللهجة :

لا شكَّ أنَّ كلَّ أُمَّة ـ وإن كانت ذات لُغة واحدة ـ فإنَّ لهجاتها تختلف حسب تعدّد القبائل والأفخاذ المنشعبة منها ، وهكذا كانت القبائل العربية تختلف مع بعضها في اللهجة وفي التعبير والأداء .

من ذلك اختلافهم في الحركات ، مثل : ( نستعين ) ـ فتح النون وكسرها ـ قال الفرّاء : هي مفتوحة في لغة قيس وأسد ، وغيرهم يقولونها بكسر النون (36) واختلافهم في الحركة والسكون ، مثل قولهم : ( معكم ) ـ بفتح العين وسكونها ـ قال الشاعر :

ومَن يتَّقِ فإنَّ الله معه         ورزق الله مؤتاب وغاد (37)

واختلافهم في إبدال الحروف ، نحو : أولئك وأولالك ، أنشد الفرّاء :

اُلالكَ قَومي لم يكونوا أشابة      وهل يعِظ الضَّليل إلاّ الالكا (38)

واختلافهم في الهمز والتليين ، نحو : مستهزؤن ومستهزون .

واختلافهم في التقديم والتأخير ، قال المبرّد : تقول العرب : صاعقة وصواعق وهو مذهب أهل الحجاز ، وبه نزل القرآن ، وبنو تميم يقولون : صاقعة وصواقع (39) .

واختلافهم في الإثبات والحذف ، نحو : استحيت واستحييت ، أو تبديل حرف صحيح معتلاًّ ، نحو : أمّا زيد وأيما زيد (40) .

واختلافهم في الإمالة والتفخيم في مثل : قضى ورمى ، واختلافهم في تحريك الحرف الساكن بالكسر أو الضمّ ، فيقولون : اشتروا الضلالة ـ بكسر الواو وضمّها ـ واختلافهم في التذكير والتأنيث ، فإنَّ من العرب مَن يقول : هذه البقَر ، ومنهم مَن يقول : هذا البقَر ، وهذه النخيل وهذا النخيل .

واختلافهم في الإدغام ، نحو : مهتدون ومهدّون ـ بتشديد الدال في الثانية ـ واختلافهم في الإعراب ، نحو : ما زيد قائماً ، وما زيد قائم ، فإنّ ( ما ) عند تميم غير عاملة ، وعند الحجازيّين عاملة عمل ليس .

وكذا قولهم : إنَّ هذين ، وإنَّ هذان ، وهي بالألف لُغة لبني الحارث بن كعب ، يقولون : في كلّ ياء ساكنة انفتح ما قبلها ذلك ، ومن ذلك قول قائلهم ـ هو برّ الحارثي ـ (41) .

تزوَّد منّا بين أُذناه طعنة       دعته إلى هابي التراب عقيم

وعلّل بعض أهل الأدب ذلك تعليلاً يستدعي الاطّراد (42) .

واختلافهم في صورة الجمع ، نحو : أسرى وأُسارى .

واختلافهم في التحقيق ـ أي المبالغة في إظهار الحرف أو حركته ـ والاختلاس ، نحو : { يَأْمُرُكُمْ }[ البقرة : 67] فحقَّق ضمَّة الراء بعضهم واختلسها بعض آخر ، ونحو : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ }[ البقرة 178] فحقَّق كسرة الفاء بعض واختلسها آخر .

واختلافهم في الوقف على هاء التأنيث ، مثل : هذه أُمَّه ـ بالوقف هاء ـ وأُمَّت ـ بالوقف على تاء ساكنة ـ .

واختلافهم في الإشباع إلى حدّ توليد حرف ، نحو : ( أنظور ) في ( أنظر ) ، أنشد الفرّاء :

الله يعلم أنّـــا فـي تلفّتنا      يوم الفراق إلى جيراننا صور

وأنّني حيث ما يُثني الهوى بصَري     من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور

قال أبو الحسين أحمد بن فارس : كلُّ هذه اللغات مسمّاة منسوبة إلى أصحابها ، لكن هذا موضع اختصار ، وهي وإن كانت لقوم دون قوم ، فإنَّها لمّا انتَشرَت تعاورها الكلّ (43) .

ومن ذلك أيضاً : مبالغتهم في إظهار الهمزة المفتوحة فتتبدَّل إلى العين ، وهي لُغة دارجة في تميم وبني قيس بن عيلان ـ كما قال الفرّاء ـ وتسمّى ( عنعنة تميم ) ، فيقولون : ( أشهد عنَّك رسول الله ) ، قال ذو الرمّة :

أعن ترسَّمت من خرقاء منزلة    ماء الصبابة من عينيك مسجوم

 أراد : ( أأن ) ، وذو الرمّة شاعر إسلامي بدويّ مجيد .

لكنَّها لُغة مذمومة ، ومن ثمَّ قال أحمد بن فارس ـ بصدد الإشادة بلُغة قريش ـ : ألا ترى أنَّك لا تجد في كلامهم عنعنة تميم ، ولا عجرفية قيس ، ولا كشكشة أسد ، ولا كسكسة ربيعة ، ولا الكسر الَّذي تسمعه من أسد وقيس ، مثل : تعلمون ونعلم ـ بكسر التاء والنون ـ ومثل : شعير وبعير ـ بكسر الشين والباء ـ (44) .

6 ـ تحكيم الرأي والاجتهاد :

وهذا أكبر العوامل تأثيراً في اختيارات القرّاء ، كان لكلِّ قارئ رأي يعتمده في القراءة الَّتي يختارها ، وكانوا ـ أحياناً ـ مستبدّين بآرائهم ولو خالفهم الجمهور أو أهل التحقيق .

وسيأتي حديث نبر الكسائي بالهمز في مسجد الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) ، وإنكار أهل المدينة عليه (45) .

كما أنكروا على حمزة كثيراً من قراءاته ، ولم يكن يعبَاً بهم لقوَّة ما كان يراه من حُجج (46) .

وهكذا استبدَّ ابن شنبوذ بما يراه صحيحاً وإن كان على خلاف المرسوم العثماني ، فعُقِد لاستِتابته مجلس بحضرة الوزير ابن مُقلة ، فأغلظ في الكلام عليهم أوّلاً ، حتّى أمَر الوزير بضربه سياطاً ألجأته إلى إعلان توبته مقهوراً عليه (47) .

وانعقد مجلس آخر لأبي بكر ابن مقسم ، الَّذي كان يختار من القراءات ما بدا له أصحّ في العربية ، ولو خالف النقل ، أو رسم المصحف (48) .

نعم ، لم يكن إنكارهم على أمثال هؤلاء لجانب تحكيمهم للآراء والأذواق الاجتهادية ، بل لجانب خروجهم عن موافقة مرسوم الخطّ ، فالقراءة إذا كانت متوافقة مع ظاهر الرسم فلا تُعَدُّ منكَرة .

وقد كانت مِيزة القرّاء السبعة وغيرهم من المشهورين المعتمدين هو التزامهم بموافقة الرسم خطّاً ، كما يحدِّثنا أبو محمَّد مكّي : بأنَّ حفصاً قرأ ( كفواً ) بالواو ، فخفَّف الهمزة واواً ، وكان حقّه أن ينقل حركة الهمزة إلى الساكن قبْلها ، فيقول : كُفاً ، لكنَّه رفض ذلك لئلاّ يخالف الخطّ ، فأعمل الضمَّة الأصليَّة .

ومن ثمَّ تلك المحاولات لتوجيه القراءات الشاذَّة ، بل لمطلق القراءات إذا كانت موافقة للرسم .

انظر كيف يوجِّه الدمياطي قراءة حمزة : { وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ }[ النساء : 1] بجرِّ الأرحام عطفاً على الضمير المجرور بالحرف وفْق مذهب الكوفيّين (49) ، ويوجِّه قراءة ابن عامر : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ }[ الأنعام : 137] (50) قرأ ( قتل ) مرفوعاً نائب فاعل لـ( زُيِّن ) الَّتي قرأها مبنيَّة للمفعول ، ونصْب ( أولادهم ) على أنَّه مفعول به للمصدر ، وجرَّ ( شركاؤهم ) على إضافة المصدر إليه مع الفصل (51) ، وأمثال ذلك كثيرة في توجيه القراءات الشاذَّة .

والكتُب في توجيه القراءات ـ ولاسيَّما الشاذَّة وذِكر عِلَلها وحُججها ـ كثيرة ، منها : الحجَّة لأبي علي الفارسي ، والمحتسب لابن جنّي ، وإملاء ما مَنَّ به الرحمان لأبي البقاء ، والكشف عن وجوه القراءات السبع لمكّي بن أبي طالب ، وغير ذلك ممّا يطول .

______________________

(1) آل عمران : 184 ، وفيه ( والزُبر ) .

(2) الكشف : ج1 ، ص370 . والمجمع : ج2 ، ص548 .

(3) الكشف : ج1 ، ص356 . والتحبير : ص99 .

(4) مجمع البيان : ج1 ، ص544 . شرح مورد الظمآن : ص143 .

(5) كما في ( كأيّن ) ، راجع شرح مورد الظمآن : ص186 .

(6) شرح مورد الظمآن : ص186 .

(7) راجع المجمع : ج1 ، ص316 . وشرح مورد الظمآن : ص47 .

(8) شرح مورد الظمآن : ص125 . والآية 50 من سورة النجم .

(9) شرح مورد الظمآن : ص128 .

(10) في تسع موارد من القرآن الكريم .

(11) في ثلاث موارد من القرآن الكريم .

(12) في أربع موارد من القرآن الكريم .

(13) الإتقان : ج1 ، ص180 . الدرّ المنثور : ج4 ، ص170 .

(14) تفسير الطبري : ج13 ، ص 104 . الإتقان : ج1 ، ص185 .

(15) فتح الباري : ج8 ، ص282 ـ 283 .

(16) المكرّر لأبي حفص الأنصاري : ص141 . والآية 6 من سورة الحجرات .

(17) الكشف : ج1 ، ص310 . والآية 259 من سورة البقرة .

(18) نفس المصدر : ص316 . والآية 271 من سورة البقرة .

(19) مجمع البيان : ج5 ، ص130 . القرطبي : ج8 ، ص379 . والآية 92 من سورة يونس.

(20) مجمع البيان : ج8 ، ص290 . والآية 58 من سورة العنكبوت .

(21) الكشف : ج1 ، ص312 ، والآية 259 من سورة البقرة .

(22) نفس المصدر : ص262 ، والآية 119 من سورة البقرة .

(23) المصدر : 268 ، والآية 158 من سورة البقرة .

(24) التبيان : ص86 .

(25) البيان : ص181 .

(26) الكشف : ج1 ، ص224 .

(27) شرح مورد الظمآن : ص126 .

(28) نفس المصدر : ص127 .

(29) الأعراف : 142 ، طه : 80 .

(30) مجمع البيان : ج1 ، ص108 .

(31) الكشف : ج2 ، ص164 .

(32) الكشف : ج2 ، ص 5.

(33) شرح مورد الظمآن : ص181 .

(34) نفس المصدر : ص183 .

(35) شرح مورد الظمآن : ص182 .

(36) انظر كتاب سيبويه : ج2 ، ص257 .

(37) أورده في اللسان ، مادة ( اوب ) .

(38) الصاحبي لأحمد بن فارس : ص48 .

(39) الكامل : ج2 ، ص198 ، باب 51 .

(40) الصاحبي : ص49 .(41) نسبه إليه في لسان العرب ، غير أنّه روى : بين أُذنيه .

(42) الصاحبي لابن فارس : 49 ـ 50 .(43) الصاحبي : 50 ـ 51 .

(44) الصاحبي : ص53 . والوجيز ص101 .

(45) نقلاً عن نهاية ابن الأثير : ج5 ، ص7 .

(46) تهذيب التهذيب : ج3 ، ص27 .

(47) طبقات القرّاء : ج2 ، ص52 .

(48) الإتقان : ج1 ، ص77 . والطبقات : ج2 ، ص54 .

(49) إتحاف فضلاء البشَر : ص185 .(50) ، والقراءة المشهورة ( شركاؤهم ) .

(51) المصدر : ص217 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .