[ذكر حلف الفضول]

وكان من شأن حلف الفضول أنه كان حلفا لم يسمع الناس بحلف قط كان أكرم منه ولا أفضل منه، وبدؤه أن رجلا من بني زبيد جاء بتجارة له مكة فاشتراها منه العاص بن وائل بن هاشم بن سعد بن سهم فمطله بحقه، وأكثر الزبيدي الاختلاف [إليه-[1]] فلم يعطه [2] شيئا، فتمهل الزبيدي حتى إذا جلست قريش مجالسها وقامت أسواقها قام على أبي قبيس [3] فنادى بأعلى صوته: (البسيط) .

يا [4] آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الأهل [5] والنفر

ومحرم شعث [6] لم يقض عمرته ... يا آل فهر وبين الحجر [7] والحجر

هل [8] مخفر من بني سهم بخفرته ...أم ذاهب في ضلال مال معتمر [9]

إن الحرام لمن تمت حرامته ... ولا حرام لثوب [10] الفاجر الغدر

ثم نزل، وأعظمت قريش ما قال وما فعل، ثم خشوا العقوبة وتكلمت في ذلك المجالس [11] ، ثم إن بني هاشم وبني المطلب وبني زهرة وبني تيم [12] اجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان [13] فصنع لهم طعاما وتحالفوا بينهم [أن-[14]] لا يظلم بمكة أحد إلا كنا جميعا مع المظلوم على الظالم حتى نأخذ له مظلمته ممن ظلمه شريف أو وضيع منا أو من غيرنا، ثم خرجوا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن حضر ذلك الحلف ودخل فيه قبل أن يوحي إليه بخمس سنين، فكان يقول وهو بالمدينة: لقد حضرت في دار عبد الله بن جدعان حلفا من حلف الفضول ما أحب أني نقضته وإن [15] لي حمر النعم، ولو دعيت إليه [16] اليوم لأجبت. وإنما سمي «حلف الفضول» لأنه حلف خرج من حلف المطيبين والأحلاف، فكان فضلا بينهما عليهما، وقد حكي أنه [17] سمي «حلف الفضول» لأن قريشا لما سمعت بما تحالفوا عليه قالوا: هذه والله الفضول! وخرجوا [من-] [18] مكانهم حتى تحالفوا، فانطلقوا إلى العاص ابن وائل فقالوا: والله لا نفارقك حتى تؤدي إليه [19] حقه! فأعطى الرجل حقه، فمكثوا كذلك [20] لا يظلم أحد أحدا بمكة إلا أخذوا [21] له [22] . وكان عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يقول: لو أن رجلا خرج من قومه لكنت أخرج [23] من عبد شمس حتى أدخل في حلف الفضول، وليست عبد شمس [24] في حلف الفضول.

وقدم [25] رجل من ثمالة [26] فباع سلعة له من أبي بن خلف بن وهب-] [27] بن حذافة بن جمح فظلمه وفجر به وكان سيئ المخالطة ظلوما، فأتى إلى أهل حلف الفضول فأخبرهم، فقالوا له: اذهب إليه فأخبره أنك قد أتيتنا! فإن أعطاك حقك وإلا فارجع إلينا! فأتاه فقال له: إني قد أتيت حلف الفضول فأمروني أن أرجع إليك فأخبرك أني قد أتيتهم وقد رجعت إليك فما تقول؟ فأخرج له أبي حقه فأعطاه إياه، فقال في ذلك الثمالي وهو لميس [28] بن سعد البارقي: (الطويل)

أيفجر بي [29] ببطن مكة ظالما ... أبيّ ولا قومي لديّ [30] ولا صحبي

وناديت قومي بارقا [31] لتجيبني ... وكم دون قومي من فياف ومن سهب [32]

ويأبى لكم حلف الفضول ظلامتي ... بني جمح والحق يؤخذ بالغصب

وتقدم إلى  مكة [33] رجل تاجر من خثعم معه ابنة له يقال لها:

القتول [34] فعلقها نبيه [35] بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم، فلم يبرح حتى نقلها إليه وغلب عليها أباها، فقيل لأبيها: عليك بحلف الفضول! فأتاهم فشكا [36] ذلك إليهم، فأتوا نبيه بن الحجاج فقالوا: أخرج ابنة هذا الرجل! وهو يومئذ منتبذ [37] بناحية مكة وهي [38] معه، فقال: يا قومي متعوني بها الليلة! فقالوا: لا والله ولا ساعة! فأخرجها وأعطوها أباها وركب الخثعمي معهم، فلذلك [39] يقول نبيه: [40] (الخفيف)

راح صحبي ولم أحيّ القتولا ... لم أودعهم [41] وداعا جميلا

لا تخالي أني عشية راح ال ... ركب هنتم عليّ أن لا أقولا

وخشيت الفضول  حين أتوني [42] ... قد أراني ولا أخاف الفضولا

انني والذي تحج له شم ... ط أياد وهللوا تهليلا

لبراء [43] مني [44] قتيل [45] إلى النا ... س وهل يبتغون [46] إلا القتولا [47]

اجلّ أربي [48] إلا الحديث فلا ان ... فك [49] أربي [50] الحديث والتقبيلا

أتلوى [51] بها كما تتلوى [52] ... حية الماء بالاناء [53] طويلا [54]

ومبيت بذي المجاز ثلاثا ... ومنىً كان حجنا تحليلا

ثم عدّوا [55] حذاء [56] نخلة [57] لايد ... رك منهم أدنى رعيل [58] رعيلا

ونساء أوانس خفرات ... وشباب أسهرت ليلا طويلا

غير هجن ولا لئام [59] ولن ... تعدم [60] منهم مبرّزا بهلولا [61]

ولها يقول أيضا نبيه بن الحجاج: (الكامل) .

حي الدريرة [62] إذ نأت ... منا على عدوائها [63]

لا بالفراق تنيلنا ... شيئا ولا بلقائها

أخذت بشاشة [64] قلبه ...ونأت بمكنوناتها [65]

حلت تهامة حلة ... من بيتها ووطائها [66]

رفعوا المظلة [67] فوقها [68] ... واستعذبوا من مائها

لولا الفضول وأنه ... لا أمن من عدوائها [69]

لدنوت من أبياتها ... ولطفت حول خبائها

ولجئتها أمشي بلا ... هاد إلى ظلمائها

فشربت فضلة ريقها ... ولبدت [70] في أحشائها

وكان نبيه بن الحجاج من فرسان قريش وكان مقلا، وكانت عنده امرأتان من قريش، إحداهما أم عمرو بنت أسيد [71] بن أبي العيص بن أمية والأخرى بنت مالك بن عميلة [72] بن السبّاق بن عبد الدار بن قصي، وكان إنما يطعمهما [73] ما يكتسب يوما بيوم بسوق مكة، فاجتمعتا على أن تسألاه الطلاق، فلما رجع إليهما قالتا له: إنا والله قد صبرنا لك حتى طال الأمر بنا واشتدت المعيشة عليك! فنسألك أن تفارقنا، فقال في ذلك: (الخفيف)

تلك عرساي تنطقان بهجر [74] ... وتقولان قول زور وهتر [75]

تسألان [76] الطلاق أن رأتاني ... قل مالي قد [77] جئتماني بنكر

فعسى [78] أن يكثر المال عندي ... ويخلّى [79] من المغارم ظهري

ونجرّ [80] الذيول في نعمة زول [81] ... وتقولان ضع عصاك لدهر

وترى أعبد لنا وأواق [82] ... ومناصيف [83] من ولائد [84] عشر

ويكأن [85] من يكن له نشب يحب ... بب ومن يفتقر يعض [86] عيش ضرّ

ويجنّب سر [87] النجيّ [88] ولكن ... ن أخا المال محضر [89] كل سرّ

ونكح [90] بعد ذلك بيسير ابنة قمطة [91] الرومي وكان تاجرا بمكة عظيم المال فأعطاه قمطة على ذلك قوسرة [92] مملوءة مالا من ورق، فتجر وكثر ماله وعظم بمكة شأنه حتى قتل يوم بدر كافرا. قال أبو عبيدة [93] : إن [صاحب-] [94] هذه القصة كان نبيه بن الحجاج من فتيان قريش وهذه القصيدة التي مع القصة [95] لعمرو بن نفيل [96] وكان عمرو بن نفيل [97] مقتيا والمقتي الذي يخلف على امرأة أبيه بعده وهو الضيزن.

________________

[1] ليست الزيادة في الأصل.

[2] في الأصل: ولا يعطيه.

[3] قبيس كزبير.

[4] في رسائل الجاحظ ص 72 والتنبيه للمسعودي ص 210 وشرح نهج البلاغة 3/ 455 يا للرجال، وفي تاريخ اليعقوبي 2/ 12: يا أهل فهر، كما في المنمق، وفهر ابو قريش، وفي الأغاني 16/ 64، يال قصي.

[5] في الأغاني 2/ 65: الدار، وفي شرح نهج البلاغة 3/ 455: الحي.

[6] في الأغاني 16/ 64: وأشعث محرم، وفي المصدر نفسه 16/ 70، يا آل فهر لمظلوم ومضطهد.

[7] الحجر بكسر الحاء حرم الكعبة أو الأرض التي تحيط الكعبة، والشطر الثاني في الأغاني 16/ 64 بين المقام وبين الركن والحجر.

[8] في الأصل: فهل، والمخفر الناقض للعهد والخافر المجير والحامي والخافر بخفرته الوافي بذمته، والشطر الأول في الأغاني 16/ 64: أقائم من بني سهم بذمتهم وفي 16/ 65 من المصدر نفسه، أقائم من بني سهم بخفرتهم.

[9] في الأغاني 16/ 65: فعادل أم ضلال مال معتمر.

[10] في رسائل الجاحظ ص 72 والتنبيه للمسعودي ص 210 وتاريخ اليعقوبي 2/ 13 وشرح نهج البلاغة 3/ 455: لثوبي.

[11] يعني أهالي مجالس قريش.

[12] في الأصل: تميم.

[13] جدعان كسبحان.

[14] ليست الزيادة في الأصل.

[15] في الأصل: وإني.

[16] في الأصل: به.

[17] في الأصل: انما.

[18] ليست الزيادة في الأصل.

[19] في الأصل: إلى.

[20] في الأغاني 16/ 66: لا يظلم أحد حقه بمكة إلا أخذوه له.

[21] يعني حقه.

[22] في الأصل: فكان.

[23] كذا في الأصل، وفي الأغاني 16/ 66: لو أن رجلا وحده خرج من قومه لخرجت من عبد شمس.

[24] يعني بني عبد شمس.

[25] في الأصل: تقدم.

[26] ثمالة بضم الثاء المثلثة.

[27] الزيادة من نسب قريش ص 386 و 387.

[28] في الأصل: نمس، وليس كزبير.

[29] في الأصل: يفجرني، والتصحيح من شرح نهج البلاغة 3/ 463، وفي الأغاني 16/ 69:

أيأخذني في بطن مكة، وفي رواية أخرى منه 16/ 69:

أيظلمني مالي أبي سفاهة ... وبغيا ولا قومي لدىّ ولا صحبي

[30] في الأصل: إلى.

[31] وفي الأغاني 16/ 69: صارخا وهو خطأ.

[32] السهب كبعث: الفلاة.

[33] في الأصل: تقدم مكة.

[34] في رسائل الجاحظ ص 73: قتول- بغير الألف واللام.

[35] نبيه كزبير.

[36] في الأصل: فشكا.

[37] المنتبذ: المعتزل، وفي الأغاني 16/ 63: منتد.

[38] في الأصل: ومن.

[39] في الأصل: فذالك، والتصحيح من الأغاني 16/ 63.

[40] في الأصل: قول، والتصحيح من الأغاني 16/ 63.

[41] في الأصل: وأودعهم، والصواب ما أثبتناه نقلا من الأغاني 16/ 63 وشرح نهج البلاغة 3/ 463.

[42] في الأصل: جرى إليهم، والتصحيح من رسائل الجاحظ ص 73 وشرح نهج البلاغة 3/ 456.

[43] براء كثراء بمعنى بريء وهو لا يؤنث ولا يجمع ولا يثنى.

[44] في الأغاني 16/ 63: من.

[44] في رسائل الجاحظ: قتيلة.

[45] في رسائل الجاحظ ص 73 وشرح نهج البلاغة 3/ 456 «يا للناس» ، وفي الأغاني 16/ 63: يا لناس.

[46] في الأغاني 16/ 63: هل أراكم تبغون، وفي شرح نهج البلاغة 3/ 456: هل يتبعون.

[47] في الأصل: النفولا.

[48] في الأصل: ربى إلا، والإرب ساكن الوسط كأرب بمعنى الحاجة.

[49] في الأصل: انفل.

[50] في الأصل: ربى.

[51] في الأصل: في ملو، والتصحيح من الأغاني 16/ 64.

[52] في الأصل: يتلوى.

[53] في الأصل: بالاباء- بالباء الموحدة، والتصحيح من الأغاني 16/ 64.

[54] في الأصل: ظليلا، والتصحيح من الأغاني 16/ 64.

[55] في الأصل: غدوا، والتصحيح من الأغاني 16/ 64.

[56] في الأصل: غداة، وفي الأغاني 16/ 64: عداء ولعل الصواب ما أثبتناه.

[57] نخلة واد قرب مكة فيه النخل- معجم البلدان 8/ 276.

[58] الرعيل: اسم كل قطعة من خيل أو رجال، جمعه رعال.

[59] في الأصل: ليام- بالياء المثناة.

[60] في الأغاني 16/ 64: لا تعرف منهم إلا فتى بهلولا.

[61] البهلول بضم الباء: السيد الجامع لكل خير.

[62] الدريرة تصغير الدر: اسم امرأة، وفي رسائل الجاحظ ص 73 وشرح نهج البلاغة 3/ 456: النخيلة- كجهينة، وفي الأغاني 16/ 64: الدويرة- بالواو، وهو خطأ.

[63] العدواء كعلماء: البعد والتفرق، وعدواء الشوق: ما برح بصاحبه.

[64] البشاشة: الفرح، وفي الأغاني 16/ 64: حشاشة.

[65] في الأغاني 16/ 64: ونأت فكيف نبائها (نبايها) .

[66] في الأصل: حلوا بمكة حلة من مشيها ووطائها. والتصحيح من الأغاني 16/ 64، والوطأ: ما انخفض وسهل من الأرض.

[67] في الأصل: المحلة، وكذا في الأغاني 16/ 64، ولعل الصواب ما أثبتناه.

[68] التصحيح من الأغاني 16/ 64، وفي الأصل: فوقهم.

[69] في الأصل: عروائها، والتصحيح من رسائل الجاحظ ص 73 والأغاني 16/ 64، والعدواء كعلماء:

الشغل يصرفك عن الشيء والأذى والجهد، وفي نسب قريش ص 291: روعائها، وهو خطأ.

[70] لبد بالشيء: لزق به، وفي الأغاني 16/ 64: لبت، من بات يبيت، وفي أنساب قريش ص 291: لبثت.

[71] أسيد كبعيد.

[72] عميلة كجهينة.

[73] في الأصل: يطعمها.

[74] الهجر كبرج: القبيح من الكلام، وفي البيان والتبيين 1/ 132: تنطقان على عمد إلى اليوم قول زور وهتر. نسب الجاحظ الأبيات إلى أبي الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.

[75] في الأصل: اثر وعثر، والتصحيح من البيان والتبيين 1/ 132 والأغاني 16/ 62، والهتر بالكسر: الكذب والسقط من الكلام.

[76] في الأصل: تسألاني، وفي البيان للجاحظ 1/ 32 والصاحبي ص 147: سألتاني.

[77] في نسب قريش ص 404: إذ، وهو خطأ.

[78] زاد في الأصل بعده: لي، وفي نسب قريش 404 والأغاني 16/ 62 والبيان: فلعلي.

[79] في الأصل: ويخلا، وفي نسب قريش ص 404: تخلى- بضم التاء، وهو خطأ، وفي البيان للجاحظ 1/ 132: ويعري.

[80] في البيان للجاحظ 1/ 132: وتجر، وهو خطأ.

[81] الزول كقول: الجواد والظريف والشجاع والفطن.

[82] الأواق بفتح الهمزة جمع الأوقية بضم الهمزة وهي تساوي أربعين درهما، وفي الأغاني 16/ 62: جياد.

[83] المناصيف جمع المناصف والمناصف جمع المنصفة وهي الخادمة.

[84] في الأصل: ولا يد- بالياء المثناة، وفي البيان للجاحظ 1/ 132: خوادم.

[85] في الأصل: ويك ان. ويكأن بمعنى أما ترى- قاله ابن فارس في الصاحبي ص 147.

[86] في الأصل: يعيش- بابقاء الياء الثانية.

[87] في الأصل: سرا.

[88] النجي كغني: من تساره، وفي الأغاني 16/ 62: يسر الأمور.

[89] في الأغاني 16/ 62: ذوي المال حضر.

[90] في الأصل: أنكح.

[91] قمطة بكسر القاف وسكون الميم.

[92] القوسرة بفتح القاف وسكون الواو وفتح السين والراء تشدد وتخفيف لغة في القوصرة بالصاد وهي وعاء للتمر من قصب أو البواري.

[93] هو أبو عبيدة معمر بن المثنى الأخباري المتوفى في الربع الأول من القرن الثالث للهجرة.

[94] ليست الزيادة في الأصل.

[95] في الأصل: الفضة- بالفاء.

[96] نسبها الجاحظ في البيان والتبيين 1/ 132 إلى أبي الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.

[97] في الأصل: قتيل.