المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تناقص الحرارة الذاتي Laps Rate
2024-12-03
تعريف الرياح وقياسها Wind Definition & Measurement
2024-12-03
الموازنة الإشعاعية Solar Radiation Budget
2024-12-03
القوى المؤثرة على الرياح Powers Affecting Winds
2024-12-03
عمليات خدمة محصول الفلفل
2024-12-03
العوامل المؤثرة على الضغط الجوي Factors Affects Pressure
2024-12-03

شعر للحصري
2024-05-02
تعريف الاحكام القضائية ومراحل اصدارها
5-10-2017
Solving the Riddle of Quasars
23-12-2015
الطرق المستخدمة في معایرات الترسیب
16-2-2016
مجالات علم الدلالة (الترابط Sense والاشارة Reference)
25-4-2018
المؤسسات المالية والمصرفية في العراق
11-9-2018


شعراء الزهد  
  
2858   02:14 صباحاً   التاريخ: 5-7-2021
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي
الجزء والصفحة : ص:370-373
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاسلامي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-6-2021 1690
التاريخ: 22-03-2015 2327
التاريخ: 17-6-2017 11377
التاريخ: 2-9-2021 3403

شعراء الزهد

تتردد في القرآن الكريم دائما الدعوة الى الزهد في الحياة الدنيا ومتاعها الزائل، وهي دعوة تحمل في تضاعيفها الحث على التقوي والعمل الصالح، فالمسلم الحق من عاش للآخرة، ورفض عرض الدنيا، فلم يأخذ منه إلا بحظ محدود، حظ يقيم أوده، ويعده للكفاح في سبيل الله، ومن ثم كان زهد

 

370

الإسلام لا يعني الانقطاع تماما عن الدنيا كزهد الرهبانية، بل هو زهد معتدل، زهد فيه قوة ودعوة الى العمل والكسب، يقول جل وعز: {{وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا}} وهو نصيب ينبغي أن لا يصرف المسلم عن الآخرة ونعيمها الخالد.

وزاهد الأمة الأول محمد صلي الله عليه وسلم، ويروي أن رجلا جاءه فقال:

يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال: «ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس (1)». وقد اندفع وراءه كثير من الصحابة يحيون حياة زاهدة متقشفة، وعلي رأسهم أهل الصفة، وهم نفر من فقراء المسلمين اتخذوا صفة (2) المسجد منزلا لهم، وعاشوا على صدقات الرسول والمثرين يعبدون الله حق عبادته مرتلين آي الذكر الحكيم. وكان وراءهم كثيرون أخلصوا أنفسهم لتقوي الله حق تقواه، وعلي رأسهم أبو بكر وعلي وعمر وعبد الله ابن عمر وأبو الدرداء وأبو ذر، وعبد الله بن عمرو بن العاص وكان يقطع النهار صائما والليل قائما يصلي لربه. وفي ابن سعد وغيره صور كثيرة من هذه المجاهدات والرياضات للنفس (3).

وجاء عصر الفتوح وجاءت معه الغنائم الوفيرة، فاقتني العرب الضياع وشيدوا القصور، وهم في ذلك لا ينسون تعاليم الإسلام، بل إننا نجد بينهم في كل مصر كثيرين يعيشون للحياة التقية الصالحة، وسرعان ما تكونت في كل بلد أقاموا فيه جماعات القراء الأتقياء، بالإضافة الى من كان منهم يعيش في مكة والمدينة، وأخذ كثير منهم يعيش حياته للنسك والعبادة. وأكبر إقليم نلتقي فيه بهؤلاء النساك والقراء إقليم العراق، وربما كان لكثرة الحروب فيه أثر في ذلك، وكأن قوما انصرفوا عن الفتن، خشية على أنفسهم من التورط في الإثم، الى النسك والعبادة، كما انصرف الى ذلك كثيرون ممن لم يستطيعوا الانتصار على الأمويين، فتركوهم ودنياهم، ومضوا يتعبدون، وكان الخوارج في

371

 

جملتهم جماعة كبيرة من الأتقياء، ضلت في اجتهادها وما زعمته من كفر الأمويين وجمهور المسلمين، ولكنها لم تضل يوما في تقواها.

لذلك كله عمت في العراق موجة واسعة من التقوي والزهد في الدنيا ونعيمها المادي زهدا كثيرا ما تطرفوا فيه، إذ أخذت تدخل في ثنايا هذا الزهد تأثيرات مسيحية وغير مسيحية، بحكم ما دخل في الإسلام من الموالي والشعوب الأجنبية. على أن المصدر الأساسي لهذا الزهد كان الإسلام نفسه وما دعا إليه من رفض الدنيا والابتهال الى الله وانتظار ما عنده من النعيم الحق.

وسرعان ما وجدنا طائفة كبيرة من الوعاظ، تعيش حياتها تعظ الناس وتدعوهم الى أن يجعلوا العبادة والنسك قرة أعينهم، وهي لذلك ماتني تحدثهم -مستلهمة القرآن الكريم-عن قدرة الله في خلقه السموات والأرض، وعن الموت وما ينتظرهم من الحساب يوم القيامة. والحسن البصري أشهر هؤلاء الوعاظ وهو في وعظه دائما يذكر الموت، ويذكر النار حتي لكأنه يشاهدها بين عينيه، ويحض حضا قويا على الزهد في الدنيا وحطامها. وكان هو وغيره من الوعاظ لا يزالون يستشهدون في وعظهم بأشعار لبيد والنابغة الجعدي وغيرهما تلك التي تدعو الى خشية الله وتقواه، بل ربما استشهدوا بأبيات لبعض الجاهليين، وخاصة تلك التي تصور فناء الدول أو تدعو الى خلق فاضل.

وطبيعي أن تترك مواعظهم أثرا عميقا في نفوس الشعراء الذين كانوا يختلفون الى مجالسهم، وقد مر بنا في غير هذا الموضع مدي تأثير الإسلام ومثاليته الروحية في الشعراء، كما مرت بنا في مواضع مختلفة من هذا الكتاب أشعار زاهدة لنفر منهم. ولعل من الطريف أننا نجد بعض الرجاز مثل أبي النجم العجلي والعجاج يبدءون أراجيزهم بالحمد لله والثناء عليه، وكثيرا ما تتحول الأرجوزة عند ثانيهما الى موعظة خالصة. وتلقانا عند بعض الشعراء أدعية وابتهالات لله من مثل قول ذي الرمة يناجي ربه قبل موته (4):

يا رب قد أشرفت نفسي وقد علمت … علما يقينا لقد أحصيت آثاري

يا مخرج الروح من جسمي إذا احتضرت … وفارج الكرب زحزحني عن النار

 

372

وتريد الآن أن نقف عند نفر منهم تمثلوا في أشعارهم فكرة رفض الحياة داعين للتفرغ الى العبادات وإلي الأخلاق الرفيعة التي يدعو إليها الإسلام.

وأول من نقف عنده عروة بن أذينة فقيه المدينة الذي رويت له-كما أسلفنا-مقطوعات في الغزل العفيف، وله أبيات تصور مبدأ مهما شاع بين الزهاد في هذا العصر، وهو مبدأ التوكل على الله والثقة في أنه لا يترك أحدا بدون رزق يكفيه، وبلغ من مبالغة بعضهم في هذا المبدأ أن رأوا في السعي والكد نقصا في التوكل والثقة بربهم. ولا شك في أن هذا المبدأ يفضي الى طمأنينة نفسية قوية، كما يفضي الى طرح الدنيا طرحا تاما، وفي تقريره يقول عروة:

لقد علمت وما الإسراف من خلقي … أن الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسعي له فيعنيني تطلبه … ولو قعدت أتاني لا يعنيني

خيمي كريم ونفسي لا تحدثني … إن الإله بلا رزق يخليني

وممن اشتهروا بكثرة أشعارهم في الزهد عبد الله بن عبد الأعلي، ويظهر أنه كان يستمد في زهده من منابع بعيدة عن الإسلام، إذ نري من كتبوا عنه يتهمونه في دينه، ويقولون إنه كان سيئ العقيدة (5)، وهو في أشعاره يقف كثيرا عند فكرة الفناء من مثل قوله:

يا ويح هذي الأرض ما تصنع … أكل حي فوقها تصرع

تزرعهم حتي إذا ما أتوا … عادت لهم تحصد ما تزرع

من كان حين تصيب الشمس جبهته … أو الغبار يخاف الشين والشعثا

ويألف الظل كي تبقي بشاشته … فسوف يسكن يوما راغما جدثا (6)

وفي تضاعيف هذا الشعر الزاهد تلقانا دعوة الى مكارم الأخلاق يستضئ أصحابها بما جاء في الذكر الحكيم من مثالية خلقية نبيلة، وأكثر من لهجوا بهذه

373

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر في هذا الحديث رقم 31 في الأربعين النووية والبيان والتبيين 3/ 166.

(2) الصفة: موضع مظلل من المسجد.

(3) انظر في ذلك كتابنا التطور والتجديد في الشعر الأموي ص 60 وما بعدها.

(4) ديوان ذي الرمة (طبعة كمبريدج) ص 667.

(5) لسان الميزان 3/ 305 والمبرد ص 294 وما بعدها وانظر أمالي القالي 2/ 323.

(6) الجدث: القبر.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.