أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-10-2014
907
التاريخ: 24-10-2014
1509
التاريخ: 24-10-2014
1188
التاريخ: 5-08-2015
1365
|
قال[ابو علي ابن سينا] في شرح الإشارات : العاقل كما لا يحتاج في إدراك ذاته إلى صورة غير صورة ذاته التي بها هو هو ، فلا يحتاج أيضا في إدراك ما يصدر عن ذاته لذاته إلى صورة غير صورة ذلك الصادر ، التي بها هو هو ، واعتبر من نفسك أنّك تعقل شيئا بصورة تتصوّرها ، أو تستحضرها فهي صادرة عنك لا بانفرادك مطلقا ، بل بمشاركة ما من غيرك ، ومع ذلك فأنت لا تعقل تلك الصورة بغيرها ، بل كما تعقل ذلك الشيء بها كذلك تعقلها أيضا بنفسها من غير أن تتضاعف الصور فيك ، بل ربما تتضاعف اعتباراتك المتعلّقة بذاتك أو بتلك الصورة على سبيل التركّب ، وإذا كان حالك مع ما يصدر عنك بمشاركة غيرك هذه الحال ، فما ظنّك بحال العاقل مع ما يصدر عنه لذاته من غير مداخلة غيره فيه؟
ولا
تظنّنّ أنّ كونك محلاّ لتلك الصورة شرط في تعقّلك إيّاها ؛ فإنّك تعقل ذاتك مع
أنّك لست بمحلّ لها ، بل إنّما كان كونك محلاّ لتلك الصورة شرطا في حصول تلك
الصورة لك ، الذي هو شرط في تعقّلك إيّاها ، فإن حصلت تلك الصورة لك بوجه آخر غير
الحلول فيك ، حصل التعقّل من غير حلول فيك ، ومعلوم أنّ حصول الشيء لفاعله في كونه
حصولا لغيره ليس دون حصول الشيء لقابله ، فإذن المعلولات الذاتيّة للعاقل الفاعل
لذاته حاصلة له من غير أن تحلّ فيه ، فهو عاقل إيّاها من غير أن تكون هي حالّة فيه
(1).
ثمّ قال :
وقد علمت أنّ الأوّل عاقل لذاته من غير تغاير بين ذاته وبين عقله لذاته في الوجود
إلاّ في اعتبار المعتبرين ... وحكمت أنّ عقله لذاته علّة لعقله لمعلوله الأوّل ،
فإذن حكمت بكون العلّتين ـ أعني ذاته وعقله لذاته ـ شيئا واحدا في الوجود من غير
تغاير يقتضي كون أحدهما مباينا للأوّل والثاني متقرّرا فيه ، فكما حكمت بكون
التغاير في العلّتين اعتباريا محضا ، فاحكم بكونه في المعلولين كذلك ، فإذن وجود
المعلول الأوّل هو نفس تعقّل الأوّل إيّاه من غير احتياج إلى صورة مستأنفة تحلّ
ذات الأوّل ، تعالى عن ذلك.
ثمّ لمّا
كانت الجواهر العقليّة تعقل ما ليس بمعلولات لها بحصول صور فيها وهي تعقل الأوّل
الواجب ، ولا موجود إلاّ وهو معلول للأوّل الواجب ، كانت جميع صور الموجودات
الكلّيّة والجزئيّة على ما عليه الوجود حاصلة فيها ، والأوّل الواجب يعقل تلك
الجواهر مع تلك الصور لا بصور غيرها ، بل بأعيان تلك الجواهر والصور وكذلك الوجود
على ما هو عليه ، فإذن لا يعزب عنه مثقال ذرّة من غير لزوم محال من المحالات
المذكورة (2). انتهى كلام شرح الإشارات.
وفيه وجوه
من البحث ؛ فإنّ قياس الوجود الصادر عن العاقل لذاته في عدم الحاجة إلى صورة زائدة
، على العاقل لذاته في ذلك قياس مع الفارق ؛ فإنّ العاقل إنّما لا يحتاج في إدراك
ذاته إلى صورة زائدة ؛ لمكان الاتّحاد. وأمّا الصادر المباين ، فليس بهذه المثابة
، وكذا قياس الصادر عن العاقل بالاستقلال على الصورة الحاصلة في النفس بالمشاركة ؛
فإنّ الصورة الحاصلة إنّما لا تحتاج إلى صورة أخرى ؛ لأنّ الحصول هناك متحقّق
بالقيام ، وهو كاف في العلم ، بخلاف الصادر المباين.
والحاصل :
أنّ الحصول الذي يكفي في تحقّق العلم ـ على ما هو المسلّم ـ إنّما هو الحصول
المتحقّق في ضمن الاتّحاد أو القيام ، وأمّا كفاية مطلق الحصول على أيّ نحو كان في
ذلك ، فممنوعة ، وعلى من يدّعيه الإثبات. وسيأتي ما يتّضح به حقيقة ذلك.
وممّا
ذكرنا يظهر ما في قوله : ولا تظنّنّ ... إلى آخره ، أيضا إلى غير ذلك.
وأمّا
مذهب انكسمانس ، فهو من فلاسفة الإسلام مختار معلّمهم أبي نصر و رئيسهم ابن سينا
وهو مختار أرسطو ، بل أفلاطن أيضا كما صرّح به الفارابيّ في كتاب الجمع بين
الرأيين (3)، وأوّل كلامه في المثل إلى ذلك.
أمّا
الشيخ الرئيس ، فقال في إلهيّات الشفاء في فصل نسبة المعقولات إليه تعالى لبيان
كون علمه تعالى بالأشياء بصورها العقليّة لا بأعيانها الخارجيّة بهذه العبارة :
ولا يظنّ أنّ الإضافة العقليّة إليها إضافة إليها كيف وجدت ، وإلاّ لكان كلّ مبدأ
صورة في مادّة ـ من شأن تلك الصورة أن تعقل بتدبير ما من تجريد وغيره ـ يكون هو
عقلا بالفعل ، بل هذه الإضافة له إليها ـ وهي بحال ـ معقولة ، ولو كانت من حيث
وجودها في الأعيان ، لكان إنّما يعقل ما يوجد في كلّ وقت ، ولا يعقل المعدوم منها
في الأعيان إلى أن يوجد ، فيكون لا يعقل من نفسه أنّه مبدأ ذلك الشيء على ترتيب
إلاّ عند ما يصير مبدأ ، فلا يعقل ذاته ؛ لأنّ ذاته من شأنها أن يفيض عنها كلّ
وجود ، وإدراكها من حيث شأنها أنّها كذا يوجب إدراك الآخر وإن لم يوجد ، فيكون
العالم الربوبيّ محيطا بالوجود الحاصل ، والممكن يكون لذاته إضافة إليها من حيث هي
معقولة لا من حيث هي لها وجود في الأعيان (4).
ثمّ أشار
إلى كون علمه تعالى بالأشياء بالصور الحاصلة في ذاته ؛ حيث قال ما ملخّصه : فبقي
لك النظر في حال وجودها معقولة أنّها تكون موجودة في ذات الأوّل على أنّها أجزاء
ذاته، أوعلى أنّها كاللوازم التي تلحقه ، أو يكون لها وجود مفارق لذاته وذات غيره
، أو من حيث هي موجودة في عقل أو نفس ، إذا عقل الأوّل هذه الصور ، ارتسمت في
أيّها كان ، فيكون ذلك العقل ، أو النفس كالموضوعة لتلك الصور المعقولة ، وتكون
معقولة له على أنّها فيه ، ومعقولة للأوّل على أنّها عنه ، ويعقل الأوّل من ذاته أنّه
مبدأ لها.
فإن جعلت
هذه المعقولات أجزاء ذاته ، عرض الكثرة في ذاته تعالى ، وإن جعلتها لواحق ذاته،
عرض لذاته أن لا يكون من جهتها واجب الوجود ؛ لملاصقته ممكن الوجود.
وإن
جعلتها أمورا مفارقة لكلّ ذات ، عرضت الصور الأفلاطونيّة ، وإن جعلتها موجودة في
عقل ما أو نفس ما ، عرض أنّه لما كانت تلك الأشياء المرتسمة في ذلك الشيء من
معلولات الأوّل ، فيدخل في جملة ما الأوّل يعقل ذاته مبدأ له ، فيكون صدورها عنه
لا على أنّه إذا عقله خيرا وجد ؛ لأنّها نفس عقله للخير ، أو يتسلسل الأمر ؛ لأنّه
يحتاج أن يعقل أنّها عقلت وكذلك إلى ما لا نهاية له ، وذلك محال ، فهي نفس عقله
للخير ، فإذا قلنا لما عقلها : وجدت ولم يكن معها عقل آخر ولم يكن وجودها إلاّ
أنّها تعقّلات ، فإنّا نكون كأنّا قلنا : لأنّه عقلها عقلها ، أو لأنّه وجدت عنه
وجدت عنه ، فينبغي أن تجتهد جهدك في التخلّص عن هذه الشبهة ، وتتحفّظ أن لا يتكثّر
ذاته ، ولا تبالي بأن تكون ذاته مأخوذة مع إضافة ما ممكنة الوجود ؛ فإنّها من حيث
هي علّة لوجود زيد ليست بواجبة الوجود ، بل من حيث ذاتها ، وتعلم أنّ العالم
الربوبيّ عظيم جدّا (5). انتهى.
فقوله : «
ولا تبالي » صريح في اختيار هذا الشقّ. وأمّا بيان عدم المبالاة بلزوم كون ذاته
تعالى من هذه الجهة ممكنة الوجود ، فسيأتي ، فتأمّل ليظهر لك أنّ ما قيل نظرا إلى
هذا الكلام ـ من أنّ الشيخ في الشفاء متحيّر شاكّ في أمر هذه الصورة (6) ـ توهّم
محض.
وقال أيضا
: اعلم أنّ المعنى المعقول قد يؤخذ من الشيء الموجود ، كما عرض أن أخذنا عن الفلك
بالرصد والحسّ صورته المعقولة ، وقد يكون الصورة المعقولة غير مأخوذة من الموجود،
بل بالعكس ، كما أنّا نعقل صورة بنائيّة نخترعها ، ثمّ يكون تلك الصورة المعقولة
محرّكة لأعضائنا إلى أن نوجدها ، فلا تكون وجدت ، فعقلناها ، ولكن عقلناها فوجدت ،
ونسبة الكلّ إلى العقل الأوّل الواجب الوجود هو هذا ؛ فإنّه يعقل ذاته وما يوجبه
ذاته ، ويعلم من ذاته كيفيّة كون الخير في الكلّ ، فيتبع صورته المعقولة صورة
الموجودات على النظام المعقول عنده ، لا على أنّها تابعة اتّباع الضوء للمضيء
والإسخان للحارّ ، بل هو عالم بكيفيّة نظام الخير في الوجود ، وأنّه منه ، وعالم
بأنّ هذه العالميّة يفيض عنها الوجود على الترتيب الذي يعقله خيرا ونظاما (7).
ثمّ قال :
ولا يظنّ أنّه لو كانت للمعقولات عنده صور وكثرة ، كانت كثرة الصور التي يعقلها
أجزاء لذاته ، وكيف؟ وهي تكون بعد ذاته ؛ لأنّ عقله لذاته ذاته ، ومنه يعقل كلّ ما
بعده ؛ فعقله لذاته علّة عقله ما بعد ذاته ؛ فعقله ما بعد ذاته معلول عقله لذاته ،
على أنّ المعقولات والصور ـ التي له بعد ذاته ـ إنّما هي معقولة على نحو المعقولات
العقليّة لا النفسانيّة ، وأنّ له إليها إضافة المبدأ الذي يكون عنه لا فيه ، بل
إضافات على الترتيب بعضها قبل بعض ، وإن كانت معا لا تتقدّم ولا تتأخّر في الزمان
، فلا يكون هناك انتقال في المعقولات (8).
وقال في
التعليقات :
تعليق :
الأوّل تعالى يعرف كلّ شيء من ذاته ، لا على أن يكون الموجودات علّة علمه ، بل
علمه علّة لها مثل أن يكون البنّاء يبدع في الذهن صورة بيت ، فيبنيه على ما هو في
الذهن ، فلو لا تلك الصورة المتصوّرة من البيت في الذهن ، لم يكن ثمّ للبيت وجود ،
فلم يكن صورة البيت علّة لعلم البنّاء ، بل الأمر بالعكس ، وما كان بخلاف ذلك
فإنّه كالسماء التي هي علّة لعلمنا بها ؛ فإنّ وجودها علّة لعلمنا ، وقياس
الموجودات مع (9) علمه كقياس الموجودات التي نستنبطها بأفكارنا ، ثمّ نوجدها ؛
فإنّ الصور الموجودة من خارج علّتها الصور المبدعة في أذهاننا ، ولكنّ البارئ
تعالى لم يكن يحتاج إلى استعمال آلة وإصلاح مادّة ، بل كما يتصوّر يجب وجود الشيء
بحسب التصوّر.
وأمّا نحن
، فنحتاج ـ مع التصوّر ـ إلى استعمال آلات ، ونحتاج إلى شوق إلى تحصيل ذلك
المتصوّر وطلب لتحصيلها ، فالأوّل غنيّ عن كلّ هذا.
تعليق.
شبّه طاعة الموادّ والموجودات لتصوّره سبحانه بأن نتصوّر شيئا ، فإذا حصل منّا الإجماع
لطلبه ، انبعثت القوّة التي في العضلات إلى تحريك الآلات من دون استعمال آلة أخرى
في تحريك تلك الآلات. وهذا معنى قوله جلّ وعلا : {كُنْ فَيَكُونُ}
[البقرة: 117]. (10)
تعليق.
العلم هو حصول صور المعلومات في النفس ، وليس يعنى به أنّ تلك الذوات تحصل في النفس
، بل آثار منها ورسوم ، وصور الموجودات مرتسمة في [ ذات ] (11) البارئ تعالى ؛ إذ
هي معلولات ، وعلمه بها سبب وجودها (12).
وقال في
رسالة منسوبة إليه : اعلم أنّ المعلوم ليس هو الصورة الموجودة من خارج وجودا
عينيّا ؛ لأنّه لو كان كذلك ، لكان كلّ موجود وجودا عينيّا معلوما لنا ، ولكنّا لا
نعلم المعدوم : لكنّا نحكم عليه حكما تصديقيّا ، كما نحكم على الخلاء بأنّه غير
موجود ، فلو لم يكن متصوّرا لنا ، لم نحكم عليه بشيء.
وأيضا لو
كان المعدوم غير متصوّر ، لم يتحقّق الكذب في الأقوال ؛ لأنّ قولنا : هذا الكلام
كذب ، معناه أنّه ليس له في الوجود الخارجيّ مطابق ، فلو كان كلّ متصوّر في الذهن
معبّر عنه بعبارة أمرا موجودا في الأعيان ، لما كان لقولنا : هذا الكلام كذب ،
معنى ، بل كانت الأقوال كلّها صادقة ؛ إذ لها مطابق في الوجود الخارجيّ.
فقد تبيّن
بيانا واضحا أنّ المعلوم ليس هو الموجود في الأعيان ، بل ذلك معلوم بالضرورة.
والقول في المحسوس أيضا هكذا. ولا أيضا أثر يحصل من حصول المعلوم في الأذهان ، بل
هو نفس حصوله في الأذهان.
والدليل
عليه أنّه لو كان أثرا يحصل منه لم يخل الأمر إمّا أن يكون لهذا الأثر حصول بنفسه
، أولا ، فإن كان الثاني لم يحصل العلم البتّة ، بل كان الذهن كما كان قبل حصول
صورة المعلوم. وإن كان الأوّل فأيّ فرق بين الحصول الأوّل والثاني؟ فإن لم يكن
العلم هو حصول الصورة الأولى ، بل أثر يحصل منه ولهذا الأثر أيضا حصول ، فيجب أن
لا يكون العلم هو نفس حصول الصورة الأولى ، بل هو أثر يحصل من حصول الصورة الثانية
ويتسلسل ، فيبقى أنّ العلم هو حصول الصورة المعلومة وهو مثال مطابق للأمر الموجود
دون الذهن. وهذا أمر مطّرد في العلم القديم والعلوم الحادثة.
ثم قال :
اعلم أنّ العلم ينقسم قسمين :
أحدهما :
ما هو حادث من وجود الشيء ، مثل علمنا بالفلك.
وثانيهما
: علم حادث منه وجود الشيء ، مثل علم الباني بالبناء قبل وجود البناء ، وعلم
البارئ من قبيل القسم الثاني ؛ لأنّه متقدّم على وجود المعلومات ، وقد قلنا : إنّ
العلم فهو نفس مثل المعلومات وصورها لا أثر يحصل منها ، وإذا كان كذلك فصور
المعلومات حاصلة عنده قبل أن أبدعها وأوجدها ؛ إذ لمّا ثبت تقدّمها على المعلومات
، ولم تكن هي نفس الموجودات الخارجيّة ، ولم يجز أن تكون في موضوع مفارق لذات
البارئ عزّ اسمه ؛ لأنّه يحتاج إلى سبب لكونها في ذات الشيء ، فإن كان السبب ذات
البارئ تعالى ، كان ذلك المسبّب ـ الذي هو صورة تلك الموجودات ـ قبل كونه في ذلك
الموضوع موجودا ؛ إذ قلنا : إنّ مثل ذلك العلم متقدّم على ذوات الموجودات
الخارجيّة ، فإن كان ذلك العلم المتقدّم عليه في موضوع مفارق أيضا لذات البارئ ،
كان الكلام باقيا ، وهكذا إلى غير النهاية ، فيتسلسل الأمر.
ويلزم التسلسل
من وجه آخر أيضا ، وهو أنّ العلم المتقدّم على كون هذه الصورة في موضوع هو وجود
تلك الصور ، فيلزم أن يكون علم فعلم ، أو وجد فوجد ، وهذا محال ؛ لأنّه يؤدّي إلى
أن لا يكون الشيء معلوما البتّة ، وإمّا أن يكون صور تلك الأشياء أجزاء ذاته تعالى
، وهذا يؤدّي إلى تكثّر في ذات الأحد الحقّ ، تعالى عن ذلك.
فلم يبق
قسم إلاّ أن تكون لوازم الذات ؛ إذ لمّا ثبت وجود تلك الصور وتقدّمها ، وثبت أنّها
غير الموجودات الخارجيّة وغير موجودة في موضوع آخر ، وبطل أن تكون موجودة مفارقة
للموجودات الخارجيّة وللموضوع الآخر ولذات البارئ تعالى ، فتكون في صقع من
الربوبيّة على ما عني من المثل الأفلاطونيّة المزيّفة في موضعها ، وثبت أنّها ليست
عين الذات الأحد الحقّ ، بل هي غيره ، فبقي أنّها لوازم الذات ؛ إذ بطلت سائر
الأقسام ، فلا بدّ من تعيين هذا الباقي.
وأنت إن
لم تدرك حقيقة هذا فلا بأس ؛ لأنّ خطر العلم أضيق من أن يكون له إلى مثل ذلك
الجناب تعالى مطمح نظر لا سيّما في دار الغربة ، فلا يلتمس من نفسك شيئا عجز عنه
الملائكة المقرّبون والأنبياء المرسلون. انتهى ملخّصا.
وقال في
الإشارات ما محصوله : إنّ إدراك الشيء مطلقا ـ سواء كان بآلة أو بغير آلة ـ هو أن
تكون حقيقته متمثّلة عند المدرك ، حاضرة عند ما به الإدراك سواء كان ذاته أو آلته
، فإن كان تلك الحقيقة نفس حقيقة الشيء الخارج عن المدرك وآلته ، كان حقيقة ما لا
وجود له بالفعل في الأعيان ـ مثل كثير من الأشكال الهندسيّة ، بل كثير ممّا لا
يمكن وجوده من الأمور الفرضيّة ـ غير متحقّقة أصلا ، فيمتنع تعلّق الإدراك ، هذا
خلف ، فبقي أن يكون مثال حقيقة مرتسمة في ذات المدرك أو آلته غير مباين لهما (13).
وقال أيضا
ـ بعد إبطال اتّحاد العاقل مع المعقول ... في مسألة العلم ـ :
فيظهر لك
من هذا أنّ كلّ ما يعقل فإنّه ذات موجودة تتقرّر فيها الجلايا تقرّر شيء في شيء
آخر (14).
ثمّ قال :
ولعلّك تقول : إن كانت المعقولات لا تتّحد بالعاقل ولا بعضها مع بعض ، ثمّ قد
سلّمت أنّ واجب الوجود يعقل كلّ شيء ، فليس واحدا حقّا ، بل هناك كثرة ، فنقول :
إنّه لمّا كان يعقل ذاته بذاته ، ثمّ يلزم قيّوميّته عقلا بذاته لذاته أن يعقل
الكثرة ، جاءت الكثرة لازمة متأخّرة لا داخلة في الذات مقوّمة ، وجاءت أيضا على
ترتيب ، وكثرة اللوازم من الذات ـ مباينة أو غير مباينة ـ لا تثلم الوحدة ،
والأوّل تعالى تعرض له كثرة لوازم إضافيّة وغير إضافيّة وكثرة سلوب ، وبسبب ذلك
كثرت الأسماء ولكن لا تأثير لذلك في وحدانيّة ذاته تعالى (15). انتهى.
والمراد
من الترتيب ما بيّنه في التعليقات حيث قال : الأوّل تعالى هو سبب في لزوم
المعلومات له ووجوبها عنه لكن على ترتيب وهو ترتيب السبب والمسبّب ؛ فإنّه مسبّب
الأسباب وهو سبب معلوماته ، فيكون بعض الشيء مقدّما علميّته له على بعض ، فيكون
بوجه ما علّة لأن عرف الأوّل معلولها ، وبالحقيقة فإنّه علّة كلّ معلوم وسبب لأن
علم كلّ شيء.
مثال ذلك
أنّه علّة لأن عرف العقل الأوّل ، ثمّ إنّ العقل الأوّل هو علّة لأن عرف لازم
العقل الأوّل ، فهو وإن كان سببا لأن عرف العقل الأوّل ولوازمه ، فبوجه ما صار العقل
الأوّل علّة لأن عرف [ الأوّل ] (16) لوازم العقل الأوّل (17). انتهى.
ثمّ إنّ
المصنّف في شرح الإشارات ردّ على الشيخ ، فقال : لا شكّ في أنّ القول بتقرّر لوازم
الأوّل في ذاته قول بكون الشيء فاعلا وقابلا معا ، وقول بكون الأوّل موصوفا بصفات
غير إضافيّة ولا سلبيّة ، وقول بكونه محلاّ لمعلولاته الممكنة المتكثّرة ، تعالى عن
ذلك علوّا كبيرا ، وقول بأنّ معلوله الأوّل غير مباين لذاته ، وبأنّه تعالى لا يوجد
شيئا ممّا يباينه بذاته ، بل بتوسّط الأمور الحالّة فيه ، إلى غير ذلك ممّا يخالف الظاهر
من مذهب الحكماء. والقدماء القائلون بنفي العلم عنه تعالى ، وأفلاطون القائل بقيام
الصور المعقولة بذاتها ، والمشّاءون القائلون باتّحاد العاقل والمعقول إنّما ارتكبوا
تلك المحالات حذرا من التزام هذه المعاني (18). انتهى.
__________________
(1) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 304 ـ 305.
(2) « الإشارات
والتنبيهات مع الشرح » 3 : 306.
(3) « كتاب الجمع
بين رأيي الحكيمين » : 105 ـ 109.
(4) « الشفاء »
الإلهيّات : 364 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.
(5) « الشفاء »
الإلهيّات : 364 ـ 366 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.
(6) انظر « الأسفار
الأربعة » 6 : 198.
(7) « الشفاء »
الإلهيّات : 363 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.
(8) نفس المصدر
: 364.
(9) في « شوارق
الإلهام » : « قياس الموجودات إلى علّتها ».
(10) « التعليقات
» : 192.
(11) الزيادة أثبتناها
من المصدر.
(12) « التعليقات
» : 82.
(13) « الإشارات
والتنبيهات مع الشرح » 3 : 293 ـ 297.
(14) نفس المصدر.
(15) « الإشارات
والتنبيهات مع الشرح » 3 : 302 ـ 303.
(16) الزيادة أضفناها
من المصدر.
(17) « التعليقات
» : 153.
(18) « الإشارات
والتنبيهات مع الشرح » 3 : 304.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|