المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

Aleph-0
23-12-2021
ترانزستور الأثر المجالي ذو الوصلة
23-9-2021
الجيلان Gellan
31-5-2018
أربع مسائل في زكاة الانعام
29-1-2020
Broom Space
1-8-2021
التفسير عند الإمام الخميني
23-09-2015


من بداءة ابن ظافر  
  
1315   07:16 صباحاً   التاريخ: 2023-03-02
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني
الكتاب أو المصدر : نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة : مج3، ص:500-501
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-16 912
التاريخ: 23-8-2022 1562
التاريخ: 2024-05-11 674
التاريخ: 2023-04-29 1320

من بداءة ابن ظافر

قال ابن ظافر(1): صرنا في بعض العشايا على البساتين المجاورة للنيل ، فرأينا فيه بئراً عليها دولابان متحاذيان(2)، قد دارت أفلاكهما بنجوم القواديس ، ولعبت بقلوب ناظريهما لعب الأماني بالمفاليس وهما يثنان أنين الأشواق ويفيضان ماء أغزر من دموع العشاق ، والروض قد جلا للأعين زبرجده ، والأصيل قد راقه حسنه فنثر عليه عسجده ، والزهر قد نظم جواهره في أجياد الغصون، والسواني قد أذالت من سلاسل فضتها كل مصون، والنبت قد اخضر شاربه وعارضه ، وطرف النسيم قدر كتفه في ميادين الزهر راكضه، ورضاب الغيث(3) قد استقر من الطين في لمى ، وحيات المجاري حائرة تخاف من زمرد النبات أن يدركها العمى ، والبحر(4) قد صقل النسيم درعه ، وزعفران العشي قد ألقى في ذيل الجو ردعه ، فأوسعنا ذلك المكان حسنا

 

500

 

وقلوبنا استحواذا(5)، وملأ أبصارنا وأسماعنا مسرة والتذاذاً ، وملنا إلى الدولابين شاكين أزمرا حين سجعت قيان الطير بألحانها، وشدت على عيدانها، أم ذكرا أيام نعما وطابا ، وكانا أغصانا وطابا ، فنفيا عنهما لذيذ المجوع ، ورجعا النوح وأفاضا الدموع طلباً للرجوع ، وجلسنا نتذاكر ما في تركيب الدواليب ، من الأعاجيب ، ونتناشد ما وصفت به من الأشعار ، الغالية الأسعار ، فأفضى بنا الحديث الذي هو شجون ، إلى ذكر قول الأعمى التطيلي في أسد نحاس يقذف الماء :

أسد ولو أني . . . . إلخ

فقال لي القاضي أبو الحسن علي بن المؤيد رحمه الله تعالى : يتولد من هذا في الدولاب معنى يأخذ بمجامع المسامع، ويطرب الرائي والسامع ، فتأملت ما قاله بعين بصيرتي البصيرة ، واستمددت مادة غريزتي الغزيرة ، فظهر لي معنى ملأني أطرابا ، وأوسعني إعجابا(6)، وأطرق كل منا ينظم ما جاش به مد بحره ، وأنبأه به شيطان فكره ، فلم يكن إلا كنقرة العصفور ، الخائف من الناطور ، حتى كمل ما أردنا من غير أن يقف واحد منا على ما صنعه الآخر ، فكان الذي قال :

حبذا ساعة العشية والدولاب                      يهدي إلى النفوس المسرة

أدهم لا يزال يعدو ولكن                             ليس يعدو مكانه قدر ذره

ذو عيون من القواديس تبكي                       كل عين من فائض الدمع ثره (7)

فلك دائر يرينا نجوما                                   كل نجم يبدي لدينا(8) المجرة

٥٠١

وكان الذي قلت :

ودولاب يئن أنين ثكلى                 ولا فقدا شكاه ولا مضره

ترى الأزهار في ضحك إذا ما         بكي بدموع عين منه ثره

حكى فلكا تدور به نجوم                   تؤثر في سرائرنا المسرة

يظل النجم يشرق بعد نجم                 ويغرب بعدما تجري المجره

فعجبنا من اتفاقنا، وقضى العجب منه سائر رفاقنا، انتهى.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- بدائع البدائه ۱ : 232

2-  البدائع: يتجاذبان.

3- البدائع : الماء.

4- البدائع : والنهر.

5- البدائع: فاستحوذ علينا ذلك الموضع استحواذا.

6- واستمددت ... إعجابا: تغيرت صياغة هذه العبارة في البدائع.

7- البدائع : تبدي ... عبرة.

8- البدائع : منها يربنا.





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.