أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-5-2019
3542
التاريخ: 12-6-2019
5032
التاريخ: 28-3-2016
3403
التاريخ: 2-04-2015
4093
|
تمهيد[1]
إنّ التاريخ مرآة صافية للحصول على بعض الحقائق, ويُستفاد منه في علم الرجال وفي التراجم كثيراً, فإنّه وبدون الاستناد إلى التاريخ لن تكون ترجمة الأفراد ممكنة ومتيسّرة كما ينبغي.
وفي هذه المقالة سنسعى إلى بحث عدّة أخطاء وقعت حول بعض الأفراد, ممّن قيل إنّهم في تعداد شهداء كربلاء. ونخلص في النتيجة إلى أنّ بعض الكتب الرجاليّة عدَّت بعض أعداء الإمام الحسين عليه السلام في من استُشهدوا معه في كربلاء. من هنا كان ينبغي القيام بمراجعة جامعة وعامّة ودقيقة حول تاريخ المعصومين عليهم السلام, خاصّة حول واقعة كربلاء.
مقدّمة
يُعتبر التاريخ المصدر الأساس في الحصول على الوقائع والأحداث الماضية, بهدف الوصول إلى الحقيقة. وهو يسهِّل ذلك الهدف بشكل كبير، كما ويقوم بدور كبير ومؤثّر في تسليط الضوء على العُقد الأساسيّة غير الواضحة.
وعلم الرجال يستند إلى التاريخ في المعرفة والتوثيق والتضعيف, وشرح أحوال وأخبار الأفراد, والتعرّف إلى النقيّ من غير النقيّ. وقد استفاد علماء الرجال بمراجعتهم المتون التاريخيّة المعتبرة في معرفة كثير من الرواة، ولا يزالون يستفيدون منه كذلك.
ورغم ذلك ولأسباب كثيرة, منها الرجوع إلى مصادر ضعيفة, وعدم التتبّع الدقيق واللازم, وعدم الرجوع إلى المصادر التاريخيّة القديمة, والاكتفاء بالمصادر المتأخّرة, و... فقد تجد في الكتب الرجاليّة أفراداً تمَّت ترجمتهم على غير حقيقتهم التاريخيّة.
وفي بحثنا حول بعض شهداء كربلاء, استنتجنا أنّ بعض ما في الكتب الرجاليّة المتأخّرة, يخالف ما ورد في المصادر التاريخيّة المعتبرة, وهنا نشير إلى ثلاث فئات من أولئك الأفراد:
الفئة الأولى: من كان حاضراً في كربلاء برفقة الإمام الحسين عليه السلام, ولكنّه لم يُستَشهد, ورغم ذلك فقد أوردته بعض الكتب الرجاليّة المتأخّرة على أنّه في تعداد شهداء كربلاء, ومنهم عقبة بن سمعان.
الفئة الثانية: من كان منهم حاضراً في كربلاء, ولكنّه وقف ضدّ سيّد الشهداء في الحرب، وقد وردت أسماؤهم في بعض الكتب الرجاليّة المتأخّرة على أنّهم من جملة شهداء كربلاء، وقد كُتبت أسماؤهم في الروضة الحسينيّة بين أسماء شهداء كربلاء، ومنهم بكير بن حي, وأبو الجُنوب, وأخوه سعيد بن الحارث, وهلال بن نافع, ويحيى بن هاني.
الفئة الثالثة: من كان في إثبات حضوره في كربلاء إشكال واضح، وقد ورد في كتب الرجال المتأخّرة أنّهم من جملة أنصار الإمام الحسين عليه السلام، ولكنّهم وبعد سنوات من واقعة كربلاء كانوا في جملة من وقف في ساحة العمل السياسيّ مع أعداء أهل البيت عليهم السلام خدمة للظالمين. وقد ورد في بعض الكتب الرجاليّة أنّهم كانوا في جملة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام, وفي تعداد شهداء كربلاء، ومنهم جبلة بن عبد الله.
ومن الجدير القول, إنّ هذه الموارد لم ترد حصراً في الكتب الرجاليّة فحسب، بل وردت في كتب سيرة سيّد الشهداء كذلك، وفي بعض كتب دائرة المعارف, ولكنّنا في هذه المقالة سنحصر البحث في الكتب الرجاليّة.
وهنا نعرض تفصيل آراء أصحاب الرجال ونقد ما يلزم نقده منها.
1- عُقبَة بن سِمعان
من جملة من صرَّح بعض الرجاليّين بشهادته في كربلاء, عُقبة بن سمعان.
وبالرجوع إلى المصادر والمتون القديمة, فإنّ عقبة بن سمعان كان مولى للرباب، وكان برفقة الإمام الحسين عليه السلام من المدينة إلى العراق وحتّى يوم عاشوراء, ولم يكن من جملة الشهداء في كربلاء بل وقع أسيراً في يد ابن سعد.
قال آية الله السيّد الخوئيّ:
عقبة بن سمعان:
من أصحاب الحسين عليه السلام، رجال الشيخ (27)، (ولم يصرح بشهادته). واستشهد بين يدي الحسين عليه السلام، ووقع التسليم عليه في الزيارة الرجبيّة. وعن بعض المؤرّخين من العامّة أنّه فرّ من المعركة ونجا[2].
يقول آية الله نمازي أيضاً:
عقبة بن سمعان مولى رباب بنت امرئ القيس، من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام, وكان معه في كربلاء, واستشهد معه في يوم عاشوراء. كما ذكره في عداد الشهداء في الزيارة الرجبيّة وكذا في زيارة النصف من شعبان[3].
وقد صرَّح العلّامة المامقانيّ بأسره وعدم استشهاده ولذا فقد وقع في الشكّ والتردّد[4].
وقد ذكره السيّد الخوئيّ في رجاله على أنّه من جملة أنصار الإمام الحسين عليه السلام, وذكره الطبريّ ومؤرّخون آخرون ممّن تكلّموا في واقعة كربلاء هذا الموضوع.
ونتيجة قولهم إنّ عقبة بن سمعان كان عبداً للرباب زوجة الإمام الحسين عليه السلام, وأنّه كان يحافظ على الخيل، وبعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام ركب عقبة جواداً وفرَّ هارباً, فأسره أهل الكوفة ظنّاً منهم أنّ عقبة بن سمعان مولى الرباب بنت امرئ القيس الكلبيّة زوجة الإمام الحسين عليه السلام، ومن هنا تركوه. وكان من جملة رواة واقعة كربلاء، وكان ينقل بعض أخبار الواقعة, ومع ذلك فقد بقي حاله مجهولاً, بل قد تخلَّف عن نصرة الإمام الحسين عليه السلام وهو ما يجعلنا نشكّ ونتردّد في حاله.
وقد ذكره في أسماء الشهداء السيّد ابن طاووس في الزيارة الرجبيّة[5]، والشهيد الأوّل أيضاً[6] في زيارة الإمام الحسين عليه السلام وسائر الشهداء, وسلَّموا عليه. بينما لم يكن عقبة من الشهداء، بل إنّ عمر بن سعد أطلقه. فالقول إنّ الزيارة الرجبيّة والزيارة التي نقلها الشهيد الأوّل قد سلَّمت على غير الشهداء أيضاً, أمر مشكلٌ يصعب حلُّه.
ولكنَّ هذا الإشكال غير وارد، وذلك أنّه ورد في كلتا الزيارتين: "ثمّ التفت فسلَّم على الشهداء". وهذه العبارة تعني أنّ من سلَّم عليهم في الزيارة, كانوا من جملة الشهداء.
أضف إلى ذلك أنه قد ورد في الزيارة الرجبيّة السلام على جبلة بن عوف, وسليمان بن عوف الحضرميّ، وورد في المزار السلام على سليمان بن عوف الحضرميّ كذلك. وقد صرَّحت الكتب التاريخيّة القديمة وأرباب المقاتل بأنّ سليمان بن عوف الحضرميّ قاتل سليمان مولى الإمام الحسين عليه السلام, كما ذكروا أنّ جبلة بن عبد الله كان بعد واقعة كربلاء في عداد أعداء أهل البيت عليهم السلام.
أضف إلى ذلك كلّه, أنّ العلّامة التستريّ في ترجمته لعقبة بن سمعان, وبعد ذكر الحوادث التي نقلها عنه, وكلّها تشير إلى كونه حيّاً بعد عاشوراء، قال: والغريب أنّه (مع كونه حيّاً) قد ورد في الزيارة الرجبيّة: ثمّ التفت إلى الشهداء وقل: السلام على عقبة بن سمعان.
وهذا برغم كون عقبة ليس من جملة الشهداء، وذكر اسمه أو اسم جبلة بن عبد الله وسليمان بن عوف في تعداد الشهداء في الزيارة المذكورة لا معنى له، بل هو بعيد ولا يمكن حمله على وجه صحيح.
وينقل أبو مخنف والطبريّ عن عقبة بن سمعان قوله: صحبت حسيناً فخرجت معه من المدينة إلى مكّة, ومن مكّة إلى العراق, ولم أفارقه حتّى قُتل, وليس من مخاطبته النّاس كلمة بالمدينة ولا بمكّة ولا في الطريق ولا بالعراق, ولا في عسكره إلى يوم مقتله إلّا وقد سمعتها, ألا- والله- ما أعطاهم ما يتذاكر النّاس وما يزعمون, من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية, ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين, ولكنّه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما يصير أمر النّاس[7].
وعليه فعقبة بن سمعان أحد رواة حوادث عاشوراء, وينقل عنه أبو مخنف في مقتله, والطبريّ في كتابه, وقائع عن حركة الإمام الحسين عليه السلام من المدينة إلى يوم عاشوراء[8], ومن جملة ذلك قصّة قصر بن مقاتل, ومنام الإمام الحسين عليه السلام, وأنّ ابنه عليّ الأكبر خاطبه بقوله: أولسنا على الحقّ[9]...
أو قصّة خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكّة, وممانعة رُسُل عمرو بن سعيد بن العاص. قال: عن عقبة بن سمعان قال: لما خرج الحسين من مكّة اعترضه رسل عمرو بن سعيد بن العاص, عليهم يحيى بن سعيد, فقالوا له: انصرف أين تذهب؟! فأبى عليهم ومضى, وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسياط, ثمّ إنّ الحسين وأصحابه امتنعوا منهم امتناعا قويّاً, ومضى الحسين عليه السلام على وجهه, فنادوه: يا حسين! ألا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الأمّة؟![10]..
أو قول الإمام للحرّ حين التقى به:.. وإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا, وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم, وقدمت به عليّ رسلكم, انصرفت عنكم, فقال له الحرّ بن يزيد: إنّا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر, فقال الحسين: يا عقبة بن سمعان, أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليَّ, فأخرج خرجين مملوءين صحفاً فنشرها بين أيديهم[11].
ويتبيّن إلى هنا, أنّ عقبة بن سمعان كان من جملة من خرج مع الإمام الحسين عليه السلام من المدينة إلى يوم عاشوراء، وأنّه كان بعد ذلك على قيد الحياة.
فيرد الإشكال على أولئك الذين قالوا إنّه استُشهد في كربلاء, ولا يصحّ أيضاً ما ورد في الزيارة الرجبيّة من قوله: ثمّ التفت فسلّم على الشهداء وقل: السلام على عقبة.. وعلى جبلة بن سليمان, وذلك أنّ عقبة نقل بعد كربلاء بعض حوادث ووقائع عاشوراء، وأنّ جبلة وسليمان كانا من جملة الأعداء.
وبالاستناد إلى المتون التاريخيّة, فإنّ عقبة بن سمعان أُسر يوم عاشوراء, وأطلقه عمر بن سعد لأنّه مولى الرباب، وعبارة التاريخ في هذا المورد هكذا: وأخذ عمر بن سعد عقبة بن سمعان, وكان مولى للرباب بنت امرئ القيس الكلبيّة, وهي أم سكينة بنت الحسين, فقال له: ما أنت؟ قال: أنا عبد مملوك, فخلّى سبيله, فلم ينج منهم أحد غيره[12]...
ويرجع هذا المتن إلى ما قبل سنة 157هجريّة, وعليه فإنّ عقبة بن سمعان لم يكن من جملة الشهداء, خلافاً لما ورد في بعض الكتب الرجاليّة المتأخّرة، بل كان بعد كربلاء على قيد الحياة.
2- بُكير بن حَي التيميّ
ومن جملة الأسماء التي وقع فيها الخطأ فذكرت من جملة الشهداء يوم كربلاء, اسم بكير.
ونشير إلى ما ورد في بعض الكتب الرجاليّة, ومن ذلك رأي العلّامة المامقانيّ وآية الله نمازي[13] الذي كتب يقول: قال أهل السيرة: بكر بن حي بن تيم بن ثعلبة التيميّ، وهو من قبيلة بني تيم الله، وقد خرج إلى الحرب مع عمر بن سعد حتّى إذا اشتعلت الحرب مال إلى الإمام عليه السلام, فكان معه ودافع عنه ونال شرف الشهادة, وكتب العلّامة التستريّ بعد ذكر ذلك يقول: مستند هذا القول غير واضح لنستطيع النظر فيه.
ويظهر أنّ أوّل من عدَّ بكر بن حي في جملة الشهداء هو الفضيل بن الزبير, فذكره مع شرح مختصر في كتاب تسمية من قُتل مع الحسين عليه السلام[14].
وكتب حول هذا الموضوع يقول: وبكر بن حي من بني تيم بن ثعلبة وقد استُشهد.
وقد ذكر هذا الموضوع صاحب الحدائق الورديّة[15], ومن بعده جرى ذكره في باب الإضافات والنِّسب, وليس في كتب التاريخ فحسب, بل في سائر الكتب الأخرى.
ومن الجدير ذكره أنّه بناء على المصادر الأوليّة والمعتبرة, فإنّ اسم الشخص المذكور هو بكير لا بكر. وقد ورد في كتب السيرة والمقاتل القديمة أنّ اسم بكير كان في جملة جيش عمر بن سعد, وقد صرَّح أهل السيرة والمؤرّخون كأبي مخنف أنّ: شمر بن ذي الجوشن -وكان قائد ميسرة عمر بن سعد- حمل على ميسرة عسكر الإمام الحسين عليه السلام، وحمل هاني بن ثبيت الحضرميّ وبكير بن حي التيميّ, وهو من تيم الله بن ثعلبة, فاجتمعوا على عبد الله بن عمير الكلبيّ, وهو من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام, فقتلوه[16].
وبناء على نقل المؤرّخين الأوائل فإنّ بكير بن حي كان من أعداء الإمام الحسين عليه السلام, وقد توجّه إلى كربلاء لقتاله، وقد اشترك على ما قالوا في قتل أحد أصحاب الإمام عليه السلام, وعليه، فلا وجه لوجود اسمه في جملة شهداء كربلاء.
3- أبو الجنوب
من جملة من ورد اسمه في بعض كتب معرفة الرجال على أنّه أحد أصحاب الإمام الحسين عليه السلام شخص باسم أبي الجنوب، (وقد ورد خطأ في الكتب باسم أبي الحتوف). وهو في الواقع من جملة أعداء الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، وكان في جملة عسكر ابن سعد, رغم ذكر اسمه في تعداد الشهداء. ولكن بالاستناد إلى المتون التاريخيّة والمقاتل القديمة فإنّه من أعداء الإمام الحسين عليه السلام، وسنعرض فيما يلي بحثاً وإثباتاً لذلك.
كتب العلّامة المامقانيّ في تنقيح المقال حول الشخص المترجَم له يقول:
أبو الحتوف، وقد مرَّ في ترجمة أخيه سعد بن الحرث بن سلمة الأنصاريّ العجلانيّ, بيان كونهما جميعاً من شهداء الطف رضوان الله عليهما, وكفى بذلك شاهداً على الوثاقة[17].
وقد أكَّد هذا الكلام في ترجمة سعد بن الحرث بن سلمة أيضاً.
وكتب آية الله نمازي في الموضوع يقول: سعد بن الحارث بن سلمة الأنصاريّ أخو أبي الحتوف الجعفيّ, وقد خرج من الكوفة مع عمر بن سعد, فلمّا سمع مناشدة الإمام الحسين عليه السلام وسمع بكاء أهل بيته, التحق بالإمام الحسين عليه السلام ونال شرف الشهادة، يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً[18].
وكتب المحقّق التستريّ يقول: أبو الحتوف, مرَّ في أخيه سعد بن الحارث الأنصاريّ كونهما من شهداء الطفّ, أقول: مرّ عدم إتيانه بمستند فليس بمعتمد[19].
وينبغي القول فيما ورد آنفاً من المواضيع المذكورة: إنّ عدَّه من جملة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام غير صحيح، وهو مخالف لما ورد في المتون التاريخيّة المعتبرة, وينبغي أن نذكر هنا عدّة نكات هامّة:
أ- ورد في الكتب الرجاليّة والكتب الأخرى أنّ اسم والد سعد هو الحرث. وهو مخالف لما ورد في كتاب تسمية من قُتل مع الإمام الحسين عليه السلام, وهو من تأليف الفضيل بن الزبير, وهو متقدّم يرجع إلى القرن الثاني الهجريّ[20], وقد ورد فيه أنّ اسمه هو سعد بن الحارث, لا سعد بن الحرث!. وعليه, فإنّه لا مجال لإثبات أخوَّتهما, وذلك أنّ اسم والد أبي الجنوب هو الحرث, واسم والد سعد هو الحارث.
ب- ينبغي الالتفات فيما يخصّ أبا الجنوب, أنّ اسمه عبد الرحمن بن زياد، ولذلك فلا رابطة أخوَّة بين سعد بن الحارث وبين عبد الرحمن بن زياد, أضف إلى ذلك, أنّ حضور عبد الرحمن في كربلاء هو من مسلّمات التاريخ، بينما لم يرد اسم سعد بن الحارث على أنّه من جملة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام في أي كتاب معتبر.
ويمكن أن يُشكل على ذلك, بأنّه قد ورد في كتاب تسمية من قُتل مع الإمام الحسين عليه السلام وفي الحدائق الورديّة, اسم هذا الشخص في عداد شهداء كربلاء.
والجواب عنه: أنّ كتب الرجال والتاريخ صرَّحت بأنّ سعد بن الحارث الأنصاريّ قُتل مع الإمام عليّ عليه السلام في حرب صفّين[21].
ج- فيما يخصّ أبا الحتوف أيضاً, لا بدّ من البحث فيه من وجهين: الأوّل: بالنسبة إلى كنيته. والثاني: هل إنّ ما قيل فيه من أنّه كان من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام مطابق للواقع أم لا؟.
فأمّا كنيته فينبغي القول: إنّ كنيته أبو الجنوب لا أبو الحتوف, ويظهر أنّ منشأ هذا الخطأ هو كتاب تسمية من قتل مع الإمام الحسين عليه السلام, حيث ذكر القصّة السالفة الذكر آنفاً, ثمّ سرى ذلك فيما بعد إلى كتاب الحدائق الورديّة في مناقب أئمّة الزيديّة, من تأليف حميد بن أحمد (م 652هـ. ق.) وإلى الكتب الرجاليّة كذلك.
وبناء على نقل أهل السيرة, وعلى ما ورد في الكتب التاريخيّة القديمة, فإنّ الشخص الذي كان حاضراً في كربلاء ووقف حاملاً سيفه ضدّ سيّد الشهداء عليه السلام هو أبو الجنوب.
وينقل الطبريّ (م 310هـ. ق) عن أبي مخنف قوله: ثمّ إنّ شمر بن ذي الجوشن, أقبل في نفر نحو من عشرة من رجالة أهل الكوفة, قِبَلَ منزل الحسين الذي فيه ثقله وعياله, فمشى نحوه فحالوا بينه وبين رحله, فقال الحسين: ويلكم إن لم يكن لكم دين, وكنتم لا تخافون يوم المعاد, فكونوا في أمر دنياكم أحراراً ذوي أحساب, امنعوا رحلي وأهلي من طغامكم وجهّالكم, فقال ابن ذي الجوشن: ذلك لك يا ابن فاطمة, قال: وأقدم عليه بالرجالة, منهم أبو الجنوب واسمه عبد الرحمن الجعفيّ, والقشعم ابن عمرو بن يزيد الجعفيّ, وصالح بن وهب اليزنيّ, وسنان بن أنس النخعيّ, وخولي ابن يزيد الأصبحيّ, فجعل شمر بن ذي الجوشن يحرّضهم, فمرّ بأبي الجنوب وهو شاكٌّ في السلاح, فقال له: أقدم عليه, قال: وما يمنعك أن تقدم عليه أنت؟ فقال له شمر: ألي تقول ذا؟! قال: وأنت لي تقول ذا؟! فاستبَّا, فقال له أبو الجنوب - وكان شجاعاً -: والله لهممت أن أخضخض السنان في عينك, قال: فانصرف عنه شمر, وقال: والله لئن قدرت على أن أضرّك لأضرَّنك, قال: ثمّ إنّ شمر بن ذي الجوشن, أقبل في الرجالة نحو الحسين, فأخذ الحسين يشدّ عليهم فينكشفون عنه, ثمّ إنّهم أحاطوا به إحاطة[22]...
ويكتب ابن الأثير في ذيل كلمة "الناجي" :... ناجية بن مالك بن حريم بن جعفى بطن من جعفى منهم أبو الجنوب لعنه الله وهو عبد الرحمن بن زياد بن زهير بن خنساء ابن كعب بن الحارث بن سعد بن ناجية شهد قتل الحسين عليه السلام وأخذ جملاً من جماله يستقي عليه الماء فسمّاه حسيناً[23].
وأغار بعد العصر على ناقة للحسين عليه السلام, وكان يحمل عليها الماء ويسمّيها الحسين.
وعليه فإنّ اسم هذا الرجل هو عبد الرحمن بن زياد الجعفيّ، وكنيته أبو الجنوب لا أبو الحتوف, كما ورد في الكتب الرجاليّة المذكورة.
وهنا نكتة أخرى مفادها أنّه وفي يوم عاشوراء في كربلاء وبعد سقوط الإمام الحسين عليه السلام إلى الأرض أمر الشمر الملعون بالحملة.. ويكتب ابن شهر آشوب (م 588) حول ذلك قائلاً:
فقال شمر: ما وقوفكم وما تنتظرون بالرجل وقد أثخنته السهام؟! احملوا عليه, ثكلتكم أمّهاتكم، فحملوا عليه من كلّ جانب، فرماه أبو الحتوف الجعفيّ في جبينه، والحصين ابن نمير في فيه، وأبو أيوب الغنويّ بسهم مسموم في حلقه. فقال عليه السلام: بسم الله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله[24].. وينقل الخوارزميّ (م 568هـ. ق.) في مقتله, أنّ أبا الحتوف رمى الإمام بسهم في جبهته الشريفة[25]... وقد نقل كثير من المتقدّمين وأهل السيرة هذه القصّة, وذكروا أسماء بعض من وردت أسماؤهم فيما سبق, ولكن لم يذكر أحد منهم اسم أبي الحتوف.
وينبغي القول في وجه جمع بين أطراف البحث أنّه: بالالتفات إلى بعض المصادر الأوّليّة المعتبرة, التي أوردت أن أبا الجنوب كان إلى جانب شمر عصر يوم عاشوراء, وأنّه كان يحادثه أو أنّه كان شاهد قتل الإمام، وبالتأمّل في الكتب التي لم تذكر اسمه يمكن القول:
إنّ أبا الجنوب كان شهد قتل الإمام عليه السلام, وبالاستناد إلى ما ورد في كتب السيرة فإنّ أبا الجنوب كان من جملة أعداء الإمام الحسين عليه السلام, وبالتالي فإنّ ذكر اسمه في عداد شهداء كربلاء وأنّه كان ممّن فدى الإمام الحسين عليه السلام غير صحيح, ولذا فإنّ ما ورد في الكتب الرجاليّة بحاجة إلى إعادة النظر بشكل جدّي.
د- سعيد بن حارث الأنصاريّ كتب المامقانيّ في ترجمته لسعد بن الحرث بن سلمة: وهذا الرجل هو وأخوه أبو الحتوف[26] وكانا في الكوفة رأيهما رأي الخوارج فخرجا مع عمر بن سعد إلى حرب الحسين عليه السلام فلمّا سمعا استنصاره وصريخ النساء والأطفال لسماع استنصاره نالتهما الهداية الإلهيّة وتوفيق السعادة فقالا: إنّا نقول لا حكم إلّا لله ولا طاعة لمن عصاه، وهذا الحسين بن بنت نبيّنا محمّد ونحن نرجو شفاعة جدّه يوم القيامة, فكيف نقاتله وهو بهذا الحال لا ناصر له ولا معين؟! فمالا بسيفيهما بين يديه على أعدائه, وجعلا يقاتلان قريباً منه, حتّى قتلا جمعاً وجرحا آخرين, ثمّ قُتلا معًا في مكان واحد، رضوان الله عليهما[27], وختم لهما بالسعادة الأبديّة بعد ما كانا من المحكِّمة، وإنّما الأمور بخواتيمها.
وكتب آية الله نمازي في هذا الصدد يقول:
سعد بن الحرث وأخوه أبو الحتوف خرجا من الكوفة مع عمر بن سعد, ولمّا سمع سعد وأخوه أبو الحتوف النداء من الحسين والصراخ من عياله التحقا به، يا ليتني كنت معهم فافوز فوزاً عظيماً[28].
وينبغي الالتفات والتذكير بأنّه طبقاً لما ورد في تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام, وهو من أوّل المصادر في هذا الموضوع, ذكر أنّ اسم هذا الرجل هو سعد بن الحارث[29], لا سعد بن الحرث, الذي صرَّح به بعض الأعاظم. وبغضّ النظر عن ذلك, فإنّه- كما سبق- كان أبو الجنوب حاضراً في كربلاء وقاتل الإمام عليه السلام, ولكن هل كان سعد حاضراً في كربلاء أم لم يكن كذلك؟. وأنّه هل كان مع سيّد الشهداء؟ أو كان من جملة جيش عمر بن سعد؟. وهذا ما لم يرد حوله كلام ثابت في المصادر القديمة والمعتبرة.
وقد ورد في تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام للفضيل, وهو ممّا تفرَّد به. ومن هنا فلا يمكن الاعتماد عليه.
وقد أخذ عنه ذلك مؤلّف الحدائق الورديّة[30], أضف إلى ذلك أنّنا قلنا أنّهما لم يكونا أخَوَين.
وبشهادة التاريخ فقد ورد اسم رجل واحد باسم سعد بن الحارث الأنصاريّ, وقد استُشهد مع أمير المؤمنين في حرب صفّين.
وقد صرَّح ابن سعد (م 230هـ. ق.) في بيان نسب سعد بن الحارث, فقال: سعد بن الحارث قُتل مع أمير المؤمنين في حرب صفّين[31].
وقد صرَّح بعض الأعاظم بأنّ: سعد بن الحارث أدرك النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقتل في حرب صفّين[32], وعليه، فلا معنى لما ذُكر أنّ سعداً قتل في وقعة الطفّ. وقد يُقال إنّ المقصود من سعد رجل آخر غير سعد هذا, وهو شخص آخر باسم سعيد بن الحارث الأنصاريّ.
وهذا الكلام صحيح أيضاً, وذلك أنّ سعيد بن الحارث الأنصاريّ كان من مشاهير التابعين وقد عُمّر طويلاً ومات سنة 120 هجريّة تقريباً[33].
والنتيجة أنّ كلام مؤلّف تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام, والمؤلّفات التي اتبعته على ذلك, التي ذكرت أخوَّته مع أبي الحتوف (أبو الجنوب) وحضوره في كربلاء, وتحولّه إلى معسكر الإمام الحسين عليه السلام و... كلّه غير صحيح أصلاً. وكذلك لا صحّة لعدِّه في جملة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام.
هـ يحيى بن هاني : عدَّ بعض متأخّري علم الرجال يحيى من جملة شهداء كربلاء, وبدون أي مستند يُذكر[34]. ولكن هذا القول مخالفٌ لما ورد في المتون التاريخيّة القديمة.
كتب العلّامة المامقانيّ حول الموضوع يقول:
يحيى بن هاني بن عروة المراديّ العطيفيّ - نسبة إلى بني عطيف بطن من مراد- وقد ذكر أهل السير: أنّه لمّا قتل هاني مع مسلم بن عقيل فرّ ابنه يحيى واختفى عند قومه خوفاً من ابن زياد, فلمّا سمع بنزول الحسين عليه السلام بكربلاء, جاء وانضمّ إليه ولزمه إلى أن شبّ القتال يوم الطفّ، فتقدّم وقتل من القوم رجالاً كثيرة، ثمّ نال شرف الشهادة رضوان الله عليه[35].
ويقول آية الله نمازي مستنداً إلى كلام المامقانيّ: يحييى بن هاني بن عروة المراديّ, من شهداء الطفّ كما ذكره العلّامة المامقانيّ[36].
ولكنّنا عند مراجعة الكتب القديمة, نجد أنّ يحيى لم يكن من الشهداء، وليس ذلك فحسب، بل كان من جملة رواة حوادث كربلاء أيضاً! أضف إلى ذلك, أنّه كان في كربلاء من جملة أصحاب عمر بن سعد, ووقف ضدّ الإمام الحسين عليه السلام. وهو في كتب الفريقين من رواة أحاديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم, وقد نقل بعض حوادث كربلاء, ومنها حملة نافع بن هلال, أو بعض حوادث ثورة المختار الثقفيّ. وعليه، لا يمكن أن يكون يحيى بن هاني في عداد شهداء كربلاء. أضف إلى ذلك, أنّ إثبات كونه ابن هاني بن عروة, الشخص المعروف, هذا نفسه أمر يحتاج إلى مزيد من الدّقّة والتأمّل.
و- هلال بن نافع: يكتب آية الله نمازي قائلاً: لم يذكر الرجاليّون اسمه، ولكنّه من شهداء كربلاء.
فقد نقل السيّد أنّ هلال ابن نافع قال للإمام الحسين عليه السلام: والله ما كرهنا لقاء ربّنا إنَّا على نيّاتنا و بصائرنا[37]. وعلى ما في المناقب فهي كلمات تدلّ على كمال وعظمة قائلها. وهو الذي خرج إلى المشرعة في جوف الليل برفقة العبّاس عليه السلام لطلب الماء, وكان له كلام مع عمرو بن الحجّاج[38].
وهو ممّن ذكرهم الإمام الحسين عليه السلام, حينما ناشد الأصحاب نصرته وهم على الثرى, وذلك على ما أشار إليه أبو مخنف في مقتله.
وهلال بن نافع هذا غير نافع بن هلال الذي كان في عسكر عمر بن سعد, وطلب من عمر أن يأتي ببعض الماء للإمام الحسين عليه السلام، وليس هو من نقل صورة الإمام الحسين عليه السلام وهو يجود بنفسه في آخر لحظات حياته الشريفة[39].
يقول ابن نما الحلّي في مثير الأحزان: فبينا الحسين عليه السلام في الطريق, إذ طلع عليه ركب أقبلوا من الكوفة, فإذا فيهم هلال بن نافع الجمليّ وعمرو بن خالد فسألهم عن خبر النّاس فقالوا: أمّا - والله - الأشراف فقد استمالهم ابن زياد بالأموال فهم عليك, وأمّا سائر النّاس فأفئدتهم لك وسيوفهم مشهورة عليك[40]...
وفي قصّة كربلاء كذلك كان هلال بن نافع في عسكر ابن سعد، وهو من نقل ما كانت عليه شهادة الإمام عليه السلام في لحظاته الأخيرة، قال:
إنّي لواقف في عسكر عمر بن سعد إذ صرخ صارخ: أبشر أيّها الأمير, قد قُتل الحسين, فبرزت بين الصفّين وأنّه ليجود بنفسه, فو الله ما رأيت أحسن منه, ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيبته عن الفكرة في قتله. وطلب منهم ماء فقال له رجل: والله لا تذوقه حتّى ترد الحامية, فتشرب من حميمها, فقال: بل أرد على جدّي رسول الله, وأسكن معه في مقعد صدق عند مليك مقتدر, وأشرب من ماء غير آسن, وأشكو إليه ما ارتكبتم منّي وفعلتم بي. فغضبوا بأجمعهم حتّى كأنّ الرحمة سُلبت من قلوبهم[41].
وهذا الكلام لم نجده في كتب التاريخ كالطبريّ, ولكن ذكره ابن نما الحلّي والسيّد ابن طاووس[42]. فإذا بنينا على قبول واحد منهما, فالرأي أنّ قولهما له من الاعتبار ما ليس لغيرهما من الكتَّاب الآخرين.
والمسألة الأخرى القابلة للتأمّل في كلام آية الله نمازي, هي استناده إلى كلام أو بعبارة أوضح استناده إلى مجلس عزاء مجعول ومنسوب بعد سنوات طويلة من كربلاء, وهو لا يعدو سوى مجلس عزاء انتصاراً لسيّد الشهداء.
نسبة إلى سيّد الشهداء غير صحيحة
ينسب بعضهم - ومنهم آية الله نمازي - موضوعاً إلى سيّد الشهداء هو أكثر شبهاً بمجالس العزاء منه إلى المتن والحقيقة التاريخيّة، فمن الأدلّة التي أوردها واستند إليها في إثبات استشهاد هلال بن نافع ما يلي:
وهو ممّن ذكره الحسين عليه السلام حين الاستنصار، كما نقله أبو مخنف في مقتله[43].
ولبيان حقيقة الأمر ينبغي القول إنّ عدداً من المتأخّرين يعتقدون أنّ الإمـام الحـسـين عليه السلام نظر حوله يوم عاشوراء ثمّ نادى: يا مسلم بن عقيل... ويا هلال بن نافع... يا فرسان الصفاء ويا أبطال الهيجاء!. ما لي أناديكم فلا تسمعون... ولا تجيبون...
وهذا الكلام لا وجود له في أي كتاب معتبر وقديم, وبناء على ما وجدناه فإنّ منشأ هذا الكلام هو كتاب ناسخ التواريخ وهو من تأليف الميرزا محمّد تقي سبهر (م 1297). وقد أورده بدون دليل يستند إليه, وحتّى لو كان دليلاً ضعيفاً.
قال نقلاً عن الإمام الحسين عليه السلام, تحت عنوان "استغاثة الحسين بالشهداء من أصحاب القلوب الحيّة":
وعند ذلك نظر يميناً وشمالاً فرأى أخوانه وأولاده على الثرى وغارقين في الدما، فنادى: يا مسلم بنعقيل، ويا هاني بن عروة، ويا حبيب بن مظاهر، يا زهير بن القين، يا يزيد بن مظاهر، يا يحيى بن كثير، يا هلال بن نافع، يا إبراهيم بن حصين، يا عمير بن مطاع، يا أسد الكلبيّ، يا عبد الله بن عقيل، يا مسلم بن عوسجه، يا داود بن طرماح، يا حرَّ الرياحيّ ويا عليّ بن حسين، ياأبطال الصفا ويا فرسان الهيجا, ما لي أناديكم فلا تجيبون؟!. وأدعوكم فلا تستجيبون؟!. أأنتم نائمون، أم عن نصرة إمامكم تقصّرون؟!. هذه نساء الرسول قد أصابهنَّ الذبول، وعلاهنَّ لفقدكم النحول. يا كرام. قوموا من نومكم ودافعوا عن حرم الرسول وادفعوا الطغاة اللئام، كلّا بل صرعكم ريب المنون وغدر بكم الدهر الخؤون وإلّا فأنتم عن نصرتي لا تقصرون،... وبكم لاحقون وإنّا لله وإنّا إليه راجعون[44]..
فأمّا قول المرحوم سبهر فهو غير قابل للاعتماد, وليس في هذا المورد فحسب, بل في أكثر من مورد آخر كذلك. وذلك للأسباب التالية:
1- عدم دقّة الكاتب في ضبط الأسماء, فجعل مثلاً عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ عبد الله الحرّ.
3- عدم ذكره للمصدر من تاريخ معتبر وفي موارد كثيرة ومنها في مورد البحث.
4- ذكره مواضيع لم ترد في التواريخ المعتبرة.
5- كتب مؤلّف ناسخ التواريخ هنا يقول: إنّ الإمام الحسين عليه السلام خاطب أصحابه وهم غارقون بالدماء: لِمَ لا تسمعون. بينما نجد أنّ مسلم بن عقيل وهاني بن عروة قُتلا في الكوفة. فعبارة ما لي أناديكم فلا تجيبوني، وأدعوكم فلا تسمعون؟! أنتم نيام أرجوكم تنتبهون, لا معنى لها في المقام حيث الخطاب لمن كان في كربلاء غارقاً في دمه.
وبناء على هذا النقل فإنّ سيّد الشهداء عليه السلام خاطب الشهداء بقوله: بل غدر بكم الدهر الخؤون. بينما شأن الإمام وصبره أرقى من أن يتهم الأيّام بالخيانة.
أخطأ المرحوم سبهر في كتابه خطأ آخر, فذكر أنّ هلال بن نافع من جملة شهداء كربلاء, بينما هلال بن نافع كان من أصحاب عمر بن سعد, وقد نقلوا عنه بعض ما جرى في كربلاء.
والمقصود أنّ صاحب ناسخ التواريخ وفي النصّ المتقدّم ذكر هلال بن نافع, فجعله مورد خطاب الإمام أن: قم فانصر إمامك, وذلك بزعم أنّه من شهداء كربلاء. وعليه فلا تصحّ نسبة هذا النصّ إلى الإمام الحسين عليه السلام. وإن كان لسان الحال فهو جيّد, لكن شرط أن يُحذف منه أمثال هلال بن نافع.
ودليل آخر ذكره آية الله نمازي ومفاده أنّ هلال بن نافع "هو من خرج في جوف الليل إلى المشرعة برفقة العبّاس عليه السلام لطلب الماء وتكلّم مع عمرو بن الحجّاج"[45].
بينما نجد أنّه طبقاً للنقل التاريخيّ المعتبر, كان المذكور نافع بن هلال لا هلال بن نافع، وكان بعد كربلاء وواقعة عاشوراء على قيد الحياة، وقد شهد آخر لحظات من عمر الإمام الحسين عليه السلام وتحدّث عن ذلك.
من هنا فإنّ قول بعض الرجاليّين المبنيّ على استشهاد هلال بن نافع مع أصحاب الإمام الحسين عليه السلام قول غير قابل للقبول.
ز- جبلة بن عبد الله: استند بعض الرجاليّين من المتأخّرين إلى الزيارة الرجبيّة, فعدُّوا جبلة بن عبد الله في عداد شهداء كربلاء[46]. فقد ذكرت بعض كتب الرجال أنّ: "جبلة بن عبد الله فدى بروحه إمام زمانه وريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ولذا فممّا يليق به جعله في أعلى مراتب الوثاقة والتجليل والاحترام". وقد ذكروا أنّ منشأ هذا الكلام ومنبعه الأساس هو السلام الوارد في الزيارة الرجبيّة: السَّلامُ عَلى جَبَلَةَ بْنِ عَبْدِ اللّه.
ويرى أولئك الرجاليّون أنّ جبلة بن عبد الله من جملة أتباع أهل البيت عليهم السلام, ومن جملة شهداء كربلاء. ولكن هذا الكلام لا يصحّ أصلاً, بل هو مخالف لما ورد في المتون التاريخيّة المعتبرة، والدليل على ذلك أمران:
الأمر الأوّل: حول متن ومصدر هذا الادعاء أساساً يعني الزيارة الرجبيّة, وهي المصدر الوحيد الذي استند إليه المتأخّرون, ممّن جعل أحد أعداء أهل البيت عليهم السلام في جملة شهداء كربلاء.
كما أنّ كافّة الكتَّاب المذكورين استندوا فعلاً إلى الزيارة الرجبيّة في التصريح بهذا القول.
نظرة موجزة إلى الزيارة الرجبيّة
يُحتمل بشكل قويّ أنّ السيّد ابن طاووس كان أوّل من ذكر الزيارة الرجبيّة في كتابه إقبال الأعمال, ولم يسندها إلى أي راوٍ أو إمام, قال: هذه الزيارة ممّا يزار بها الحسين عليه السلام[47].
وقد نسب العلّامة المامقانيّ في ذيل اسم عبيد الله بن عليّ بن أبي طالب هذه الزيارة إلى الإمام, حيث قال عنه إنّه نال شرف تسليم الإمام عليه السلام في الزيارة الرجبيّة[48]. وقد سلَّم عليه الإمام في الزيارة الرجبيّة.
ويظهر أنّ هذا الكلام لا يصحّ, وذلك لأنّ السيّد ابن طاووس لم ينسب هذه الزيارة إلى إمام ولا إلى غيره, فَنَقْلُ الزيارة عن لسانه هو على أنّها زيارة معتاد عليها في زمانه, فقد قال: "فيما نذكره من لفظ زيارة الحسين عليه السلام في النصف من شعبان، أقول: إنّ هذه الزيارة ممّا يزار بها الحسين عليه السلام أوّل رجب أيضاً"[49]...
وكما سبق وأشرنا, فإنّ السيّد لم يذكر نسبة الزيارة إلى أي إمام أو أي أحد آخر أو ناحية, ويُحتمل بشكل قويّ أن تكون ألفاظ هذه الزيارة ممّا يزار به الحسين عليه السلام, وقد أُخذ ممّا تتداوله الألسن. ولهذا فإنّ السيّد الخوئيّ في ذيل اسم سعد بن عبد الله, عدَّ سعداً من جملة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام, فقال: "... وفي الزيارة الرجبيّة: سعيد بن عبد الله الحنفيّ وسندها أيضاً ضعيف"[50]. وبرأيي أنّ الزيارة لا سند لها أصلاً ليصل الدور إلى البحث في القوّة والضعف. ومن ناحية أخرى فقد وقع التسليم في هذه الزيارة على عقبة بن سمعان بينما هو لم يكن من الشهداء, بل خلّى سبيله عمر بن سعد كما ذكرنا.
أو وقع التسليم كذلك على بعض أعداء أهل البيت, كجبلة بن عبد الله وسليمان بن عوف, ومن ذلك يلاحظ أيضاً سهو القلم أو اللسان في هذه الزيارة وليس محلّ بحثه في هذا الكتاب.
وهكذا يتبيّن أنّ هذه الزيارة غير قابلة للاستناد عليها للحصول على أسماء شهداء كربلاء وحتّى مع قوله ثمّ التفت فسلَّم على الشهداء.
الأمر الثاني: أنّه بمراجعة الكتب التاريخيّة القديمة والمعتبرة نجد أنّ:
جبلة بن عبد الله عاش في عصر الإمام الحسين عليه السلام وعصر الإمام السجّاد عليه السلام, خلافاً لما هو المدّعى هنا, ولم يكن من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام أصلاً، بل وكان بعد واقعة كربلاء وعند قيام ثورة التوّابين بقيادة سليمان بن صرد, قائداً من قادة جيش عبيد الله بن زياد يومذاك. ثمّ إنّ جبلة بن عبد الله كان قائد ميمنة الجيش, وكان في جمادى الأولى من سنة 65 (هـ. ق.) تحت قيادة ابن زياد مع حصين بن نمير وشرحبيل بن ذي الكلاع الحميريّ، وأدهم بن محرز باهليّ وربيعة بن مخارق الغنويّ, وهم جميعاً من ألدّ أعداء أهل البيت عليهم السلام فواجهوا التوّابين في معركة عين الوردة.
ومن الجدير بالذكر أنّه بإضافة كنية الخثعميّ إلى جبلة بن عبد الله, يمكن التفريق بين جبلة بن عبد الله, وجبلة بن عبد الله الخثعميّ الذي كان في عِداد شهداء كربلاء, وكان من محبّي أهل البيت عليهم السلام، بينما كان جبلة بن عبد الله من أشدّ أعدائهم.
وقد ذكر المؤرّخ الكبير الطبريّ في ذيل حوادث سنة 65 (هـ. ق.), عند كلامه حول قصّة التوّابين وما جرى عليهم, اسم جبلة بن عبد الله بإضافة الخثعميّ إليه[51]، وبعد عدّة صفحات ذكر اسم جبلة بن عبد الله بدون كنية الخثعميّ[52].
وكذلك ابن الأثير في حوداث نفس السنة, ذكر اسم جبلة بن عبد الله بإضافة الخثعميّ إليه[53]، وبعد صفحتين ذكره بدون كنية الخثعميّ[54]. وعليه فإنّ جبلة بن عبد الله بإضافة الخثعميّ إليه أو بدون تلك الإضافة, هو من جملة أعداء أهل بيت الرسالة عليهم السلام وليس من جملة شهداء كربلاء.
وقد كان جبلة بن عبد الله على قيد الحياة بعدها, وكان يعتاش من خدمته لأعداء أهل البيت عليهم السلام.
وخلاصة القول بالنسبة إلى الزيارة الرجبيّة: إنّ الرجاليّين لا يستطيعون الاعتماد عليها, ولا سيّما أنّه قد صرَّح بتضعيفها بعض الأعاظم, وهي في مصدرها الأصلي لم يسندها المؤلّف إلى أي إمام، وأنّ اسم هذا الشخص ورد في جملة أعداء أهل البيت عليهم السلام.
أضف إلى ذلك كلّه أنّ التاريخ صرَّح أنّ هذا الشخص كان سنة 65 هجريّة في عداد أعداء أهل البيت عليهم السلام.
ومن هنا فإنّ ما ذكره بعضهم من أنّه ينبغي عدّ هذا الرجل في أعلى مراتب الوثاقة والجلالة, كلام غير مقبول ولا يمكن توجيهه.
النتيجة
بناء على ما ذكرنا فإنّنا نستطيع القول إنّ علم الرجال علم تخصّصي، وإنّ كلّ من يضع قدمه في هذا الوادي- إضافة إلى كونه مكتسباً للمقدّمات اللازمة لهذا العلم- عليه أن يرجع إلى المصادر القديمة الأوّليّة, والمصادر المعتبرة والقويّة فيترجم الأفراد بتتبّع دقيق.
ويظهر أنّه في ترجمة الأفراد لا يكفي الاستناد إلى المصادر المتأخّرة، بل قد يكون في بعض الموارد مشكلاً جدّاً. وإنّ ما تقدّم إلى الآن كان حول شهداء كربلاء، بينما لا يخفى أنّ علم الرجال يتناول ترجمة أفرادٍ من الصحابة إلى القرون التالية بعد الهجرة.
وقد وقعت هذه الأخطاء كذلك في ترجمة صحابة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم, وقد كتب العلّامة العسكريّ كتاباً عنوانه مئة وخمسون صحابيّاً مُختَلَقاً, وعلى الأقلّ فلا بدّ من التتبّع الدقيق والوسيع على هذا المنوال فيما يرجع أصحاب المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام.
وعلى أيّة حال, فإنّ التاريخ في أكثر من مورد يُعتبر مرآة لكافّة الأفراد, بل هو مؤثّر في ترجمة الأفراد في علم الرجال, ويعمل على حلّ العقد العالقة, وعلى الرجاليّين قبل الشروع في كتابة التراجم أن يلتفتوا إلى التاريخ بعمقٍ وبحث واسع أيضاً, لكيلا يضعوا العدوّ الملعون في منزلة الشهيد في كربلاء، وأن لا يُثبتوا الاسم من الزيارات المنقولة، وألّا يثبتوا الاسم كذلك من مجالس العزاء!.
والكلمة الأخيرة أنّ الواقع أمر مشكلٌ جدّاً، بل ويذهب إلى أوسع ممّا تصوّرناه مشكلاً، وبقليل من التأمّل فيما ذكرناه يتبيّن أنّ هذه الفئة من الرجاليّين المحترمين قد صرَّحوا بما نقلناه بسبب اعتمادهم على المصادر الضعيفة كالزيارة الرجبيّة، وباستنادهم الصرف إلى بعض الكتب الرجاليّة المتأخّرة وعدم الرجوع إلى كتب التاريخ.
[1] إبراهيم صالحي نجف آبادي.
[2] الخوئيّ, معجم رجال الحديث, ج12, ص170.
[3] النمازيّ الشاهروديّ, الشيخ عليّ, مستدركات علم رجال الحديث, ج5, ص248, رقم9434.
[4] المامقانيّ, تنقيح المقال في علم الرجال, ج2, ص254, الطبعة الحجريّة.
[5] ابن طاووس, إقبال الأعمال, ج3 ص344.
[6] الشهيد الأوّل, المزار, ص151.
[7] الطبريّ, تاريخ الطبريّ, ج4, ص313.
[8] الطبريّ, تاريخ الطبريّ, ج4, ص289.
[9] الطبريّ, تاريخ الطبريّ, ج4, ص308.
[10] الطبريّ, تاريخ الطبريّ, ج4, ص289.
[11] الطبريّ, تاريخ الطبريّ, ج4, ص303.
[12] الطبريّ, تاريخ الطبريّ, ج4, ص347, وانظر: البلاذريّ, أنساب الأشراف, ج3, ص205.
[13] النمازيّ الشاهروديّ, الشيخ عليّ, مستدركات علم رجال الحديث, ج2, ص51.
[14] مجلّة تراثنا, العدد الثاني, تسمية من قتل مع الإمام الحسين عليه السلام, تحقيق السيّد محمّد رضا الجلاليّ, ص154, رقم59.
[15] المحلّى, حميد بن أحمد بن محمّد, الحدائق الورديّة في مناقب أئمّة الزيديّة, ج3, ص25.
[16] الطبريّ, تاريخ الطبريّ, ج4, ص332.
[17] المامقانيّ, تنقيح المقال في علم الرجال, ج3, ص10, من فصل الكنى, الطبعة الحجريّة.
[18] النمازيّ الشاهروديّ, الشيخ عليّ, مستدركات علم رجال الحديث, ج4 ص27.
[19] التستريّ, قاموس الرجال, ج11, ص271.
[20] مجلّة تراثنا, العدد الثاني, تسمية من قتل مع الإمام الحسين عليه السلام, تحقيق السيّد محمّد رضا الجلاليّ, ص154.
[21] أنظر على سبيل المثال: ابن الأثير, أسد الغابة في معرفة الصحابة, ج2, ص272, ابن عبد ربّه, الإستيعاب في معرفة الأصحاب, ج2, ص583, البغداديّ, محمّد بن حبيب, المحبّر, ص290, الطبريّ, المنتخب من ذيل المذيّل, ص146, ابن سعد, الطبقات الكبرى, ج5, ص82.
[22] الطبريّ, تاريخ الطبريّ, ج4, ص344.
[23] ابن الأثير, اللباب في تهذيب الأنساب, ج3, ص287.
[24] ابن شهر آشوب, مناقب آل أبي طالب, ج3, ص258.
[25] الخوارزميّ, مقتل الحسين عليه السلام, ج2, ص38.
[26] جاء في هامش تنقيح المقال: هو غير أبي الحتوف الجعفيّ الملعون الضارب للحجر, منه قدس سره.
[27] المامقانيّ, تنقيح المقال في علم الرجال, ج2, ص12, الطبعة الحجريّة.
[28] النمازيّ الشاهروديّ, الشيخ عليّ, مستدركات علم رجال الحديث, ج4, ص27.
[29] مجلّة تراثنا, العدد الثاني, تسمية من قتل مع الإمام الحسين عليه السلام, تحقيق السيّد محمّد رضا الجلاليّ, ص154.
[30] المحلّى, حميد بن أحمد بن محمّد, الحدائق الورديّة في مناقب أئمّة الزيديّة, ج3, ص25.
[31] ابن سعد, الطبقات الكبرى, ج5, ص82.
[32] الأمينيّ, الغدير, ج9, ص365.
[33] الذهبيّ, سير أعلام النبلاء, ج5, ص164.
[34] النمازيّ الشاهروديّ, الشيخ عليّ, مستدركات علم رجال الحديث, ج8, 238.
[35] المامقانيّ, تنقيح المقال في علم الرجال, ج3, ص322, الطبعة الحجريّة.
[36] النمازيّ الشاهروديّ, الشيخ عليّ, مستدركات علم رجال الحديث, ج8, ص239.
[37] ابن طاووس, الملهوف على قتلى الطفوف, ص138.
[38] المجلسيّ, بحار الأنوار, ج44, ص388.
[39] الحلّي, ابن نما, مثير الأحزان, ص57.
[40] الحلّي, ابن نما, مثير الأحزان, ص31.
[41] الحلّي, ابن نما, مثير الأحزان, ص57.
[42] الحلّي, ابن نما, مثير الأحزان, ص57, ابن طاووس, اللهوف, ص75- 76.
[43] النمازيّ الشاهروديّ, الشيخ عليّ, مستدركات علم رجال الحديث, ج8, 166.
[44] سبهر, الميرزا محمّد تقي, ناسخ التواريخ, حياة الإمام سيّد الشهداء الحسين عليه السلام, ج2, ص449, ترجمة وتحقيق سيّد عليّ جمال أشرف.
[45] النمازيّ الشاهروديّ, الشيخ عليّ, مستدركات علم رجال الحديث, ج8, 166.
[46] الخوئيّ, معجم رجال الحديث, ج4, ص354.
[47] ابن طاووس, إقبال الأعمال, ج3 ص341.
[48] المامقانيّ, تنقيح المقال في علم الرجال, ج2, ص240- 241, الطبعة الحجريّة.
[49] ابن طاووس, إقبال الأعمال, ج3 ص341.
[50] الخوئيّ, معجم رجال الحديث, ج9, ص76.
[51] الطبريّ, تاريخ الطبريّ, ج4, ص461.
[52] الطبريّ, تاريخ الطبريّ, ج4, ص464.
[53] ابن الأثير, الكامل في التاريخ, ج4, ص180.
[54] ابن الأثير, الكامل في التاريخ, ج4, ص182.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|