الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
قيم إنسانية
المؤلف: شوقي ضيف
المصدر: تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي
الجزء والصفحة: ص:22-25
2-9-2021
3484
قيم إنسانية
رأينا الإسلام يرفع من شأن المسلم اجتماعيا وعقليا وروحيا، وهو ارتفاع من شأنه أن يسمو بإنسانيته، إذ حرره من الشرك وعبادة القوي الطبيعية، وأسقط عن كاهله نير الخرافات. وبدلا من أن يشعر أنه مسخر لعوامل الطبيعة تتقاذفه كما تهوي نبهه الى أنها مسخرة له ولمنفعته، ودعاه لأن يستخدم في معرفة قوانينها عقله ويعمل فكره. وبذلك فك القيود عن روح الإنسان وعقله جميعا، وهيأه لحياة روحية وعقلية سامية، كما هيأه لحياة اجتماعية عادلة، حياة تقوم على الخير والبر والتعاون، تعاون الرجل مع المرأة في الأسرة الصالحة وتعاون الرجل مع أخيه في المجتمع الرشيد.
23
ودائما يلفت الذكر الحكيم الى سمو الإنسان، وأنه يفضل سائر المخلوقات فقد خلق في {{أحسن تقويم)، } وسوي وعدل وركب في أروع صورة، ووهب من الخواص الذهنية ما يحيل به كل عنصر في الطبيعة الى خدمته، يقول جل شأنه: {{ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}} ويذكر القرآن في غير موضع أن الإنسان خليفة الله في الأرض {{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}} {{وهو الذي جعلكم خلائف الأرض}} فالإنسان خليفة الله في أرضه ووكيله فيها، خلقه ليسودها، ويخضع كل ما في الوجود لسيطرته.
وقد مضي الإسلام يعتد بحرية الإنسان وكرامته وحقوقه الإنسانية الى أقصي الحدود، وقد جاء والاسترقاق راسخ متأصل في جميع الأمم، فدعا الى تحرير العبيد وتخليصهم من ذل الرق، ورغب في ذلك ترغيبا واسعا، فانبري كثير من الصحابة، وعلي رأسهم أبو بكر الصديق، يفكون رقاب الرقيق بشرائهم ثم عتقهم وتحريرهم. وقد جعل الإسلام هذا التحرير تكفيرا للذنوب مهما كبرت، وأعطي للعبد الحق الكامل في أن يكاتب مولاه، أو بعبارة أخري أن يسترد حريته نظير قدر من المال يكسبه بعرق جبينه {{والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم. .} {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}} وقد حرم الإسلام بيع الأمة إذا استولدها مولاها، حتي إذا مات ردت إليها حريتها. وكانوا في الجاهلية يسترقون أبناءهم من الإماء، فأزال ذلك الإسلام، وجعلهم أحرارا كآبائهم.
ووسع الإسلام حقوق الإنسان واحترمها في الدين نفسه إذ نصت آية كريمة على أن {{لا إكراه في الدين}} فالناس لا يكرهون على الدخول في الإسلام، بل يتركون أحرارا وما اختاروا لأنفسهم. وبذلك يضرب الإسلام أروع مثل للتسامح الديني، يقول تبارك وتعالي: {{ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين}} وحقا اضطر الرسول صلي الله عليه وسلم الى امتشاق الحسام، ولكن للدفاع عن دين الله لا للعدوان، يقول جل وعز: {{وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب}
24
المعتدين). وقد دعا الذكر الحكيم طويلا الى السلم والسلام في مثل قوله تعالي:
{{وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله}} {{يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}} لذلك لا نعجب إذا كانت تحية الإسلام هي «السلام عليكم».
فالإسلام دين سلام للبشرية يريد أن ترفرف عليها ألوية الأمن والطمأنينة، ومن تتمة ذلك ما وضعه من قوانين في معاملة الأمم المغلوبة سلما وحربا، فقد أوجب الرسول صلي الله عليه وسلم على المسلمين في حروبهم أن لا يقتلوا شيخا ولا طفلا ولا امرأة، وعهده (1) لنصاري نجران من أروع الأمثلة على حسن المعاملة لأهل الذمة، فقد أمر أن لا تمس كنائسهم ومعابدهم وأن تترك لهم الحرية في ممارسة عباداتهم. ومضي الخلفاء الراشدون من بعده يقتدون به في معاملة أهل الذمة معاملة تقوم على البر بهم والعطف عليهم. ومن خير ما يصور هذه الروح عهد عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدس فقد جاء فيه أنه «أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم. . . لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شئ من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم» (2). وكان هذا العهد إماما لكل العهود التي عقدت مع نصاري الشام وغيرهم.
والحق أن تعاليم الإسلام السمحة لا السيف هي التي فتحت الشام ومصر إني الأندلس، والعراق الى خراسان والهند، فقد كفل للناس حريتهم لا لأتباعه وحدهم، بل لكل من عاشوا في ظلاله مسلمين وغير مسلمين وكأنه أراد وحدة النوع الإنساني، وحدة يعمها العدل والرخاء والسلام.
_________
(1) انظر السيرة النبوية (طبعة الحلبي) 4/ 239 وما بعدها و 4/ 241 وما بعدها، وقارن بفتوح البلدان للبلاذري (طبع المطبعة المصرية بالأزهر) ص 76.
(2) تاريخ الطبري (طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة 1939) 3/ 105.