أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-4-2017
3390
التاريخ: 28-5-2017
4354
التاريخ:
3812
التاريخ: 2-7-2017
3504
|
ولد محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) في بيت من أرفع بيوت العرب شأنا وأعلاها مجدا وأكثرها عزّة ومنعة ، فنمى وترعرع وشبّ ، وشبّت معه آمال الحياة كلّها ، وقد شاء اللّه أن يربّي محمّدا ( صلّى اللّه عليه واله ) ويعدّه ويؤهّله لحمل الرسالة والاضطلاع بتبليغ الأمانة ، فأحاطه برعاية خاصّة رسمت حياته وفق قدر ربّاني متناسب مع ما ينتظره من عظم المسؤولية في حمل آخر رسالة عالمية إلهية .
وحين بلغ محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) سن الخامسة والعشرين من عمره الشريف كان لا بدّ له من الاقتران بامرأة تناسب إنسانيته وتتجاوب مع عظيم أهدافه وترتفع إلى مستوى حياته بما ينتظرها من جهاد وبذل وصبر ، لقد كان بإمكان محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) وهو بهذه المؤهّلات الراقية أن يتزوج من أية فتاة أرادها من بني هاشم ، ولكن مشيئة اللّه شاءت أن يتّجه قلب خديجة نحوه صلوات اللّه عليه ، ويتعلّق قلبها بشخصه الكريم فيقبل ( صلّى اللّه عليه واله ) ذلك الطلب ويقترن بخديجة .
لقد أعطت خديجة زوجها حبّا وهي لا تشعر بأنّها تعطي ، بل تأخذ منه حبّا فيه كلّ السعادة ، وأعطته ثروة وهي لا تشعر بأنّها تعطي ، بل تأخذ منه هداية تفوق كنوز الأرض ، وهو بدوره أعطاها حبّا وتقديرا رفعاها إلى أعلى مرتبة وهو لا يشعر بأنّه قد أعطاها ، بل قال : ما قام الإسلام إلّا بسيف عليّ ومال خديجة ، ولم يتزوّج بغيرها حتى توفّيت وهو لا يشعر بأنّه أعطاها .
وقصة زواج خديجة من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) تعدّ منعطفا مهما ومن النقاط اللامعة في حياتها ، فقد كانت لها روح الاستقلال والاعتماد على النفس والحرية بشكل واضح ، وكانت تمارس التجارة كأفضل الرجال عقلا ورشدا ، ورفضت الزواج من الأشراف والأثرياء الذين تقدّموا إليها ، ورضيت باندفاع للزواج من محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) الفقير اليتيم ، بل تقدّمت بشوق لتقترح على محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) الزواج منها ، وأن يكون المهر من أموالها ، فلمّا أراد الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) أن يتزوّج خديجة بنت خويلد أقبل أبو طالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى دخل على عمّ خديجة ، فابتدأ أبو طالب بالكلام قائلا :
« الحمد لربّ هذا البيت الذي جعلنا زرع إبراهيم وذرّية إسماعيل ، وأنزلنا حرما أمنا وجعلنا الحكام على النّاس ، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه ، ثمّ إنّ ابن أخي - يعني محمدا ( صلّى اللّه عليه واله ) - ممن لا يوزن برجل من قريش إلّا رجح به ، ولا يقاس به رجل إلّا عظم عنه ، ولا عدل له في الخلق وإن كان مقلا في المال فإنّ المال رفد جار وظل زائل ، وله في خديجة رغبة ، وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها ، والمهر عليّ في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله ، وله وربّ هذا البيت حظّ عظيم ودين شائع ورأي كامل » .
ثم سكت أبو طالب ، فتكلّم عمّها وتلجلج وقصر عن جواب أبي طالب وأدركه القطع والبهر وكان رجلا عالما ، فتداركت خديجة الموقف وزوّجت نفسها من محمّد ( صلّى اللّه عليه واله )[1].
ويروى أنّ خديجة وكّلت ابن عمّها ورقة في أمرها ، فلمّا عاد ورقة إلى منزل خديجة بالبشرى وهو فرح مسرور نظرت اليه فقالت : مرحبا وأهلا بك يا ابن عمّ ، لعلك قضيت الحاجة ، قال : نعم يا خديجة يهنئك ، وقد رجعت أحكامك إليّ وأنا وكيلك ، وفي غداة غد أزوجك إن شاء اللّه تعالى بمحمّد ( صلّى اللّه عليه واله )[2]. ولمّا خطب أبو طالب ( عليه السّلام ) الخطبة المعروفة وعقد النكاح قام محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) ليذهب مع أبي طالب ، فقالت خديجة : إلى بيتك ، فبيتي بيتك وأنا جاريتك[3].
وبعد أن تمّ الزواج المبارك انتقل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) إلى دار خديجة ، تلك الدار التي ظلّت معلما شاخصا ولسانا ناطقا يحكي أحداث الدعوة والجهاد وصبر رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ومعاناته .
مكانة خديجة ( رضي اللّه عنها ) لدى النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) :
اجتمع شمل محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) وخديجة وتأسست الأسرة وبني البيت الذي يغمره الحبّ والسعادة والحنان والدفء العائلي والانسجام ، فقد كانت أول من آمن بدعوة الرسول الأكرم ( صلّى اللّه عليه واله ) من النساء ، وبذلت كلّ ما بوسعها من أجل أهدافه المقدسة ، وجعلت ثروتها بين يدي الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) وقالت : جميع ما أملك بين يديك وفي حكمك ، اصرفه كيف تشاء في سبيل إعلاء كلمة اللّه ونشر دينه .
وتحمّلت مع رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) عذاب قريش ومقاطعتها وحصارها ، وكان هذا الإخلاص الفريد والايمان الصادق والحبّ المخلص من خديجة حريّا أن يقابله رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بما يستحقّ من الحبّ والإخلاص والتكريم ، وبلغ من حبّه لها وعظيم مكانتها في نفسه الطاهرة أنّ هذا الحب والوفاء لم يفارق رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) حتى بعد موتها ، ولم تستطع أيّ من زوجاته أن تحتل مكانها في نفسه ، حتى قال الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) : وخير نساء أمتي خديجة بنت خويلد . . .[4].
وعن عائشة أنّها قالت : كان رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) إذا ذكر خديجة لم يسأم من الثناء عليها والاستغفار لها ، فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة فقلت :
وهل كانت إلّا عجوزا قد أخلف اللّه لك خيرا منها ؟ قالت : فغضب حتى اهتز مقدّم شعره وقال : « واللّه ما أخلف لي خيرا منها ، لقد آمنت بي إذ كفر الناس ، وصدّقتني إذ كذّبني الناس وأنفقتني ما لها إذ حرمني الناس ، ورزقني اللّه أولادها إذ حرمني أولاد النساء » . قالت : فقلت في نفسي : واللّه لا أذكرها بسوء أبدا[5].
وفي رواية : أنّ جبرئيل ( عليه السّلام ) أتى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وقال : « يا محمد ! هذه خديجة قد أتتك فاقرأها السلام من ربّها ، وبشّرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب »[6] .
وكان ( صلّى اللّه عليه واله ) يحترم صديقاتها إكراما وتقديرا لها ، كما جاء عن أنس أنّ النبّي ( صلّى اللّه عليه واله ) كان إذا اتي بهدية قال : « إذهبوا إلى بيت فلانة فإنّها كانت صديقة لخديجة ، إنّها كانت تحبّها »[7].
وروي عنه ( صلّى اللّه عليه واله ) أنّه كان إذا ذبح الشاة يقول : « أرسلوا إلى أصدقاء خديجة » ، فتسأله عائشة في ذلك فيقول : « إنّي لاحب حبيبها » .
وروي أنّ امرأة جاءته ( صلّى اللّه عليه واله ) وهو في حجرة عائشة فاستقبلها واحتفى بها ، وأسرع في قضاء حاجتها ، فتعجّبت عائشة من ذلك ، فقال لها رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « إنّها كانت تأتينا في حياة خديجة » .
إنّ خديجة لتستحق كلّ هذا التقدير والاحترام من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بعد أن بلغت المقام السامي والدرجة العالية عند اللّه حتى حباها ربّ العالمين بالدرجة الرفيعة في الجنة ، وقد أوضح رسول اللّه مكانتها في الجنة بقوله ( صلّى اللّه عليه واله ) : « أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون »[8].
وكانت خديجة تؤازره على أمره في تبليغ الدعوة ، فخفّف اللّه عن رسوله ( صلّى اللّه عليه واله ) بمؤازرتها ، فكانت تسرّه وتروّح عنه عندما كان يجد قسوة وغلظة أو ما يكره من ردّ وتكذيب من قريش فيحزن فإذا رجع إلى داره هوّنت عليه معاناته ( صلّى اللّه عليه واله ) وبثّت فيه النشاط كي لا يشعر بالتعب ، وكان الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) يسكن إليها ويشاورها في المهم من أموره[9].
[1] بحار الأنوار : 16 / 14 ، وراجع تذكرة الخواص : 302 .
[2] بحار الأنوار : 16 / 65 .
[3] بحار الأنوار : 16 / 4 .
[4] تذكرة الخواص : 302 ( طبعة النجف ) ، وراجع مسند الإمام أحمد : 1 / 143 .
[5] تذكرة الخواص : 303 .
[6] المصدر السابق : 302 .
[7] سفينة البحار : 2 / 570 ( الطبعة المحققة ) .
[8] ذخائر العقبى ، للطبري : 52 ، ومستدرك الحاكم : 3 / 160 و 185 .
[9] بحار الأنوار : 16 / 10 - 11
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|