أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-4-2016
2358
التاريخ: 14-12-2016
2523
التاريخ: 20-4-2016
4292
التاريخ: 2023-12-27
1034
|
قال الإمام علي (عليه السلام): (من أحسن إلى الناس استدام منهم المحبة) (1).
يقول أحد الكتاب: (كنت أنتظر دوري في الصف المنتظم أمام مكتب البريد لأسجل خطاباً، فلاحظت أن الموظف المنوط به التسجيل متبرم بعمله، مال منه: يزن المظاريف، ويناول الطوابع، ويرد باقي النقود، ويحرر الإيصالات، حلقة مفرغة من العمل المتشابه الذي عهده سنة بعد أخرى. فقلت في نفسي: فلأحاول التحبب إلى هذا الشاب.
وبديهي أنني إذا أردت أن اتحبب إليه، فيجب أن أقول له قولا لطيفاً لا عن نفسي، وإنما عنه هو! وسألت نفسي: ترى ما الذي يستحق أن أبدي إعجابي به؟ والإجابة عن هذا السؤال عسيرة أحياناً، خصوصاً حيال الغرباء، ولكنها في تلك المناسبة بالذات كانت ميسورة، فسرعان ما لمحت شيئاً اعتزمت أن أبدي له إعجابي به.
وبينما الشاب يزن مظروفي، قلت له في لهجة مخلصة: (لكم أتمنى لو كان لي مثل شعرك الفاحم اللماع!). فنظر الي الشاب وهو نصف ذاهل، وقد أشرق وجهه سروراً، وقال في تواضع: (حقاً إنه ليس في بهائه الأول). فأكدت له أنه ما زال جميلا أخاذاً. وقد سر لذلك أيما سرور، وقال: إن كثيرين قبلي أبدوا إعجابهم بشعره! وأراهن أن هذا الشاب قد ذهب إلى منزله ظهر ذلك اليوم وهو يكاد يسير على الهواء! وأراهن أنه ما أن دلف إلى منزله حتى قص ما جرى بيني وبينه إلى زوجته، وأراهن أنه تطلع إلى صورته في المرأة، وقال لنفسه: (حقاً! إنه شعر جميل)!
ثم يضيف الكاتب: (تسألني: ماذا جنيت من وراء ذلك؟ أويتحتم علي أن أجني شيئاً؟ أفترضى أن تمتثل للأنانية البغيضة، فلا تهب شيئاً من السعادة لغيرك من الناس دون أن تنتظر جزاء ولا شكورا؟ أفترضى أن تظل نفسك مطبقة بعضها على بعض، كالثمرة الفجة التي تضر ولا تنفع؟ إذن لاستحققت الخيبة والإخفاق في الحياة!، بلى. لقد جنيتُ شيئاً، ولم أتكلف في سبيله مالا وجهداً: جنيت الإحساس بأنني وهبت هذا الشاب شيئاً دون أن يكون في طوقه هو أن يهبني شيئاً في مقابله، وهذا ـ ولا شك ـ إحساس يرضيك، ويظل ماثلا بذاكرتك أمداً طويلا).
إن كل ملاطفة تقديرية، وكل قول أو فعل أو إحسان من شأنه تقدير الشخص الآخر وجعله يحس بأهميته هي أمور حسنة، فامتداح الكاتب المتقدم لشعر موظف البريد جعل الأخير يشعر بالأهمية والسرور، وإن كان الأفضل للكاتب أن يقدر فيه هذا العمل الخير، وهذه الخدمة التي يقدمها للناس. إنه بهذه الخدمة يكون واسطة في تواصل الناس بالتكاتب والتراسل البريدي، أفلا تكون خدمته الخيرة هذه محطاً للتقدير، بقطع النظر عن أنه يتقاضى في مقابلها مستحقات مالية؟
حقاً إن إسباغ التقدير المخلص على الآخرين، وجعلهم يحسون بأهميتهم، مبدءاً على جانب عظيم من الأهمية في السلوك الإنساني، وفي التعامل مع الناس وكسب ودهم وحبهم، والدخول إلى قلوبهم. إن التقدير مأخوذ من معرفة القدر، وما من إنسان إلا ويمتلك ما يقدر به، ويحب أن يقدر عليه، بل أن كونه بشراً، هذا في حد ذاته يستحق التقدير والإحساس بأهميته.
وما أكثر وجوه التقدير التي يمكن للمرء أن يهبها للآخرين، وتجعله محبوباً بين الناس! ومن تلك الوجوه:
ـ احترام مشاعر وأحاسيس الشخص الآخر.
ـ تقدير وظيفته ومهنته.
ـ تقدير كفاءاته وخبراته.
ـ تطييب الكلام معه.
ـ حفظ ماء وجهه.
ـ العطف على رغباته الخيرة.
ـ تقدير أفكاره، وآرائه، ووجهات نظره.
ـ إخباره بالحب له، والاهتمام به.
حدثني صديق وقال: كان لي صديق أعزه كثيراً في نفسي، وأجله وأحترمه، وكان كثيراً ما يظهر تقديره واحترامه المخلصين لي، وفي المقابل كنت أقدره وأجله وأحترمه بإخلاص، إلا أنه لم يحدث لي أن زرته في منزله لكي أعبر له عملياً عن تقديري المخلص له وإحساسي بأهميته، ومن الأسباب في ذلك التأجيل والتسويف في زيارته، كون منزله بعيداً عن منزلي نسبياً.
ويضيف الصديق قائلا: وذات عصرية كنت خارجاً من منزلي متوجهاً شطر جار لي لأزوره، فصادف أن التقيت بهذا الصديق الذي يقدرني وأقدره عند إحدى زوايا البيوت، فتوقفت عنده وسلمت عليه، ودخلت معه في حديث ودي قصير، ثم قلت له من كل قلبي: (إنك محفوظ في قلبي، وإني لأكن لك كل التقدير المخلص والاحترام المنزه، ولَكَم فكّرت في زيارتك، ولكن التأجيل كثيراً ما منعني من ذلك). وما أن قلت له هذه الكلمات المخلصة النزيهة، حتى أشرق وجهه، وتفتحت أساريره، خصوصاً وأنه معروف بالدعابة والمطايبة مع الناس، وشعرت أن كلماتي التقديرية قد حركت كل خلية من خلاياه. ثم أعرب لي أنه يشاطرني نفس التقدير والاحترام والشعور، ودخل معي في حديث أخوي امتد زهاء عشرين دقيقة بالرغم من أنه كان على موعد مع شخص آخر في ذلك الوقت، وسأل عن موقع بيتي بالضبط لكي يزورني في المستقبل.
وإذ أسأل نفسي: ما الذي جعل هذا الصديـق يقبل علي بكله، ويحبني، ويودني؟ فيكون الجواب: إنه التقدير المخلص النزيه، والإشعار بالاهتمام به، وبأهميته.
إن الناس يقبلون على من يحبهم، ويحبون من يقدرهم ويحسن إليهم، ولكي يجعل المرء ـ نفسه ـ محبوباً بينهم، خليق به أن يعي هذه القاعدة السلوكية البالغة الأهمية. ولقد صدق الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) حينما قال: (جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها)(2).
والآن، هل ترغب في أن يحبك الناس ويودوك؟ لا شك في ذلك، وإن الأمر في غاية البساطة، وهو أن تحبهم وتودهم، وتقدرهم بإخلاص فإذا قدمت للرجل طبقاً من سكر، فسوف لن يقوم إلا بشكرك عليه، أو بتقديم طبق مماثل لك، أو أفضل منه.
وإسباغ التقدير المخلص يجب أن يكون واسطة الإنسان في كسب ود الناس وحبهم له أينما كان، سواء كان في منزله: في تعامله مع زوجته، وأولاده، أو في عمله، أو في المطعم، أو في الشارع.
فمثلا: لكي يسعد المرء حياته الزوجية، فليعمل على أن يقدر هذا المخلوق الذي ربط مصيره بمصيره. فحتى لو وجد وجبة ما أعدتها زوجته لم تكن بالصورة اللائقة أو المطلوبة، فلا يتبرم ولا يمتعض، بل عليه أن يقدر بإخلاص هذه الخدمة التي قامت بها له، وما تقوم به من سائر الخدمات الأخرى. ولا سبيل إلى كسب ود الزوجة وحبها كما التقدير المخلص المنزه.
وقد يدخل المرء مطعماً لتناول وجبة، ويحدث أن يتأخر خادم المطعم في إحضار الطعام له، أو يأتيه بطعام هو غير ما يريد، فإن عليه أن لا يمتعض، وأن لا يهين الخادم. وبإمكانه أن يقول له: آسف لإزعاجك، حبذا لو تسرع قليلا في إحضار الطعام إذا سمحت، أو عذراً انني أريد الأكلة الكذائية التي طلبتها. وسيجد أن خادم المطعم يسر بخدمته، وذلك لأنه قدره وأظهر احترامه له.
وهكذا، فلكي يحبب المرء الناس إليه، حري به أن يقدرهم بإخلاص ونزاهة، وأن يظهر اهتمامه بهم، ويجعلهم يشعرون بأهميتهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الغرر والدرر.
(2) نهج البلاغة، الحكم.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|