الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
قيم اجتماعية
المؤلف: شوقي ضيف
المصدر: تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي
الجزء والصفحة: ص:18-22
2-9-2021
3442
قيم اجتماعية
كان العرب يعيشون في الجاهلية قبائل متنابذة، لا يعرفون فكرة الأمة إنما يعرفون فكرة القبيلة وما يربط بين أبنائها من نسب، وكل قبيلة تتعصب لأفرادها تعصبا شديدا، فإذا جني أحدهم جناية شركته في مسئوليتها، وإذا قتل لها
19
أحد أبنائها هبت للأخذ بثأره هبة واحدة. فلما جاء الإسلام أخذ يضعف من شأن القبيلة ويحل محلها فكرة الأمة، يقول جل ذكره: {{إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}} {{كنتم خير أمة أخرجت للناس}} وهي أمة يعلو فيها السلطان الإلهي على السلطان القبلي وعلي كل شئ، ومن ثم أصبحت الرابطة الدينية لا الرابطة القبلية هي التي توحد بين الناس. وكان أول ما وضعه الإسلام لإحكام هذه الرابطة أن نقل حق الأخذ بالثأر من القبيلة الى الدولة، وبذلك لم يعد الثأر-كما كان الشأن في الجاهلية-يجر ثأرا في سلسلة لا تنتهي، من الحروب والمعارك الدموية، بل أصبح عقابا بالمثل، وأصبح واجبا على القبيلة أن تقدم القاتل لأولي الأمر حتي يلقي جزاءه. وقد مضي الإسلام يحاول القضاء على العصبية القبلية كما قضي على قانونهم القديم: الثأر للدم، يقول عز شأنه:
{{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}}، ويقول الرسول في خطبة حجة الوداع: «أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوي.» (1)
وأخذ الإسلام يرسي القواعد الاجتماعية لهذه الأمة، بحيث تكون أمة مثالية يتعاون أفرادها على الخير آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، يسودهم البر والتعاطف، حتي لكأنهم أسرة واحدة، محيت بين أفرادها كل الفوارق القبلية والجنسية، وأيضا فوارق الشرف والسيادة الجاهلية، فالناس جميعا سواء في الصلاة وجميع المناسك وفي الحقوق والواجبات، وينبغي أن يعودوا إخوة، يشعر كل واحد منهم بمشاعر أخيه، باذلا له ولمصلحة هذه الأمة كل ما يستطيع، فهو لا يعيش لنفسه وحدها، وإنما يعيش أيضا للجماعة يفديها بروحه وبماله وبكل ما أوتي من قوة. ومن ثم وضع نظام الزكاة وعدت-كما قدمنا-ركنا أساسيا في الدين، فواجب كل شخص أن يقدم من ماله سنويا فرضا مكتوبا عليه للفقراء وللصالح العام.
20
وبذلك أصبح للفقير حق معلوم في مال الغني، يؤديه إليه راضيا. ومد القرآن الكريم هذا الحق، إذ دعا دعوة واسعة الى الإنفاق في سبيل الله، لا بالزكاة فحسب، بل بكل ما يهبه الأغنياء تقربا الى الله ورغبة في حسن المثوبة، يقول جل وعز: {{من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة. .} {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم. .}
{ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير. .}
{يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد. .} {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}}
وعلي هذه الشاكلة حاول القرآن الكريم أن يقيم ضربا من العدالة الاجتماعية في محيط هذه الأمة الجديدة، إذ جعل رد الغني بعض ماله على الفقير وعلي الصالح العام للأمة حقا دينيا. إنه لا يعيش لنفسه وحدها، بل يعيش أيضا لأمته ويترابط معها ترابطا اقتصاديا كما يترابط في وجدانه وإيمانه. وقد اندفع كثير من الصحابة ينفقون أموالهم جميعها في سبيل الله، ويؤثر عن الرسول صلي الله عليه وسلم أنه قال: «ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر» (2) وكان غيره من أغنياء الصحابة يقتدون به، فقد جهز عثمان جيش العسرة في غزوة تبوك بتسعمائة وخمسين بعيرا وأتم الألف بخمسين فرسا (3)، وكثر مال عبد الرحمن ابن عوف حتي قدم عليه في إحدي تجاراته سبعمائة راحلة تحمل القمح والدقيق والطعام فجعلها جميعها في سبيل الله (4). ولم يعن الإسلام فقط بتنظيم العلاقة بين الغني من جهة والفقير والصالح العام من جهة ثانية، بل عني أيضا بتنظيم العلاقات العامة كالميراث وتنظيم المعاملات كالتجارة والزراعة والصناعة، فقد أوجب
21
للعامل أجرا يتقاضاه جزاء عمله، وأوجب على التاجر أن لا يستغل الناس بأي وجه من الوجوه، سواء في الكيل والميزان أو في التعامل المالي، يقول جل شأنه:
{{وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم}} {{ولا تبخسوا الناس أشياءهم}} {{الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس. .} {وأحل الله البيع وحرم الربا.}} ولا يكاد يكون هناك جانب من جوانب الحياة الاجتماعية إلا وضع فيه الإسلام من السنن والقوانين ما يكفل للناس حياة مستقيمة قوامها العدالة.
وقد نظم حقوق المرأة ورعاها خير رعاية، إذ كانت مهضومة الحقوق في الجاهلية، فرد إليها حقوقها، وجعلها كفؤا للرجل، لها ماله من الحقوق، يقول تبارك وتعالي: {{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}} وأيضا لهن مثل ما للرجال من السعي في الأرض والعمل والتجارة، يقول عز شأنه: {{للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن}} وكان كثير من غلاظ القلوب يئدون بناتهم خشية العار، فحرم ذلك القرآن، يقول جل ذكره:
{{وإذا بشر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتواري من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون}}
وحرم البغاء وشدد في النكير عليه حتي القتل. ونظم الزواج وجعله فريضة محببة الى الله ونعمة من نعمه {{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}} ودعا في غير آية الى معاملة الزوجات بالمعروف. ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: «أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقا، ولكم عليهن حق، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم وأن لا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما النساء عندكم عوان (أسيرات) لا يملكن لأنفسهن شيئا، أخذتموهن بأمانة الله. . فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا». وأباح الإسلام الطلاق ولكنه جعله أبغض الحلال الى الله، ويقول جل شأنه: {{فإن}
22
{كرهتموهن فعسي أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}} {{وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما}} ويوجب القرآن للزوجة كثيرا من الحقوق حين تفصم العلاقة بينها وبين زوجها، من ذلك أن يسرحها بإحسان وأن لا يمسك عنها شيئا من صداقها، يقول جل وعز: {{وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضي بعضكم الى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا}}
وبكل ذلك كفل الإسلام للمرأة حقوقها، وأوجب على الرجل أن يرعاها وأن يقوم بها خير قيام. ومن غير شك ليست هناك علاقة بين الإسلام ونظام الحريم الذي شاع في العصر العباسي، فإن الإسلام يجل المرأة ويرفع قدرها، حتي لنراها في الصدر الأول من العصر الإسلامي تشارك في الأحداث السياسية على نحو ما هو معروف عن موقف السيدة عائشة أم المؤمنين في حروب على وطلحة والزبير، وكانت هي نفسها مصدرا كبيرا من مصادر الحديث النبوي وهدي الرسول الكريم.
_________
(1) البيان والتبيين (طبع مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر) 2/ 33.(2) الاستيعاب (الطبعة الأولي) ص 342.
(3) الاستيعاب ص 488.
(4) سير أعلام النبلاء للذهبي (طبع دار المعارف) 1/ 50.