أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
2015
التاريخ: 12-11-2020
5933
التاريخ: 14-11-2014
1903
التاريخ: 9-10-2014
2012
|
إذ كان للتفسير ضابطة يجب مراعاتها لئلاّ يكون تفسيراً بالرأي ، فأجدر بالتأويل ـ وهو أفخم شأناً ، وأخطر جانباً من التفسير ـ أن تكون له ضابطة تجمع أطرافها وتمنع الدخائل .
ورعاية للضابطة نذكر شرائط ثلاثة :
الأوّل : إتقان طريقة السبر والتقسيم للتمييز بين المقارنات الأصيلة وغير الأصيلة ، للحصول على لبّ الكلام ، وللعثور على الملاك الذاتيّ والعلّة الأولى لثبوت مثل هذا الحكم لمثل هذا الموضوع في مفروض المثال ، فلا يكون اعتباطاً ولا جزافاً أو رميةً في ظلام .
الثاني : الدقّة الكاملة في معرفة ملابسات الكلام ، ومدى ربطها بأصل الموضوع ربطاً جعل بعضها ركائز وأُخر زوائد القشور ، الأمر الذي بحاجة إلى حنكة ودراية فائقة ، وليس كلّ من رام شيئاً وجده .
الثالث : ـ وهو بيت القصيد ـ : أن يصبح هذا الفحوى العامّ المستخرج من طي الآية بمثابة كبرى كلّية لما دلّ عليه ظاهر الكلام ، ويكون البطن المستخلص (المعنى التأويليّ) كلّياً منطبقاً على ظاهر التنزيل .
وبعبارة أخرى : يكون مجموع الظهر والبطن بمنزلة استدلال منطقي رتيب ، كان الفحوى العامّ بمثابة كبرى كلّية ، مستنداً إليها انطباقاً على صغراها التي هي مورد التنزيل .
ففي آية السؤال ـ مثلاً ـ كان مفاد مجموع الكلام «ظهراً وبطناً» : أنّ على المشركين حيث موضع جهلهم بأصول النبوّات أن يتساءلوا مع جيرانهم اليهود وهم أهل علم وكتاب ، فإنّ على كلّ جاهل أن يراجع العلماء فيما يجهله . وهي قاعدة كلّية مطّردة ومقبولة لدى العقل والشرع ، تصادقت مع شأن نزول الآية بالذات .
وهذا هو المقصود من توافق التأويل مع التنزيل توافق العامّ مع الخاصّ ، أو الكبرى الكلّية مع مصداق من مصاديقها بالذات ، فلم يكن البطن أجنبيّاً عن الظهر ، بل متناسباً معه تناسب الكلّي مع مصداقه ، ومدلولاً عليه بدلالة التزامية مطويّة للكلام ، وما يعقلها إلاّ العالمون .
وبذلك صرّح الإمام الشاطبي باشتراط كون البطن جارياً على مقتضى الظاهر المقرّر في لسان العرب ، بحيث يجري على المقاصد العربيّة . أي : جارياً على مقتضى أساليبهم في مداليل الكلام ، فلا يكون اعتباطاً نابياً عن الظاهر يرفضه رفضاً .
وأضاف شرطاً آخر ، وهو أن يكون له شاهد من الكتاب ذاته (1) .
فإنّ القرآن ينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ، كما قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) (2) . وإليك جانباً من كلامه ، أورده تفصيلاً بهذا الشأن (3) .
أكّد الإمام أبو إسحاق الشاطبي على ضرورة وجود المناسبة القريبة بين التنزيل والتأويل . وفي ذلك روي عن الحسن البصري ـ فيما أرسله عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ أنّه قال : «ما أنزل الله آية إلاّ ولها ظهر وبطن ـ بمعنى : ظاهر وباطن ـ وكلّ حرف حدّ ، وكلّ حدٍّ مطلع» (4) . وفسّر بأنّ الظهر والظاهر هو ظاهر التلاوة ، والبطن هو الفهم عن الله لمراده .
قال : «وحاصل هذا الكلام : أنّ المراد بالظاهر هو المفهوم العربيّ ، والباطن هو مراد الله تعالى من كلامه وخطابه» (5) .
ثمّ أخذ في شرح ذلك ، قائلاً : «فكلّ ما كان من المعاني العربيّة التي لا ينبني فهم القرآن إلاّ عليها ، فهو داخل تحت الظاهر ، فالمسائل البيانيّة والمنازع البلاغيّة لا معدل بها عن ظاهر القرآن ، وكلّ ما كان من المعاني التي تقتضي تحقيق المخاطب بوصف العبوديّة ، والإقرار لله بالربوبيّة ، فذلك هو الباطن المراد ، والمقصود الذي أنزل القرآن لأجله» .
قال : «كون الظاهر هو المفهوم العربيّ مجرّداً لا إشكال فيه; لأنّ المؤالف والمخالف اتّفقوا على أنّه منزّل بلسان عربىّ مبين» .
ثمّ أردف قائلاً : «وكون الباطن هو المراد من الخطاب قد ظهر وتبيّن ، ولكن يشترط فيه شرطان :
أحدهما : أن يصحّ على مقتضى الظاهر المقرّر في لسان العرب ، ويجري على المقاصد العربيّة .
الثاني : أن يكون له شاهد ، نصّاً أو ظاهراً في محلّ آخر ، يشهد لصحّته من غير معارض .
فأمّا الاوّل فظاهر من قاعدة كون القرآن عربيّاً; فإنّه لو كان له فهم لا يقتضيه كلام العرب (6) لم يوصف بكونه عربياً بإطلاق . ولأنّه مفهوم يلصق بالقرآن (7) ، ليس في ألفاظه ولا في معانيه ما يدلّ عليه ، وما كان كذلك فلا يصحّ أن ينسب إليه أصلاً . وعند ذلك يدخل قائله تحت إثم من قال في كتاب الله بغير علم .
وأمّا الثاني فلأنّه إن لم يكن له شاهد في محلّ آخر ، أو كان له معارض ، صار من جملة الدعاوي التي تدّعى على القرآن ، والدعوى المجرّدة غير مقبولة باتّفاق .
وبهذين الشرطين يتبيّن صحّة ما ذكره بعض السلف أنّه من الباطن (8) ، لأنّهما موفّران فيه ، بخلاف ما فسّر به الباطنيّة ; فإنّه ليس من علم الباطن ، كما أنّه ليس من علم الظاهر» .
ثم أخذ في تعداد الأمثلة للتأويل الباطل فيما زعمته الباطنيّة أنّه من الباطن ، فقد قالوا في قوله تعالى : {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } [النمل : 16] : إنّه الإمام ورث النبي علمه .
وقالوا في الجنابة : إنّ معناه : مبادرة المستجيب بإفشاء السرّ إليه قبل أن ينال رتبة الاستحقاق .
ومعنى الغسل : تجديد العهد على من فعل ذلك .
ومعنى الطهور : هو التبرّي والتنظّف من اعتقاد كلّ مذهب سوى متابعة الإمام .
والتيمّم : الأخذ من المأذون إلى أن يشاهد الداعي أو الإمام .
والصيام : الإمساك عن كشف السرّ .
والكعبة : النبيّ والباب : عليّ ، والصفا : هو النبي ، والعروة : عليّ .
والتلبية : اجابة الداعي .
والطواف سبعاً : هو الطواف بمحمّد إلى تمام الائمة السبعة .
والصلوات الخمس : أدلّة على الأصول الأربعة ، وعلى الإمام .
ونار إبراهيم : هو غضب نمرود لا النار الحقيقيّة .
وذبح إسماعيل (9) : هو أخذ العهد عليه .
وعصا موسى : حجّته التي تلقّفت شبه السحرة ، وانفلاق البحر : افتراق علم موسى (عليه السلام) فيهم ، والبحر : هو العالم ، وتضليل الغمام : نصب موسى الإمام لإرشادهم .
والمنّ : علم نزل من السماء ، والسلوى : داع من الدعاة ، والجراد والقمّل والضفادع : سؤالات موسى وإلزاماته التي تسلّطت عليهم .
وتسبيح الجبال : رجال شداد في الدين .
والجنّ الذين ملكهم سليمان : باطنيّة ذلك الزمان ، والشياطين : هم الظاهريّة الذين كلِّفوا الأعمال الشاقّة . إلى سائر ما نقل من خباطهم الذي هو عين الخبال وضحكة السامع .
__________________
1 . راجع : الموافقات 3 : 394 .
2 . نهج البلاغة 2 : 17 الخطبة 133 .
3 . نورد كلامه بطوله ، متواصلاً ومتقطّعاً ، حيث أفاد وحقّق وأجاد ، وسنعقّبه بما فيه النظر . راجع : الموافقات 3 : 382 ـ 406 المسألة الثامنة حتّى العاشرة .
4 . ذكر الشيخ عبدالله دراز في هامش الموافقات (3 : 328) : أنّ هذا الحديث رواه صاحب المصابيح ، عن ابن مسعود : «أنزل القرآن على سبعة أحرف ، لكلّ آية منها ظهر وبطن ، ولكلّ حدّ مطلع» . وفي روح المعاني في مقدّمة التفسير : «ولكلّ حرف حدّ ، ولكلّ حدّ مطلع» .
5 . أي : الذي يتوصّل إليه بالوسائل لمعرفة حقيقة المراد ، على ما أشار إليه المؤلّف في فصل سابق . انظر : الموافقات 3 : 375 المسألة السابعة .
6 . هذا إشارة إلى ما نبّهنا عليه من ضرورة كون البطن مفهوماً من الكلام ذاته وإن كان بدلالة التزاميّة خفيّة (غير بيّنة) أصبحت جليّة بفضل التدبّر وتعميق النظر ، غير أنّها تعود إلى اللفظ وليس مجرّد اعتباط .
7 . أي تحميل على القرآن ، وليس من دلالة ذاته في شيء .
8 . سيأتي بعض الأمثلة لذلك .
9 . ذكر المصنّف هنا «إسحاق» بدل : «إسماعيل» . وهو مذهب أهل الكتاب ، وتبعهم من المسلمين من لا تحقيق له .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|