أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-3-2016
2479
التاريخ: 2024-08-10
410
التاريخ: 2024-11-04
195
التاريخ: 2023-03-24
1558
|
صعوبة فهم السنّة
صحيح أن أفضل وأهم طرق معرفة القرآن هو تفسيره بواسطة سنة المعصومين (عليهم السلام)، لكن يجب الالتفات إلى أن فهم السنة أيضا كفهم القرآن هو عمل في غاية الصعوبة؛ وذلك لأن معارف اهل بيت العصمة الأطهار(عليهم السلام) في نفس مستوى المعارف القرآنية، التي يصفها القرآن بالقول الثقيل، وإدراك القول الثقيل صعب، سواء تجلى على نحو القرآن أو تبلور على نحو السنة، لأن أساس وجذر الاثنين هو من "لدن" الله العلي الحكيم. ولذلك يؤخذ في تعريف علم السنة أيضا قيد (بقدر الطاقة البشرية) كما تم أخذ هذا القيد أيضا في علم معرفة القرآن.
وإضافة إلى السبب المذكور. فهناك سبب آخر لصعوبة فهم السنة، وقد تضمنه حديث الإمام الصادق(عليه السلام) حيث يقول: "ما كلم رسول الله العباد بكنه عقله قط"(1)، أي أن الرسول في طول عمره الشريف لم يتحدث مع العباد بكامل فهمه وأعلى درجات فكره وإدراكه وعمق شهوده وسعة علمه.
وهناك بعض الملاحظات المفيدة حول هذا الحديث نذكرها كما يلي:
1. إن المقصود من عنوان العباد هم الأفراد العاديون المتعارفون، وإلا فإن أهل بيت العصمة مثل أمير المؤمنين وباقي المعصومين(عليهم السلام) غير مشمولين للحديث المذكور، فإن مثل هذا الكلام منصرف عن الأفراد النورانيين الذين هم بمنزلة روح النبي وجميعهم قد كانوا في نشأة ها الوحدة نورة واحدة كما ورد في الزيارة الجامعة: "اشهد... و أن أرواحكم ام ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض"(2)، كما أن العلوم التي ورثها أهل البيت علي من رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) بواسطة الإرث الولائي، لا الإرث الحقوقي المعتاد قرينة على أن الحديث المذكور يقصد به الأشخاص العاديون.
2. إن الله سبحانه قد أثنى على نبيه بالجود والسخاء، ونفى عنه جميع أنحاء الضنة والبخل في نشر المعارف الإلهية، و بيان و تفصيل مسائل الغيب، وما من شيء يتلقاه من نشأة الملكوت إلا ويقوم بإبلاغه إلى نشأة الملك: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] ، كما أن كل ما يقوم به في نشأة الملك من إملاء وإبلاغ وإنشاء فجميعه مستوحى من نشأة الملك: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]. إذا فرسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) من ناحية نقل المعارف من الغيب إلى الشهادة، جواد ها وأمين ومعصوم ولا يكتم شيئا، وكذلك من ناحية الإملاء والإنشاء والإبلاغ فهو متعبد و متوقف ومعصوم، بحيث إنه لا ينطق بشيء حتى ينزل إليه بالوحي. فعصمة النبي الأكرم قطعية من الجهتين، والذي يهمنا الآن هو عدم كتمان أخبار الغيب.
والآية المذكورة وإن كانت شاملة قطعة لآيات القرآن، لكنها ليست مقتصرة عليها، بل يمكن اعتبار المعارف القدسية التي يعبر عنها بالحديث القدسي مشمولة بالآية المذكورة أيضا؛ أي أن الرسول الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) لم يكن ضنينة ولا بخيلا بأي معرفة لكي يكتمها ولا ينطق بها، لي إلا أن يكون هناك موضوع سري وخاص بحيث يعد الآخر بالنسبة إليه غريبة وأجنبية، وإن الأمر بكتمانه عنهم قد صدر من الله سبحانه.
3. إن سنة جميع الأنبياء والأولياء الإلهيين جرت على التكلم مع الناس بقدر عقولهم، وكما قال النبي(صلى الله عليه واله وسلم) "إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم"(3). إذا فما جاء حول الرسول الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) يدخل تحت عنوان إحدى السنن الجامعة والشاملة للنبوة العامة، وليس مختصا بسنة الرسول الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم).
4. لعل المقصود من عدم التكليم بكنه عقل الرسول، هو أن جميع الأسرار الباطنية على نحو التفصيل الشامل والسلس والمبسط ليست في متناول جميع الأفراد الذين يتقنون ثقافة المحاورة وقواعد التفاهم، فيدركون معاني الآخرين ويوصلون إليهم مقاصدهم على أساسها، وذلك لأن الجميع في إدراك الأسرار الإلهية ليسوا بدرجة متساوية، بل إن كلام الرسول الاكرم(صلى الله عليه واله وسلم) مثل القرآن الكريم يشتمل على ظاهر وباطن وتنزيل وتأويل ومحكم و متشابه، والبلوغ إلى أعماق حديث الرسول المستلزم حقيقة نفس المتحدث ليس متيسرا لغير أهل بيت العصمة الطاهرين(عليهم السلام).
5. كما يقال لقارئ القرآن والمفسر والمبين له والعامل بأحكامه، والمتخلق بأخلاقه "اقرأ وارق"(4) فإنه يقال أيضا لعالم الحديث المتعبد المتخلق العامل بالأحكام العارف بالحكم: اقرأ وارق، ولذلك ينبغي – بل يجب أن يؤخذ في تعريف علم الحديث قيد (بقدر الطاقة البشرية)، و لأن العلوم المكتسبة من قبل عامة البشر يمكن تعلمها على نحو الاكتناه، لكن بلوغ كنه أقوال الأفراد الذين يتلقون الأخبار والمعلومات من "لدن"، و" أم الكتاب" و "كتاب مبين" لن يكون في متناول الأفراد العاديين.
6. عندما يضم إلى الحديث المذكور أن الأفراد الكمل والمعصومين وخلفاء الله كلهم من سنخ واحد، فإننا نستنتج أمرين ذكر أحدهما تصريحا والآخر تلويحا: أحدهما: إن الحديث المذكور منصرف عن أهل البيت عطا لأن الرسول الأكرم كلما كان يتلقى موضوعة بمقدار كنه عقله، فهو يستطيع أن يبينه لأهل بيته المعصومين عل وهم يدركونه بنحو تام والآخر: هو أن أهل البيت(عليهم السلام) بأنفسهم مثل الرسول الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) يتحدثوا بكنه عقولهم مع عامة الناس (بنفس المعنى الذي مضى بيانه).
7. كل ما جاء حول صعوبة واستصعاب أمر أهل البيت علي، فإنه ناظر إلى موارد مختلفة ومتعددة، بعضها يتعلق بولايتهم التكوينية وعلمهم بالغيب مما يصعب إدراكه بنحو منزه من الغلو" وبعيد عن التفويض الباطل، وبعضه يتعلق بالخلافة السياسية وقيادة الأمة الإسلامية مما يكون تحمله مستصعباً لعبيد الدنيا المتقمصين لرداء الخلافة المغصوب من قبل تيم وعدي أو المفتونين بالطعام الأدسم الأموي أو الجبناء الخائفين المرتجفين من السيوف المسمومة للناكثين والقاسطين والمارقين.
وبعضها يعود إلى معرفة الملكوت وما هو أعلى منه حيث إن ارتفاعه وعلوه أسمى من "بعد الهمم". وغوره أعمق من (غوص الفطن)، فلا الحكماء والمتكلمون العاديون بما أوتوا من قدرة وسعة في العلم الحصولي قادرون على التحليق والارتقاء إلى تلك الدرجة، ولا العرفاء بوسائل علمهم الحضوري والشهودي يتيسر لهم أن يغوصوا إلى أعماق ذلك اليم أو يسبروا غوره. والعناوين المأخوذة في لسان أحاديث الصعوبة والاستصعاب متعددة؛ منها: "أمر" و"علم" و"حديث".
وكل من يستطيع أن يتحمل منح وهبات أولئك الذوات النورانية فهو الذي يحظى بالفوز وينعم بالعطايا الإلهية الخاصة، وهو إما "ملك مقرب" أو "نبي مرسل" أو "عبد ممتحن بتقوى الله". ولذلك يجب أن يؤخذ في تعريف علم الحديث قيد (بقدر الطاقة البشرية)، مثلاً إذا كان إدراك الأسماء الحسنى الأربعة { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] وكذلك معرفة الرجوع بصورة الانقلاب للأشياء نحو الله سبحانه: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} [العنكبوت: 21] ، وأمثالها أمرا صعبا، بحيث يضطر البعض لتفسيرها بتقدير مضاف محذوف وأمثال ذلك، فإن إدراك معنى دخول الله سبحانه في جميع ذرات من الأشياء دون الامتزاج بها وخروجه منها دون البينونة والانفصال عنها : أمر مستصعب أيضا: "ليس في الأشياء بوالج ولا عنها بخارج"(5).
8. إن السر في صعوبة الإدراك الصحيح لسنّة المعصومين(عليهم السلام) هو عين السر في صعوبة الإدراك الصحيح للقرآن الكريم، ويرجع ذلك إلى أمرين: أحدهما: أن ثقل الكلام ومتانته يؤدي إلى صعوبة ها استيعابه الفكري، لاسيما إذا كان المتكلم وهو الله سبحانه قد جي وصف القرآن بالثقيل: { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] ، وآل البيت المعصومون لقد وصفوا كلامهم بالصعب؛ كما يقول أمير المؤمنين لئلا "إن أمرنا صعب مستصعب لا يحمله إلا عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان"(6)، كذلك يقول النبي الأكرم "إن حديث آل محمد صعب مستصعب"(7). والآخر: هو أن المتكلم قد تجلى في كلامه كما تحدث أمير المؤمنين علي لا حول القرآن فقال: "فتجلي لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه"(8) وهذا المعنى بعينه صادق أيضا في مجال تجلي النبوة والرسالة والولاية والإمامة في الأحاديث الخاصة للنبي وآله.
لأن كل متكلم فهو يختبئ تحت لسانه "المرء مخبوء تحت لسانه"(9) والله سبحانه وخلفاؤه الحقيقيون قد تجلوا في كلامهم الخاص، وحيث إن قدرة الإدراك والاستيعاب لثقافة الحوار وأداة التفاهم ومرآة الأدب و البشرية، لا طاقة لها على تحمل تجلي المتكلم السماوي ورؤية الملكوت، لذلك فإن من الصعوبة جدا على المخاطبين أن يدركوا بسلوك طريق العلوم الأدبية المتعرج ودهاليز قوانين المعاني والبيان والبديع والمفردات الإنسانية الضيقة مقصود المتكلم الخارج عن مجال الطبيعة، وأن يعرفوا ذلك المتكلم جيدة بواسطة النظر إلى مجال تجليه، وأن يقفوا بعمق على مقصوده النهائي وغايته المستورة.
9. إن السر في صعوبة إدراك العلم الخالص النقي المرتبط بسنة المعصومين(عليهم السلام) ليس دائما في مستوى واحد فهو للمحققين والمجتهدين من ذوي الأتباع والمؤيدين يكون صعبا إذا أفل كوكب برهانهم أو غابت شمس شهودهم، سواء كانت دولتهم وشوكتهم مؤجلة أم معجلة، وإذا كان لهم حظ وافر ودائم من النور الباطني للبرهان والبرق اللامع المكنون للعرفان، فإن الدولة الكريمة لفكرهم الحصولي أو شهودهم الحضوري لها حظ من البقاء والدوام، وهي من الفيض الثابت وإذا كانت كالبرق الخاطف" للخائض في الظلمات، فإنها محكوم عليها بالفناء والزوال: "ليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة".(10)
وهو للمقلدين المطيعين والتابعين مستصعب عندما يخلعون يد الطاعة والتبعية، وترفع عنهم يد رعاية ومداراة الأستاذ وولي النعمة ويزول ظله من فوق رؤوسهم، لأن المتكلم أو الكاتب المقلد كالأعمى المستند إلى عصا هداية وإرشاد المحقق المجتهد، فإذا ما خمدت جذوة ذلك القائد، فإن قدم التابع الأعمى سوف ترتبك، وما إن تسقط عصا التقليد من يده حتى يتوقف ويهوي نحو أسفل محله السابق، لأن السبب الوحيد لوعيه واهتدائه إلى الطريق هو قيادة القائد اليقظ وولي الأمر الحاذق، فإذا ما قطعت حلقة التبعية والاهتداء بالمحقق الجدير بالطاعة والاتباع، فإنه سينحدر نحو العمى والضلال ويعتريه الذبول والجفاف، هو لأن المصدر الوحيد لحركة ونشاط ذلك المتحدث أو الكاتب المقلد الطاعة والتبعية للمحقق، فهو مدين له في بصيرته وحركته، فإذا ما انفصمت عرى الارتباط بينه وبين ولي النعمة ومصدر العطاء، فإن أمره سيؤول إلى العمى والضمور وإن ينابيعه ستغور وتنضب، لأن المقلد المطيع الذي ينهل بفضل تقليده من عين الماء ويرتوي منها ما إن يسلب منه توفيق الاهتداء بالتقليد والوصول إلى الماء الزلال حتى يقع في السراب. إذن من الأفضل للإنسان أن يقيم أموره ويكتفي بذاته ويعتمد على نفسه، ولا يكون كلاً على غيره فيقترض من الآخر، لأن مثل هذا القرض سيلقي بالإنسان في الهم والغم والذل: "إياكم والدين فإنه هم بالليل وذل بالنهار".(11)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. أصول الكافي، ج1، ص23.
2. مفاتيح الجنان، الزيارة الجامعة.
3. روضة الكافي، ص268.
4. البحار، ج 8 ص 133.
5. نهج البلاغة، الخطبة 186، المقطع 4.
6. نهج البلاغة، الخطبة 189، المقطع 4
7. أصول الكافي، ج 1، ص 401
8. نهج البلاغة، الخطبة 147، المقطع 2.
9. نهج البلاغة، الحكمة 148.
10. البحار، ج74، ص286.
11. البحار، ج100، ص 141.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|