أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-2-2017
2236
التاريخ: 2024-11-09
159
التاريخ: 6-3-2017
7265
التاريخ: 2-3-2017
3908
|
بغض النظر عن الإشكالات التي قد تطرح بمناسبة اعتبار المحرر الإلكتروني كوسيلة إثبات، فإنه توجد مجالات تكون للمحررات الإلكترونية حجية وذلك بدون تدخل المشرع صراحة، وهذا ما سنفصله فيما يلي:
الفرع الاول / إثبات التصرفات التجارية:
الأصل في المعامل التجارية مبدأ حرية الإثبات، وذلك في أغلب التشريعات العالمية، والمشرع الجزائري تبني هذا المبدأ في نص المادة: 333 قانون مدني و المادة 30 قانون تجاري، وهذا نظرا لما تتطلبه المعاملات التجارية من سرعة، ثقة وائتمان، بحيث يختفي الدليل الكتابي الورقي.
ونظام الإثبات الحر هنا يكون في مواجهة التجار متى كان أحد الأطراف تاجرا أو كان العمل مختلطا حيث يكون تجاريا لأحد الأطراف ومدنيا للأخر فهنا يستفيد الطرف المدني من هذا المبدأ. إلا أن هناك بعض الأعمال التجارية يستلزم المشرع أن تكون مكتوبة على غرار عقود الشركات التجارية.
إذن في ظل توافر شروط حرية الإثبات ، ومادام المبدأ هو جواز الإثبات بكافة الطرق، فإنه يمكن قبول المحررات الإلكترونية، غير أن هذا القبول متوقف على السلطة التقديرية لقاضي الموضوع ودرجة الأمن المتوفرة في منظومة إنشاء هذا المحرر.
وقد تجاوز المشرع الأردني حرية القاضي بالأخذ بمخرجات الحاسوب ومدى إقتناعه بها، أين حدد في المادة 92 قانون البنوك والمادة 13 قانون البينات بأن المستخرجات لها حجية الأصل، لذا لا يجوز للقاضي إعمال قناعاته بها، وهي دليل ملزم طالما توافرت شروطه و عليه الأخذ به وإعماله طالما لم ينكر المحتج عليه بالسند توقيعه، وذلك ذات ما نص عليه قانون الأونستيرال في المادة 9 منه باعتبار الوسائل الإلكترونية و الوثائق تتمتع بذات حجية السندات العادية بالإثبات (1) أما فيما يتعلق بالدفاتر التجارية، فالمشرع الأردني يسر على البنوك فيما يتعلق بالاحتفاظ بالدفاتر التجارية و استبدالها بالمصغرات الفلمية و الديسكات وال CD لما في ذلك من سهولة ويسر على مثل هذه المؤسسات (2).
الفرع الثاني التصرفات المدنية التي لا تزيد قيمتها على 100,000 دج
نصت المادة 333 قانون مدني « في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على 100,000 دج أو كان غير محدد القيمة فلا يجوز الإثبات بالشهود في وجوده أو انقضائه ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك». من خلال النص أعلاه يمكن إثبات الالتزامات المدنية التي لا تزيد قيمتها عن 100,000 دج بشهادة الشهود، فمن باب أولى بكافة طرق الإثبات، وبذلك يمكن تقديم المحرر الإلكتروني كدليل لإثبات المعاملة ومضمونها، ومثالها البيع و الشراء الذي يتم عبر الأنترنت، وتبقى القيمة الإثباتية له تخضع لسلطة قاضي الموضوع شأنها شأن الوسائل الأخرى.
الفرع الثالث / الاستثناءات القانونية على مبدأ وجوب الإثبات بالكتابة:
أولا مدى اعتبار الكتابة الإلكترونية مبدأ ثبوت بالكتابة:
حدد المشرع هذا المبدأ وشروطه في نص المادة 335 قانون مدني بقوله « يجوز الإثبات بالبينة فيما يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة وكل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة» ويتضح من خلال هذا النص أنه في حالة وجود مبدأ ثبوت بالكتابة يكون للقاضي أن يجيز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا توافرت شروط معينة، أوضحها النص السالف الذكر، وشيء وجود كتابة صادرة من الخصم من شأنها جعل التصرف المدعى به قريب الإحتمال (3).
لكن ما المقصود بالكتابة؟. بالرجوع لأغلب الفقه نراه يجيب على أن الكتابة هنا تؤخذ بأوسع معانيها، دون اشتراط شكل خاص أو توقيع ودون أن تكون معدة للإثبات (4). ولكن إذا ما أخذنا بهذا المفهوم يطرح تساؤل أخر بخصوص طبيعة الدعامة التي يجب أن تدون عليها الكتابة؟
إذا تمعنا في النص السابق نجده خاليا من أي تحديد لطبيعة الدعامة أي أنه لا يوجد ما يلزم أن تكون الكتابة فوق ورق عادي، ولكن بشرط أساسي أن تكون الكتابة موجودة
على دعامة لا تقبل التعديل أو التغيير، فيتوافر هذه الشروط يمكن الحديث عن توافر شرط الكتابة.
أما فيما يتعلق بالشرط الثاني، أي وجوب صدور الكتابة عمن يحتج بها عليه فإن طبيعة التعاملات الإلكترونية والتي تتم عن طريق وسائط ليس لها وجود مادي فإنه تبرز صعوبة نسبة هذه الكتابة لأي شخص، بالإضافة إلى الحالة التي ينكر فيها الشخص الكتابة التي صدرت منه، فلا يوجد من الوسائل ما يمكن أن تبرهن على أن هذه الكتابة قد صدرت منه فعلا، وذلك بخلاف الكتابة التقليدية و التي تتم على محرر مادي ملموس يمكن الاحتجاج به إذا كانت بخط يده أو من ينوبه، وتبعا لذلك ذهب بعض الفقه الاستبعاد التعاملات الإلكترونية من إعطائها صفة بداية حجة كتابية للأسباب السابقة، فيما خالف البعض الآخر هذا الرأي، وبرروا موقفهم على أساس أنه يكفي إثبات أن الخصم هو الذي أصدر أمرا للحاسب الآلي لإصدار نسخة من المحرر أي أنه فاعل معنوي في هذه الحالة وبالتالي ينسب إليه(5).
وذهب البعض بالقول أن السند الإلكتروني في مرتبة أعلى من مبدأ الثبوت بالكتابة، وبرروا ذلك بأن مبدأ الثبوت بالكتابة يستلزم وجود أية كتابة صادرة من الخصم تجعل الحق المدعى به قريب الاحتمال في حين أن السند الإلكتروني أقل من أن يكون سندا عاديا و أكبر من أن يكون مجرد مبدأ ثبوت بالكتابة، فهو سند متميز من نوع خاص نظرا الاستيفاء شرطي الكتابة والتوقيع في المفهوم الحديث للسندات الكتابية، ولا يعد السند الإلكتروني مبدأ ثبوت بالكتابة، لأن السند الإلكتروني يجعل الحق المدعى به مؤكدا وليس قريب الاحتمال كما هو الشأن في مبدأ الثبوت بالكتابة(6)
ثانيا استحالة الحصول على دليل مادي :
جاء في نص المادة 336 قانون مدني « يجوز الإثبات بالشهود أيضا فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي».
انطلاقا من هذا النص يتضح أن القانون حينما يفترض الكتابة في الإثبات إنما يفترض إمكان الحصول على دليل كتابي، فإذا كانت هناك ظروف تحول دون ذلك فإن
الشهادة تجوز في الإثبات نزولا على ما يقتضيه العقل وتوجيه العدالة، وتعتبر هذه الحالة تطبيقا للقاعدة العامة لا يكلف شخص بمستحيل.
والمانع مادي كان أو أدبي واقعة مادية يكلف بإثباتها الخصم الذي يدعيها وله أن يثبتها بالبينة والقرائن، فيجب على الخصم أن يثبت أولا قيام المانع ثم يثبت بعد ذلك التصرف القانوني المدعي، ويثبت هذا وذالك بجميع الطرق (7). لكن هل اعتبار التعامل بوسائل الاتصال الحديثة كالأنترنت لإبرام العقود الإلكترونية بمثابة مانع يتعذر معه إعداد الدليل الكتابي؟.
إن المانع المادي يقوم إذا نشأ التصرف في ظروف يستحيل معها على المتعاقد الحصول على دليل كتابي، بحيث لا تترك له تلك الظروف الوقت المناسب للتفكير فيه. ونعتقد أنه من قبل هذه التصرفات التي تنشأ في ظروف يستحيل معها إعداد الدليل الكتابي وخصوصا في التعاملات الإلكترونية، وذهب البعض على أن العادة قد تشكل مانعا يجيز الإثبات بكافة الوسائل. فإذا ما إعتاد الأفراد مثلا التعامل فيما بينهم دون الحصول على دليل كتابي كما هو الحال في التعامل بوسائل الاتصال الحديثة واستمر الحال فترة من الزمن يشكل مانعا بحكم العادة والقول بغير ذلك سيجعل العقود التي تبرم بين رجال الأعمال المنتشرين في جميع أنحاء العالم تتم دون دليل عليها وهذا ليس في مصلحة أحد (8)
ثالثا/ حالة فقدان الدليل الكتابي:
نصت المادة 336 قانون مدني « يجوز الإثبات بالشهود ...... إذا فقد الدائن سنده الكتابي لسبب أجنبي خارج عن إرادته » فباستقراء مقتضيات هذا النص نتوصل إلى الشروط المتطلبة لإعطاء التعاملات الإلكترونية حجية في الإثبات، فينبغي بداية أن يثبت الشخص أنه قد حصل على الدليل الكتابي، ثم ضياع هذا السند لسبب أجنبي خارج عن إرادته. فالشرط الأول هو الحصول على دليل كتابي كامل و على اعتبار أن السند الإلكتروني دليلا كاملا في الإثبات فلا يثور أي إشكال استنادا إلى وجود أصل السند المحفوظ في جهاز الحاسب أو في الميكرو فيلم أو المصغرات الفلمية أو الديسك أو CD،
وفي مثل هذه الأحوال لا يثور أي إشكال حول كيفية الإثبات فيما إذا ضاع السند الإلكتروني، فالأمر بسيط مع وجود أصل محفوظ (9).
ويرى جانب من الفقه خلاف ذلك، وبرر هذا الجانب رأيه على عدم توفر شروط الدليل الكتابي في المحرر الإلكتروني وقالوا أنه لا يمكننا الحديث هنا عن إعمال هذا الاستثناء، أي أن فقد أحد الشروط يعني الاستثناء كله.
وفي رأينا يمكن إعمال هذا الاستثناء وهذا بناءا على ما سبق قوله في كون المحرر الإلكتروني يتوفر على مقومات الدليل الكتابي الكامل، كما أنه معرض للفقدان جراء تلف أو ضياع وسيلة الحفظ أو المحتوى في حد ذاته بسبب شرارة كهربائية أو حريق أو أي سبب آخر.
ونخلص في باب الاستثناءات المقررة على الكتابة للقول أن اللجوء إليها والتسلل منه يؤدي إلى إهدار المبدأ الأصيل لتعميم الاستثناء ليحل محل هذا المبدأ في جميع المعاملات والتعاقدات التي تتم عبر وسائل الاتصال الحديثة، وتأكيدا لهذا الرأي يمكن الرجوع لتقرير مجلس الدولة الفرنسي في هذا الموضوع بتاريخ: 2/7/1998
والذي جاء فيه أن: (اللجوء إلى نظام الإستثناءات على مبدأ وجوب الإثبات بالدليل الكتابي ليس مقبولا، لآنه ينظر إلى الإثبات عن طريق المحررات الإلكترونية بمنظور قاصر فسواء كان التوجه إلى الاستثناء إلى مبدأ بداية حجة كتابية أو إلى الاستحالة المادية للحصول على محرر مدون بالطريقة التقليدية فإن ذلك ليس إلا تهريا من مواجهة الواقع الذي أصبح مفروضا في وقتنا الحالي، أي واقع التعامل بالمحررات الإلكترونية (10)
الفرع الرابع الاستثناءات الاتفاقية على مبدأ وجوب الإثبات بالكتابة:
تقسم قواعد الإثبات إلى قواعد إجرائية وقواعد موضوعية، فالقواعد الإجرائية هي التي تنظم إجراءات الإثبات ويتوجب على القاضي إتباعها كونها قواعد آمرة تتعلق بالنظام العام كما لا يجوز الاتفاق على خلافها.
أما القواعد الموضوعية والتي تتعلق بمحل الإثبات و عبئه وطرقه فقد ثار خلاف فقهي حول مدى تعلقها بالنظام العام.
بالرجوع إلى قانون الإثبات المصري نجده نص صراحة على عدم تعلق قواعد الإثبات بالنظام العام وبالتالي حق للأطراف الاتفاق على ما يخالفها، أما في فرنسا وفي غياب النص الصريح، فإن جانب كبير من الفقه يرى تعلق هذه القواعد بالنظام العام وعليه لا يجوز الإنفاق على خلافها، وعلى نقيض ذلك فمحكمة النقض الفرنسية أشارت في كثير من أحكامها إلى أن قواعد الإثبات لا علاقة لها بالنظام العام بل تتصل بالمصالح الخاصة للأطراف وهو ما ذهبت إليه غالبية الدول ومنها التشريع الجزائري في نص المادة 333 قانون مدني والتي جاء في عجزها عبارة « ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك». .
نخلص من كل ما سبق أن قواعد الإثبات لا تتعلق بالنظام العام وبالتالي أجيز للأطراف إثبات معاملاتهم بكافة الطرق سواء كانت تقليدية أو من وسائل الاتصال التكنولوجي الحديث وعليه أمكن إعطاء نفس الحجية للكتابة الإلكترونية.
وقد انتشرت الاتفاقات المتعلقة بالإثبات خاصة في مجال التعامل مع البنوك عن طريق الشبابيك الأوتوماتيكية والتي تشترط فيه البنوك في عقودها مع زبائنها على إعطاء ذلك الشريط الورقي حجية قاطعة ومطلقة تفوق حجية المحررات العرفية، وهو ما يسلب القاضي سلطته في تقدير قيمة الأدلة المتنازع فيها.
وقد أخذ على هذه الاتفاقات أنها تتعارض مع مبادئ الإثبات، فهي من ناحية تسمح للبنك أن يضع دليلا لنفسه، وتم نقل عبء الإثبات فيها من المدعي إلى المدعى عليه المتعامل صاحب البطاقة ] وقد يصل الأمر إلى حرمانه من الدفاع عن حقه(11)
كما ذهب رأي بالقول أن مثل هذه العقود تدخل ضمن عقود الإذعان كونها تنطوي على شروط تعسفية، إلا أن هذا الرأي - رغم وجاهته - يصعب الدفاع عنه كون عقود الإذعان تتعلق بالحاجات الضرورية للإنسان في حياته لا يملك فيه إلا أن يأخذ أو يترك. وهذا ما يفتقد في هذه العقود.
نقول في الأخير أن أطراف المعاملات القانونية وفي ظل عدم تعلق قواعد الإثبات بالنظام العام حق لهم اللجوء إلى اتفاقات تعيد تنظيم إثبات تصرفاتهم لاسيما من خلال التعامل بالمحررات الإلكترونية.
الفرع الخامس/ مدي قبول التوقيع الإلكتروني:
أن توقفنا عند التوقيع وقلنا أنه العنصر الحاسم لجعل الكتابة العرفية دليلا كاملا في الإثبات، فهل تعد الكتابة الإلكترونية دليلا كاملا في الإثبات إذا كان التوقيع عليها إلكترونيا؟.
الإجابة تتطلب النظر في مدى استيفاء هذا التوقيع للشكل المنصوص عليه قانونا ومدى قيامه بوظائف التوقيع التقليدي والتي تتمثل في تحديد هوية الموقع أو تمييز شخصيته و انصراف إرادته إلى الالتزام بمحتوى ما وقع عليه.
إن التوقيع الإلكتروني هو رقم أو رمز سري أو شفرة خاصة مما لا يفهم معناه إلا صاحبه ومن يكشف له عن مفتاحه وبالتالي فهو يختلف عن شكل التوقيع التقليدي، ومن الواضح أن استخدام التوقيع الإلكتروني في المعاملات يتطلب الإنفاق حال عدم النص في القانون بين أطراف هذه المعاملات بشأن وسائل هذا التوقيع والتحقق من صحته في حال اعتبارهم البيانات المتبادلة و الموقعة إلكترونيا دليلا كاملا في الإثبات وسمن تطبيقات هذه الاتفاقات، الاتفاق بين المؤسسات المالية المصدرة لبطاقات الائتمان وحامليها التنظيم العلاقة بينهما وطرق إثباتها، وحيث وجد التوقيع الإلكتروني عن طريق استخدام رقم سري تطبيقا في سحب النقود من البنوك باستخدام بطاقات الصرف الآلي للنقود (12).
وبذلك فإن استخدام تقنيات التشفير والترقيم السري في إحداث التوقيع الإلكتروني تكفل له الدور المناط بالتوقيع التقليدي من حيث تحديد شخصية صاحبه وإقراره لمضمون التعامل المستخدم هذا التوقيع في إبرامه.
لكن هل القول بإمكانية تأدية التوقيع الإلكتروني لوظائف التوقيع التقليدي يكفي لإعطاء الدعامة المكتوبة عليها البيانات إلكترونيا حجية في الإثبات تعدل حجية الدليل الكتابي الكامل ؟ تبرز في هذا السياق الشكلية فالتوقيع الإلكتروني لا يستوفي الشكل الذي تطلبه القانون في التوقيع. وهو ما يحتمل أن يؤدي إلى الشك في حجيته في الإثبات، الأمر الذي يعود بالسلب على إنجاز معاملات التجارة الإلكترونية، وإذا كانت منظمات الأعمال قد نظمت وضع مخرجات الحواسيب الآلية إنتقاقيا مما يتيح قبولها كأدلة إثبات، إلا أن
حجية هذا الدليل الاتفاقي تبقى خاضعة لتقدير القاضي، وأفضل طريق الإسباغ حجية الدليل الكتابي على هذه المخرجات هو النص على ذلك صراحة في القانون. .
ويبدو أن تنظيم المشرع الجزائري للتوقيع الإلكتروني جاء ناقصا ومتأخرا فنجد أن أول اعتراف بالتوقيع الإلكتروني على المستوى الدولي كان عام 1989 (13) في مجال البطاقات الائتمانية، حيث أقرت محكمة النقض الفرنسية صحة التوقيع الإلكتروني، واعتبرت أنه يتألف من عنصرين هما إبراز البطاقة الائتمانية و إدخال رقم حامل البطاقة السري و أكدت هذه المحكمة أن هذه الوسيلة توفر الضمانات الموجودة في التوقيع اليدوي، بل تفوقها، وقد اعترف المشرع الفرنسي فيما بعد في قانون 13/3/2000 بحجية التوقيع الإلكتروني إعمالا وتفعيلا للتوجه الأوروبي 13/12/1999 المتعلق بالتوقيع الإلكتروني(14). هذا وذهب بعض الفقه إلى أن التوقيع الإلكتروني لا يمكن إنكار اعتباره عنوانا الحقيقة، بل إن هذا البعض قد تطرف فيما ذهب إليه عندما وصف التوقيع الإلكتروني بأنه يفوق التوقيع الخطي ويفضل عنه(15). وجوهر الاختلاف الذي وقع فيه الفقه في مدى حجية التوقيع الإلكتروني أن البعض لم يفرق بين وظيفة وشكل والتوقيع، والبعض الآخر فرق بينهما وبالتالي اعتبره حجة في الإثبات لتقديمه نفس وظائف التوقيع التقليدي(16).
أما بالنسبة للمشرع الجزائري فقد أقر في المادة 327 قانون مدني بحجية التوقيع الإلكتروني وذلك وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 323 مكرر1. ومع هذا يبقى السؤال مطروحا هل قواعد القانون الحالية المتعلقة بالإثبات تسمح بأن يحل التوقيع الإلكتروني محل التوقيع التقليدي خاصة ونحن نجد أن المشرع الجزائري قد خص التوقيع الإلكتروني بفقرة في التعديل 5/10 المتعلق بالقانون المدني، فهل هذه الفقرة سوف تكفي السد كل الثغرات القانونية التي يفتحها هذا التوقيع؟.
ونجد مثلا أن الورقة العرفية لا تكون حجة على الغير في تاريخها إلا منذ أن يكون لها تاريخ ثابت وفق المادة 328 قانون مدني وهو ما يصعب إعماله بالنسبة للتوقيع الإلكتروني، كذلك فإن الورقة العرفية ليست حجة بذاتها من حيث صدورها من موقعها
وسلامتها المادية، بل حجيتها تتوقف على عدم إنكار الشخص لتوقيعه وهذا ما يجعل الأفراد يثقون في التوقيع الإلكتروني، فنحن أمام مشكل هو كيف نضمن للشخص المتعاقد أنه يتعاقد مع الشخص مصدر التوقيع وأنه لم يقع ضحية الحيل الإلكترونية أو القرصنة(17) .
الفرع السادس /إشكالية الكتابة الإلكترونية عندما يشترط القانون شكلية معينة:
بعد صدور القانون 230/2000 في فرنسا، ثار جدل حول الشكلية التي يتطلبها القانون الانعقاد التصرفات القانونية، وقال جانب من الفقه أنه لا يمكن الاستغناء عن الكتابة التقليدية بالكتابة الإلكترونية، وأن التعديل لنص المادة 1316 يتحدث عن الكتابة كوسيلة إثبات فقط، وبالتالي لا يتصور إبرام تصرفات كالوصية والوقف أو التصرف في العقارات بالبيع مثلا بهذا الأسلوب.
بينما ذهب جانب آخر إلى أن الكتابة الإلكترونية لم تعد قاصرة على الكتابة كوسيلة إثبات Ecrit probationen وإنما تشمل الكتابة كشرط لصحة التصرف
Advaliditen. وذلك بالنظر إلى عمومية نص المادة 1316 ، مما يوجب عدم تخصيصه وأخذه بمعناه الكامل. إضافة إلى أن التوجه الأوروبي رقم 31/2000 بشأن التجارة الإلكترونية حظر على الدول الأعضاء وضع أي عراقيل أو عقبات أمام الاعتراف بالعقود الإلكترونية، وحثهم على العمل على تطوير تشريعها لإقرار المعاملات الإلكترونية، ولا شك أن عدم منح الكتابة الإلكترونية قوة ترتيب كافة الآثار القانونية يكون مخالفا لمقتضيات الجماعة الأوروبية(18). ونجد أن الرأي الأول أقرب إلى الصواب، ذلك أن الكتابة الرسمية تشترط ضابط عمومي هو الموثق ورغم ظهور مهنة الموثق الإلكتروني والذي هو طرف ثالث محايد، إلا أن هذا حسب اعتقادنا لا يجزئ عن الموثق العادي والغاية المرجوة منه أصلا، ولعل عدم كفاية الوسائل التقنية في توفير الثقة والأمان في إبرام هذه العقود هو ما يروج هذه الوجهة.
أما المشرع المصري فقال، للكتابة الإلكترونية: المحررات الإلكترونية في نطاق المعاملات المدنية ذات الحجية المقررة للكتابة والمحررات الرسمية و العرفية متى استوفت الشروط القانونية وفقا للضوابط الفنية والتقنية فيكون قد أقر المشرع المصري بإمكانية استيفاء الشكلية التي يقررها القانون الإبرام العقد أو لترتيب آثاره عن طريق الكتابة الإلكترونية متى روعيت الشروط الفنية والتقنية (19) وسلك نفس المسلك المشرع الأردني( م7) و قانون إمارة دبي للمعاملات الإلكترونية (م9). لكن بتبني مبدأ المساواة بين الكتابتين الإلكترونية والتقليدية، تثور إشكالية عندما يتطلب القانون شكلا معينا لانعقاد التصرف، فهل يتم التضحية بالشكلية انسياقا وراء المبدأ القائل بالمساواة؟، أم أن المبدأ العام متعلق بالإثبات فحسب ولم يقصد منه المساس بالشكلية؟ تبقى هذه المسائل للفصل فيها من قبل المشرع بنصوص صريحة لا تحتمل غموض أو تأويلات.
أما المشرع الجزائري فلا يزال بعيدا كل البعد عن المتغيرات الحديثة وما تزال القوانين على حالها خاصة التعديل الأخير للقانون المدني بالقانون رقم 5/10 المؤرخ في 20 جوان 2005 حيث تطرق عرضيا لمسألة الإثبات بالكتابة الإلكترونية في المادة 323 مكرر1، وبالتالي نستنتج أن المشرع الجزائري أبقى على القواعد الخاصة المتعلقة بالشكلية بالطرق التقليدية وبالتالي استبعاد الشكلية التي تقوم على الوسائل الإلكترونية الحديثة.
___________
1- تمييز حقوق، تجده في القاضي يوسف احمد النوافلة ، المرجع السابق ، ص 108
2- القاضي يوسف أحمد النوافلة، حجية المحررات الالكترونية في الاثبات في القانون الاردني ، دار وائل للنشر 2007 ص 109
3- د. ملزي عبد الرحمان، محاضرات ألقيت على طلبة النقية 17/-2007،2008
4- د عبد الرزاق أحان السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد الاثبات اثار الالتزام م 2 منشورات الحلبي الحقوقية بيروت لبنان ط 3 ، 2000، ص 420
5- القاضي يوسف النوافلة ، المرجع السابق ، ص 113.
6- د، عباس العبودي، الحجية القانونية لوسائل التقدم العلمي في الاثبات المدني دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع عمان 2002 ؟ص117.
7- د. عبد الرزاق احمد السنهوري، المرجع السابق ، ص 449 .
8- احمد المهدي الاثبات في التجارة الإلكترونية ، دار الكتب القانونية طبعة 2004 ، ص17
9- القاضي يوسف احمد النوافلة ، المرجع السابق ، ص 119.
10- نور الدين الناصري، أشار إليه عبد الباسط جمعي، اثبات التصرفات القانونية التي يتم ابرامها عن طريق الانترنيت ، دار النهضة العربية 2000 ص 67۔
11-د. عبد الفتاح بيومي الحجازي، التوقع الإلكتروني في النظم القانونية المقارنة، دار الفكر الجامعي، ص 346
12- بريد الجزائر أخ بهذا الأسلوب من خلال وضعه للشروط العامة لتشغيل بطاقة ccp و هذا ما أوردته المادة 7 منه و التسجيلات تشكل دليل العمليات المنجزة و مبرر اسنادها في الحساب التي تعمل فيه هذه البطاقة »
13- سعيد سيد قنديل، التوقيع الإلكتروني، ماهيته، صود، حجيته في العتبات بين التدويل و الاقتباس، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية 2004، ص58
14- V. Eric a caprioli la lois française sur la preuve et la signature électronique dans le perspective européenne, JCP la semaine juridique édition générale n°18, 03/05/2000, p787.
15- د. عارض راشد مرسي، مدى حجبة الوسائل التكنولوجية الحديثة في الاثبات العقود التجارية، ص 118 مشار إليه في كتاب البيع عبر شبكة الانترنت لمحمد حسن رفاعي العطار ص 207
16- محمد فواز المطالقة، الوجيز في عقود التجارة الالكترونية دراسة مقارنة دار الثقافة للنشر والتوزيع 2006 ، ص 248
17- طنجاوي مراد، النظام القانوني لعقود التجارة الإلكترونية، رسالة ماجستير، جامعة البليدة 2007 ، ص 51.
18- انظر الموقع :
http/www.al-jazira.com/diginag
19- الصالحين محمد ابو بكر العيش ، الشكلية في عقود الانترنيت والتجارة الالكترونية http / www.tasheaat.com
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|