أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-6-2019
2019
التاريخ: 5/9/2022
9493
التاريخ: 19-3-2016
4449
التاريخ: 18-4-2019
4067
|
ومات معاوية حين مات وكثير من الناس وعامة أهل العراق ـ بنوع خاص ـ يرون بغض بني اُميّة وحبّ أهل البيت لأنفسهم ديناً ؛ فقد اكتشف المجتمع الإسلامي ما فيه الكفاية من عورات الحكم الاُموي وذاق طعم عذابه وخبر ألواناً من عسفه وظلمه في الأرزاق والكرامات وانزاحت عن بصيرته الغشاوة التي رانت عليها في أوّل عهد معاوية .
ولم يكن يزيد في مثل تروّي أبيه وحزمه واحتياطه للأمور ولم يلتزم اُسلوب أبيه في الاحتفاظ بالغشاء الديني مُسدلاً على أفعاله وتصرّفاته ولم يكن بين الحسن والحسين (عليهما السّلام) من جهة وبين يزيد من جهة اُخرى أي عهد أو ميثاق .
وهكذا فقد انزاحت بموت معاوية ووعي المجتمع الإسلامي جميع الأسباب التي كانت تحول بين الحسين (عليه السّلام) وبين الثورة في عهد معاوية وبدا الطريق إلى الثورة على الحكم الاُموي مُمهّداً أمام الحسين (عليه السّلام) .
وقد عجّل تلهف يزيد على أخذ البيعة له من كبار زعماء المعارضة له ـ وعلى رأسهم الحسين (عليه السّلام) ـ في تتابع الأحداث ؛ فقد كان أكبر همّه حين آل الأمر بعد موت أبيه هو بيعة النفر الذين أبوا على معاوية بيعة يزيد فكتب إلى الوليد بن عتبة والي المدينة كتاباً يُخبره فيه بموت معاوية وكتاباً آخر جاء فيه : أمّا بعد فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذاً ليس فيه رخصة حتّى يبايعوا والسّلام .
ولقد آثر الحسين (عليه السّلام) أن يتخلّص من الوليد بالحُسنى حين دعاه إلى البيعة فقال له : مثلي لا يبايع سرّاً ولا يجتزئ بها منّي سرّاً فإذا خرجت للناس ودعوتهم للبيعة ودعوتنا معهم كان الأمر واحداً .
ولكن مروان قال للوليد : لئن فارقك الساعة ولم يُبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه ولكن احبسه فإن بايع وإلاّ ضربت عنقه .
فوثب الحسين (عليه السّلام) عند ذلك وقال : ويلي عليك يابن الزرقاء ! أنت تأمر بضرب عُنقي ؟ كذبت ولؤمت .
ثمّ أقبل على الوليد فقال : أيها الأمير إنّا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد فاسق فاجر شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق والفجور ومثلي لا يبايع مثله .
بهذه الكلمات أعلن الحسين (عليه السّلام) ثورته على الحكم الاُموي الفاسد على عظمته وجبروته وقسوته في مؤاخذة الخارجين عليه فقد مات معاوية وانقضى العهد والميثاق وأصبح وجهاً لوجه أمام دوره التأريخي الذي يتحتّم عليه أن يصنعه وإنّه لعلى يقين من أنّ حكم يزيد لن يأخذ صفة شرعية ما دام هو مُمسكاً عن بيعته أمّا إذا بايعه فإنّه يكون قد اكتسب الغلّ الجديد الذي طُوقت به الأمّة المسلمة صفة قانونية شرعية وهذا شيء لا يفعله (عليه السّلام) .
إنّ ثمّة فرقاً عظيماً بين أن تكون الاُمّة راضخة لحكم ظالم ولكنّها تعلم أنّه حكم بغير حقّ وأنّه حكم يجب أن يزول وبين أن تخضع الاُمّة لحكم ظالم وترى أنّه حكم شرعي لا بدّ منه ولا يجوز تغييره .
إنّ الاُمّة في الحالة الثانية ترى أنّ حياتها التعسة وأنّ التشريد والجوع والحرمان والذلّ هو قدرها الذي لا مفرّ لها منه هو مصيرها المحتوم الذي لا بدّ أن تصير إليه وحينئذ يُقضى على كلّ أمل في تغيير الأوضاع وحينئذ يضمحلّ كلّ أمل في الثورة وحينئذ تدعم الاُمّة جلاّديها بدل أن تثور عليهم وحينئذ يُصار إلى الرضا بما هو كائن بحسبانه ما ينبغي أن يكون .
أمّا حين تخضع الاُمّة وهي تعلم أنّ الحاكم لا حقّ له فحينئذ يبقى الأمل في التغيير حيّاً نابضاً وتبقى الثورة مشتعلة في النفوس وحينئذ يكون للثائرين مجال للعمل ؛ لأنّ التربة مُعدّة للثورة .
وكان على الحسين (عليه السّلام) وحده أن ينهض بهذا الدور . لقد كانت الثورة قدره المحتوم أمّا الآخرون الذين أبوا البيعة ليزيد فلم يكن لهم عند المسلمين ما للحسين (عليه السّلام) من المنزلة وعلوّ الشأن ؛ أمّا ابن عمر فسرعان ما سلّم قائلاً : إذا بايع الناس بايعت ؛ وأمّا ابن الزبير فقد كان الناس يكرهونه ويتّهمونه في إبائه البيعة بأنّه يريد الأمر لنفسه ؛ فلم تكن دوافعه دينية خالصة وإنّما كان يدفعه الطمع في الخلافة وما كان الناس يرونه لذلك أهلاً .
ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنّ الحسين (عليه السّلام) لمّا خرج وابن الزبير من المدينة إلى مكة وأقاما بها عكف الناس على الحسين يفدون إليه ويقدمون عليه ويجلسون حواليه ويستمعون كلامه وينتفعون بما يسمع منه ويضبطون ما يروون عنه . ومغزى هذا الخبر بيّن فقد اتّجهت أنظار الناس إلى الحسين (عليه السّلام) وحده فانقطعوا إليه وهذا يدلّك على مركزه في نفوس المسلمين إذ ذاك .
قال أبو الفرج الأصفهاني : إنّ عبد الله بن الزبير لم يكن شيء أثقل عليه من مكان الحسين بالحجاز ولا أحبّ إليه من خروجه إلى العراق ؛ طمعاً في الوثوب بالحجاز وعلماً منه بأنّ ذلك لا يتمّ له إلاّ بعد خروج الحسين .
وكان الحسين (عليه السّلام) يعي هذا أيضاً فقد قال يوماً لجلسائه : إنّ هذا ـ يعني ابن الزبير ـ ليس شيء يؤتاه من الدنيا أحبّ إليه من أن أخرج من الحجاز إلى العراق وقد علم أنّه ليس له من الأمر شيء معي وأنّ الناس لم يعدلوه بي فودّ أنّي خرجت منها لتخلو له .
وقال عبد الله بن عباس له وهو يحاوره في الخروج إلى العراق : لقد أقررت عين ابن الزبير بتخليتك إيّاه والحجاز والخروج منها وهو اليوم لا ينظر إليه أحد معك .
كلّ هذا يكشف عن مدى تعلّق جماهير المسلمين بالحسين (عليه السّلام) باعتباره رجل الساعة . ويقيناً لو أنّه بايع يزيد لما كان لابن الزبير وأضرابه وزن في المعارضة ؛ لأنّهم حينئذ ما كانوا ليجدوا أنصاراً على ما يريدون .
وإذاً فقد وجد الحسين (عليه السّلام) نفسه وجهاً لوجه أمام دوره التاريخي ؛ الحكم الاُموي بكلّ ما فيه من فساد وانحطاط ورجعية وظلم والاُمّة المسلمة بذلّها وجوعها وحرمانها ومركزه العظيم في المسلمين كلّ ذلك وضعه وجهاً لوجه أمام دوره التأريخي وخطّط له المصير الذي يتحتّم عليه أن يضعه لنفسه وعند ذلك أعلن ثورته بهذه الكلمات التي مرّت عليك وقد أجمل فيها أسباب هذه الثورة ؛ التهتك والتطاول على الدين والاستهتار بحقوق الشعب هذه هي أسباب ثورة الحسين (عليه السّلام) .
ويبدو أنّ يزيد بن معاوية أراد أن يخنق ثورة الحسين (عليه السّلام) قبل اشتعالها وذلك باغتياله في المدينة . وقد وردت إشارتان إلى ذلك في كتاب أورده اليعقوبي في تأريخه من ابن عباس إلى يزيد بن معاوية صريحتان في الدلالة على أنّ يزيد دسّ رجالاً ليغتالوا الحسين (عليه السّلام) في المدينة قبل مغادرته إيّاها إلى العراق ؛ ولعلّ هذا ما يكشف لنا عن سبب خروج الحسين (عليه السّلام) من المدينة بصورة سرّية .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|