الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
خطب الوفود والرسل
المؤلف:
د. ابتسام مرهون الصفار
المصدر:
أثر القرآن في الأدب العربي في القرن الأول الهجري
الجزء والصفحة:
ص: 160-166
2025-05-08
43
خطب الوفود والرسل
خطب الوفود والرسل قد اختلفت اغراضها والمعاني التي طرقتها فبعضها كانت لغرض اعلان الولاء والطاعة وأخرى للمفاوضات وثالثة للتهئنة او الشكوى وما الى ذلك الا انها على اية حال كانت وسيلة أخرى الى جانب الشعر يعبر بها الوفد عن الغرض الذي قدموا من اجله. ففي السنة التاسعة للهجرة قدم عطارد بن حاجب بن زرارة مع وفد من اشراف بني تميم فلما دخل الوفد نادوا رسول الله(ﷺ) من وراء الحجرات ان اخرج الينا يا محمد فأذى ذلك الرسول ثم خرج اليهم فقالوا: يا محمد جئناك لنفاخرك فاذن لشاعرنا وخطيبنا قال نعم قد اذنت لخطيبكم فليقل فقال اليه عطارد وبدأ خطبته بقوله (الحمد لله الذي له علينا الفضل..) وهي العبارة ما جاءوا ليعلنوا اسلامهم بل جاءوا ليفاخروا الرسول (ص). ومن هنا فانه فخر في خطبته بقومه وأنهم أكثر الناس عدداً وأحسنهم وجوها. وان منهم رؤوس الناس واشرافها وان من يفاخرهم يجب ان يعدد مثل ما عدد هو. وحين قام خطيب الرسول (ص) لم يفاخر بني تميم بالحسب والنسب وانما استغل هذه الفرصة ليؤكد مبادئ الدعوة الاسلامية فحمد الله الذي خلق السموات والارض وقضى فيهن أمره وانه قد اختار من خيرة خلقه رسولا واصطفاه على العالمين ثم ذكر كيف استجاب المهاجرون الدعوة الرسول (ص) وانهم أي الانصار جندوا نفوسهم لخدمة الدين الذي جاء به يقاتلون في سبيل الله حتى يؤمن الناس فمن آمن منع الرسول ماله ودمه وأهله ومن كفر جاهدوه في الله وكان قتله يسيرا (1). وقدمت وفود عربية على عمر بن الخطاب وقام رؤساؤهم يخطبون أمامه فقام هلال بن وكيع والأحنف بن قيس: وزيد بن جبلة فقال هلال بن وكيع (انا لباب من خلفنا من قومنا وعزة من ورائنا من أهل مصرنا وانك أن تصرفنا بالزيادة في اعطياتنا والفرائض لعيالاتنا يزد ذلك الشريف منا تأميلا وتكن لذوي الأحساب أبا وصولا) (2) وهكذا قام الخطباء الآخرون ولم يذكروا في خطبهم الا حاجتهم إلى المال والعطاء ومع خطب الوفود يمكن أن نذكر خطب الرسل الذين يبعثون لمهمة من المهام فيخطبون على رأس وفدهم. فحين ارســـــل رستم قائد جيش الفرس الى سعد بن وقاص أن أبعث الينا رجلا نكلمه ويكلمنا فبعث اليه ربعي بن عامر. فلما انتهى اليه قال له الترجمان - واسمه عبود وهو من أهل الحيرة ما جاء بكم؟ فقام ربعي خطيباً وذكر في خطبته ان الله ارسل رسوله رحمة للخلق يهديهم سواء السبيل وانهم قد قدموا لنشر هذا الدين فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دونــا ومن أبي قاتلناه ابداً نفضي الى موعود الله قال. (الترجمان) وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقى (3) وكذلك كانت خطبة المغيرة بن شعبة أمام رستم حيث ذكر نفس المعاني التي ذكرها ربعي (4). وخطب عبادة بن الصامت - وقد بعثه عمرو بن العاص الى المقوقس خطبة ادخلت الرعب في قلوب السامعين وذلك أنه كان اسود قصيرا وكان المقوقس قـــد طلب من أصحابه أن يخرجوه فقالوا له انه خطيبنا فلما قام عبادة قال فيما قال وان فيمن خلفت من أصحابي الفي رجل أسود لكنهم اشد سوادا مني وافظع منظرا ولو رأيتهم لكنت اهيب منهم لي وانا قد وليت وأدبر شبابي واني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوى ولو استقبلوني جميعا وكذلك أصحابي ... ثم يقول وما ببالي أحدنا أكان له قنطار من ذهب ام كان لا يملك الا درهما لان غاية احدنا في الدنيا اكلة يأكلها يسد بها جوعته وشملة يلتحفها فإن كان أحدنا لا يملك الا ذلك كفاه الله وان كان له قنطار من ذهب انفقه في طاعة الله واقتصر على هذا لان نعيم الدنيا ورخاءها ليس برخاء انما النعيم والرخاء في الآخرة (5) وفي حرب الجمل دعا الامام علي القعقاع بن عمر حين نزل بذي قار وأرسله الى اهل البصرة. وقال له: الق هذين الرجلين طلحة والزبير - يا ابن الحنظلية فادعهما الى الالفة والجماعة وعظم عليهما الفرقة. وقال له: كيف أنت صانع فيما جاءك منهما مما ليس عندك فيه وصاة مني فقال: نلقاهم بالذي أمرت به فاذا جاء منهما أمر ليس عندنا منك فيه رأي اجتهدنا الرأي وكلمناهم على قدر ما نسمع ونرى أنه ينبغي. قال انت لها. فخرج القعقاع حق قدم البصرة فبدأ بعائشة وسلم عليها وقال: أي أمه ما لشخصك وما اقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بني لاصلاح بين الناس. قال: فابعثي الى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما فبعثت اليهما فجاءت فقال القعقاع: اني سألت ام المؤمنين ما لشخصها واقدمها هذه البلاد فقالت: اصلاح بين الناس فما تقولان انتما؟ أمتابعان ام مخالفان؟ قالا متابعان. قال فاخبراني ما وجه هذا الاصلاح: فوالله لئن عرفناه لتصلحن ولئن أنكرناه لا نصلح قالا: قتلة عثمان فان هذا ان ترك كان تركا للقرآن واعمل به كان احياء للقرآن فقال القعقاع:(قد قتلتما قتلة عثمان من اهل البصرة وانتم قبل قتلهم اقرب الى الاستقامة منكم اليوم قتلتم ستمائة الا رجل فغضب لهم ستة آلاف واعزلوكم وخرجوا من بين اظهركم وطلبتم ذلك الذي افلت يعني حرقوص ابن زهير فمنه ستة آلاف وهم على رجل فان تركتموه كنتم تاركين لما تقولون فان قاتلتموهم والذين اعتزلوكم فاديلوا عليكم فالذي حذرتم وقربتم به هذا الامر أعظم مما اراكم تكرهون وانتم احميتم مضر وربيعة من هذه البلاد فاجتمعوا على حربكم و خذلانكم نصرة لهؤلاء كما اجتمع هؤلاء لأهل هذا الحدث العظيم والذنب الكبير (6) وكاد الصلح ان يتم بين الفريقين بعد وفادة القعقاع لولا مكيدة دبرت وأثارت هذا الفريق على الفريق الآخر واشتعلت نيران الحرب مرة أخرى. ثم كانت الحروب والمفاوضات بين الامام علي ومعاوية قبل يوم صفين فلما كانت سنة 37 هـ توادعا على ترك الحرب طمعا بالصلح واختلفت فيما بينهما الرسل في ذلك دون جدوى فبعث الامام على عدي بن حاتم ويزيد بن خصفة الى معاوية وخطب كل منهم خطبة أمام معاوية وجماعته وكان معاوية بدوره يرد عليهم (7) ثم بعث معاوية الى الامام علي حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل ابن السمط ومعن بن يزيد بن الاخنس فدخلوا عليه وخطب كل منهم خطبة رد عليها الامام علي أيضا (8).
وهكذا لعب الرسل دورهم الفعال في هذه الاحداث ونشطت الخطابة لأنها كانت تعبر عن وجهات النظر المختلفة وتعرض الحجج أو تفند آراء الخصوم وقد ذكر الجاحظ جملة من الخطباء الذين عرفوا بوفاداتهم وخطبهم عند الخلفاء (9)وحين أراد معاوية ان يأخذ البيعة لابنه يزيد من بعده استقدم وفود العرب فكانت لهم بين يديه خطب وقد ذكر الجاحظ أيضا أن الناس لما اجتمعوا قام الخطباء ... وهناك خطب كان يلقيها الوفود امام الخليفة لغرض التهنئة او التعزية فعند وفاة معاوية اجتمع الناس على باب يزيد ولم يقدروا على الجمع بين التهنئة والتعزية حتى اتى عبد الله بن همام السلولي فدخل عليه فقال(آجرك الله على الرزية وبارك في العطية واعانك على الرعية فلقد رزئت عظيما واعطيت جسيما فاشكر الله على ما أعطيت واصبر على ما رزئت فقد فقدت خليفة الله ومنحت خلافة الله ففارقت جليلا ووهبت جزيلا (10) . ولما توفى عبد الملك وجلس ابنه الوليد دخل الناس وهم لا يدرون أيهنئونه ام يعزونه أقبل غيلان بن سلمة الثقفي عليه ثم قال : .. أصبحت قد رزئت خير الآباء وسميت خير الاسماء واعطيت افضل الاشياء فعظم الله لك على الرزية الصبر واعطاك في ذلك نوافل الاجر واعانك على حسن الولاية والشكر ثم قضى عبد الملك بخير القضية وانزله باشرف المنازل المرضية واعانك من بعده على الرعية (11) وكان بعض الخلفاء يطلب من احد الحاضرين أن يتكلم فيقوم خطيبا من ذلك ما طلبه معاوية من شداد بن عمرو بن أوس من أن يقوم فيذكر عليا وتنقصه فقال: الحمد لله الذي افترض طاعته على عباده وجعل رضاه عند اهل التقوى أثر من رضا غيره. على ذلك مضى أولهم وعليه يمضي آخرهم. ايها الناس ان الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر وان الدنيا عرض باطل فيها البر والفاجر (12). وحين بعث يوسف بن عمر برأس زيد ونصر ابني خزيمة مع شبة بن عقال وكلف آل أبي طالب ان يبرؤوا من زيد ويقوم خطباؤهم بذلك فأول من قام عبد الله بن الحسن فأوجز في كلامه ثم جلس ثم قام عبد الله بن معاوية بن عبد الله ابن جعفر فأطنب في كلامه ومن هنا فقد اختلفت المعاني التي تطرق اليها خطباء الوفود نظرا لاختلافهم في الغرض الذي قدموا لأجله فكان منها السياسة والوعظية وتلك التي قيلت لغرض التهنئة والتعزية او اعلان الولاء للخليفة أو المطالبة بوفد او عطاء.
_______________
(1) تاريخ الطبري 3: 150.
(2) البيان والتبيين 2: 144 نهاية الارب 7: 239.
(3) تاريخ الطبري 4: 107
(4) ن. م.
(5) حسن المحاضرة 48 - 49.
6-تاريخ الطبري 5: 192
7- ن. م.6: 2
8- تاريخ الطبري 6: 4
9- البيان والتبيين 1: 355 314 زهر الآداب 1: 50- 51
(10) زهر الآداب 1: 61 نهاية الارب 5 : 215 المستطرف 1: 72 ، 78
(11) البيان والتبيين 2 : 191
(12) عيون الاخبار 1: 56 وانظر أيضا طلب معاوية من الحسن بن علي حين وفد عليه أن يخطب في الناس في عيون 2/ 172