المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

Nomenclature of amides : Secondary amides
28-10-2019
الاعتقاد والظنّ وغيرهما
1-07-2015
قاعدة نفي العسر والحرج
2023-09-07
كلام في معنى الحكم وانه لله وحده
7-10-2014
أحكام متفرقة من فقه الامام الرضا
3-8-2016
تقنيات التقطيع واللصق Cutting and Sticking Technology
27-12-2017


الكوفة والبصر  
  
2624   02:45 صباحاً   التاريخ: 8-6-2021
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي
الجزء والصفحة : ص:153-161
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاسلامي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-6-2021 4671
التاريخ: 15442
التاريخ: 19-12-2021 2105
التاريخ: 11-7-2021 11494

 

الكوفة والبصرة

لما أقبل العرب من الجزيرة على العراق يفتحون وينشرون الإسلام واتسعت بهم الفتوح لعهد عمر بن الخطاب رأي أن لا يتخذوا المدن القديمة منازل لهم حتي لا يتلاشوا فيها، وأمر بثاقب بصيرته أن يبني لهم معسكران على حدود الجزيرة الشرقية، حتي يظل اتصالهم بالجزيرة، وحتي لا ينساحوا في البلاد المفتوحة. وهذان المعسكران اللذان كانا مادة الجيوش المحاربة في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي جميعا سواء في فارس أو في خراسان هما الكوفة والبصرة.

وقد خططت الكوفة في سنة سبع عشرة للهجرة، ونزلت القبائل اليمبنية في شرقيها والعدنانية في غربيها، ولم تلبث أن حشدت حسب أنسابها في سبع خطط، خطة أو سبع لكنانة وخلفائها وجديلة، وخطة أو سبع لقضاعة وغسان وبجيلة وخثعم وكندة وحضرموت والأزد، وخطة أو سبع لمذحج وحمير وهمدان وحلفائهم، وخطة أو سبع لتميم وسائر الرباب وهوازن، وخطة أو سبع لأسد وغطفان ومحارب والنمر وضبيعة وتغلب، وخطة أو سبع لإياد وعك وعبد القيس وأهل هجر الحمراء. ولم يذكر الطبري السبع السابع (1)

 

154

واستظهر ما سينيون في كتابه عن خطط الكوفة أنه كان لقبيلة طيئ، وربما شركتها فيه قبيلة بكر، إذ لا نجد لها هي الأخري ذكرا في الأسباع السالفة.

وظلت هذه الأسباع حتي عصر زياد بن أبيه وقد جعلها أربعة ليدخل القبائل بعضها في بعض.

وكان يكنف الكوفة من الشرق زروع ونخيل وأشجار يسقيها الفرات، وكان في ظاهرها من الغرب الحيرة والنجف والخورنق والسدير والغريان ومتنزهات وديرة كثيرة (2) وبمجرد أن نزلها العرب نزلتها معهم بقايا الجيوش الساسانية التي انضمت إليهم، ويقال إنهم بلغوا أربعة آلاف، وكان نقيبهم يسمي ديلم، فنسبوا إليه، وسموا حمراء ديلم (3)، ونزلها معهم أيضا رقيق الحروب التي خاضوها، وأخذ يتوافد كثير من النبط والتجار والصناع.

وقد اتخذ على بن أبي طالب الكوفة حاضرة له حين ذهب الى حرب الخارجين عليه، بينما نزلت السيدة عائشة وطلحة والزبير في البصرة، ووقعت بين البلدتين موقعة الجمل المعروفة وفيها علت كفة على والكوفة. ويدخل أهل البصرة في طاعة علي، ولكن تظل منذ هذا التاريخ في صدورهم إحن لأهل الكوفة. ويخرج على بجيوشه الى لقاء معاوية في صفين، وتحتدم المعركة بينهما ويشتد أوارها كما يشتد أوار الشعر بين الفئتين المتحاربتين. ويكون التحكيم.

ويخلص الأمر لمعاوية فيولي على الكوفة المغيرة بن شعبة، ويأخذها بالرفق الشديد، حتي مع من كانوا يظهرون فيها التشيع ولا يخفونه من أمثال حجر بن عدي، وكذلك كان يصنع بالخوارج، وقد كفاه أهل الكوفة أمر المستورد ابن علفة الخارجي حين ثار عليه، فانبروا لقتاله وقضوا عليه وعلي من تبعه وهم يتناشدون الشعر ويرمونه وجماعته (4) به. ومات المغيرة سنة 50 للهجرة فخلفه على الكوفة زياد بن أبيه، فأخذها أخذا شديدا، ولم يلبث أن ضيق الخناق بها على حجر بن عدي وأصحابه من الشيعة، واضطر حجر وبعض من شايعه الى حمل السلاح، فوقعت مناوشات بينه وبين أصحاب زياد،

 

155

ارتفع فيها صوت الشعر (5)، وتغلب زياد عليه وعلي المتمردين معه، وأرسله في نفر منهم الى معاوية، فقتله في ستة من أصحابه. وكانت تلك أول شرارة أوقدت النفوس في الكوفة ضد الحكم الأموي، واعتبر الشيعة حجرا وأصحابه شهداء، وأخذوا يتفجعون عليهم (6). وتمضي الكوفة تحت حكم زياد مبطنة معارضة شديدة، إذ أخذ كثير من أهلها يصطبغ بصبغة التشيع لعلي وبنيه. ويتوفي زياد في سنة 53 ويخلفه على الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد، ثم الضحاك بن قيس الفهري ثم عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي ثم النعمان بن بشير، ويتوفي معاوية ويخلفه ابنه يزيد، فيضمها الى عبيد الله بن زياد والي البصرة. ويأبي الحسين بن على وعبد الله بن الزبير مبايعة يزيد بالخلافة ويخرجان من المدينة الى مكة، فيكاتب أهل الكوفة الحسين، ويرسل إليهم بابن عمه مسلم بن عقيل فيبايعه اثنا عشر ألفا منهم. ويخرج إليهم الحسين، ويعلم في الطريق أن ابن عمه اضطر الى قتال عبيد الله بن زياد وأن أهل الكوفة تخلوا عنه وأسلموه الى عبيد الله، فقتله، وكان أول قتيل لبني هاشم صلبت جثته، يعلم الحسين بذلك كله، ولكنه يصمم على المضي الى غايته فيقتل وهو يقاتل جنود عبيد الله بن زياد بكربلاء على نهر الفرات في العاشر من المحرم سنة 61 للهجرة. وتتطور الحوادث. فيتوفي يزيد بن معاوية ويضطر عبيد الله بن زياد أن يغادر البصرة الى دمشق. ويتلاقي الشيعة بالتلاوم والتندم على تقصيرهم في حق الحسين ونفورهم عن نصرته، ويرون أنه لا يغسل عارهم إلا حرب من قتلوه وإلا التوبة مما فرط منهم، فسموا التوابين، وولوا أمرهم سليمان ابن صرد. ولم يلبثوا أن جمعوا آلة الحرب واتجهوا الى الشام يريدون أن يثأروا للحسين، فالتقوا في عين الوردة (رأس العين) في وسط الجزيرة بجيش أموي على رأسه عبيد الله بن زياد ودارت الدوائر عليهم، وسقط سليمان في المعركة، وكان ذلك في ربيع الآخر سنة 65. وعادت فلول الجيش الشيعي الى الكوفة، وانتهز المختار الثقفي الفرصة، فدعا لمحمد بن الحنفية، وانضوي الشيعة تحت لوائه، واستطاع أن يستخلص الكوفة من والي ابن الزبير ويطرده منها، وأخذ

156

 

ينكل بمن كان هواهم مع بني أمية، مما جعل شعراءهم خشية بطشه يمدحونه هو وإمامه، وكأنهم من شيعتهم على شاكلة قول عبد الله بن همام السلولي (7):

دعا يا لثارات الحسين فأقبلت … كتائب من همدان بعد هزيع (8)

وآب الهدي حقا الى مستقره … بخير إياب آبه ورجوع

إلي الهاشمي المهتدي المهتدي به … فنحن له من سامع ومطيع

ولما استجمع الأمر للمختار أعد جيشا بقيادة إبراهيم بن الأشتر لحرب أهل الشام، فالتقي في سنة 66 بجيش عليه عبيد الله بن زياد في «خازر» بين الموصل وإربل، ودارت الدوائر على جيش عبيد الله وسقط في المعركة. ويولي ابن الزبير على البصرة أخاه مصعبا سنة 67 وتنشب الحرب بينه وبين المختار، وتعلو كفة مصعب، فيقتل المختار وتدخل الكوفة في طاعة ابن الزبير.

ونمضي بعد ذلك، فنجد الكوفة تشارك في ثورة ابن الأشعث لعهد الحجاج وهي ليست ثورة شيعية، وإنما هي ثورة أهل السيادة والشرف في الكوفة على بني أمية، فقد كانت الكوفة مستقر البيوتات العربية (9). وكان سادة هذه البيوتات وأشرافها يمتعضون من ظلم ولاة بني أمية لهم وأخذهم بالعنف والقسوة وخاصة الحجاج، وأتيحت الظروف لواحد منهم هو ابن الأشعث أن يعلن الثورة على الحجاج بل على الظلم كله، ومن ثم دعا لنفسه بالخلافة، وانضم إليه كثير من الموالي والقراء. ونازله الحجاج في وقائع كثيرة أهمها وقعة دير الجماجم وانتصر عليه، وهرب ابن الأشعث الى فارس، وأوغل في هروبه، حتي وصل الى ملك الترك مستجيرا، وقتل أخيرا.

وما زال شيعة الكوفة ينتظرون الإمام العلوي الذي يخلصهم من الأمويين وظلمهم، حتي ظهر بينهم زيد بن على بن الحسين، ودعا لنفسه بالخلافة منشئا نظرية شيعية جديدة نسبت إليه، هي نظرية الزيدية. وما زال به شيعته يستعدونه على بني أمية ويدعونه للخروج، حتي خرج في سنة 121 وما كاد

 

157

القتال يستحر بينه وبين جند يوسف بن عمر حتي انفضوا عنه إلا قليلا منهم ثبتوا معه حتي قتلوا عن آخرهم، وقتل زيد، وصلب بسوق الكناسة في الكوفة.

وهرب ابنه يحيي الى خراسان، وخرج بناحية الجوزجان، وانتهي في سنة 125 الى نفس المصير.

ولعل في كل ما قدمنا ما يوضح كيف أن الكوفة كانت موثل الشيعة في هذا العصر وأن سادتها الذين لم يعتنقوا التشيع كانوا يكنون بغضا لبني أمية وحكمهم. ولم يكن للخوارج شأن مذكور في الكوفة، ومع ذلك نجد لهم فيها شاعرا مشهورا هو الطرماح. وكان كثير من أهلها ينصرف عن هذه المعارضة السياسية الى الزهد وتقوي الله، وكان بجوارهم من يقبلون على اللهو والخمر، أمثال الأقيشر الأسدي، وتكاثروا بأخرة من العصر على نحو ما هو معروف عن مطيع بن إياس وحلبته.

ولم تتورط الكوفة في العصبيات القبلية، ولذلك كان حظها في شعر الفخر والهجاء ضعيفا، وليس معني ذلك أن الهجاء انحسر عنها، فقد أخرجت شاعرا من أكبر الهجائين في العصر هو الحكم بن عبدل. وقد مضي كثير من شعرائها يعني بمديح الخلفاء والولاة والقواد والأجواد، وكان منهم من يتعصب لبني أمية تعصبا شديدا مثل عبد الله بن الزبير الأسدي.

وإذا ولينا وجوهنا نحو البصرة وجدناها تخطط حوالي سنة ست عشرة للهجرة معسكرا للجيوش المقاتلة في الشرق على مقربة من مصب نهر دجلة بين إقليم البطائح الذي تكثر مستنقعاته وشاطئ خليج العرب، وقد روعي فيها كما روعي في الكوفة أن تكون على حافة البادية، وسرعان ما توزعتها القبائل خططا، خمسا كبيرة: خطة لتميم وخطة لعبد القيس وخطة لأهل العالية وخطة لبكر وخطة للأزد، وكانت اليمن تلوذ بخطة الأزد بينما لاذت عشائر من أسد والنمر بن قاسط ببكر، ولاذ أهل هجر بخطة عبد القيس، ولاذت ضبة والرباب بخطة تميم. وقد أقاموا بجانبها سوقا كبيرة. هي سوق المربد، وقد تحولت في هذا العصر الى سوق أدبية يتناشد فيها الشعراء أشعارهم. ولكل شاعر حلقته.

ونزلها مع العرب كثير من الرقيق الفارسي الذي جلبوه من الحروب، كما

158

 

نزل معهم فريق كبير من جيوش يزدجرد خرج عليه وقاتله مع المسلمين، وهو المعروف باسم الأساورة. وقد دخل في حلف تميم، ودخل أيضا في حلفها نفر من الهنود هم المعروفون باسم الزط والسيابجة والإندغار، ونزل أيضا بالبصرة جماعة من الأصبهانيين وأخري من الحبش (10). وكان وقوع البصرة بالقرب من خليج العرب مهيئا دائما لأن ينزلها كثيرون من الإفريقيين والهنود، كما كان مهيئا لازدهار التجارة بها. وكانت الزراعة مزدهرة بها هي الأخري، ولا سيما زراعة النخيل بفضل النهيرات الكثيرة التي اشتقت من دجلة، وخاصة نهيري الأبلة ومعقل.

وأخذ نزلتها من العرب المجاهدين في سبيل الله ومن انضم إليهم من الأساورة يثخنون بقيادة الأحنف بن قيس التميمي لعهد عمر بن الخطاب في أرض فارس وتغلغلوا الى خراسان، وتتابع الفرس على الصلح فيما بين نيسابور وطخارستان (11). وولي البصرة لعهد عثمان عبد الله بن عامر فدفع الجيوش البصرية الى سجستان وعامة خراسان (12). ثم كانت فتنة عثمان وبيعة علي، فانضم كثيرون من أهل البصرة الى السيدة عائشة وطلحة والزبير، وانزوي الأحنف بقومه تميم عنهم (13)، ونشبت موقعة الجمل، وأسلمت البصرة لعلي، يتقدم صفوفها الأحنف، وحاربت معه بصفين، وظلت موالية له الى وفاته.

وتدخل البصرة في العصر الأموي، ونراها تذعن لمعاوية وابنه يزيد، بينما تأخذ في اجترار العصبيات القبلية القديمة، وكان مما هيأ لذلك قيام حلفين كبيرين بها، هما حلف تميم وقيس وحلف الأزد وبكر وعبد القيس. وبذلك تكتلت قبائلها في حلفين كبيرين، وأوغر صدور الحلف الأول كثرة المهاجرين من أزد عمان الى البصرة. ونري زياد بن أبيه يستغل هذه العصبيات في توطيد سياسته بالبصرة، إذ أخذ يضرب القبائل بعضها ببعض.

ومعني ذلك أن البصرة لم تشغل بخصومة شيعية على نحو ما شغلت الكوفة،

159

 

فقد كانت كثرة أهلها عثمانية الهوي، إنما الذي شغلها حقا هو الخصومة القبلية وما طوي فيها من عصبيات، وقد كان بها كثيرون من الخوارج، غير أن زيادا أمعن في الضرب على أيديهم. ونراه يختار من أهلها خمسة وعشرين ألفا ومن أهل الكوفة مثلهم، ويخرجهم بأسرهم الى غزو خراسان (14)، حتي يتخلص من عناصر الشغب في البلدتين.

وتبعه ابنه عبيد الله في سياسته من ضرب القبائل بعضها ببعض والتشديد على الخوارج. ويتوفي يزيد بن معاوية، وتضطرب البصرة، ويبايع كثيرون منها ابن الزبير، ويضطر عبيد الله أن يبرحها الى دمشق. ويستولي مسعود بن عمرو سيد الأزد على قصر الإمارة والمسجد بالقوة، يشد من أزره قبيلته وبكر وعبد القيس ويصعد المنبر يخطب في الناس، فتغضب تميم وتهجم عليه مع أحلافها من الأساورة، فتنزله من فوق المنبر وتقتله. وينشب القتال بين الأزد وتميم طلبا للثأر، ويتدخل الأحنف ويستطيع بحنكته أن يعيد السلام بين القبيلتين نظير دية كبيرة يؤديها للأزد هو وقبيلته، ولكن العداوة تستمر متأججة بين الفئتين طوال العصر.

وتتبع البصرة ابن الزبير، ويولي عليها أخاه مصعبا، فيحارب المختار الثقفي في الكوفة كما أسلفنا، ويقضي عليه قضاء مبرما، ويحارب الأزارقة، ويوجه إليهم المهلب وغيره من القواد، ويوقعون بهم هزائم عنيفة. وتنشب ثورة صغيرة للزنج فيجهز عليها.

وتعود البصرة الى الخضوع لبني أمية عقب مقتل مصعب، وهي تغلي بالعصبيات القبلية. ووليها الحجاج الثقفي لأكثر من عشرين عاما، وفي عهده علا شأن قيس لتعصبه لها، وكان أكبر شخصية بين أبنائها، فجنحت إليه وجنح إليها، وخاصة أنه احتاج تأييدها له في الثورات الصغيرة التي كانت تنشب من حوله مثل ثورة قبيلة عبد القيس بزعامة ابن الجارود وثورة الزنج. وكان طبيعيا أن يكون بين أفراد حاشيته كثير منها. وأخذ تعصبه لها يقوي مع الزمن، فإذا هو يعزل أبناء المهلب عن خراسان ويولي عليها قتيبة

160

 

ابن مسلم الباهلي. ونراه يولي على الجيوش الغازية في الهند محمد بن القاسم الثقفي.

ومعروف أنه كان ينيب عنه في حكم البصرة الحكم بن أيوب الثقفي. وولي على أصبهان ختنه مالك بن أسماء الفزاري. ومعني ذلك أن قيسا قوي أمرها في البصرة لعهد الحجاج. ويتوفي سنة 95 ويتوفي بعده الوليد بن عبد الملك، ويخلفه سليمان أخوه، فيولي على العراق ثم خراسان يزيد بن المهلب، فيعظم شأن قبيلة الأزد.

وعلي هذا النحو كان يعظم شأن كل قبيلة في البصرة حين يتولاها شخص منها، وكان ذلك يزيد في تنافس قبائلها واشتعال العصبيات بينها، لما يستتبع من المغانم السياسية في تولي الوظائف وغيرها. وولي الخلافة عمر بن عبد العزيز، فعزل عن البصرة يزيد بن المهلب، وولي عليها عدي بن أرطاة الفزاري، فعادت الى قيس مكانتها. ويتوفي عمر ويخلفه يزيد بن عبد الملك، فيثور عليه يزيد بن المهلب، وتتجمع حول لوائه الأزد وربيعة بينما تقف تميم وقيس بجانب ابن أرطاة. ويظهر مسلمة بن عبد الملك بجيوش الشام على المسرح، ويقضي على ابن المهلب، ويتبع فلول جيشه هلال بن أحوز المازني التميمي فيقضي عليها وعلي من بقي من المهالبة قضاء مبرما. ويولي يزيد بن عبد الملك على العراق مسلمة لمدة محدودة، إذ سرعان ما ولي عليه عمر بن هبيرة الفزاري، وكان يتعصب لقيس تعصبا شديدا، ولم يثر عليه الأزد وربيعة وحدهما، فقد أثار عليه أيضا تميما وشاعرها الفرزدق. ويلي الخلافة هشام ابن عبد الملك، فيعزل ابن هبيرة، ويولي خالدا القسري لنحو خمسة عشر عاما، وكان يتعصب لليمن تعصبا شديدا، فاضطر الخليفة آخر الأمر أن يعزله ويولي مكانه يوسف بن عمر الثقفي، وبذلك رفعت قيس رأسها، وعادت الى سابق مكانتها. وممن وليها بعده عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وكان آخر ولاتها يزيد بن عمر بن هبيرة القيسي.

ونري من كل ذلك أن البصرة ظلت طوال العصر تعيش للعصبيات القبلية، ومن ثم كانت المحور الذي دار عليه شعرها، إذ تحول كل شاعر يفخر بقبيلته مصوبا سهام هجائه لمن يعادونها من القبائل. ولم يقف الشعراء عند الخصومات

161

 

بين الحلفين اللذين تحدثنا عنهما حلف تميم وقيس وحلف الأزد وربيعة ومن انضم إليهما من القبائل اليمنية، فقد أثاروا ما بين العشائر والبطون من حزازات قديمة وأضافوها الى ما تكون من حزازات حديثة، بحيث لم تبق عشيرة إلا ولها شاعرها أو شعراؤها الذين يذودون عنها مفاخرين هاجين، واتخذ ذلك شكل معارك عنيفة، على نحو ما نعرف عن معركة الهجاء التي نشبت بين جرير والفرزدق.

ولم تنم البصرة شعر الفخر والهجاء وحده، بل نمت أيضا شعر المديح، فقد تحول شعراؤها الى الخلفاء والولاة والقواد والأجواد يمدحونهم ويأخذون جوائزهم. وقلنا آنفا إن الخوارج في البصرة كانوا كثيرين، وقد هيأت هذه الكثرة لأن يظهر من بينهم غير شاعر مثل عمران بن حطان، أما الشيعة فكانوا قليلين، ومن ثم لم ينشط الشعر الشيعي بالبصرة، وكأنها تركته للكوفة كي تبلغ منه كل ما كانت تريد من معارضة الدولة والتشيع للبيت العلوي وبيان حقه في الخلافة. وإذا كنا لاحظنا في الكوفة أن شعراء كثيرين كانوا يقفون في صفوف بني أمية ضد معارضيهم من الشيعة فإن البصرة هي الأخري كان بها كثير من الشعراء الذين نافحوا عن الحكم الأموي وعلي رأسهم جرير.

ويلقانا بين أعاجم البصرة غير شاعر، وطبيعي أن ينتظموا في صورة الشعر البصري العامة من الفخر والهجاء والمديح، وممن اشتهروا منهم يزيد بن مفرغ الحميري. ويلقانا أيضا شعراء يتغنون بالخمر مثل حارثة بن بدر الغداني التميمي، وإن كان من الحق أن موجتها لم تتسع في البصرة اتساعها في الكوفة، فقد كانت أكثر وقارا، ومن ثم فسحت للزهد وشعرائه من أمثال أبي الأسود الدؤلي.

 

 

 

_________

(1) طبري 3/ 152 وما بعدها.

(2) انظر مادة كوفة في معجم البلدان لياقوت.

(3) فتوح البلدان للبلاذري (طبعة المطبعة المصرية بالأزهر) ص 279.

(4) طبري 4/ 143 وما بعدها.

(5) طبري 4/ 193.

(6) طبري 4/ 209.

(7) طبري 4/ 510.

(8) الهزيع: نحو ثلث الليل.

(9) من بيوت الشرف العريقة في الكوفة بيت زرارة بن عدس التميمي وبيت الأشعث بن قيس الكندي وبيت حذيفة بن بدر الفزاري وبيت ذي الجدين الشيباني.

(10) انظر في تخطيط البصرة ومن نزلها فتوح البلدان للبلاذري ص 341 وما بعدها والطبري 4/ 265، 478، 559 ونقائض جرير والفرزدق 737.

(11) طبري 3/ 189، 221 - 244.

(12) طبري 3/ 358 وما بعدها.

(13) طبري 3/ 510 - 511.

(14) طبري 4/ 170.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.